logo

Select Sidearea

Populate the sidearea with useful widgets. It’s simple to add images, categories, latest post, social media icon links, tag clouds, and more.
hello@youremail.com
+1234567890

أمي لغتي

أمي لغتي

 

يقال أنه لم يكن في اللغة الآفارية في الماضي، الماضي البعيد جداً، سوى عدد قليل جداًمن الكلمات. فمفاهيم كالحرية، والحياة، والشجاعة، والصداقة والخير كان يعبر عنهابكلمة واحدة أو بكلمات متشابهة جداً من حيث لفظها ومعناها.

ليقل الآخرون إن لغة شعبنا فقيرة. أما أنا فأستطيع أن أقول بلغتي كل ما أريده، ولستبحاجة إلى لغة أخرى كي أعبر عن أفكاري ومشاعري.

🌱🌱🌱

لغات الشعوب بالنسبة لي، كالنجوم في السماء. أنا لا أود أن تذوب النجوم كلها في نجمواحد ضخم يغطي نصف السماء . الشمس كفيلة بذلك. لكن لندع النجوم تتلألأ هيالأخرى، ولتكن لكل إنسان نجمة.  أنا أحب نجمي- لغتي الآفارية الأم. وأنا أصدقالجيولوجيين الذين يقولون أنه يوجد في الجبل الصغير ذهب كثير.

إحدى النساء صبّت على رأس امرأة أخرى هذه اللعنة:  ليحرم الله أولادك اللغة التي تتكلمبها أمهم.

من دفتر المذكرات : التقيت في باريس ذات مرة برسام داغستاني كان قد غادر البلد إلىروما للدراسة وهناك تزوج إيطالية، ولم يعد إلى بلده. الداغستاني الذي اعتاد قوانينالجبال يصعب عليه أن يألف وطنه الجديد. أخذ صاحبنا تارة يهيم في أرجاء الدنيا ويحطالرحال في العواصم المتألقة تارة أخرى، لكنه كان يحمل حنينه وشوقه حيثما ارتحل…حينعدت من باريس بحثت عن أقارب الفنان .. ولدهشتي تبين أن أمه ما زالت على قيد الحياة. وبحزن أصغى أقاربه الذين اجتمعوا في البيت إلى حديثي عن ابنهم الذي ترك وطنهواستبدل به أرضاً غريبة لكنهم كما يبدو كأنما غفروا له, كانوا مسرورين لأن ابنهم حيّ معهذا.

وفجأة سألتني أمه :

هل تحدثتما بالآفارية؟

كلا. تحدثنا بوساطة مترجم. كنت أنا أتكلم بالروسية، وابنك بالفرنسية.

غطت الأم وجهها بطرحة سوداء كما تفعل النساء حين يسمعن بموت ابنهن.

وبعد صمت طويل قالت أمه :

أنت مخطئ، يا رسول. لقد مات ابني منذ زمن بعيد. هذا لم يكن ابني. فابني لم يكنليستطيع أن ينسى اللغة التي علمته إياها، أنا أمه الآفارية.

🌱🌱🌱

أسال الله أن لا يحرمني لغتي، لأني أريد أن أكتب في شكل تكون فيه أشعاري، وكتابي هذا،وكل ما سوف أكتبه، غالياً ومفهوماً بالنسبة لأمي ولأختي ولكل جبلي، ولكل إنسان يقعكتابي بين يديه. لا أريد أن أبعث فيهم الضجر، بل أن أحمل إليهم الفرح.  فإذا فسدت لغتيوأصبحت باردة، غير مفهومة ومملة، وباختصار، إذا فسدت لغتي الأم فسيكون هذابالنسبة لي أفظع شيء في حياتي.

إيه يا لغتي الآفارية، أيتها اللغة الأم! أنت ثروتي كنزي المحفوظ ليومي الأسود، ودوائيفي كل العلل…أنت التي قدتني كالطفل من يدي، وأخرجتني من قريتي إلى العالم الكبير،إلى الناس، وها أنا ذا أتحدث إليهم عن أرضي.

🌱🌱🌱

أنا أعرف أن بعض أصدقائي غادروا قراهم وذهبوا يعيشون في المدن الكبيرة. وهذا ليسبالمصيبة الكبيرة…ولكن أي موقف سيكون لي من بعض أصدقائي الذين يعيشون في المدنالكبيرة ويكتبون الآن بلغة أخرى؟ الشأن شأنهم بالطبع، وليس بودّي أن أعظهم. لكنهم، معهذا يشبهون من يحاول أن يمسك بطيختين بيد واحدة.  لقد تحدثت إلى هؤلاء المساكين،ووجدت أن اللغة التي يكتبون بها الآن لم تعد الآفارية…إنها تذكرني بغابة يعبث بهاحاطبون بلداء.

أجل، رأيت أمثال هؤلاء الناس، لغتهم الأم بالنسبة لهم لغة صغيرة وفقيرة، فراحوا يبحثونلأنفسهم عن لغة أخرى، غنية وكبيرة.  فكان أمرهم ما كان  من أمر الجدي في الأسطورةالآفارية – ذهب الجدي إلى الغابة لينمو له ذنب ذئب، فعاد حتى بدون قرنين.  أو أنهميشبهون الوزة، إنها تعرف الغطس والسباحة، ولكن ليس كالسمكة، وتعرف  الطيران قليلاًولكن ليس كالطيور، بل تعرف الغناء قليلاً ولكن ليس كالشحرور، إنها لا تعرف أن تفعلشيئاً كما يجب .

🌱🌱🌱

اللغة تتغير بالطبع، لن أماري في هذا، وأوراق الشجرة أيضاً تتبدل كل عام: بعضها يسقطوبعضها ينمو مكانها. لكن الشجرة ذاتها تبقى وتصبح مع كل عام جديد أزهى و أورفوأقوى، وعليها تنمو في آخر الأمر الثمار.

قد تشفى بعضهم لغة أخرى،

لكني لا أستطيع أن أغني بها،

وإذا كانت لغتي ستضمحل غداً،

فأنا مستعد أن أموت اليوم.

أنا أخشى دوماً عليها،

ليقولوا إن لغتي فقيرة،

وإنها لا تسمع من منبر الأمم المتحدة،

لكنها عظيمة بالنسبة لي وعزيزة.

🌱🌱🌱

يجب أن نحافظ على لغتنا محافظتنا على تراب وطننا…حين يموت الوالد، يورث أبناءهبيتاً، حقلاً، سيفاً، مزماراً. لكن الجيل، حين يذهب، يورث غيره من الأجيال التالية اللغة. منعنده لغة بوسعه أن يبني بيتاً ويحرث حقلاً ، ويصنع سيفاً أو مزماراً ويعزف عليه.

إيه، لغتي الأم ! لا أدري إن كنت راضية عني، إنما أنا أعيش بك، و بك أعتز. وكما يندفع ماءالينبوع من الأعماق المعتمة إلى النور حيث الخضرة، كذلك كلمات لغتنا الأم تتدافع منقلبي إلى لساني، لتهمسك شفتاي وأنصت إلى همسي أنا، أنصت إليك، يا لغتي، فيبدولي أن نهراً جبلياً يهدر في مضيق شاقاً طريقه. أحب هدير الماء وأحب رنين الفولاذالدمشقي حين يلتقي خنجران استلا من غمديهما. كل هذا موجود في لغتي. كما أحبأيضاً همسات الحب.

من الصعب علي، يا لغتي الأم، أن أجعل كل الناس يعرفونك، ما أغنى أصواتك، وما أكثرهذه الأصوات، وكم يصعب على غير الآفاري أن يتعلم لفظها، لكن ما أعذب لفظها حينيتقنه المرء! خذ على سبيل المثال هذا العد البسيط حتى العشرة : تو، كييفو، ليابغو،يونكفوا، شوفو، ميكفو، ايتشيفو، انتسيفوا.  حين ألتقي بإنسان يستطيع أن يعد حتىالعشرة بشكل صحيح باللغة الآفارية، فهذا العد يشبه الرجولة اللازمة لإنسان كي يقطعنهراً فائضاً من الضفة إلى الضفة وهو يحمل صخرة عظيمة على كتفيه. إذا كنت تستطيعأن تعد حتى العشرة بشكل صحيح، تستطيع كل ماعدا ذلك. تستطيع أن تسبح. فتقدمبجرأة.

🌱🌱🌱

نحن في الواقع ننظر بحزن وباستنكار إلى الأطفال الذين لا يعرفون لغة أهلهم، وهؤلاءالأولاد لا يلبثون أن يلوموا والديهم لأنهم لم يعلموهم لغتهم. يا لهم من أناس يستحقونالرثاء.

وفي الواقع ها نحن أولاء نجلس أمامكم. ها هي ذي أشعارنا، قصصنا، رواياتنا، كتبنا. هاهي ذي صحفنا ومجلاتنا. أنها تصدر بلغات مختلفة. ويصدر منها مع كل عام أعدادمتزايدة. البلد العظيم لم يرفض لغاتنا، بل أعلنت شرعيتها وثبتتها فتلألأت كالنجوم. “والنجم يتحدث إلى النجم ” نحن نرى الآخرين، ويرانا الآخرون. ولو لم يكن هذا، لما سمعتمأنتم أيضاً عنا شيئاً، ولما اهتممتم بنا، لما كان هذا اللقاء.

No Comments

Sorry, the comment form is closed at this time.