السفير الشبيلي “أسطورة الكرم” التي رأيناها..!
** لو لم نعش في الوقت الذي عاش فيه المرحوم السفير الشيخ محمد الحمد الشبيلي الذي غادر دنيانا وبكاه كل من عرفه أو زاره أو عمل معه -رحمه الله-.. لو لم نكن عاصرناه لما صدقنا تلك الروايات الأسطورية عن «كرمه» الذي يندر أن يوجد وبخاصة في زمن مادي يمسك الناس فيه أرصدتهم (الملياردية» خشية إملاق.
الشيخ محمد الشبيلي – رحمه الله – كان أسطورة بالكرم وكم تعطرت المجالس خلال حياته بفضل كرمه وبعد أن رحل عن دنيانا بعاطر سيرته.
***
سأذكر قصة واحدة فقط من «قصص كرمه» النادر.. لقد روى لي أحد الأخوة أن هناك أخوين سعوديين كانا في زيارة لـ«ماليزيا» إحدى الدول التي عمل فيها الشيخ الشبيلي سفيراً.. وكان – رحمه الله – ماراً في أحد شوارع «كوالالمبور» ب بسيارته، وفجأة طلب من السائق التوقف ثم نادى رجلين كانا بلباسهما الغربي (بدلة وقميص» وليس بـ «الثوب والغترة» وعندما اقتربا من سيارته نزل وسلم عليهما وعرّف بنفسه ودعاهما إلى منزله لتناول الغداء وبعد تمنع منهما وإلحاح منه وافقا.. وركبا معه وكانت معرفته لهما قد شكلت مفاجأة لهما، وحال ركوبهما بالسيارة سألاه: كيف عرفهما معاليه؟ فكان جوابه اللطيف أنه عرفهما من «كيَّة» كانت في رقبة أحدهما من الخلف مشيراً إلى أن هذه «بصمة سعودية» رحمه الله.
لقد ظللت أتأمل وأنا أتلقى خبر رحيله من هذه الدنيا.. رؤيته العجيبة للمال رغم أنه لم يكن ثرياً، لكن كان ينفق إنفاق أغنى الرجال، بل كان – رحمه الله – يقترض للاستمرار بالنهوض بـ «شيمة الكرم».. لقد عرف قيمة الحياة ورسالة المال، وأدرك أن المادة لا قيمة لها إذا لم تكن «مطراً» يسعد الآخرين ويبغي أجمل الذكر ويدخر الأجر بدلاً من أن يكون «أرقاماً» في «البنك» يرثه من بعده وقد لا يذكرون جامعه بين العالمين.. لكأن الشاعر عناه عندما قال:
«إذا جادت الدنيا عليك فجُد بها
على الناس طراً قبل أن تتفلت
فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت
ولا البخل يبقيها إذا هي ولت»
***
إذا أردت أن تعرف حقيقة: أنه لا يبقى من المال سوى الأحاديث والذكر فاقرأ وانظر في سيرة السفير الشيخ محمد الشبيلي الذي فقدته سلوكيات السفارة ومنظومة الشيم وسيرة المروءة والخير.
لقد جمع الراحل الشبيلي – رحمه الله – إلى مروءة السخاء بالمال والجاه السخاء بالكلمة الطيبة والحديث العذب.. لقد كان الهدف الأغلى في حياته هو إدخال الأنس على ضيوفه.. واستبقائهم لديه أياماً وساعات أخرى.
رحمه الله رحمة الأبرار، وأبقى ذكره العبق في الآخرين، ولقاه في الآخرة جنة نعيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* انتقل إلى رحمة الله عام 1409هـ.