محاضرة الملك عبدالعزيز..ووحدة المحبة والإيثار
حمد بن عبدالله القاضي
محاضرة
الملك عبدالعزيز .. ووحدة المحبة والإيثار
***
حمد بن عبدالله القاضي
أمين عام مجلس أمناء مؤسسة الشيخ حمد الجاسر الثقافية
عضو مجلس الشورى السابق
***
بسم الله الرحمن الرحيم
** الذين يقرأون التاريخ..
هؤلاء وحدهم لا تسكن “الحيرة” نفوسهم، ولا يستوطن العجب قلوبهم وهم يرون هذه “الوحدة” التي صنعها المغفور له “عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن سعود” ولن أستعرض خططه العسكرية، أو رؤيته العميقة للأمور.. لكنني سأتوقف عند مقطع من تلك الرسالة التي وجهها الملك عبدالعزيز لأبناء شعبه عندما بدأ التنقيب عن البترول.. هذه الرسالة التي نشرها الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري، ولقد استوقفني هذا المقطع حيث كشف واحدا من أسرار “الوحدة” التي صنعها عبدالعزيز.. ذلك السر هو عظمة ذلك “الحب” الذي يسكن قلب عبدالعزيز نحو أبناء وطنه، والذي كان – بعد الله – واحداً من أهم أسباب انتصارات عبدالعزيز الوحدوية.. كان حباً نادراً فيه الكثير من الإيثار والأكثر من الصدق.. كان يخاطب مواطنيه بهذه الرسالة خطاب الأخ والناصح الأمين، الذي يريد لهم الخير، عزّ عليه ألا يساهموا ويستفيدوا من خيرات بلادهم، ودعوني قبل أن أسترسل بالتعليق أقدم نص المقطع الذي ورد في رسالة الملك عبدالعزيز لمواطنيه: “أحب أنكم تجتمعون وتأخذون من هذه الأسهم كلّ على قدر رغبته، فإذا عرفتم مقدار رغبة الواحد منكم سوى أن يأخذ سهما أو عشرة أو عشرين أو مئة.
وإذا اجتمع المجموع عندكم وعرفتموه فأرسلوه لمن تعتمدون عليه في البحرين، وعرفوه يراجع وكيلنا القصيبي ويروح معه إلى وكيل الشركة ويسلمون له المبلغ ويأخذون منه أوراق أسهم بمقدار المتسلم كل سهم عن جنيه واحد، ولكن أحرصوا على هذا الأمر لا يفوتكم، تراه ما يحصل لكن فيما بعد، لا تخلوا المصلحة تروح لغيركم، بادرونا بالجواب عن مقدار ما يجتمع عندكم من الجماعة حتى نكون على معلوم عما عرفناكم، أرسلوه لمن تحبون من أهل نجد في البحرين يدفعه لوكيل الشركة ويأخذ لكم من أسهمها ليرسلها إليكم، وأنتم تدرون أن لنا أصحابا من العرب، وكل منهم يطلب منا أن نعطيه من هذه الأسهم، ولا جاوبنا أحدا عن ذلك كله، نحن نحب أنها تكون بيد الرعية ومصلحتها لهم، وننتظر ردكم لمعرفة مقدار الذي تأخذون حتى نكون على معلومية من ذلك، ولكن بادرونا بالجواب حيث أن الوقت ضيق والعمل قريباً إن شاء الله يبتدئ. هذا ما لزم تعريفه والسلام”.
هذا هو المقطع الذي تضمن هذه العبارة الصادقة والمضيئة البسيطة: “نحن نحب أنها تكون بيد الرعية ومصلحتها لهم” يرحمك الله يا عبدالعزبز بقدر ما صدقت ما عاهدت الله ثم أبناء وطنك عليه.
***
** ها الملك عبدالعزيز تحقق لهم وحدة الأرض واتحاد القلوب والأمن في الصحاري بل.. وحباً بحب.. وعطاء أيضا سعي إلي تنمية الوطن وزيادة دخل المواطن فبادلوه وفاء بوفاء وعطاء بعطاء.
ما أكثر “العبر” في تاريخ هذه الجزيرة.. وفي تاريخ أنصع وحدة عاشها العصر الحديث من وحدة قامت أسسها على التقوى.. وحققت رايتها في فضاء من المحبة.. واستمر عطاؤها بحوافز الإخلاص، ودوافع الالتحام.
ان علينا أن نحمد الله على ما نعيشه من آثار هذه “الوحدة” أمنا ورخاء واستقرارا ونماء.. وتستحق وحدتنا ان تقدم تجربة سعودية نادرة أمام هذا العالم الذي تمزقه حروب الانقسام، وحراب الخوف.
إن وحدتنا الوطنية بحاجة إلى أن ندرس أبعادها ومراميها لأجيالنا لنقل لهم: إن ما نعيشه من أمن وافر ورخاء شامل، إنما هو – بفضل الله – ثم بفضل هذه الوحدة الوطنية.. وان صانع هذه الوحدة الوطنية هو الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن عاش عمره مجاهداً من اجل توحيد هذا الوطن وتوحد أبنائه.
***
** عنوانا للتسامح والعفو كما أشرت سابقا لكنه لا يقبل أن يخطئ أي أحد في أمر من أمور الدنيا وقد يتغاضي عن خطأه، لكن الخطأ الذي لا يسمح به ان يخطئ في أمر من أمور الدين.
ولقد روى المؤرخ عبدالعزيز بن محمد الأحيدب في كتابه “من حياة الملك عبدالعزيز” أن جلالته في إحدى زياراته للخرج في أواخر عام 1363هـ دخل عليه شاعر وفي يده قصيدة استأذنه في إلقائها، وابتدأ بمطلعها: “أنت آمالنا وفيك الرجاء” فصاح الملك، وطلب منه أن يتوقف عن إلقاء القصيدة، ولمح جلالته في المجلس الشيخ حمد الجاسر، فقال جلالته : خذه علّمه التوحيد يا أبن جاسر.
***
إننا نرى الكثير من البلدان ينهار بنيانها وتتمزق وحدتها لأنها لم تبن على أساس الإيمان العميق، الولاء الصادق بين القادة وأبناء الوطن.
أجل..
إن وحدة هذا الوطن
هي وحدة الوفاء
ووحدة الإيثار
أما الوفاء للأرض والإنسان فقد تجلى بتلك التضحيات الكبرى الذي بذلها الملك عبدالعزيز ورجاله الأوفياء حتى جعلوا هذا الوطن “ملحمة” نفخر بها. وأصبحت هذه الصحراء كما قال الشاعر النبطي “زينها للعرب قامت تمارى به”.
أما وحدة الإيثار
فلقد آثر الملك عبدالعزيز ورجاله تعب الجهاد على راحة العيش فكانت “الثمرة” هذه “الوحدة” التي ننعم بظلها، ونتنعم بأمنها، ونتفيأ ظلال تنميتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*)كاتب سعودي وعضو مجلس الشورى السابق