في مشهدنا الوطني: هل غاب خطاب الاعتدال..؟
حمد بن عبدالله القاضي
***
محاور المحاضرة
** نبذ الاختلاف والتصنيف بخطاب ثقافي معتدل:
** الحوار وفق ثوابت الدين ووحدة الوطن:
** البعد عن النقاشات والقضايا الفكرية المكررة
** مناقشة القضايا دون التأثير على بعضها البعض:
** ضرورة الطرح الموضوعي للقضايا:
** تجسيد مبدأ الوسطية والإعتدال:
بسم الله الرحمن الرحيم
** نبذ الاختلاف والتصنيف بخطاب ثقافي معتدل:
* نحن في هذا الوقت بحاجة إلى خطاب ثقافي وكتابي لا تكون ، حمولته تحريضية أو تنابزية أو إقصائية لأي طرف استجابة أولاً لتعاليم الدين الذي دعا إلى العدل والحوار ومجادلة الرأي الآخر بالتي هي أحسن وانطلاقاً من توجيه قائد هذا الوطن الذي دعا إلى نبذ الاختلاف والتصنيف وإلى عدم توجه الحرف نحو تصفية الحسابات أو الاتهامات.
لكن مع الأسف بعض ما نقرؤه هذه الأيام لبعض الكُتاب يحمل إقصاء كل طرف للطرف الآخر.. بل وأحياناً استعداء واتهامات باطلة لمجرد أن رأي الطرف الآخر لا يتماهى ويتفق مع طرح الكاتب الذي يحمل توجهاً ضدياً ومسبقاً ضد الرأي المختلف.
***
** الحوار وفق ثوابت الدين ووحدة الوطن:
إننا نستطيع أن نتحاور مع المختلف وفق ثوابت الدين ووحدة الوطن دون أن يصم أحد الآخر بالظلامية وعدم الوطنية أو يشكك الطرف الآخر بعقيدة المحاور، أو انحلالـه.
إنه ما فشا في أمة الجدل إلا أورثها الشقاق – كما جاء في الأثر- .
لقد سئم المتلقي والمواطن في مشهدنا الوطني من طرح القضايا الصادمة واستمرار النقاش العقيم والممل حول بعض القضايا الفكرية، مطلوب التوجه نحو تداول قضايانا التنموية.. والتحديات التي تواجهنا وتقف أمام طموحاتنا ليكون هذا الوطن ضمن نادي العالم الأول.
***
** البعد عن النقاشات والقضايا الفكرية المكررة:
لقد ضاق المتلقي السعودي – أيها المنظرون – بتلك النقاشات أو بالأحرى((المهاوشات)) الفكرية المكررة حول قضايا مكررة هي آخر ما يهم السواد الأعظم من أبناء المجتمع رجالـه ونسائه.
لقد انشغلنا بقضايا مللنا منها عبر سجالات.. أغلبها شخصي، وبعضها تصفية حسابات بين طيف وطيف !، بل قد ملّ الناس من ذلك كما ملّ عندما كانت الصحافة منشغلـة بمعارك الشعر الحديث والشعر العامودي حتى مات هذا الحوار وأضحى لكل لون قراؤه وجمهوره.
إن السؤال الذي ينهض هنا: هل ليس لدينا سوى هذه القضايا ((الاجتماعية)) نعيد فيها ونزيد ، وبغض النظر عن أهمية بعضها فنحن لا نريد أن تطغى أو أن تقصي القضايا الأخرى وسأضرب مثلاً بقضيتين سئمنا من تكرار طرحهما: قضية قيادة المرأة للسيارة وهي مهمة وهي قادمة لكن لن تحسمها هذه السجالات بل المجتمع هو الذي يحسمها متى ما ارتضاها كما قال ولي أمر هذه الوطن ، فضلاً عن أن هناك قضايا أخرى للمرأة أهم حالياً مثل: سلب حقوقها، وحرمانها من رؤية أولادها وظلمها وبخاصة المطلقات والمهجورات والأرامل ومن في حكمهن إلخ.. ، وهذا ليس رأيي بوصفي رجلاً فهذه الكاتبة الناشطة والمدافعة عن حقوق المرأة أ / أمل زاهد مقال لها بصحيفة الوطن بتاريخ 13/7/1431هـ: ((إنه رغم دعمي لموضوع قيادة المرأة السعودية للسيارة، إلا أنني أرى أنها ليست القضية الأهم، فقضيتنا الأولى هي رفع الوصاية عنا والاعتراف بأهليتنا كاملة غير منقوصة، وبالحصول على هذا الحق نستطيع الحصول على حقوقنا الأخرى المنضوية تحته))، وهذه الكاتبة المعروفة جهير المساعد تقول في مقالها بصحيفة ((عكاظ)) في30/7/1431هـ : ((وفي رأيي الصريح أن آخر ما يفيد المرأة السعودية في حياتها هو قيادة السيارة لأنها تحتاج إلى الكثير من الإصلاحات الفورية قبل أن تفكر بالخروج إلى الشارع العام خلف المقود)) والقضية الثانية: هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لقد سئم المتلقون من تكرار الحديث حولها وعنها وعن إيجابياتها وسلبياتها وكأنه لا يوجد بالبلد سوى هذه المؤسسة. أنا لا أقول لا نطرح أو نناقش هذه القضايا لكن يجب ألا نجعل منها ((أمهات قضايانا)) وكأنها وحدها هي مفاتيح التنمية وحل مشاكلها العالقة.
***
** مناقشة القضايا دون التأثير على بعضها البعض:
إنه من الممكن أن تناقش هذه القضايا دون أن نؤثرها على غيرها أو نجعلها تتقاطع مع أي قضية أخرى ناهيكم عن أن لا يعلِّق عليها كل مشاكلنا حتى لو انهزم فريق كروي لقلنا إن السبب هو عدم قيادة المرأة أو أن المبرر هو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر !! حتى أن سمو الأمير الحكيم نايف بن عبدالعزيز استغرب من أن تتهم الهيئة بأي خطأ ولو لم يكن لها علاقة به، فعندما اجتمع بمسؤولي كرسي الحسبة واستشهد بحادثة احتراق إحدى المدارس بمكة المكرمة قال: ((حمّلت بعض الصحف الهيئة مسئولية إغلاق الأبواب ومنع رجال الإنقاذ من دخول المبنى ، بينما أثبتت التحقيقات بُعدهم عن الموقع)) – صحيفة المدينة شهر رجب 1431هـ – ، وأخيراً قضية
((زواج الصغيرات)) وهي مهمة لكنها صورت كأنها تحدث في كل بيت وكأنها خاصة في مجتمعنا بينما هي حالات محدودة وهي وإن كانت مؤلمة لكنها لا تشكل ظاهرة كما قال وزير العدل د/ محمد العيسى في محاضرته بالجامعة الإسلامية بتاريخ 20/11/1431هـ .
***
** ضرورة الطرح الموضوعي للقضايا:
إن علينا أن نقدر كل شأن بقدره وبما يستحق من الطرح الموضوعي وألا نجعل قضية واحدة وكأنها كل قضايانا بحيث تشغلنا عن كل قضايا الوطن مستقبله ومنجزه وأجياله وكافة أطيافه ، إننا لا نرتئي أن نكون كما قال شاعرنا العربي:
((ألهـى بني تغـلـب عـن كـل مـكـرمـة
قصيدة قالها عمرو بن كلثوم ))
الوطن لـه قضاياه التنموية الكبرى التي تستحق الطرح ولا يجوز اختزالها في تكرار طرح القضايا ذات الشأن الفكري أو الاجتماعي وفي جدال ربما يفضيإلى التفرقة وإلى ((احترابات هامشية)) كما قال الصديق د/ عبدالعزيز قاسم – في مقاله جميلة بصحيفة ((الوطن)).. حيث أشار إلى أن مثل هذه القضايا أخذتناعن كثير من قضايانا ذات البعد التنموي.
***
** تجسيد مبدأ الوسطية والإعتدال:
كم نحن بظمأ إلى تجسيد مبدأ ((الوسطية)) في كم خطابنا الحواري وكيفه.
إن الذي يجب أن يسود في هذا الوطن هو ((الوسطية والاعتدال)) في أعمالنا وأقوالنا.
لكن مع الأسف يكاد خطاب ((الوسطية)) أن يضيع في متاهات وأنفاق الجدال الذي يكرس تعميق الخلافات وزرع التيارات المتناقضة .
أذكر في الحوار الوطني الذي تم بالأحساء: حول ((واقعنا الثقافي واستشراف مستقبله)) أن أرتفع صوت إحدى الزميلات قائلـة: ((أين صوت الوسطية.. هل ضعنا نحن ((الوسطيين والوسطيات)) في ظل هذا التصادم بين تيارين متناقضين)) وقد صدقت.
أجل – مع الأسف – فإن الصوتين الصاخبين المتناقضين هما الأعلى صوتاً صخباً والأوفر حضوراً إعلامياً!.
إننا نريد أن يحضر بقوة صوت الاعتدال والوسطية في حواراتنا.. وفي أعمالنا.. وقد أدرك غياب صوت الاعتدال الأمير المثقف خالد الفيصل عندما قال بصحيفة ((عكاظ)) بتاريخ 22/5/1431هـ: ((أصوات التطرف مرتفعة سواء كان التطرف من اليمين أو من اليسار، والاعتدال للأسف الشديد ليس لـه صوت عال كما هو صوت التطرف)).
***
* وبعد :
إنني أخشى أن هذه التباينات أو بالأحرى الخلافات الفكرية في مشهدنا الاجتماعي أن تفرقنا ولا توحدنا بحيث تصل بنا – لا سمح الله – إلى أن تجعلنا أو تخلف في وطننا تيارات متقاطعة تشغل الناس بالجدال والشقاق بدلاً من أن تجعلهم يتجهون نحو بوصلة التنمية ومفاصلها ، ولننظر إلى من حولنا كيف شتتهم الخلافات الفكرية حول قضايا أوطانهم ، وكيف عطلت هذه الخلافات مسيرة التنمية لديهم.. بل إنها قادت في بعض الدول الشقيقة إلى الفرقة والنزاع والاحتراب.
مشهدنا لا يحتاج إلى المزيد من هذه التقاطعات الفكرية.. ولنتأمل مرات بماذا عادت تلك الخلافات الفكرية والكتابية على عديد من الدول القريبة والبعيدة..؟، إنها – مع الأسف – خلفت منها أحزاباً وتيارات متصارعة تكاد تضيع أوطانها.
حمى الله هذا الوطن من تداعيات الخلافات ومآلات الشقاقات!.