مكة: يُعاد حديثها فيزيد حسناً!!
ل د: بكري عساس/مكة المكرمة
مكة المكرمة أطهر بقعة، وأشرف مكان على وجه البسيطة، كيف لا؟ وفيها أول بيت وضع للناس، ونالت شرف الانتساب لله؛ في قوله تعالى: (وطهر بيتي للطائفين …)، وهى مدينة الركن الخامس من أركان الإسلام؛ في قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت)، ومنها خرج المصطفى صلى الله عليه وسلم خيرة خلق الله، ومن ربوعها أشرق نور دين الله، وفوق بقاعها نزلت آيات الله، وإليها يتوجه المسلمون أينما كانوا، وحيثما حلًوا، فلا تكاد تمر لحظة مهما تجزًأت ودقًت إلا والعيون إليها طامحة، والوجوه إليها ناظرة، والرقاب إليها مشرئبه، والنفوس إليها ظامئة، والقلوب إليها والهة. إنها البيت الحرام، قبلة القلوب والأرواح، حيث أبواب السماء مفتوحة تحملق فيها الأنظار ترجو رحمة من الله ورضواناً.
إن الحديث عن مكة كما قال الشاعر:
يُعاد حديثها فيزيد حسناً ::: وقد يُستقبحُ الشيءُ المعادُ
حديث مكة حديث ذو شجون، أشجى أفئدتنا ومسامعنا منذ تلك الآهة التي صدعت قلب مضاض بن عمرو الجرهمي وهى من احدى قصائده في الحنين إلى مكة التي كانت تسكنها قبيلته جُرهم قبل أن تطردهم قبيلة خزاعة منها:
وقاتلةً والدمع سَكْبٌ مبادر ::: وقد شرقت بالدمع منها المحاجرُ
وتبكي لبيتٍ ليس يؤذى حمامه ::: يظل به أمنا، وفيه العصافرُ
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ::: أنيسٌ ولم يسمر بمكةَ سامرُ
وحديث السامر عن مكة يبدأ من نشأتها الأولى ، متصل الحلقات، عابراً للعصور والأزمان، من عصر إلى عصر، ليحطَّ ركابه في أرض زماننا محملاً بكل ألوان الطيف . حديث عن شؤون وشجون مكة! وما أدراك ما مكة! هذه المدينة المقدسة التي تقص علينا حكاية البشرية من لدن آدم عليه السلام وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فما تكتنزه هذه المدينة العريقة يجعلها كتاباً مفتوحاً من الأحداث المسترسلة التي تحكي التاريخ وتروي حديث المكانِ وثقافته النابضة بمعارفِ قاطنيه وقيمهم وأخلاقهم ومكارمهم وإبداعهم في رسم الجمال، بدءاً برفع قواعد البيتِ ونزول الرحمات التي جعلت منها بلداً آمناً تُجبى إليه الثمرات، وليس انتهاءً بنور الإسلام الذي أضاء الكون كله بالبهاء والعطاء.