الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ إنساناً ومسؤولاً وأديباً
حمد بن عبدالله القاضي
الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ إنساناً ومسؤولاً وأديباً
***
حمد بن عبدالله القاضي
محاور المحاضرة
** الشيخ حسن آل الشيخ إنساناً:
** بعض شيمة:
** رجل الخير والوفاء:
** من أين استمد مكانته:
** الشيخ ومواقف لا تنسى:
** الشيخ حسن مسؤولاً:
** الراحل وتاريخ بلادنا:
** الراحل والمجلة العربية:
** الشيخ والعمل الإسلامي:
** الشيخ حسن أديباً:
** الراحل وهم الكتابة:
** مؤلفاته:
بسم الله الرحمن الرحيم
** الشيخ حسن آل الشيخ إنساناً:
بدءاً كان هناك أربعة محاور وأهداف عاش لها الشيخ حسن آل الشيخ وعمل من أجلها إلى أن انتقل إلى رحمة الله.
* الأول: الدعوة إلى التمسك بالعقيدة الصافية الصادقة، وإنك لتحس بذلك من خلال أعماله التي قام به، ومن خلال كتاباته التي نشرها، ومن خلال حرصه على تمسك الأجيال التي كان مسؤولا عنها بهذه الثوابت.
* الثاني: الإخلاص للوطن كيانا وترابا وانسانا.. وهذا المحور ولا يخطئه كل متابع، فلإخلاص لوطنه سمة لم تفارقه – رحمه الله-، ونجد ذلك باديا في كل تصرفاته وآرائه ولقاءاته ودعواته.
* الثالث: الكلمة المكتوبة وهذا هم جميل يعرفه المقربون منه، لقد كان أسعد ما يكون عندما يشارك في كتابة مقال، أو يصدر مؤلفا، أو يقرأ قصيدة جيدة.. وإنه من رواد الكلمة – حقا – في هذا الوطن فهو من أوائل من شاركوا بكتاباته الملتزمة بصحفنا ومجلاتنا وإذاعتنا.
* الرابع: حبه للناس وحرصه على خدماته بماله وجاهه. وكلمته الطبية، ولعل هذا المحور مرتكز على جانب كبير من الأهمية في حياته وشخصيته، لقد عرف به، فلا يذكر اسمه – رحمه الله – إلا ويذكر جانب ((حب الخير)) في ذاته، فطالما أنجد ذا حاجة، ولم يذكر عنه أنه أقفل باب مكتبه تجاه ذي فاقة، أو أغلق بوابة قلبه أمام كسير قلب فزع إليه ليخفف عنه من صروف الدهر ما نابه. ولكأن الحكيم تراءت له شخصية الشيخ – رحمه الله- وهو يقول:
((وأحسن الناس ما بين الورى رجل
تقــــضي على يــده للناس حــاجــات
لا تمـــــنعن يــــد المـعروف عن أحد
ما دمــــت مقــــتدرا فالســــعد تارات
واشــــكر فضــائل صنـع الله إذ جعلت
إلـــــيك لا لك عنـــــد الناس حاجات))
((ولقد شكر الراحل ربه على ما أولاه من نعم ، وكان شكره لله عملا لا قولا وعطاء لا كلما.
وسوف يأتي التفصيل لهذه المحاور الأربعة التي عاش لها بين ثنايا هذه المحاضرة .
** بعض شيمة:
امتاز – رحمه الله – بكثير من الشيم والأخلاق التي جعلته محبوبا من الأقربين والأبعدين، ونسأل الله أن يكون محبوبا عند ربه وقد قدم إليه مصداقا لقول الخليفة عمر بن الخطاب ((إن الله إذا أحب عبدا حبب إليه عباده)).
أولى صفاته: الصمت وقلة الحديث، فلا تجده يخوض في كل حديث أو يشارك في كل حوار .. وكثيرا ما تمضي جلسة طويلة دون أن يتحدث فيها بكلمة .. لكنه كان إذا تكلم رحمه الله- أجاد وأفاض .. وكان له قبول عجيب من الناس، وقد أحبه من عرفه ومن لم يعرفه من خلال ما سمع من شيمه وشمائله.
ثانيها الصبر: وللصبر في حياته عدة أشكال: فالأول صبره وهدوءه في كل الأحوال، فلا تراه إلا هادئا مطمئنا مهما كان صدره يغلي بالهموم.. وقد تمسك بهذه الشيمة حرصا منه – رحمه الله – على ألا يزعج الناس بهمومه الخاصة.. بل إنه يجعل همومه الخاصة تذوب وتتلاشى في همومه أمته، لقد استشعر – رحمه الله – وصية الحكيم لقمان لابنه في قوله تعالى (واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور). [سورة لقمان: آية 17].
أما صبره الثاني القوى والمؤثر فهو صبره في أخريات حياته – رحمه الله – عندما أصابته بعض الأمراض، فكنت لا تلقاه إلا صابرا، لا يشكو ولا يحكي ، بل يكتم ألمه حتى عن أقرب الناس إليه مخافة أن يؤثر عليهم أو يؤذيهم، وكان يؤدي رسالته بكل إتقان رغم اشتداد المرض عليه أحيانا. لكنه كان يتحامل على نفسه بعزيمة المؤمن وبجلد الرجال.
أما الشكل الثالث من أشكال صبره فهو صبره العجيب على مساعدة الناس دون ضيق أو تبرم ، فهو يلتقي بهم ، ويكتب لهم ، ويتابع شؤونهم، وكان منتهى سعادته أن يقضي حاجة أو يساعد إنسانا وكأنه صاحب الجاحظ الذي روى قصته قائلاً: ((رأيت رجلا يروح ويغدو في حوائج الناس فقلت لـه: قد أتعبت بدنك فمالك راحة ولا قرار فلو اقتصدت بعض الاقتصاد؟ فقال الرجل سمعت تغريد الأطيار، وغناء الجواري الحسان، فما طربت بشيء منها طربت لنغمة شاكر أوليته معروفا أو سعيت له في حاجة)).
ثالثها: حرصه وعشقه للكلمة الطيبة حديثا وحوارا وكتابة، فلم يسمع أحد منه – رحمه الله – كلمة نابية أو لفظا جارحا، وأنه ينطلق من قول الله تعالى ((وقولوا للناس حسنا)) ولعل تمسكه بكلمته الطيبة من أهم أسباب إجماع القلوب على محبته والعرب تقول في أمثالها ((من لانت كلمته وجبت محبته)).
ويشهد الله أنه كان لين الجانب رقيق الكلمة.
لقد هُدى إلى الطبيب من القول ، وهدى إلى صراط الحميد .
رابعها: إصراره على تحقيق الأهداف السامية التي سعى إليها إنسانا ومسؤولا ومواطنا.
** رجل الخير والوفاء:
كل من عرف الشيخ حسن تجده يتحدث عن وفائه للآخرين ومحبته لمساعدتهم، فلم يطرق بابه إنسان إلا ساعده ولم يأته محتاج إلا لبى حاجته ولم يلجأ إليه شخص إلا شفع لـه، والقصص التي رويت عنه أكثر من أن تعد أو تحصى.
لقد عرف – رحمه الله – بأنه الرجل الذي لا يقول ((لا)) بل إن آخر خطاب ختم به حياته، كان قد كتبه لأحد المسؤولين لمساعدة أحد المواطنين الذي لجأ إلى الشيخ حسن – بعد الله – من أجل شفاعته ، وهو الذي يعرف قدره ومكانته عند المسؤولين والناس، ويشاء الله أن يذهب الخطاب لذلك المسؤول بعد وفاة الشيخ، ويشاء الله أن تفلح شفاعته وهو بين جنبات القبر – رحمه الله – لقد كان يغيث المحتاج ويعين على نوائب الدهر.
لقد عُرف أنه لا تغرب شمس إلا وقد كتب عدداً من الخطابات، وقد عدداً آخر من الشفاعات لكل من يرى أنه بحاجة إلى مساعدة أو شفاعة.. وكانت شفاعاته تلقى القبول والتقدير سواء من ولاة الأمور أو المسؤولين أو أصحاب الشركات الخاصة لأنهم يعرفون إخلاصه ونبله ومكانته ولهذا فكم فقد الكثيرون برحيله السند الذي كانوا يتكئون عليه كلما حزبهم أمر، أو ألمت بهم مشكلة.
الجانب الآخر من هذه الشيمة هو: وجوده مع الناس فقد عاش حياته مع الناس مجالسا لهم، وملتقيا بهم ، ومشاركا في مناسباتهم وحاضرا أفراحهم وأتراحهم، وقد تقلص ذلك – في الفترة الأخيرة – بعد تعبه بسبب مرضه – رحمه الله – ولكن هذا التواصل ظل مستمراً عبد الهاتف، والرسالة والشفاعة، وإنك نادراً ما تجد شخصاً يعرفه إلا وقد جاءته رسالة تهنئة من الشيخ حسن، أو لديه منه برقية تعزية ، أو خطاب فيه حفز على عمل جميل أو تشجيع على مقالة أو كتاب، بعض رسائله قطع أدبية جميلة، فهي تدخل في أدب الإخوانيات إذ فيها سلاسة الأسلوب ونبل الهدف، والاستشهاد بالحكمة والشعر وجمال الخط إذا كان قد كتبها بيده، وقد احتفظتُ – كما احتفظ غيري – برسائله التي كنت أبادله مثلها . وكانت رسائله تجئ إليّ منه – رحمه الله – عندما يقرأ مقالة لي فيشجعني عليها، أو عندما يصدر عدد جديد من ((المجلة العربية)) فيسعد به وهو المشرف العام عليها، أو تكون أحيانا جواباً على رسالة بعثت بها إليه وآونة عندما يقرأ قصيدة أو كتابا فيبعثهما مع رسالة رقيقة – رحمه الله-.
** من أين استمد مكانته:
بعض الناس يظن أن ((الوزارة)) هي ا لتي أعطت للشيخ حسن – رحمه الله- الهيبة والمكانة والقيمة ولكن الواقع يقول غير ذلك..!
"أخلاقه " قبل الوزارة وبعدها – هي التي أهلته ليحتل هذه المكانة في قلوب الناس.. وماذا تجدي الوزارة وماذا يفيد الكرسي وماذا ينفع المنصب إذا لم يكن صاحبها على خلق كريم. وما أصدق الشاعر الذي قال:
((وما تنفع الخيلُ الكرامُ ولا القنى
إذا لـم يـكـن فــوق الـكـرام كـرامُ))
إن للكرسي – أحياناً – مردوداً عكسياً إذا لم يتمتع من يعتليه بالخلق الكريم، فالكرسي بقدر ما يظهر الحسنات، فإنه يبدي السيئات ولعل من توفيق الله للشيخ حسن أن المناصب التي تولاها أظهرت محاسنه وإن كان لا يريد أن يظهرها لقد كان يخفي محاسنه والله يظهرها. وما كان له أن يتم ذلك لو لا ذلك الخلق العظيم الذي كان عليه تواضعا وإخلاصا وصدقا ومحبة للناس ((وألسنة الخلق أقلام الحق)).
لقد وهب نفسه للناس، وكأنه يدرك في قرارة نفسه أن العمر قصير، وأن الأبقى في الأخرى هو الأجر من لدى الله، والأبقى في الدنيا هو الذكر الحسن.. فما بال بعض الناس يستغرقون من حرص هذا الرجل على فعل الخير ومساعدة الناس، ولكن النهاية هي التي تزيل هذا الاستغراب وهذا أحد أسرار محبة الناس به في حياته ، و بكائهم المر عليه بعد وفاته .. وكثيرا ما نسمع القصة تلو القصة من أبناء هذا الوطن خاصة الذين ساعدهم الشيخ وأعانهم بحكم مركزه أو حل مشكلاته بمروءته.
إن هذه الخصلة ((حبه للناس ومحبته لهم)) أحسب أنها شيمة تشكل أهم محور في شخصية الشيخ حسن – رحمه الله -!
لقد أفرغ قلبه من كل كراهية ، وملأه بحب الناس بشكل يندر مثيله .. لقد كان شعاره بل شعوره الذي سكن قلبه وجوارحه.
((كل نفس لم يشرق الحب فيها
هي نفس لم تدر ما معناها))
أجل .. إنه لم يُعرف عنه أنه ذكر إنسانا بسوء بل فوق كل ذلك إنه لا يرى في الناس إلا جوانبهم المضيئة .. بل إنه يمقت رذيلة البحث عن عيوب الآخرين، إنه يقول في مقالة نشرتها ((المجلة العربية)) في بابه: [ خطوات على الطريق الطويل]: خصلتان يمقتهما الدين والضمير الواعي والكرامة وأشار إلى أن الخصلة الثانية الممقوتة أن تبحث جاهدا عن مواطن الضعف البشري في الإنسان لتتجاهل معها كل الإنجازات والجهود المخلصة مع إبراز ما يصاحبها عادة –فيما يشبه الحملة الظالمة تحت ستار – النقد الموجه.
أما حب الناس لـه بل وإجماعهم على ذلك فأمر يكاد الناس أن يتفقوا عليه فقد كان محبوبا في حياته من الصغير والكبير والوزير والخفير، والمعلم والطالب.. وكان لا يذكره أحد إلا ويثنى عليه، ويدعو لـه، وقد تجسد هذا الحب له بعد وفاته، إذ بكاه من يعرفه ومن يعرفه وكتب عنه المئات من المقالات ، وعزي برحيله البعيد قبل القريب – رحمه الله – ولم لا يكو نذلك لـه وهو الذي كانت حياته جدولا من الحب ونبعا من نهر المحبة وكأن الراحل الأديب المرحوم عبد العزيز الرفاعي يعينه وهو يقول:
((طوبى لمن جعل المحبة جدولا
وسقى أحبته فطاب وطابوا))
أجل..
ذلك هو السر وكفى
فهل تتعلم الأجيال الجديدة من سيرة مثل هذا النبيل؟
** الشيخ ومواقف لا تنسى:
هناك مواقف كثيرة ومؤثرة عشتها مع الراحل، أحسب أن لدى غيري الكثير منها: ولكنني أذكر بعض ما عايشته شخصيا من مواقف تجيء الآن على شكل ذكريات بالغة التأثير ، ويتجلى في بعضها فيض الرحمة وفي بعضها الآخر نبض العمق، وفي ثالثها حلم الإنسان.
أما أولها فهو موقف فيه الكثير من إنسانيته التي عرف بها، لقد كتبت له بصفته المشرف العام على المجلة العربية عن إهمال وعدم التزام أحد المحررين من الشباب المتعاونين معنا وطلبت موافقته على الاستغناء عن تعاونه مع المجلة، ولكن عاد الخطاب من معاليه، وإذا به قد شرح عليه بكلمة ((يُؤَجّل)) وكنت أفهم بحكم عملي معه أن هذه الكلمة تعنى أنه غير موافق على ما طلبت، ولكن أدبه الجم يجعله لا يكتب ذلك بشكل صريح بل بطريقة إيحائية مفهومه، وفعلا نفذت توجيهه واستمر الزميل، ولكن فوجئت أن الزميل بعد حوالي نصف شهر تغير كثيرا، وبدأ يحافظ على عمله ودوامه، وسعدت كثيرا بذلك، وعندما جاءني للتفاهم حول إعداد مقال من المقالات التي سوف يتم نشرها ، أبديت له سعادتي بانتظامه واهتمامه، فكشف مفاجأة جميلة قال: لقد تلقيت رسالة من معالي الشيخ حسن – رحمه الله – يحثني فيها: على الالتزام والإخلاص في أداء عملي. فأثرت في هذه الرسالة كثيرا، وجعلتها نبراسا لي في حياتي.
الله..!
أرأيتم أعظم من مثل هذا الموقف:
محرر ناشيء متعاون يكتب له معالي الوزير المشرف العام رسالة بخط يده لا تعدل في مسيرة عمله بل في مسرة حياته كلها.
ثانيها: موقف فيه بعض الطرافة والحرج معا، إذ أذكر أنه في أول سنة أجلت فيها الدولة صدور الميزانية، وجعلت المصاريف تتم بشكل شهري عند بداية اضطراب أسعار البترول ، وكان المواطنون – بما فيهم رجال الإعلام معتادين صدور الميزانية مطلع شهر رجب ، ونحن بالمجلة العربية ، نعد مواد عدد رجب قبل مجيء هلال الشهر بمدة ، حيث أن المجلة تصدر وتوزع في أول يوم من كل شهر هجري، وأذكر أننا كتبنا افتتاحية العدد عن صدور الميزانية، والتي تتضمن كالعادة كل خير.. وفي تلك الليلة التي أعلن فيها خادم الحرمين الشريفين في جلسة مجلس الوزراء تأجيل إعلان صدور الميزانية بسبب اضطراب أسعار البترول ، كان عدد رجب من المجلة بين يدي، وسوف يتم توزيعه غدا ((الأول من رجب))، ولقد أسقط في يدي، إذ كيف نوزع المجلة وأول مقالة فيها عن صدور الميزانية والميزانية لم تصدر، ولم أجد إلا القلب الكبير إنسانا ومسؤولا ((الشيخ حسن)) لآخذ رأيه بالأمر ، واتصلت به حوالي الساعة الحادية عشر مساء، وأوضحت له الأمر وبسماحته نفسه ، وبعد نظره – رحمه الله – قال لي: ((لا بأس يا ابني دع العدد يوزع بشكل طبيعي .. وليس هناك أي خطأ – ولو كان هناك خطأ – فأن تخطئ المجلة في نشر الخير خير مما تخطئ فيما سواه)) وفعلا صدر العدد .. ولم يكن لذلك أي رد فعل سوى تعليقات طريفة من بعض الزملاء حول افتتاحية المجلة عن الميزانية التي لم تصدر .
** الشيخ حسن مسؤولاً:
لا يذكر التعليم في بلادنا إلا ويذكر الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ – رحمه الله.!
إنه أحد رواد التعليم ، وأحد من وهب هذا العمل الشريف زهرة شبابه، وصادق إخلاصه، وبعد نظره.
لقد تولى وزارة المعارف – رحمه الله – بعد أن كان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز قد وضع أسس التعليم، وانطلق بمسيرة التعليم الحديث في بلادنا إلى آفاق واسعة، ثم جاءت فترة تولي الشيخ حسن التي صاحبها ازدياد أرقام الموارد المالية وارتفاع ميزانية التعليم وقد قفز بدعم الدولة الرشيدة بالتعليم قفزة كبيرة أفقيا وعاموديا، وتم افتتاح آلاف المدارس، ومئات المعاهد، وتم إنشاء الجامعات السبع، في أثناء توليه الوزارة. وكان الشيخ حسن – رحمه الله- هو المسؤول عن التعليم بكافة أنماطه من تعليم عام، وتعليم خاص، إضافة إلى أنه كان المسؤول عن الجامعات في بلادنا والمشرف عليها، والتي انطلق بها إلى مدارات علمية واسعة، وقد ظل وزيرا للمعارف حتى انتقل إلى وزارة التعليم العالي التي واصل فيها رسالته في خدمة التعليم العالي في بلادنا حتى انتقل إلى رحمة الله.
وكم أتمنى أن يتصدّى أحد الرجال الذين عملوا معه في ميدان التعليم لتأليف كتاب خاص عن "الشيخ حسن وجهاده وجهوده في سبيل التعليم" وهو الذي أعطاه أغلى وأجمل سنوات عمره –رحمه الله-.
** الراحل وتاريخ بلادنا:
الشيخ حسن آل الشيخ – رحمه الله – كان معنيا بخدمة تاريخ بلادنا بحثا ودراسة، واهتماما، وكان حريصا على بلورته أمام الأجيال الجديدة، وإبانة الجهود العظيمة التي بذلها موحد هذه المملكة حتى أصبح وطنا واحدا آمنا بفضل الله.
وقد رأس – رحمه الله- مجلس دارة الملك عبد العزيز منذ قيامها والتي قدمت أعمالا جليلة وبحوثا مستفيضة ، وقيمة تصب في نهر اكشف عن تاريخ بلادنا، والحفاظ عليه، وإبراز كفاح المؤسسة الملك عبد العزيز – رحمه الله – وما بذله من عظيم عطاء في سبيل قيام هذا الكيان الراسخ الشامخ .
وقد أسهم الشيخ – رحمه الله – في نشر كثير من الكتيب عن بلادنا، وقدم لبعضها، وكان كثيرا ما يتبنى ويكتب للجهات المسؤولة عن الكتب التي تتناول تاريخ المملكة، والتي يرى أنها تستحق أن تطبع وتقرأ وتبقى.. وبالفعل صدر عديد من الكتب التاريخية المهمة التي تبناها، ورأى مناسبة طبعها من خلال مادتها العلمية ومن خلال أمانة ودقة مؤلفيها سواء كانوا من بلادنا أو من غيرها.
وكان – رحمه الله- يعشق الحديث عن تاريخ هذا الوطن وقيامه على أساس إسلامي قويم منذ أن التقى الإمامان محمد بن سعود و محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله.
وأذكر أنني حضرت لـه أكثر من مجلس، وكان فيه ضيوف وأدباء من خارج المملكة فكان – رحمه الله- يأخذ بدقة الحديث ويتوجه به إلى الحديث عن المملكة وتاريخها وكفاح الملك عبد العزيز في سبيل وحدتها، وكان يدعم حديثه بالقصة والمعلومة والرقم وبأسلوب قصصي شائق ومقبول.
** الراحل والمجلة العربية:
بوصفه أديباً معنياً بالكلمة وحفياً بالثقافة تبنى وحرص ورعى وأشرف على ((المجلة العربية)) حتى انتقل إلى رحمه الله فهي حبيبة إليه، كما أن كليهما حبيبان إلى نفسي .. ولعل من أعز مكاسب عملي بالمجلة هو تعميق صلتي بهذا الرجل وأمثاله من المسؤولين الأخيار، وذلك بحكم عملي ((ورّاقاً)) فيها.
إنني أولا أشهد أنه لو لا عون الله، ثم دعم الدولة ثم جهاد وحماس الشيخ حسن لهذه المجلة لما صدرت هذه المجلة وواصلت رسالتها ونجحت – بفضل الله – في خدمة بلادنا وثقافتها وحضارتها منبرا إعلاميا ثقافيا سعوديا أصبح له حضوره الكبير داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، ولأنها أُسست لأهداف نبيلة وتبناها رواد مخلصون استمرت قوية واثقة الخطا، وكلما تركها سلف خير قيض الله لها في وطن الثقافة خلفا خيرا يهتم بها ويحرص على استمرار أداء رسالتها، وتواصل نجاحها .
لقد جاءت فكرة إصدار هذه المجلة عندما تبنى الراحل الشيخ حسن رحمه الله إنشاء مجلة جامعة تسهم بالتعريف بثقافتنا وحضارتنا ويتم توزيعها داخل المملكة وخارجها وعرض فكرتها على الملك فيصل – رحمه الله- فواق على إصدارها لتكون صوتا ثقافيا سعوديا يسهم في بلورة ثقافة وحضارة بلادنا أمام الآخرين، وفي ذات الوقت يقدم للقارئ السعودي والعربي الثقافة التي تجمع بين الأصالة والجدة في مختلف مجالات المعرفة، يقول الشيخ حسن– رحمه الله- في مقالة نشرها ((بالمجلة العربية)) بمناسبة بلوغ عامها العاشر: ((وفي مكتب الإمام الشهيد ((فيصل بن عبد العزيز)) وبعد أن فرغ من قراءة التقرير الذي تشرفت برفعه إليه، حول المجلة قال لي ((رحمه الله)): إنني موافق على فكرة المجلة، وأعهد إليك بالإشراف عليها، وكانت مفاجأة لم أكن أتوقعها. وفي غمرة الثقة وحرج المسئولية بدأت أولى خطوات هذه المجلة، وبدأت معها المتاعب التي لم تكن متوقعة، ولم نستطع طباعتها داخل المملكة لأسباب كثيرة ، وتمت طباعتها ببيروت، ثم توالت أحداث لبنان المؤسفة، واضطربت معها مواعيد المجلة في الصدور والتوزيع.. ويستمر قائلا: ثم بدأنا نفكر في طباعتها داخل المملكة، ومررنا بتجارب دقيقة ليس من المهم أن يعرفها القارئ لكننا – بفضل من الله – استطعنا التغلب على كل العقبات، وصدرت من المملكة بتعاون مخلص فريد من مطابع الأصفهاني بجدة، وبجهود كريمة من إخوة نبلاء بذلوا، ولا يزالون يبذلون جهودا رائعة وكبيرة في سبيل إخراجها، وإيصالها إلى القارئ في كل مكان، وفي مطلع كل شهر.
ولم يتوقف دعمه ((للمجلة العربية)) بوصفه مشرفاً عاماً عليها فقط بل امتد إلى أنه أصبح كاتبا فيها حيث بدأ ينشر زاويته المعروفة "خطوة على الطريق الطويل" التي لم تتوقف خطواتها إلا بتوقف خطواته الطويل" التي لم تتوقف خطواتها إلا بتوقف خطواته على درب هذه الحياة، وليس ذلك فحسب بل إنه كان يقترح بعض الأبواب وبعض الصفحات، وكان يستكتب الكتاب والأدباء للكتابة فيها، وإذا ما التقي بأديب أو شاعر أو كاتب مجيد كان من أول ما يبادره به دعوته للكتابة ((بالمجلة العربية)) وقد شهدت ذلك بنفسي أكثر من مرة.. إنه رحمه الله عندما يتوجه إلى أي أمر فيه خدمة لعقيدته ووطنه فإنه يتوجه إليه بكليته وإخلاصه، ويوظف له علاقاته الواسعة، بل يستثمر حب الآخرين له لهذا الهدف النبيل.. وهذا هو ما حصل للمجلة العربية ، فالفضل لله أولا ، ثم لولاة أمر هذا الوطن الذين دعموها وساندوها ثم لهذا الراحل الغالي الذي كان – في المجلة العربية- حتى رحيله مشرفا ومسؤول تحرير وكاتبا قد كانت سعادته بصدور العدد الجديد من ((المجلة العربية)) لا توصف وكنت أرسل لـه العدد الجديد حال صدروه ليلاً أو نهاراً ، وقد حدثني أحد من كانوا معه وهو الاستاذ سليمان الدخيل رحمه الله أنه عندما تأتي المجلة للشيخ فإنه يبقى معها وقتا طويلا قارئا ومطلعا ، وكان يتحدث – بكل سرور وسعادة – مع جلسائه عن العدد الجديد وما فيه من موضوعات ومقالات، ومن هنا كنت أحرص على بعض العدد إليه حال مجيئه من المطبعة ليس بصفته مسؤولًا فقط، ولكن لأسهم في إدخال السرور إلى نفسه، وهو الذي يستحق أن يفرد لـه الإنسان فضاءات السعادة وأن يشرع أمام قلبه بوابات الفرح.
** الشيخ والعمل الإسلامي:
كان الراحل – رحمه الله- مخلصاً لدينه بلسانه وبقلمه.. وكان رئيس الندوة العالمية للشباب الإسلامي التي كان لها أثرها و لا زال في خدمة الشباب واستقامتهم ، وإبعادهم عن تيارات الإفراط أو التفريط وتجبنهم المبادئ الهدامة التي تضر بدينهم وأوطانهم، وق سار – رحمه الله- بتنفيذ منهجها وأهدافها التي وضعت لها من الدعوة بالتي هي أحسن إلى جانب قيامها بجمع الصدقات والزكوات لخدمة العمل الإسلامي والفقراء المسلمين في إنحاء المعمورة، وكان معنيا بقضايا الشباب في هذا الوطن، وفي الوطن الإسلامي عامة ليتربى تربية إسلامية، وينشأ تنشئة صالحة.. يقول عن الشباب في إحدى مقالاته ((بالمجلة العربية)):-
((عندما يفقد الشباب المسلم صلتهم بتراثهم وتاريخهم وسير أبطالهم يعيشون مرحلة ((الضياع)) الرهيبة .. لأنهم غير مدركين للقيمة الفعلية لما يمتلكون ويصعب عليهم اكتساب ثقفتهم بواقعهم أو انتمائهم الطوعي لـه.. ولا يبقى أمامهم سوى ((الفراغ)) الذي يملوه هذا الطوفان المجرم من العادات والتقاليد التي تتخذ كل أشكال الإثارة والإغراء.. وتداعب الغرائز والأحاسيس ، ويبقى الشباب أمامها حيارى بين ما افتقدوه، وبين ما هو مُتاحٌ لهم من الانحراف والباطل والفجور.. والقليل منهم من يستطيع تحكيم عقله والقدرة على تمييز دوره ورسالته، ويتهاوي الكثيرون لا لانحرافٍ كامنٍ في تكوينهم، ولكن لفقد التوجيه الذي يستطيع أن يُؤثر ويفرض وجوده أمام التيارة المعاكس الذي يحمل كل أسلحة التأثير والإغراء والإثارة..)).
لقد عاش – رحمه الله – معنيا بهموم الشباب طلابا وأبناء وعاملين .. كان يريد لهم الصلاح في الدنيا ، والفلاح في الأخرى – رحمه الله.
** الشيخ حسن أديباً:
الشيخ حسن آل الشيخ ذا تخصص ديني، وقد ألف كتبا في هذا المجال إلا أنه كان واسع الثقافة عاشقا للشعر والأدب، نهما بالقراءة، كان يتابع الكثير مما ينشر في الصف والمجلات والكتب وقد عايشته شخصيا وبالأخص في آخر أيام حياته – رحمه الله – فكانت علاقتي به إلى جانب علاقة الارتباط العملي علاقة ثقافية، وكان – رحمه الله- يسعدني كثيرا عندما يرسل لي – حيث يعدني واحدا من أبنائه الكثر – مقالة جيدة لقراءتها، أو قصيدة أعجبته لأستمتع بالإطلاع عليها أو كتاب يحرص على إطلاعي عليه، وكان يعقب ذلك حوار هاتفي شخصي بينه وبيني، وكم هي الكتب الجميلة التي أهداها إلي لقراءتها، وكم استفدت واستمتعت بقراءتها لأنها كانت كتبا مختارة منتقاه: وكنت أبادله ذلك الاهتمام على استحياء، وقلة اطلاع، فكنت أبعث إليه شيئا مما أقرؤه أو إطلاع عليه وأريد – وهو المتذوق للكلمة الجميلة – أن يشاركني متعة وفائدة ما اطلعت عليه.
وأحسب أن كثيرا من أصدقائه وزملائه يبادلهم هذا الاهتمام وكثيرا ما عبر– عن ذلك – برسائله الجميلة بخطه البديع.
وقد امتد اهتمامه الثقافي – رحمه الله – إلى المساعدة بنشر كتب العديد من الكتاب والمؤلفين السعوديين، بل ومن غير السعوديين الذين يثق بسلامة عقيدتهم وحبهم لبلادهم وتاريخها وحضارتها
وكان قارئا نهما وبالأخص في أخريات حياته.. ونادرا ما تراه إلا وبين يديه صحيفة يطالعها أو كتاب يقرؤه وكأن ذلك الشاعر يعينه عندما قال :
((جــعــلـت ســمـيري حيـن عـزّ مســامـري
صحــائــف أمــلــتــهــا الـعـقـول الـنـوابـــغ))
** الراحل وهم الكتابة:
لم تكن الكتابة لديه – رحمه الله – ترفا ..!
بل كانت هما يحمله نحو أمته وعقيدته.
وكانت اهتماما يسكن وجدانه كما يستوطن قلمه .
من هنا فإنك تحس في كتاباته أنه مهموم بقضايا وطنه، ومشفق على شباب أمته، ومعني بسماحة عقيدته التي شابها الكثير من أعدائها ومن بعض أبنائها معا …
كان يستشعر – رحمه الله – أن الكتابة أمانة ومسؤولية ورسالة .. تحس وأنت تقرأ له أنه يعيش في ظلال قوله ربه: ((ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)) [ سورة ق: آية 18] .
أما أسلوبه فقد شهد له دارسوه وقارئوه أنه بهي باهر بهي بعمق أفكاره، ونقي بمضمونه، وصفاء جوهرة، باهر بجمال عبارته، وتناسق مفرداته، وأناقة جمله، وهو يكتب بالأسلوب العلمي عندما يكتب مباحث، وأناقة جمله، وهو يكتب بالأسلوب العلمي عندما يكتب مباحث تاريخية أو فقهية كما في كتابه ((التنظيم القضائي بالمملكة العربية السعودية)) وهو يجيء إليك بأسلوب كرفيف الحمام وتهادي الفجر عندما يسجل خواطره ومشاعره، كما في كتابه ((خطوات على الطريق الطويل)) وهو يطرح لك أفكاراً عميقة بأسلوب مختصر، فتقرؤها على صورة حكم، وجماع كل ذلك ((فضيلة الصدق)) في كل كتاباته، وهل مثل الصدق مؤثر في عطاء الكاتب، وأثير لدى القارئ.
وسوف أقدم نماذج من كتاباته الطويلة، وهي نماذج من بعض مقالاته التي نشرها في بابه الشهري بالمجلة العربية ((خطوات على الطريق الطويل)) الذي يكتبه حتى فارق هذه الدنيا..، وسوف تلحظ أيها القارئ الكريم في هذه الكتابات نظرته – رحمه الله- للحياة وسبره لأغوارها، وبعد نظره في التعامل معها ومع الآخرين، وسوف ترى أنه كان مهموما – رحمه الله- بهموم أمته، وقضايا شباب وطنه، وكل ذلك يجيء بأسلوب مشوب بالحب ، مضمخ بالقول الجميل.
أما خواطره الجريئة السريعة ، فهي ((أفكار)) مختصرة وعميقة في كلمات وألفاظ معدودة.. لكن تشعر وأنت تقرؤها باختزانه – رحمه الله – ما يمر عليه في مسؤولياته أو حياته أو رحلاته ثم يترجمها في سطر أو سطرين على شكل حكمة بليغة، أو كلمة جامعة.. وأنت تقرؤها في لحظات، لكنها تحتاج إلى أن تفكر في مضمونها ساعات – على حد وصف أحد الأدباء.
** مؤلفاته:
أصدر رحمه الله (6) وهي:
* الأول: دورنا في الكفاح
* الثاني: التنظيم القضائي في المملكة العربية السعودية
* الثالث: المرأة.. كيف عاملها الإسلام ؟
* الرابع: كرامة الفرد في الإسلام
* الخامس: خواطر جريئة
* السادس: خطوات على الطريق الطويل