🌿الطرفة بحياة وشعر د. غــازي الـقـصـيـبي🌿
حمد بن عبدالله القاضي
محاضرة:
🌿الطرفة بحباة وشعر د. غازي القصيبي: 🌿
***
حمد بن عبدالله القاضي
عضو مجلس الشورى السابق
أمين عام مجلس أمناء مؤسسة الشيخ حمد الجاسر الثقافية
محاور المحاضرة
🌿 إضاءة:
🌿 الشفاعة الفاشلة:
🌿 تهديد لم يتم:
🌿 الدوام في “بركة ماء”:
🌿 بالشورى والشاعر ومحطة تحلية:
🌿 وزير الكهرباء ونصيحة من متصل:
🌿 الشعر الكهربائي:
🌿 معاناته مع “البيروقراطية” وقصيدة طريفة:
🌿 ندوة كتاب “حياة في الإدارة”:
بسم الله الرحمن الرحيم
🌿 إضاءة:
هذا جانب لا يعرفه الكثيرون عنه والطرفة عنده تأتي بشكل عفوي سواء كان بمجلس خاص أو ندوة أو اجتماع.، لكن فعلا هو صاحب طرفة ومفاجآت جميلة تأتي كتعليق أو رواية موقف:
***
🌿 الشفاعة الفاشلة:
هذه الواقعة عندما كان وزيراً للصحة، وقد أوردتها إبان الحديث عن عمله بالصحة “إذ طلب مني صديق وطبيب فاضل كان يعمل في مجمع الرياض الطبي الشفاعة لدى معاليه لينتقل إلى وزارة الدفاع ((برنامج المستشفى العسكري)) من أجل إتاحة فرصة الابتعاث المتاحة هناك، فكتبت لمعاليه رسالة شفاعة شخصية وبالطبع لابد أن أثني على هذا الطبيب حيث أشرت إلى أخلاقه وقدرته الإدارية إلخ.. وبعثت الخطاب.
وبعد يومين جاءني الرد من معاليه شارحاً على خطابي: ((أخي: ما دام د/ فلان بهذه الصفات فكيف تريدني أن أوافق على نقله)).
فأفدت الصديق الطبيب بشرح معاليه، وكان رده: ((ليتك يا حمد لم تشفع لي))”، وحتى الآن كلما التقيته ذكرني بهذه الشفاعة الفاشلة لكن د/ غازي – رحمه الله – عوض هذا الطبيب بمنصب ورقاه إلى مرتبة أعلى.
***
🌿 تهديد لم يتم:
تجربته مع متابعة إسعاف الحجيج في المشاعر المقدسة، حيث كان بعض الحجيج يفترشون الطرق المؤدية للمستشفيات والمراكز الصحية ويمنعون بالتالي وصول سيارات الإسعاف لبوابات الطوارئ، ورفض بعضهم طلبه المباشر بالتنحي عن الطريق، يقول: “قلت لهم إني سأقود سيارة من سيارات الإسعاف بنفسي وسأتجه إلى المدخل وإذا قرروا البقاء تحت العجلات فهذا شأنهم وحدهم.
ذهبت بالفعل إلى سيارة إسعاف وقدتها باتجاه المدخل، عندما أصبحت على بعد ثلاثة أمتار أو أربعة من المجموعة بدأ أفرادها يتقافزون ويركضون بشكل مضحك ولم يبق أحد أمام المدخل، كنت أقود السيارة ببطء شديد وكنت بطبيعة الحال أنوي التوقف قبل أن أصل إليهم إذا لم يتحركوا ولكنهم صدقوا التهديد.
***
🌿 الدوام في “بركة ماء”:
هذه الواقعة رواها لي الصديق الكاتب أ.خالد السليمان:
حينما تولى معاليه حقيبة “وزارة المياة” أتصلت به لأهنئه بالمنصب وكان يوم ذاك الوزارة منشأة حديثاً وليس لها مقر معروف فسألته “أين تداوم”؟ فرد بسرعة بديهة في “بركة ماء” فضحكت وضحك معي.
***
🌿 بالشورى والشاعر ومحطة تحلية:
هذه الواقعة أيضاً عندما كان وزيراً للمياة وزار مجلس الشورى والتقى بالأعضاء وتحدث عن ندرة المياة ونقصها وضرورة الترشيد وعندما جاء دوري بالحديث وقبل أن أبدأ بمداخلتي قلت له؛ أن أحد زملائك الشعراء القدامى قدم حل لمشكلة المياه عندما قال:
“ولو تفلت بالبحر والبحر مالح
لأضحى أجاج البحر من ريقها حلوا”
فرد على الفور: “هذه وينها يا حمد .. هذه محطة تحلية كبرى توفر على الميزانية نبي نستوردها”
وضحك الأعضاء وأعطى لجلسة الحوار معه جوا لطيفا.
***
🌿 وزير الكهرباء ونصيحة من متصل:
ومن الطرائف في كتاب “حياة في الإدارة” قال: عندما كنت وزيرا للكهرباء: “كنت أثناء الانقطاعات الكبيرة (للكهرباء) في الرياض أتوجه إلى مقر الشركة وأشارك موظفي السنترال تلقي الشكاوي الهاتفية، ذات ليلة، اتصل مواطن غاضب وقال وهو يصرخ: “قل لوزيركم الشاعر أنه لو ترك شعره واهتم بعمله لما انطفأت الرياض كلها”، قلت ببساطة: شكرا وصلت الرسالة !. قال: ماذا تعني؟ قلت: أنا الوزير. قال: احلف بالله! قلت: والله!. كانت هناك لحظة صمت في الجانب الآخر قبل أن تهوي السماعة.
***
🌿 الشعرالكهربائي :
وهذه من أجمل وأطرف هذه المعارضات ما كان بينه وبين الأديب عبدالله بن خميس – رحمهما الله – الذي تأخر وصول التيار الكهربائي إلى موقعه ((بالعمارية)) وقد كنت أتولى نشر هذه القصائد التي أطلق عليها أحد النقاد ((الشعر الكهربائي)) عندما كنت مشرفاً على ((الملحق الأدبي)) بصحيفة ((الجزيرة)) وقد بدأها الشيخ عبدالله بن خميس بقصيدة شاكية عنوانها: ((على الذبالة والفانوس والجاز)) جاء فيها:
أما في شعره فله العديد من القصائد الإخوانية العذبة الطريفة مع أصدقائه ومحبيه ففي الشأن الاجتماعي والخدمي كانت بينه وبين عدداً من الشعراء العديد من المعارضات الظريفة ومنها التي تمت بينه وبين الشاعر الكبير عبدالله بن خميس حين كان وزيراً للكهرباء والتي بدأت بقصيدة عتاب شائقة حين لم يصل التيار الكهربائي لمزرعته بالعمارية وفيها:-
على الذبالة والفانوس والجازٍ
عيشي ظلامك حتى يأذن الغازي
وسّعته الصبر مهمازا فأوسعني
صدّا فحطم هذا الصد مهمازي
فرت جيوش الدياجي من مكامنها
من دار همدان حتى دار عنازِ
***
إذا سألت وزير الكهرباء بها
من انجز النور فيها؟ قال: إنجازي
وان سألت لماذا ظلَّ في غلسِ
وادي ابن عمارَ؟ هز الرأس كالهازي
أظل فيه بلا نور يؤانسني
وفي حنادسه عطلت تلفازي
***
ولي قرينان لا أنفك دونهما
أصاحب الليل كشافي وعكازي
هذا يضىء لخطوي منتهى قدمي
وذا ينفّر عني كل وخّازِ
***
ثم رد د/ غازي بقصيدة لطيفة وشاكية من ((البيوقراطية الإدارية)) عنوانها: ((وأشقى بالكهارب والمشافي)):
أعبدالله يا شيخ القوافي
ومرتجل البديعات الظرافِ
تضرسّني بأنياب حداد
وتأسوني بأبيات لطاف
وعَتبك أنت كالشهد المصفّى
وبعض العتب كالسم الزعاف
أتت ((حولية)) أخرى بلومي
ولم تعبأ بعذر غير خاف
هجرت الناس والدنيا وحيدا
(( بعماريّةٍ )) وسط الفيافي
يفرِّقها عن العمران دربٌ
طويل ذو انعراج وانعطافِ
فلا (( هليكوبتر)) تفضي إليه
ويشكو (( الجمس )) من طول المطافِ
أقمت بدوحك النائي تغني
وأشقى ((بالكهارب)) و ((المشافي))
فمن ((مستوصف)) أضحى ركاما
((لمستشفى)) يضرّ ولا يعافي!
ومن هجر إلى ((الماطور)) تصبو
إلى تلك المصانع والمصافي
وتغفو انت في ظل ظليل
وتمرك يانع والماء صافي
وأقرأ ألف معروض وشكوى
وتقرأ أنت أشعار ((الرصافي))!
وأحمل في دمي همّ البرايا
وهمك نصب ((حال)) أو ((مضاف))
تقول: إليّ بالتيار فوراً
وإلا فارتقب غضب ((السّنافي))
تظل تسومني التقريع شعرا
ولا يغنيك، أو يشفي، اعترافي
فلستّ بمارد من نسل جن
ولكني من البشر الضعاف
يكبلني النظام وكنت تشقى
به قبل ((التفرّغ)) للقطاف
((فبالتصميم)) نبدأ ثم تأتي
((مناقصة)) وفتح ((للغلاف))
ويعقب ذاك ((تحليل)) طويل
وقد يتلوه ((تقييم)) إضافي
فهذا ((العرض)) نزر غير كاف
وهذا ((العرض)) فجّ غير واف
وهذا (( العرض )) جاء بلا ضمان
وهذا ((العرض)) ذو سعر خرافي
((فترسية)) ((فإخطار)) ((فعقد))
((فتوقيع)) على بيض الصحاف
((فتسليم المواقع)) في الصحاري
على ما فيه من سوء الخلاف
وربّ ((مقاول)) نشط ويجري
كما تجري القصائد في الشّغاف
يشيّد في صباح أو مساء
((عواميداً)) كأعناق الزراف
وربّ ((مقاول)) بالزّحف يُبلي
كما تُبلي القصائد بالزّحاف
قضاء الله – والدنيا حظوظ –
فبعض موسر والبعض حاف
سألت القوم عنك فأخبروني
بأن الكهرباء غداً توافي
وفي ((شهرين)) تغمركم بنور
كضوء الحب في ليل الزفاف
فإن جاءت فكافئنا بشعر
نُسر به.. وقد قل المكافي
وفي بستانك المعمور أوْلِمْ
((بهرفيّ)) سمين في الخراف
وهذا وعدنا – والوعد دين –
على حال الثراء.. أو الكفاف!
***
وشارك عدد من الشعراء وكنت أنشرها بالملف الأدبي بصحيفة الجزيرة وأسميتها “الشعر الكهربائي”.
***
🌿 معاناته مع “البيروقراطية” وقصيدة طريفة:
كان رحمه الله من المحاربين للبيروقراطية والروتين في كل منصب تولاه وحين كان سفيراً بلندن شكا من الروتين وعبر بقصيدة إخوانية لطيفة حين كان سفيراً للمملكة ببريطانيا تناول فيها سلبيات البيروقراطية من تأخير صرف ما تحتاجه السفارة هذه القصيدة اللطيفة وجهها د.غازي القصيبي ـ رحمه الله ـ إلى زميله مدير الشؤون المالية بوزارة الخارجية أ. عبدالعزيز الثقفي وقتها وكنت نشرتها بالمجلة العربية وأسميتها “القصيدة الإدارية”:
إليك عبدالعزيز العابد الثقفي
أشكوك .. باللوعة الحرَى وبالأسف
أقسمت ألا ترى مني معاملة
إلا وكفنتها في أبيض اللحف
((دقّرت )) تدقيرة يزهو بروعتها
(( ممثل المال )).. وهو الداقر الحرفي
فوراً ترجّعها.. ((فيها ملاحظة))!
يا قوم! أخطأتم في اللام والألف
يا ناس ! لم تنشروها في جرائدهم
هذا النظام كما قد صاغه (( حنفي ))..!
ولا وضعتم عليه (( دمغة )) وأنا
بدون ذلك لا أعطيكم سُلفي
يا قومنا ! ترجموها ! دون ترجمة
لا يمكن الصرف، هذي حكمة السلف
يا قومنا ! واحذروا أن تشتروا طبقاً
بلا مناقصة .. من أتحف التحف
ولو ((بشلنٍ)) .. فان الشلن معضلة
هاتوا العروض من المكسيك والنجف
أما الحراسة .. فاستدعوا لها دولا
من بعد أن تستشيروا كل محترف
***
((أبا السعود)) رعاك الله من رجل
يحمي النظام بعزم مرعب الصلف
رفقا بنا! نحن أقوام بلا ظهر
لم يبق في ظهرنا ريش لمنتتٍف
هذي ((خزينتنا)) باتت وليس بها
سوى الفواتير والإملاق ـ والقرف
كم هددونا ببوليس.. ومحكمة
وقبل ذلك.. بالتشهير في الصحف
أبا السعود! وربي ! نحن في بلد
لها نظام وربي! جدّ مختلف
لا يدفعون ريالا في مواصفة
أما إذا جاء مجانا لهم.. فصفِ
وليس يوجد ((تصنيف)) يصنّفهم
ولا ((شهادة تقييم )) من الغرف
وأنت تطلب هذا كله جنف
ألا توافقني؟ من أعظم الجنف
أبا السعود ! ترفق ! إننا بشر
نعيش ـ والله أدرى ـ عيشة الشظف
(( فلندن )) بلد أجواؤها برد
أحوالها نكد من ظاهر وخفي
لا عندنا سكن يؤوي.. ولا وطن
بل الإيجارات خلّتنا على ((النشفي))
((قنابل)) من بني ((الإيرلند)) تفزعنا
لم يبق فينا الذي في الليل لم يخف
نحتاج دعما فلا تبخل وكن مرنا
وكن وفيا.. فخير الأصدقاء وفِي
***
🌿 ندوة كتاب “حياة في الإدارة” وطرفة جميلة :
حين تم اختيار مدينة الرياض عاصمة للثقافة لعام 2020م نظمت مكتبة العبيكان بالتعاون مع أمانة الرياض بهذه المناسبة منشطا ثقافيا لافتا إذا اختارت 3 كتب الأكثر انتشارا بذلك العام
وكان من بينها كتاب (حياة في الإدارة) لغازي القصيبي وأقامت لكل كتاب ندوة حوار بقاعة الملك فيصل بالرياض
وتم اختياري لإدارة الحوار مع د. غازي وكان حوارا جميلا تألق فيه القصيبي كعادته وسط حضور كبير ضاقت بهم القاعة. وبروحه الجميلة حين قدمته بتوصيف ميادين إبداعه قلت كأن الشاعر يعنيه حين قال:
وليس على الله بمستغرب أن يجمع العالم في واحد
فنهض عن الكرسي قاتلا أودعكم فماذا تريدون من شخص مزدوج الشخصيات “كما وصفني حمد! ثم جلس وسط ضجيج ضحكات الحضور رحمه الله.
***