أشجان غريب .. !!
بدوي الجبل
إلى ولدي وابنتي وحفيدي محمد
– 1-
وجد وهوى
سَلِي الجمر. هل غالى وجُن وعذّبا
كفرت به حتى يشوقَ ويَعْذبا
ولا تحرميني جذوةً بعد جذوةٍ
فما اخضرَّ هذا القلب حتى تلهَّبا
وما نال معنى القلب إلا لأنه
تمرَّغ في سكب اللظى وتقلّبا
خيالُك يا سمراءُ مرّ بغربتي
فحيّا، ورحبّنا بغالٍ ، ورحبّا
جَلاَكِ لعيني : مقلتين وناهدا
وثغراً كمطلول الرياحينِ أَشْنبا
فَصانَك حبّي في الخيال كرامة
وهمّ بما يهواه لكن تهيّبا
وبعْضُ الهوى كالنور ان فاض يأتلق
وبعض الهوى كالغيث إن فاض خرَّبا
أرى طيفك المعسولَ في كل ما أرى
وحِدْتُ ولكن لم اجد منه مهربا
سقاني الهوى كأسين: يأسا ونعمة
فيا لكِ من طيف أراح وأتعبا
وخالط أجفاني على السَّهد والكرى
فكان إلى عيني من الجفن أقربا
شكونا لـه السّمراء حتى رثى لنا
وجرّأنا حتى عتَبنا فأعْتبا
وناولني من أَرز لبنان نفحة
فعطّر أحزاني وندّى وخضَّبا
وثنّى بريّا الغوطتين يذيعها
فهدهد أحلامي وأغلى وطيبا
– 2-
قلب وطفولة
وسيماً من الاطفال لولاه لم أخف
– على الشيب – ان أنأى وان أتغربا
تودُّ النجوم الزهر لو انها دمىً
ليختار منها المُتْرفاتِ، ويلعبا
وعندي كنوز من حنان ورحمة
نَعيميَ ان يُغرى بهنَّ وينْهبا
يجور وبعض الجور حلو محبّب
ولم أر قبل الطفل ظلما محبّبا
ويغضب أحياناً ويرضى. وحسبنا
من الصفوأن يرضى علينا ويغضبا
وإن ناله سُقم تمنَّيت أنني
فداءً لـه كنت السقيمَ المعذَّبا
ويوجز فيما يشتهي، وكأنه
بإيجازه دَلاًّ أعاد وأسهبا
يزفّ لنا الأعياد : عيداً إذا مشى
وعيدا إذا ناغى، وعيدا إذا حبا
كزُغب القطا لو انه راح صاديا
سكبتُ لـه عيني وقلبي ليشربا
وأوثر أن يَروى ويشبعَ ناعماً
وأظمأ في النعمى عليه وأسغبا
وألْثمُ في داجٍ من الخطب ثغرَه
فأقطفُ منه كوكبا ثم كوكبا
ينام على أشواق قلبي بمهده
حريراً من الوشْيِ اليماني مَذْهبا
وأُسدلُ أجفاني غطاء يُظلّه
ويا ليتها كانت أحنّ وأحدبا
وحمَّلني أن اقبل الضيم راضياً
وأرغبَ تَحناناً عليه وأرهبا
تأبّى طويلا أن يُقاد وراضه
زمانٌ، فراخى من جِماحٍ واصحبا
تدلّهتُ بالإيثار كهلا ويافعا
فدللتُه جَدّاً، وأرضيته أبا
وتَخفقُ في قلبي قلوبٌ عديدة
لقد كان شِعْبا واحداً، فتشعَّبا
ويا ربّ. من أجل الطفولة وحدها
أفضْ بركاتِ السلم شرقا ومغربا
وصُنْ ضِحكةَ الأطفال يا رب إنها
إذا غرّدتْ في موحش الرمل أعشبا
ويا ربّ حبّب كلّ طفل فلا يرى
وان لجّ في الإعنات وجها مقطِّبا
وهيِّئْ لـه في كل قلب صَبابةً
وفي كل لقياً مرحبا ثم مرحبا
ويا ربّ إن القلب مُلّكك إنْ تشأ
رددتَ مَحيل القلب ريّان مُخْصبا
ويا رب. في ضيق الزمان وعسره
أرى الصبر آفاقا أعزّ وأرحبا
صليب على عُنف الخطوب وهولها
ولولا (( زغاليل القطا )) كنْتُ
– 3-
غربة وحنين
ويا رب هذي مهجتي وجراحها
سيبقين – إلا عنك – سرا محجبا
وجدت بأهلي ألف ناب ومِخلب
وللدهر والأعداء ناباً ومِخلبا
ويا ربّ إن هانت دموع، فأدمعي
حرائرُ. شاءت أن تُصان وتُحجبا
فما عَرَفَتْ إلا قبور أحبتي
وإلاَّ لِداتي في دُجى الموت غَيبا
وما لُمْتُ في سكْب الدموع فلم تكن ،
خُلقت دموع العين إلا لتُسكبا
ولكن لي في صون دمعيَ مذهبا
فمن شاء عاناه. ومن شاء نكّبا
ويا رب أحزاني وضاء كأنني
سكبتُ عليهن الأصيل المُذهَّبا
ترصّد نجمُ الصبح منهن نظرةً
وأشرف من عليائه، وترقَّبا
فأرخيت آلاف الستور كأنني
أمدّ على حالٍ من النور غيْهبا
فغوَّر نجم الصبح يأساً وما رأى
– على طهره – حتى بَنانا مخضَّبا
وقد تبهر الأحزان – وهي سوافر –
ولكن أحلاهنّ حزنٌ تنقَّبا
ويــا رُبُّ درب فــي الحــياة سـلكتُه
وما حِدتُ عنه لو عرفتُ المغيَّبا
ولــي وطـنٌ أكــبرته عـن ملامــة
وأغليه إن يُدعَى – على الذنب – مُذْنبا
وأغلــيه حــتى قـد فتحـتُ جوانحـي
أدلّل فيهنَّ الرجاء المخيّبا
فمـن حقـه أن أحمـلَ الجُـرح راضــيا
ومن حقه أن لا ألومَ وأعتبا
تــنكّر لـي عـند المشـيب ولا قِلــىً
فمن بعض نعماه الكهولةُ والصِّبا
ومـا ضـقتُ ذرعـا بالمشـيب فإننــي
رأيت الضحى كالسيف عَريان أشيبا
يمـزّق قلبـي الـبعدُ عمــن أحــبهم
ولكنْ رأيت الذل أخشنَ مَركَبا
وأسـتعطف الــتاريخ ضــنَاً بأمــتي
ليمحوَ ما أُجزَى به لا ليكتبا
ويـا رب عـزٌ مـن أمـيّة لا انطــوى
ويَا رب: نور وهج الشرق لا خبا
واعشـقُ بـرق الشـام إن كـان ممطـرا
هتونا بسقياه وان كان خُلَّبا
وأهـوى الأديــم السـمح، ريّـان مخصبا
سنابله نشوى، وأهواه مُجدبا
مـآربُ لــي فــي الربوتيـن ودُمّــَر
فمن شمَّ عطرا شم لي فيه مأربا
سـقى الله عنـد (( اللاذقـية )) شــاطئا
مراحا لأحلامي ومغنىً وَملعبا
وأرقـى ذرى (( الطـود )) الأشـم فطالمـا
تحدى وسامى كل نجم واتعبا
وجـاد ثـرى الشــهباء عطـرا كأنه
على (( القبر))من روحي أْريق وذُوّبا
– 4-
مطر ووطن
ومـرت علـى ســمر الخــيام غمامـة
تجــر علـى صـادٍ مـن الـرمل هـيدبا
نِطــافٌ عِــذابٌ رشّـها الغــيم لؤلـؤاً
وتِــبرا فمــا أغـنى وأزهــى وأعجبا
حَبَــت كـلَّ ذي روح كــريم عطاءهــا
فلـم تـنس آرامــا ولـم تـنس اذؤبــا
وحـيّا فلـم يخطــئ (( حَمــاة )) غمامَـه
وزفّ (( لحمْــصِ )) العـيش فيـنان طيّـبا
ونضّـر فـي (( حـوران )) سـهلا وشـاهقا
وباكــر بالـــنعمى عنـــيا ومُــتْربِا
وجلجـل فـي أرض (( الجزيــرة )) صـيّبٌ
يسـابق في الـنعمى وفـي الحســن صيّبا
تــبرّج للصــحراء قـــبل انســكابه
فلــو كــان للصــحراء ريـقٌ تحلّــَبا
كــأن طـباعَ الغـيد فـيه، فـان دنــا
قلـيلا نــأى حـتى لقـد عــزّ مَطلــبا
ويُطمعهــا حــتى إذا جُــنّ شــوقُها
إلــيه انثــنى عــن دربهــا، وتجنّـَبا
تعــدّ ليالــي هجــره، وســجّـيـةٌ
بكــل مشــوق أن يَعـــدّ ويَحْسِـــبا
ويَـبدأه بالسُّـقيا علـى غــير موعــد
فمـــا هـــي إلا لمحــةٌ ، وتصــبَّبا
إلــى إن جلاهــا كالكعــاب تزيَّنــت
لتحســد مـن أتــرابها أو لتخــطــبا
كذلــك لطــف الله فـي كـل محــنة
وان حَشَــد الدهــرُ القــنوط وألـــبَّا
وطاف الغمام السمح في البيد ناسكا
إلـى الله فـي ســقيا الظّمــاء تقــرّبا
((عواطل )) مرّ المزن فيهن صائغا
فَفَضـض فــي تلــك السـهول وذهّــبا
ورد الرِّمالَ السمر خضراً وحاكها
سـمـاء وأغـــناها ووشّـى وكـوكـبا
ورد ضروع الشاء بالدر حفَّلا
لتُـرضـع حمـلانـاً جـياعـاً وتُحـلــبا
وحرّك في البيد الحياة وسرَّها
فمـا هـامـد فـي البـيــد الا تـوثــبا
ولاعبَ في حال من الرمل رَبربا
وضـاحـك فـي غـالٍ مـن الوشـي رَبربا
وجمّع ألوان الضياء ورشَّها
فـاحمــرَ وَرْديــا وأشــقر أصــهبا
واخـضـرَ بـيـن الأيـك والـبحر حـائرا
وأبـيض بـالوهـج الســماويِّ مُـشْـربا
ولوْنــاً من السـمراء، صـيغت فــتونه
بيـاضـا. نعـم. لكــن بياضــا تعــرَّبا
أتــدري الـربى أن السَّـماوات سـافرت
لتشـهدَ دنـيانا فأغــفت علـى الربــى؟
ديــاري وأهلــي بـارك الله فــيهما
وردّ الـرياح الهــوج أحـنى مـن الصّـِبا
وأُقسـمُ أنـــي مــا سـألت بحــبِّها
جَــزاء ولا أَغليــتُ جاهــا ومنصــبا
ولا كـان قلبـي مَـنْزِلَ الحقــد والأذى
فإنّـي رأيـتَ الحقــد خــزيان متعــبا
تغـرّب عـن مخْضوضـِل الـدوح بلـبلٌ
فشـرّق فــي الَدنـيا وحــيدا وغــرَّبا
تحمـل جـرحاً دامــيا فــي فــؤاده
وغـنى علـى نــأي فأشـجى وأطــربا