🌱التباريح والقاضي وقرار الفصل!
1️⃣ 🌱مقال أبوعبدالرحمن ابن عقيل:
🌱قال أبو عبدالرحمن :منذ خمس سنوات وأنا أعاني أعباء القولون النكدة، وإنها إن شاء
الله لمن مكفِّرات الذنوب، فما أحوجني إليها منذ علا ثغرة الميلاد نقيع الشيب.
وتحملت أعباء القولون لكثرة همومي، فكثرة الهموم قدر من كثرت رعيته!.
🌱🌱🌱
ولكثرة مشاغلي، وكثرة المشاغل قدر طويلب علم يريد أن يعرف كل شيئ، ويريد أن يكتب عن كل ما
عرف!!.
فعندما أعجز عن تحمل مسؤوليتي العلمية يحدث لي تأزم نفسي، وأعباء قولون جسمية.
وكثيراً ما يتبع ذلك روائع أدبية تكتب بماء الدموع!.
فمرَّة تأزمتُ وأنا طالب بمعهد القضاء العالي فكتبت مقالة: “ليت للبراق عينا”!.
وأظنها نشرت بكتابي هكذا علمني ورد زورث.
وإلى الآن تغالطني نفسي بأنها من الشعر.. الشعر المنثور، وليس الشعر المبعور (بعر الكبش)!.
وتأزمت مرة من أغيلمة الصحافة وخشيت أن يقال عني: السيف أمضى من العصا!!.. فطلقت الصحافة،
وكتبت “آن له أن يعجم”.
🌱🌱🌱
وتبارى فنانو الحرف يتجاوبون مع هذا الشعر المنثور كمعالي الدكتور القصيبي، ومعالي الأستاذ الرفاعي.
وليس هذا فحسب، بل سمعت أخي الدكتور علي النجعي يلقي كلمتي في أحد برامج السهرة الإذاعية
بصوت متهدج ونفس مكلوم.
إلا أن قراريَّ الجريئين “ليت للبراق عيناً” و”آن له أن يعجم” لم يصدرا إلا بعد مخايرة وعناء.
🌱🌱🌱
وهما كقرار الفصل الذي أرسله إليَّ أخي الأستاذ أبو عبدالله حمد القاضي بخط يده
هو قرار بفصلي من المجلة العربية وتجميد تباريحي!!.
وإذا كانت نبرة الأستاذ في قرار الفصل باكية فإن تعليلاته كانت لتبريد بعض الأسى.
🌱🌱🌱
فقد استعان بالله وتجرَّأ على إصدار القرار – كما تجرَّأتُ في قراريّ – بمسوغات منها:
أن المجلة تعبت من متابعتي لكي تلتزم بزاويتي.
ومنها أن أستاذ الجيل حمد الجاسر غطى ذكرياته بعشرات الحلقات، ولم تكن لي به أسوة حسنة
فيا ابن القضاة، ويا ابن أثقل أمة على الدجال: لو نويت هجري لكان الأمر أسهل، لأنني حينئذ لا أعرف
نيتك فأقول: لعل له عذراً وأنت تلوم!!.
🌱🌱🌱
أما أن تصدر بهجري قراراً: فتلك أول مغامرة وجدانية ترتكبها يا أبا عبدالله، ويحفل بها أدب العواطف.
وإياك إياك يا ابن القضاة أن تتّكل على موروث الثقافة الأدبية فتقول: دم المحب مطلول!!.
فلقد حظيت هذه الأيام بشعر يحلف بأن دم المحب لا يطل.. كتبته وسمعته بترنم يثب بالقلوب لناصر بن علي السهلي يقول:
قبل التفرق وقبل الروح تنسلِـــي
وأموت من سبتك وارث لك طلابة
إنني أخاف عليك يا أبا عبدالله أكثر من مطالبة!.
سيقول لك مثلاً قلبك حينما تفقد التباريح:
لــو كـان لـي قلبـان عشـت بـواحد
وتـركـت قـلبـاً فـي هـواك يـعـذب
🌱🌱🌱
سيقول لك مثلاً معالي الوالد الدكتور الخويطر: هدع هدع يا ابن القضاة.. أترانا نصبر عن تباريح تصور
همومنا، وتبدي ما شغلتنا أعباء الدولة عن صهرجة قنواته!!.
قال أبو عبدالرحمن: على أنني كتبت ذلك أيام كان معاليه في كسل قلمي إلا ما جمعه من كتاباته بتوقيع
حاطب ليل، أو عن بيبرس وما حوله.
🌱🌱🌱
أما الآن فقد أعطى القلم مسؤوليته العلمية صحافة وتأليفاً.
سيقول لك مثلاً شاد من النيل – وأنت تعلم كثرة الرسائل التي تصل إليَّ بواسطتك:-
واذكـــروا صبــّـا إذا غـنَــى بـكـــم
شـرب الـدمـع وعـاف الـقـدحــــا
ألا ما أقساك أيها الهاجر، وإنما يمنعني من جلدك بقافية عصماء غاضبة قول أبي تمام:
أمــا الـمـعـانـي فـهـي أبــكــــار إذا
نـصـت ولـكـــن الـقـوافـي عــون
ثم بربك أيها القاضي هل سمعت تالياً لتباريحي يقول: إلهي زيدت الأرض ثانية!!
🌱🌱🌱
وأقلقتني يا أبا عبدالله عندما عيّرتني تلميحاً بالعجز عن مواكبة شيخي ووالدي ومستودع البر بي حمد
الجاسر!!
فهل تريد من يافع ينحت من صخر كمعمم يغرف من بحر!!.
إن شيخي حمد الجاسر رجل محسَّد جاب أجزاء المعمورة شرقاً وغرباً، ولقي الأحمر والأسود، وشافه
عادات الشعوب وثقافاتها، ونقب في خزانات العالم.
وعايش تاريخ صقر الجزيرة العربية الملك عبدالعزيز رحمه الله، وترحل في البوادي إماما وقاضياً
ومدرساً ومتاجراً ببضاعة تسد الرمق، وأنجاه الله من سرية عزيز الدويش التي لم ينج منها سوى
إبراهيم بن عرفج رحمه الله على فرسه.
وعندي أحدية من أحد مشايخ البادية يداعبه.
وكان عقلاً واعياً، وعيناً بصيرة لماحة، وأذناً حافظة عندما كان العبقري من أدباء جيله من يقول نظماً، أو
يشعر بالهجيني والسامر!!
وعندما كنت ألعب بالكعاب، وأمسح العرنين بالردن كان الشيخ في دور من يجتر من غاربه فيستذكر
محفوظه.
فأنَي – ثم أنى- أن يكون متحي كبحره، وغرفتي كغربه!!.
فهذه واحدة فأحفظها عني.
ثم إن الشيخ قليل الرعية إلا من محبيه، وأنا كثير الرعية إلا من المعاون.
وقد أسلفت لكم أعباء من كثرت رعيته!!.
🌱🌱🌱
وإذا عاتبتك فإنني أُعتبك بأن التأزم العلمي، وهموم الرعية، والنكد القولوني.. كل ذلك أقعدني عن دروسي بالمسجد والبيت وأجَّلت ذلك إلى عام قابل.
وأقعدني كل ذلك عن تدريسي بمعهد الإدارة العامة
وأقعدني كل ذلك عن تدريسي بجامعة الملك سعود.
وأقعدني كل ذلك عن برنامجي الإذاعي تفسير التفاسير فأجلت ذلك إلى عام قابل.
وهممت بأن أتقاعد من عملي الرسمي بوزارة الشؤون البلدية والقروية فلقيت كريم العطف والبر من رجل العلم والعمل والصمت معالي الوزير الأستاذ إبراهيم العنقري.
وتفرغت لأعمال تأليفية كلفت بها من فضلاء أجلاء فمنحتها ما بقي من صحتي وراحتي، وأعطيتها حقها
بإذن الله، وإنها على وشك الظهور دفعة واحدة.
🌱🌱🌱
وغالبت نفسي على الوفاء لجريدة الجزيرة بيومية، وللمجلة العربية بتبريحة.
وإنما تأخرت التبريحة هذا الأسبوع فأقمت الدنيا وأقعدتها يا أبا عبدالله، ولم تدر أنني مشغول مع ابني أبي
الوفاء علي بن محمد بن عقيل وقد أجريت له عملية في المثانة على إثر عملية في الرأس من حمى
شوكية.
ولم تدر أن ابني أبا محمد عبدالوهاب بن محمد رُوِّع بصدمة طفل طائش حطم أربع سيارات، وسلم الابن
من جروحه وبقيت الروعة في ركبي وجوانحي.
ويشهد على ذلك الأستاذ محمد العوين وأظنه ابن بطوطة.
🌱🌱🌱
وعلى أي حال فإنني آذن لك يا أبا عبدالله بما اقترحته من إيقاف التباريح والاعتذار للقراء.. ولكن لعام
واحد فقط لأنني غير قادر على الالتزام خلال هذا العام.
وما بعد العام فالزاوية ملكي فقد أحييتها إحياء شرعيِّا، وعرف القاصي والداني حدودها وأبعادها، والله
المستعان.