🌿د. غــازي الـقـصـيـبي: إنساناً وإدارياً ومثقفاً ووطنياً🌿
حمد بن عبدالله القاضي
محاضرة:
🌿د. غــازي الـقـصـيـبي: إنساناً وإدارياً ومثقفاً ووطنياً🌿
***
حمد بن عبدالله القاضي
عضو مجلس الشورى السابق
أمين عام مجلس أمناء مؤسسة الشيخ حمد الجاسر الثقافية
محاور المحاضرة
🌱إضـــاءة:
🌱نظرته للحياة:
🌱إنسانية القصيبي:
🌱تأسيس جمعية الأطفال المعاقين:
🌱فراق الأم وأنطفاء فرحة العودة:
🌱ملامح إنسانيته بالعمل الإداري:
🌱منهجة في الإدارة:
🌱الجانب الثقافي وخطابه التسامحي:
🌱الوطن والطفولة في شعره:
🌱الغربة والصحراء والإنسان ! :
🌱إدارته والحوافز وقصة الشفاعة:
🌱معترك الكهرباء: إدارة وشعرا:
🌱الشعر الكهربائي بين ابن خميس والقصيبي:
🌱محطة العمل والهم الذي حمله:
🌱الملمح الإنساني في عمله الإداري:
🌱المرأة المعشوقة والوطن الأبهى:
🌱الطرفة بحياته وشعره:
🌱ما الذي بقي من غازي القصيبي؟:
بسم الله الرحمن الرحيم
🌿إضـــاءة:
لم أحتر في حديثي كما احترت وأنا أرغب الكتابة عن د/ غازي القصيبي –رحمه الله–، لقد تساءلت في نفسي: عماذا أكتب وماذا أدع، فبعض الرجال تحتار عندما تريد أن تتحدث عنه لوفرة جوانب حياته وعطائه – كما يقول الأديب أحمد حسن الزيات.
من هنا سكنتني الحيرة لكن إلا أن الجانب الإنساني في حياته هو ((مفتاح شخصية الراحل))، وبوصف هذا الجانب لم يكن الراحل يحب التطرق إليه حديثاً أو تأليفاً أو إعلاناً.
ولكن لابد أن أقف وقفات سريعة عند جل جوانبه الأخرى الإدارية والثقافية والوطنية حيث لا أستطيع أن أغفل هذه الجوانب ولا أتناولها فالراحل د. غازي القصيبي – رحمه الله: هويته عشق الوطن، ومفتاح شخصيته: الرحمة بالإنسان.
ولم يكن ذلك عنده تنظيراً فلسفياً أو تعبيراً شعرياً بل إنه ترجم ذلك: إنجازاً للوطن واحتفاء بالإنسان!.
لو شققنا قلب غازي القصيبي لوجدنا الشق الأول يسكنه: حب الوطن، والشق الثاني يستوطنه نبع الرحمة !.
في آخر قصيدة له – رحمه الله ((حديقة الغروب)) أبدع فيها في بيت وداعي أخاذ مبلوراً وفاءه لوطنه حتى رحيله:
يا بلاداً نذرت العمر زهرته
لعزها دمت إني حان إبحاري
تلك هي هويته الوطنية والرائع أنه أحال هذا الحب إلى إنجاز للوطن وإنسانه.. لم يكن حبه للوطن تغنياً به فقط بل صيّره إلى إغناء له بالعطاء.
وقد صدق – رحمه الله – فكل دقيقة في وقته قضاها من أجل هذا الوطن الأغلى: كباره وصغاره شبابه ورجاله وأطفاله ونسائه.
إضافة إلى عبقريته الإدارية وموسوعيته المعرفية والثقافية التي يتغنى بها محبيه من إبناء الوطن الأغلى.
🌿نظرته للحياة:
رغم ما في بعض قصائده من شجن إلا أنه ينظر للحياة من منظور جميل فإذا كان البعض يأسى على انصرام الأعوام وسرعة الأيام فأن له هنا فلسفة عذبة تفيض أملا وتشى تفاؤلا: فهو يقول في بيت عذب:
“تمضي السنون بروقا إن حوت فرحا
ويزحف اليوم دهرا إن طوى قلقا”
وقد صدق
🌿إنسانية القصيبي:
لم يرد د. غازي القصيبي أن يعرف أحداً ذلك الجانب من حياته، بل كان يمنع من يريد أن ينشر شيئا عن ذلك حسبة لله.
🌱أما ((المنحى الإنساني)) فقد عبر عنه عندما قال في إحدى قصائده وكان في منتهى الشفافية:
وإن سهرت مقلة بالظلام
رأيت من المروءة أن أسهرا
وأذكر أنني عندما تولي – رحمه الله – وزارة الصحة كتبت مقالة قلت له فيها: إن الذي نزف هذا البيت من وجدانه هو الجدير بهذه الوزارة، فالرحمة أهم مطلب لمن يتولى وزارة تعنى بالمرضى الذين هم أظمأ ما يكونون إلى الرحمة والعطف ولمسات الإشفاق وإحساس الإنسان!.
أروي هنا قصتين:
🌱 أ/ قصة د. حمد الماجد رئيس المركز الإسلامي بلندن والجائزة التي فاز بها وتبرعه بقيمتها للمركز ورفض الإعلان عن ذلك كما روى لي الماجد
🌱 ب/ قصة إمام جامع المزروعية بالإحساء، كتب له عن ترميم هذا الجامع فأرسل له 30 ألف ريال وطلب من الإمام أن يكون الأمر بينهما كما روى لي إمام المسجد بعد اتصاله بي إثر لقاء تلفزيوني عنه بذكرى رحيله الرابعة في MBC
المواقف كثيرة منها؛
أ/ قصة بكائه عندما زار مستشفى الأطفال بالمدينة المنورة عندما رأى بعض الأطفال منومين ”بأسياب” المستشفى لنقص الغرف ولَم يغادر المدينة حتى حل هذه المشكلة.
ب/ موقف إنساني آخر مع تلك المرأة المطلقة التي حرمها زوجها من رؤية أطفالها والنفقة عليهم وطلب مني صديق أن أنقل معاناتها لـ غازي وخاصة أن زوج هذه المرأة معجب به ولما اتصلت به تأثر كثيرا وقال سأتصل بك مساءً لأحدد موعد لزيارة زوجها مع صديقه الذي نقل لك المعاناة وفعلا ذهب لهذا الزوج في بيته بأحد أحياء الرياض الشعبية وفوجئ الرجل به واستجاب لإقناعه وذهب بأطفاله إلى مطلقته في تلك الليلة التي لم ترهم منذ اكثر من 6 أشهر وكان الموقف مؤثرا.
🌿تأسيس جمعية الأطفال المعاقين:
آتي إلى جانب مهم من أعماله الإنسانية الباقية، ذلك إنه كان – رحمه الله – وراءه فكرة وتأسيساً.. ذلكم هو ((جمعية الأطفال المعوقين)) التي بدأت بالرياض وانتشرت فروعها وأغصانها المورقة بالمملكة ترعى وتحنو على هذه الفئات الغالية وسار على نهجه آخرون في مناطق المملكة في اقتفاء جميل لهذا العمل.
وهاهم ((ذوو القدرات الخاصة)) ينعمون بخدمات ورعاية مميزة.
المواقف كثيرة والحديث طويل عن إنسانيته ولعل قصة ترك مكتبه لعمل إنساني هي الأبهى وقصة سعيه لعلاج زوجة موظف لديه..، وقصة المستخدم الذي دعاه واحتفى به كوزير.
🌿فراق الأم وأنطفاء فرحة العودة:
د/ غازي القصيبي اغترب كثيراً سواء خلال سنوات دراسته بعد أن حصل على الشهادة الثانوية حتى عاد إلى وطنه يحمل شهادة الدكتوراه ثم – لاحقاً– عندما اغترب لخدمة هذا الوطن سفيراً على مدى سنوات طويلة.
وفي إحدى قصائده التي قالها عندما عاد إلى وطنه، وقد كانت أمه غادرت الدنيا.. فظل يبحث عنها في ((الدار)) يفتش عن عبقها وابتهال دعائها ودفقات حنانها، فكانت قصيدته ((أماه)) التي امتزجت فيها لوعة الفقد بفرحة العودة: التي أطفأها غياب نبع حبه:
اليوم عدتُ فما وجدتك
ما خففت إلى ندائك
والبيت مثل الأمس
لولا الفجر يسأل عن سمائك
لولا الأسى طيرا يعشش
في الستائر والأرائك
لولا الصغار على سريرك
يعجبون من اختفائك
رمضان يا أماه أغبرُ
توضأ من إنائك
ظمآن يجتر الظما
ظمآن يحلم بارتوائك
وصباحه قلبٌ تحجر
حين أقفر من دعائك
ومساؤه قلب تحطّم
حين حنّ إلى مسائك
والعيد يا أماه يعثر
بالغبار على فنائك
أماه ! لو يقوى الخيال
راح يهزأ بانطوائك
ويقول: كذبٌ أن أفيق..
فما أشم شذى بقائك
🌿ملامح إنسانيته بالعمل الإداري:
لعل هذا الجانب هو الأبرز في مسيرة د/ غازي القصيبي سواء عميداً، أو مديراً، أو وزيراً، أو سفيراً، ليس غريباً توليه العديد من المناصب ولكن المدهش هو نجاحه في كل عمل تقلده.. وهذه إحدى مواهبه ومهاراته التي منحها الله إياه.
ولعل ((حبه لهذا الوطن)) هو الذي كان وراء ما حققه من نجاحات بعد توفيق الله وقد صدق عندما قال:
((يا بــلاداً نذرت العمر زهرته
لعزها دمتِ إني حان إبحاري))
حقاً.. إن حبه لوطنه هو الذي جعله ينجح ويبدع ويتفوق في أي عمل تولاه بدءاً من ميادين الصناعة والكهرباء ومروراً بالصحة والمستشفيات ثم المياه، وأخيراً العمل والسعودة.
🌿منهجة في الإدارة:
لقد كان من منهجه –رحمه الله– أنه عندما يأتي إلى أي عمل فإن أول ما يحارب ((البيروقراطية)) فيعطي الصلاحيات لمن تحته، ويكون دوره الإشراف والتخطيط والمتابعة، وكان أسلوبه بالمتابعة مبتكراً فهو يطلب تزويده بصورة من أي خطاب يصدر ليكون لديه تصور عما يتم، ولكي يحاسب أي مسؤول عنده فلا يصدر أي قرار إلا بعد تأن لأنه يعرف أن الوزير سيطلع عليه.
هذا الرجل الذي طالما سمعنا وقرأنا عن قراراته القوية عندما يرى خطأ أو يصدر قراراً من أجل مصلحة العمل والوطن.
لكن هذا الجانب الإداري الحازم يقابله جانب إداري تؤطره الرحمة، بل ويغلب عليه الضعف أحياناً.. وبخاصة تجاه فئة من الناس كالمرض والمحتاجين أو من هم أقل منه مركزاً إدارياً أو مالياً.
روى لي معالي الصديق د/ عبدالواحد الحميد – نائبه بوزارة العمل مواقف مؤثرة تتخضّب بالوهج الإنساني سواء مع المراجعين، أو مع الموظفين وصغارهم تحديداً.
فمع المراجعين فإن هذا الرجل القوي يضعف عندما يأتيه رجل كبير في السن أو أي شخص تبدو عليه سيماء الضعف فتجده يوافق على ما يطلبه من تأشيرة أو غيرها دون أن يتأكد من حاجة هذا الشخص لما طلبه فهو يغلب جانب الصدق في طالب الخدمة وجانب الرحمة في قلبه كمسؤول.
أما مع الموظفين فهو رغم مسؤولياته يتفقد أحوالهم وأحوال أسرهم ويعايد كل موظف بكرت عليه توقيعه.. بل إنه يرى أن الجانب الإنساني في حياة من يعمل لديه فوق النظام أو بالأحرى يطوع مرونة النظام لمراعاة المنحى الإنساني.
يقول د/ عبدالواحد الحميد: إنه –القصيبي– وضع شرطاً في معايير النقل ألزم به اللجنة المسؤولة بالوزارة، فقد وجه اللجنة بأنه إذا كان للموظف ظروف خاصة من مرضية بالنسبة لـه أو لواحد من والديه أو أي ظرف إنساني فإنه لا يتم نقله من موقعه.. ورغم أن ذلك يخالف بعض اللوائح لكنه يرى أن الرحمة فوق النظام.
رحمه الله كما رحم المحتاجين للرحمة.
🌿الجانب الثقافي وخطابه التسامحي:
سأمر على هذا الجانب مروراً سريعاً، فقد تحدث الكثير من الكتاب والنقاد عن منجزه الثقافي خلال حياته وبعد رحيله –رحمه الله– والغريب أنه رغم نجاحه وتفانيه في عمله الرسمي إلا أنه أعطى الميدان الثقافي ما لم يعطه آلاف المتفرغين، فقد أصدر (70) كتاباً خلال سبعين عاماً.. وأنا أرجع منجزه الثقافي أو الإداري أو الإنساني إلى قدرته على إدارة الوقت بشكل عجيب، ونأيه عن المجاملات التي تضيع وقته.. حيث أراد أن تضوع ثواني عمره بعبق العطاء وعطر الإنجاز.. أذكر أنه ظل 8 سنوات يكتب زاويته ((صوت الخليج)) ((بالمجلة العربية)) ولا أتذكر أنني أو أحد الزملاء احتجنا لمتابعته، فقد كانت تصل إلينا بانتظام حتى وهو خارج المملكة سفيراً في البحرين ولندن رغم أن هذه الزاوية لم تكن كلاماً إنشائياً بل هي تحتاج إلى قراءة أحد الكتب التي صدرت في الخليج وتقديم قراءة بل دراسة متميزة بأسلوبها وطرحها في هذه الزاوية.
وفي فضائه الثقافي تجد الإنسان وتعزيز قيم المحبة، والسلام والتسامح والرحمة هي المفردات الأبرز في خطابه الثقافي سواء كان شعراً أو مقالاً أو سرداً، أليس هو القائل:
من جرّب الحب لم يقدر على حسد
من عانق الحب لم يحقد على أحد
وأمر آخر قد لا يعرفه الكثيرون عنه حتى في الوسط الثقافي ذلك أنه كان رحمه الله يقف مع عدد من الأدباء سواء السعوديين أو العرب عندما تمرّ بهم ظروف يحتاجون فيها إليه.
🌿الوطن والطفولة في شعره:
غازي القصيبي بقدر ما كان الوطن مزروعاً في وديان نفسه فإن الطفولة كانت ساكنة رواق قلبه!.
وقد تصارعت في نفسه: براءات الأطفال وطموحات الوطن، لكن هزم حب الوطن ولعه ببراءة الأطفال ولكن من أجلهم كانت الهزيمة. لقد نأى عن أغلى الناس لديه عن طفلته ((يارا)) من أجل استشراف مستقبلها ويرسم لها ولجيلها غداً بهياً يتماهى مع بياض أحلام الصغار، ولقد جسّد هذه التضحية النادرة بهذه القصيدة البالغة التأثير عندما عاتبته أبنته طفلته ((يارا)) بأنها لا تراه كثيراً فكانت هذه القصيدة المؤثرة التي تفيض شجناً وتنبض إيثاراً.. والتي قال فيها:
من أجل يارا وصديقاتها
أولع بالشغل وبالمــكتب
وهذه هي قصيدته ((إلى يارا)):
“أبي! ألا تصحبنا؟ إنني
أود أن تصحبنا… يا أبي!”
و انطلقت من فمها آهة
حطت على الجرح.. و لم تذهب
و أومضت في عينها دمعة
مالت على الخد.. و لم تسكب
و عاتبتني- كبرت دميتي-
و هي التي من قبل لم تعتب
“أهكذا تهجرنا يا أبي
لزحمة الشغل و للمكتب؟”
***
يا أجمل الحلوات.. يا واحتي
عبر صحاري الظمأ الملهب
أبوك مذ أظلم فجر النوى
يعيش بين الصل و العقرب
يضحك.. لو تدرين كم ضحكة
تنبع من قلب الأسى المتعب
يلعب.. و الأحزان في نفسه
كحشرجات الموت لم تلعب
يود- لولا الكبر- لو أنه
أجهش لما غبت… لا تذهبي!
***
يا أجمل الحلوات.. يا فرحتي
يا نشوتي الخضراء.. يا كوكبي
أبوك في المكتب لمّا يزل
يهفو إلى الطيب و الأطيب
يصنع حلما: خيْر أحلامه
أن يُسعد الأطفال في الملعب
من أجل يارا و رفيقاتها
أولع بالشغل… فلا تغضبي
🌿الغربة والصحراء والإنسان !:
غازي القصيبي رغم ما رأى بأسفاره من مظاهر المدنية، ومباهج الحضارة، إلا أنه افتقد الإنسان في هذه الغربة فكانت صحراؤه هي الأغلى لأنه وجد فيها الإنسان الذي يرتاح للبوح إليه، ويريح قلبه على أريكة رمال وطنه.
قصيدته ((يا صحراء)) تطرِّز هذه المضامين التي أهم مفرداتها: ((الظمأ إلى طهر التراب ونقاء الإنسان)).
((وطفت الكون.. لم أعثر
على أجدب من أرضك
على أطهر من حبك..
أو أعنف من بغضك
وعدتُ إليك يا صحراء
على وجهي رَذاذ البحر
وفي روحي سراب بكاء
وطيفٌ سابحٌ في السّحر
وومض ضفيرة شقراء
وفي شفتيَّ بيتا شعر
وأغنية بلا أصداء
***
رجعت إليك مهموما
لأني لم أجد في الناس
من يؤمن بالناس
رجعتُ إليك محروما
لأن الكون أضلاعبلا قلب
لأن الحب ألفاظ
مجردة من الحب
رجعت إليك مهزوما
لأني خضت معركة الحياة
بسيف إحساسي
***
وعدت إليك .. ألقيت بمرساتي
على الرمل
غسلت الوجه بالطل
كأنك عندها ناديتني
وهمست في أذني
” رجعت إليّ يا طفلي ؟”
أجل أماه ..عدت إليك
طفلا دائم الحزن
تغرب في بلاد الله
لم يعثر على وكره
وعاد اليوم يبحث فيك عن عمره
***
وعدتُ إليك يا صحراء
ألقي جعبة التسيار
أغازل ليلك المنسوج من أسرار
و أنشق في صبا نجد
طيوب عرارْ
وأحيا فيك للأشعار و الأقمارْ))
🌿د. غــازي والعمل الإداري المؤطر بإنسانيته:
لعل هذا الجانب هو الأبرز في مسيرة د/ غازي القصيبي سواء عميداً، أو مديراً، أو وزيراً، أو سفيراً، ليس غريباً توليه العديد من المناصب ولكن المدهش هو نجاحه في كل عمل تقلده.. وهذا إحدى مواهبه ومهاراته التي منحها الله إياه.
🌿إدارته والحوافز وقصة الشفاعة:
جانب آخر فهو إلى جانب ما عرف به – رحمه الله – من حزم وقوة فهو حريص على إعطاء الحوافز لمن يعملون معه سواء كانت مادية أو معنوية، وهذا يبث ((الحراك)) في الجهة التي يرأسها.. وأروي هنا قصة ((إدارية)) حصلت لي معه شخصياً، وهي تجمع بين حزمه في احتفاظه بالقدرات لديه، وفي ذات الوقت حفزهم وتشجيعهم فضلاً عن أن في هذه الحكاية جانباً طريفاً وهو أمر اشتهر به سواء في أحاديثه أو بعض رواياته رغم الجدية التي هي نهج حياته وسلوكه، هذه الواقعة عندما كان وزيراً للصحة، إذ طلب مني صديق وطبيب فاضل كان يعمل في مجمع الرياض الطبي الشفاعة لدى معاليه لينتقل إلى وزارة الدفاع ((برنامج المستشفى العسكري)) من أجل إتاحة فرصة الابتعاث المتاحة هناك، فكتبت لمعاليه رسالة شفاعة شخصية وبالطبع لابد أن أثني على هذا الطبيب حيث أشرت إلى أخلاقه وقدرته الإدارية إلخ.. وبعثت الخطاب، وبعد يومين جاءني الرد من معاليه شارحاً على خطابي: ((أخي: ما دام د/ فلان بهذه الصفات فكيف تريدني أن أوافق على نقله)). فأفدت الصديق الطبيب بشرح معاليه، وكان رده: ((ليتك يا حمد لم تشفع لي)) وحتى الآن كلما التقيته ذكرني بهذه الشفاعة الفاشلة لكن د/ غازي – رحمه الله – عوض هذا الطبيب بمنصب ورقاه إلى مرتبة أعلى.
وقد تجلت إنسانيته ورحمته عندما تولى وزارة الصحة حتى أن هذا الشامخ عندما شاهد إهمالاً بحق المرضى بكى وهو الرجل القوي ولكن قوته لم تتعارض مع دفئه.
قصة بكائه عندما زار مستشفى الولادة والنساء والأطفال بالمدينة المنورة.
***
أما في وزارة المياه.. فقد كان يعرف التحدي الذي سيواجهه عند تولي وزارة مياه في بلاد لا أنهار تجري فيها ولا أمطار. ومطلوب أن توفر وزارة المياه لملايين المواطنين والمقيمين الذي يزدادون تماماً عاماً بعد عام، ولهذا كان همه خيار الترشيد، ومحاربة ثقافة الإسراف.. وأعلن قولته الشهيرة: ((إننا بوصفنا بلداً شحيح المياه أمطاراً وأنهاراً، فإنه يجب أن تكون لدينا حالة طوارئ دائمة لإبقاء شيء من المياه للأجيال القادمة)).
وأنهي حديثي عن تجربته بوزارة المياه بموقف طريف فقد كتبت مقالاً عندما جاء من لندن التي خرج منها خائفاً يترقب وذلك بعد صدور الأمر الملكي بتعيينه وزيراً للمياه، وقلت في المقال: لا تحزن على المياه وتويفرها.. فصاحبك الشاعر أعطاك الحل، فلن تلجأ إلى حفر آبار أو إقامة محطات تحلية.. حيث يقول أحد أصحابك الشعراء مخاطباً وواصفاً حبيبته:
((ولو تفلت في البحر والبحر مالح
لأضحى أجاج البحر من ريقها حلو))
و ((خوش)) فهذه الحبيبة محطة تحلية تمشي.. وأذكر – رحمه الله – أنه هاتفني في ذات اليوم الذي نشر فيه المقال شاكراً وسائلاً بسخريته وهو يضحك – رحمه الله:- ((هات هذه الحبيبة – يا حمد – فإن كانت من الصحراء نوظفها أو من أوروبا فنتعاقد معها)).
***
🌿معترك الكهرباء: إدارة وشعرا:
أما الكهرباء وقد كانت أول حقيبة وزارية تولاها، فقد خاض فيها معارك إدارية، وواجه أعضاء ادارات الشركات وسعى بتوجيه ودعم القيادة إلى إيصال نور الكهرباء إلى كل جبل وسهل وقرية وواد، وقد حقق الكثير من الإنجاز في هذا الميدان المدني.. والجميل أنه كما خاض هذا ((المعترك الكهربائي)) عملاً وإدارة فقد خاضه حرفاً وشعراً، فقد كان بعض الناس يشكونه شعراً لعدم وصول ((الكهرباء)) إلى منازلهم أو الإدارات التابعة لأعمالهم.
🌿الشعر الكهربائي بين ابن خميس والقصيبي:
ومن أجمل وأطرف هذه المعارضات ما كان بينه وبين الأديب عبدالله بن خميس – رحمهما الله – الذي تأخر وصول التيار الكهربائي إلى موقعه ((بالعمارية)) وقد كنت أتولى نشر هذه القصائد التي أطلق عليها أحد النقاد ((الشعر الكهربائي)) عندما كنت مشرفاً على ((الملحق الأدبي)) بصحيفة ((الجزيرة)) وقد بدأها الشيخ عبدالله بن خميس بقصيدة شاكية عنوانها: ((على الذبالة والفانوس والجاز)) سيأتي تفصيلها في باب الطرفة بحياته وشعره:
***
🌿محطة العمل والهم الذي حمله:
بقي في الجانب الإداري محطة العمل.. وهذه فعلاً أصعب محطات العمل التي مرّ بها وهو – واقعاً – حقق فيها الكثير من النجاح، لكن لم يحقق فيها كل ما يطمح إليه وتطمح إليه القيادة في تحقيق الهدف الأسمى بتوظيف الشباب السعودي والقضاء على البطالة وهو معذور فهذا الهدف مرتبط برجال الأعمال الذي يريد أكثرهم عمالة بأقل السعر دون النظر إلى واجبهم الوطني نحو شباب وطنهم وبأن ما نالهم من خير هو من خير هذا الوطن.
لقد بذل واجتهد وزار وحث وتحدث بل وعمل ((نادلاً)) لتحقيق هذا الهدف السامي ولكن لم تأت رياح الإنجاز كما تريد سفن رجال الأعمال.
لكن حسبه – رحمه الله – أن رسخ ثقافة خطورة البطالة وقيمة العمل، وجعل المجتمع كله يحس بضرورة توظيف الشباب السعودي، لقد تعب من هذا العمل بل وأرهقه ليس جسداً بل ونفساً، ولا أنسى هذه العبارة التي تشي بأنه يرى أن العمل مسؤولية وهمّ وتكليف والتي ختم بها رسالة حميمية بعثها إلي عام 1429هـ وكان يشكو فيها من تحديات هذه الوزارة وعدم تجاوب بعض الأعمال.. لقد قال في نهاية هذه الرسالة عبارة تنبئ عن ألم شديد يسكن وديان نفسي يقول – رحمه الله -:((إنني أحسّ أيها الصديق أن كل يوم يمضي علي في هذا العمل يستنزف حياتي وسعادتي)) وفي آخرها قال: ((أني أدعو دائماً بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أشكو إليك ضعفي وقلة حيلتي وهواني على الناس )).
🌿بين المرأة المعشوقة والوطن الأبهى:
في شعر غازي الإنسان نجد ثابتين يتألقان كثيراً في قصائده إما مجتمعين أو منفردين هما: ((الأنثى المحبوبة)) و((الوطن الأبهى))!.
فعلى خاصرة الأنثى يتكئ عندما يرتأي أن يبث شجنه وشكواه و((غرابيل زمانه)) ويهرع إلى ((الوطن)) عندما يتوق أن يرسم أحلامه ويترجم طموحاته.
في هذه القصيدة الباذخة التي عنوانها ((يا أعز النساء)) يجسّد هذا المكوِّن الثنائي: المرأة والوطن وقد قال عن هذه القصيدة في حوار مع ((المجلة العربية)) وأزعم أنه صدق ففي هذه القصيدة الشجية قدّم رؤيته لخداع الحياة وسراب المجد، والتفاعل مع الناس، وقد ناجى فيها ((الأنثى)) المحبوبة ولجأ إلى عينيها ليتطلع إلى الحقول الخضر.. ويركض إلى وضاءة وجهها ليُقبّل ضوء النهار بين وجنتيها ليرشف الري من شفتيها بعد أن أضناه جيش الهم وأظمأه الإدلاج في ليل الحياة والغربة وهموم الأمة.
لا أريد أن أطفئ جمالها بمفردات الحديث عنها فهي بصدقها لا تحتاج إلى صداق لزفها إليكم:
يا أعزّ النساء همي ثقيل
هل بعينيك مرتع ومقيلُ ؟
هل بعينيك حين آوي لعينيك
مروج خضر وضل ضليلُ
هل بعينيك بعد زمجرة القفر
غديرٌ.. وخيمةٌ.. ونخيلُ ؟
يا أعزّ النساء جئتك جوعان
طـــعامي كآبة وذهــــولُ
يا أعزّ النساء جئتك حيران
فأين الحادي وأين الدليلُ ؟
يا أعزّ النساء جئتك ضمان
فأين الأكواب وأين السلسبيلُ؟
يا أعزّ النساء جئت حصانا
مثخنا هدَّه السباق الطويل
كسرت ساقه فجن اباءا
كيف يحبو هذا الجواد الأصيلُ
***
وتساءلتِ ما دهاك حبيبي؟
وطواني الشذا وغنى الهديلُ
(( أُتركِ الجُرح لحظه يتكلّم
رُب جُرح يطيب حين يقولُ))
يا أعزّ النساء سِفْر شقائي
كل سطر فيه حسامٌ صقيلُ
أنا من أمةٍ تخوض وحولاً
من هوانٍ وتزدريها الوحولُ
***
يا أعزّ النساء.. أين مضى الطفل؟
وأين ابتســــامه المعســـــولُ
أين ولت براءتي ؟ أين طهري؟
أين ذاك الفتى العفيف الخجولُ؟
كبر الطفل.. شيّبته لياليه
وعرّته من صباه الفصولُ
قبضة الأربعين تصهرُ روحي
فأحاسيسي العذارى.. كهولُ
لم تعد ثمَّ شعلةٌ من حماس
سُكبَ الزيت واستراح الفتيلُ
***
يا أعزّ النساء.. أخشى على قلبي
من المجد.. إنما المجد غولُ
تأكل الرفق والسماحة والطيبة..
فالقــــلب وحشــــة وطلــــولُ
والطموح الذي يغنّي له الناس
سرابٌ ما بُلّ منه غلـــــيلُ
والمعالي وإن أحاطت بها الأشواق
وهمُ له تدق الطــــــــــبولُ
فبريق الثراء ليس يطولُ
وبريق الأمجاد حالٌ تحولُ
والفقير الحقير يحضنه الموت
ولا يرهبُ الغنى عزريلُ
***
يا أعزّ النساء جئت هَزارا
جدّ في إثره عُقابٌ أكولُ !
حاربته الرياح فهو جناح
ريشهُ في دمائه مبلولُ
يا أعزّ النساء ان قلتُ شعرا
أحرق الشعرَ كاهنٌ مخبولُ
وإذا ما صمدتُّ عذّبني الصمتُ
وهل تهجر البكاء ثكولُ ؟
قدري ما صنعتُه باختياري
قدري صاغه العليّ الجليلُ
***
🌿الطرفة بحياته وشعره:
هذا جانب لا يعرفه الكثيرون عنه والطرفة عنده تأتي بشكل عفوي سواء كان بمجلس خاص أو ندوة أو اجتماع.، لكن فعلا هو صاحب طرفة ومفاجآت جميلة تأتي كتعليق أو رواية موقف:
🌿نماذج لبعض طرفه:
1/ هذه الواقعة عندما كان وزيراً للصحة، وقد أوردتها إبان الحديث عن عمله بالصحة “إذ طلب مني صديق وطبيب فاضل كان يعمل في مجمع الرياض الطبي الشفاعة لدى معاليه لينتقل إلى وزارة الدفاع ((برنامج المستشفى العسكري)) من أجل إتاحة فرصة الابتعاث المتاحة هناك، فكتبت لمعاليه رسالة شفاعة شخصية وبالطبع لابد أن أثني على هذا الطبيب حيث أشرت إلى أخلاقه وقدرته الإدارية إلخ.. وبعثت الخطاب، وبعد يومين جاءني الرد من معاليه شارحاً على خطابي: ((أخي: ما دام د/ فلان بهذه الصفات فكيف تريدني أن أوافق على نقله)).
فأفدت الصديق الطبيب بشرح معاليه، وكان رده: ((ليتك يا حمد لم تشفع لي))” وحتى الآن كلما التقيته ذكرني بهذه الشفاعة الفاشلة لكن د/ غازي – رحمه الله – عوض هذا الطبيب بمنصب ورقاه إلى مرتبة أعلى.
2/ هذه الواقعة ذكرني بها أ. خالد السليمان:
حينما تولى معاليه حقيبة “وزارة المياة” أتصلت به لأهنئه بالمنصب وكان يوم ذاك الوزارة منشأة حديثاً وليس لها مقر معروف فسألته “أين تداوم”؟ فرد بسرعة بديهة في “بركة ماء” فضحكت وضحك معي.
3/ هذه الواقعة أيضاً عندما كان وزيراً للمياة وزار مجلس الشورى والتقى بالأعضاء وتحدث عن ندرة المياة ونقصها وضرورة الترشيد وعندما جاء دوري بالحديث وقبل أن أبدأ بمداخلتي قلت له؛ أن أحد زملائك الشعراء القدامى قدم حل لمشكلة المياه عندما قال:
“ولو تفلت بالبحر والبحر مالح
لأضحى أجاج البحر من ريقها حلوا”
فرد على الفور: “هذه وينها يا حمد .. هذه محطة تحلية كبرى توفر على الميزانية نبي نستوردها”
وضحك الأعضاء وأعطى لجلسة الحوار معه جوا لطيفا.
4/ معترك الكهرباء:
وزير الكهرباء ونصيحة من متصل:
ومن الطرائف في كتاب “حياة في الإدارة” قال: عندما كنت وزيرا للكهرباء: “كنت أثناء الانقطاعات الكبيرة (للكهرباء) في الرياض أتوجه إلى مقر الشركة وأشارك موظفي السنترال تلقي الشكاوي الهاتفية، ذات ليلة، اتصل مواطن غاضب وقال وهو يصرخ: “قل لوزيركم الشاعر أنه لو ترك شعره واهتم بعمله لما انطفأت الرياض كلها”، قلت ببساطة: شكرا وصلت الرسالة !. قال: ماذا تعني؟ قلت: أنا الوزير. قال: احلف بالله! قلت: والله!. كانت هناك لحظة صمت في الجانب الآخر قبل أن تهوي السماعة.
من أجمل وأطرف هذه المعارضات ما كان بينه وبين الأديب عبدالله بن خميس – رحمهما الله – الذي تأخر وصول التيار الكهربائي إلى موقعه ((بالعمارية)) وقد كنت أتولى نشر هذه القصائد التي أطلق عليها أحد النقاد ((الشعر الكهربائي)) عندما كنت مشرفاً على ((الملحق الأدبي)) بصحيفة ((الجزيرة)) وقد بدأها الشيخ عبدالله بن خميس بقصيدة شاكية عنوانها: ((على الذبالة والفانوس والجاز)) جاء فيها:
أما في شعره فله العديد من القصائد الإخوانية العذبة الطريفة مع أصدقائه ومحبيه ففي الشأن الاجتماعي والخدمي كانت بينه وبين عدداً من الشعراء العديد من المعارضات الظريفة ومنها التي تمت بينه وبين الشاعر الكبير عبدالله بن خميس حين كان وزيراً للكهرباء والتي بدأت بقصيدة عتاب شائقة حين لم يصل التيار الكهربائي لمزرعته بالعمارية وفيها:-
على الذبالة والفانوس والجازٍ
عيشي ظلامك حتى يأذن الغازي
وسّعته الصبر مهمازا فأوسعني
صدّا فحطم هذا الصد مهمازي
فرت جيوش الدياجي من مكامنها
من دار همدان حتى دار عنازِ
●●
إذا سألت وزير الكهرباء بها
من انجز النور فيها؟ قال: إنجازي
وان سألت لماذا ظلَّ في غلسِ
وادي ابن عمارَ؟ هز الرأس كالهازي
أظل فيه بلا نور يؤانسني
وفي حنادسه عطلت تلفازي
●●
ولي قرينان لا أنفك دونهما
أصاحب الليل كشافي وعكازي
هذا يضىء لخطوي منتهى قدمي
وذا ينفّر عني كل وخّازِ
●●
ثم رد د/ غازي بقصيدة لطيفة وشاكية من ((البيوقراطية الإدارية)) عنوانها: ((وأشقى بالكهارب والمشافي)):
أعبدالله يا شيخ القوافي
ومرتجل البديعات الظرافِ
تضرسّني بأنياب حداد
وتأسوني بأبيات لطاف
وعَتبك أنت كالشهد المصفّى
وبعض العتب كالسم الزعاف
أتت ((حولية)) أخرى بلومي
ولم تعبأ بعذر غير خاف
هجرت الناس والدنيا وحيدا
(( بعماريّةٍ )) وسط الفيافي
يفرِّقها عن العمران دربٌ
طويل ذو انعراج وانعطافِ
فلا (( هليكوبتر)) تفضي إليه
ويشكو (( الجمس )) من طول المطافِ
أقمت بدوحك النائي تغني
وأشقى ((بالكهارب)) و ((المشافي))
فمن ((مستوصف)) أضحى ركاما
((لمستشفى)) يضرّ ولا يعافي!
ومن هجر إلى ((الماطور)) تصبو
إلى تلك المصانع والمصافي
وتغفو انت في ظل ظليل
وتمرك يانع والماء صافي
وأقرأ ألف معروض وشكوى
وتقرأ أنت أشعار ((الرصافي))!
وأحمل في دمي همّ البرايا
وهمك نصب ((حال)) أو ((مضاف))
تقول: إليّ بالتيار فوراً
وإلا فارتقب غضب ((السّنافي))
تظل تسومني التقريع شعرا
ولا يغنيك، أو يشفي، اعترافي
فلستّ بمارد من نسل جن
ولكني من البشر الضعاف
يكبلني النظام وكنت تشقى
به قبل ((التفرّغ)) للقطاف
((فبالتصميم)) نبدأ ثم تأتي
((مناقصة)) وفتح ((للغلاف))
ويعقب ذاك ((تحليل)) طويل
وقد يتلوه ((تقييم)) إضافي
فهذا ((العرض)) نزر غير كاف
وهذا ((العرض)) فجّ غير واف
وهذا (( العرض )) جاء بلا ضمان
وهذا ((العرض)) ذو سعر خرافي
((فترسية)) ((فإخطار)) ((فعقد))
((فتوقيع)) على بيض الصحاف
((فتسليم المواقع)) في الصحاري
على ما فيه من سوء الخلاف
وربّ ((مقاول)) نشط ويجري
كما تجري القصائد في الشّغاف
يشيّد في صباح أو مساء
((عواميداً)) كأعناق الزراف
وربّ ((مقاول)) بالزّحف يُبلي
كما تُبلي القصائد بالزّحاف
قضاء الله – والدنيا حظوظ –
فبعض موسر والبعض حاف
سألت القوم عنك فأخبروني
بأن الكهرباء غداً توافي
وفي ((شهرين)) تغمركم بنور
كضوء الحب في ليل الزفاف
فإن جاءت فكافئنا بشعر
نُسر به.. وقد قل المكافي
وفي بستانك المعمور أوْلِمْ
((بهرفيّ)) سمين في الخراف
وهذا وعدنا – والوعد دين –
على حال الثراء.. أو الكفاف !
●●
وشارك عدد من الشعراء وكنت أنشرها بالملف الأدبي بصحيفة الجزيرة وأسميتها “الشعر الكهربائي”.
5/ وبالشأن الإداري له قصيدة إخوانية لطيفة حين كان سفيراً للمملكة ببريطانيا تناول فيها سلبيات البيروقراطية من تأخير صرف ما تحتاجه السفارة هذه القصيدة اللطيفة وجهها د.غازي القصيبي ـ رحمه الله ـ إلى زميله مدير الشؤون المالية بوزارة الخارجية أ. عبدالعزيز الثقفي وقتها وكنت نشرتها بالمجلة العربية وأسميتها “القصيدة الإدارية”:
إليك عبدالعزيز العابد الثقفي
أشكوك .. باللوعة الحرَى وبالأسف
أقسمت ألا ترى مني معاملة
إلا وكفنتها في أبيض اللحف
((دقّرت )) تدقيرة يزهو بروعتها
(( ممثل المال )).. وهو الداقر الحرفي
فوراً ترجّعها.. ((فيها ملاحظة))!
يا قوم! أخطأتم في اللام والألف
يا ناس ! لم تنشروها في جرائدهم
هذا النظام كما قد صاغه (( حنفي ))..!
ولا وضعتم عليه (( دمغة )) وأنا
بدون ذلك لا أعطيكم سُلفي
يا قومنا ! ترجموها ! دون ترجمة
لا يمكن الصرف، هذي حكمة السلف
يا قومنا ! واحذروا أن تشتروا طبقاً
بلا مناقصة .. من أتحف التحف
ولو ((بشلنٍ)) .. فان الشلن معضلة
هاتوا العروض من المكسيك والنجف
أما الحراسة .. فاستدعوا لها دولا
من بعد أن تستشيروا كل محترف
●●
((أبا السعود)) رعاك الله من رجل
يحمي النظام بعزم مرعب الصلف
رفقا بنا! نحن أقوام بلا ظهر
لم يبق في ظهرنا ريش لمنتتٍف
هذي ((خزينتنا)) باتت وليس بها
سوى الفواتير والإملاق ـ والقرف
كم هددونا ببوليس.. ومحكمة
وقبل ذلك.. بالتشهير في الصحف
أبا السعود! وربي ! نحن في بلد
لها نظام وربي! جدّ مختلف
لا يدفعون ريالا في مواصفة
أما إذا جاء مجانا لهم.. فصفِ
وليس يوجد ((تصنيف)) يصنّفهم
ولا ((شهادة تقييم )) من الغرف
وأنت تطلب هذا كله جنف
ألا توافقني؟ من أعظم الجنف
أبا السعود ! ترفق ! إننا بشر
نعيش ـ والله أدرى ـ عيشة الشظف
(( فلندن )) بلد أجواؤها برد
أحوالها نكد من ظاهر وخفي
لا عندنا سكن يؤوي.. ولا وطن
بل الإيجارات خلّتنا على ((النشفي))
((قنابل)) من بني ((الإيرلند)) تفزعنا
لم يبق فينا الذي في الليل لم يخف
نحتاج دعما فلا تبخل وكن مرنا
وكن وفيا.. فخير الأصدقاء وفِي
●●
6/ حين ثم اختيار مدينة الرياض عاصمة للثقافة لعام 2020م نظمت مكتبة العبيكان بالتعاون مع أمانة الرياض بهذه المناسبة منشطا ثقافيا لافتا إذا اختارت 3 كتب الأكثر انتشارا بذلك العام
وكان من بينها كتاب (حياة في الإدارة) لغازي القصيبي وأقامت لكل كتاب ندوة حوار بقاعة الملك فيصل بالرياض
وتم اختياري لإدارة الحوار مع د. غازي وكان حوارا جميلا تألق فيه القصيبي كعادته وسط حضور كبير ضاقت بهم القاعة. وبروحه الجميلة حين قدمته بتوصيف ميادين إبداعه قلت كأن الشاعر يعنيه حين قال:
وليس على الله بمستغرب أن يجمع العالم في واحد
فنهض عن الكرسي قاتلا أودعكم فماذا تريدون من شخص مزدوج الشخصيات “كما وصفني حمد! ثم جلس وسط ضجيج ضحكات الحضور رحمه الله.
***
🌿ما الذي بقي من غازي القصيبي؟:
لعل السؤال الأصوب الذي ينهض ما الذي غاب منه:
إنه الأن أوفر حضورا وشعرا عند غيابه وأنتم تقرؤون بمواقع التواصل انتشار عطائه وكثافة تواجده بعد رحيله.
وبقيت انجازاته المشهودة لوطنه بالصناعة والكهرباء والتوطين ورفع اسم وطنه بالمحافل الدولية.
وبقيت كتبه السبعون.
وبقيت قصائده التي يتغنى بها الناس.
وبقيت رؤاه الإدارية والسياسية.
وقد اختزل هو ما بقي منه بقوله:
لا تتبعيني! دعيني وأقرئي كتبي
فبين أوراقها تلقاك أخباري
🌿وبعد:
ختاماً أيها الحبيب الراحل غازي: أودع الحديث عنك ببيتك الذي رثيت به أحد أحبابك:
لو يرد (الزؤام) لانتصب الحب
سياجاً فما استطاع الـــزؤام
رحم الله ((الإنسان)) د. غازي القصيبي رحمة واسعة فقد كان مخلصاً ومحباً لهذا الوطن وأبنائه حد الشجن، وكان مترجماً ذلك رؤية لا رواية إلى درجة إهداء سنوات العمر.
لقد ناضل بروح المؤمن، وتفاني المواطن، ورؤية المفكر، ورقة الإنسان، جمعنا الله به جميعاً في جنة المأوى.
و.. أيها الحبيب الراحل غازي : طبت حياً وميتاً.