️⃣مقال حمد القاضي: 🌱رفقا بنا يا صاحب التباريح: إنه قرار وصل لا قرارفصل!
🌱حمد بن عبدالله القاضي
🌱قال أبو عبدالله حمد القاضي عفا الله عنه – إن حالات الندم في حياته قليلة ا، فهو يسعى جهده ألا يقول أو يعمل شيئاً يندم عليه، ومع هذا لن يركب حصان الغرور أو الثقة، فهناك حالات ندم عليها في حياته ولعل أقربها تلك الوريقة البيضاء التي تهادت إلى أستاذي الأديب المؤرخ الفقيه أبي عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري التي أطلق عليها خطاب الفصل.
ومن أبو عبدالله القاضي حتى يصدر قراراً بفصلك أو بالأحرى حجبك عن قرائك في زاويتك تباريح بمجلتك العربية؟!.
فرفقاً يا صاحب التباريح، فصاحبك لا يزال ذا قلب رقيق تأسره النسمة، وتسحره الهمسة، فكيف له بالقسوة، وهو من قوم قال شاعرهم:
قـُدتُ الـجـحافـل والـبـوارج قــادراً
مـالـي ضعـفـت فقـادنـي جـفـنـاك
وهو لا يزال على ذلك العهد الذي عهدته عليه يوم قلت في ديوانك :النغم الذي أحببته والذي أطعمته للنار أخيراً:
نحـن قـلـبـان تـيّـمـتـنـــا عـهـــــود
كيف ننسى مــا وثّقتــه الجـفـون؟.
قال أبو عبدالله القاضي حفظ الله لسانه، وسدَّد سهامه: وما عهدتّني إلا عصيّ الدمع ليس لأن شيمتي الصبر، لكن لأن الدمع الذي ينزف في الصدر ينوب عن الدمع المنسكب على الخد، وهكذا – يا أبا عبدالرحمن – وجدت نفسي في الإ حدى الحالات التي رأيت فيها دمعة تفر من عيني إلى وجنتي بعد قراءة مقالتك الشجية: القرار الأخير التي نشرتها في هذه الجريدة
🌱🌱🌱
وأشهد الله قبل أن أشهد العدول أنها أصابت مني مقتلاً، وأعقبتني ألماً وندماً.. ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما كنت خططت تلك الوريقة، ولا بعثت إليك تلك الكليمة، ولكن الحذر لا يغني من القدر.
وقد كنت أتشرف أنك بعد قراءتها التمست لتلميذك عذراً على ما سوف يأتي بيانه، ويجيئ تبيانه، ولكن قلبك الظاهري الرقيق – وما أرقّ قلوب الظاهريين – لم يستطع احتمال ذلك العتب، وإن كان جاء من تلميذ في كلمات خفيفة كالحبب، ويظهر أنك يا أبا عبدالرحمن فهمتها على أنها من ظلم ذوي القربى فكانت على قلبك كالحسام المهند.
ولعل ما حصل لي معك إحدى بلايا مهنة الوِراقة وما أكثر بلاويها، وحسبنا نحن الورَّاقين – وأنت رائدهم – أن مهنتهم لا تورق في قلوبهم إلا تعباً!.
🌱🌱🌱
قال أبو عبدالله القاضي: أما غضبتك عليَّ فلم أحتملها، وأنّى لي باحتمالها وأنا الذي استشرف رضاك فكيف أقدر على غضبك؟.
وإذا كنت رضيت عليَّ ذات يوم حتى سلكتني في سلك الظاهريين – وكان هذا يعني قمة رضاك علي – فكنتُ مع الظاهريين الذين رضيت عنهم كالقصيبي غازي، والماجد عبدالله، والصالح أحمد، والظاهريات كالسقاف خيرية، والخزرجي عاتكة.
واليوم أراك سللت سيف الغضب، وأبديت ناب العتب، وعسى ألا تكون حالي معك محبَّا قليل حظ، فتكون الحسنات ذنوباً، والمزايا رزايا!.
🌱🌱🌱
أما بعد: فو الذي نفس أبي عبدالله القاضي بيده ما كتبت لك ذلك الخطاب إلا ليكون فصل الخطاب، لتعود إلى قرائك عاجلاً، كذلك الذي كان عنده علم من الكتاب فأتى بعرش بلقيس إلى سليمان قبل أن يرتد إليه حاجب الأبصار.
قال أبو عبدالله القاضي الورّاقي (نسبة إلى مهنة الوراقة): لقد أسميت تلك الوريقة بخطاب الفصل، وكيف لأبي عبدالله بشؤون الفصل، وهو الذي لا يعرف إلا واو الوصل، وإن رأيت أن تستفتي في شأن تلك الوريقة: هل هي قرار فصل، أم خطاب وصل، فلنسأل فقيه نظام الخدمة ولوائحه معالي الأستاذ تركي خالد السديري، ولن يضنَّ علينا بالجواب، وبالرد على الخطاب؟.
وحدث أبو عبدالله القاضي، طالباً الصفح، وناشداً العفو قائلاً: إن كان في الوريقة إياها كليمة غير موزونة فأولى بأبي عبدالرحمن الصفح، وهو من الكرام الذين إذا قرأوا ستروا القبيح وأظهروا الحسنا، وإن أعقل الناس أعذرهم للناس كما تقول العرب، وأنت من أنت عالماً سمحاً وظاهريَّا دمثاً.
أما إذا أصررت على الغياب طوال العام، فإن الشوق إليك سيكون كالضرام، وسوف يلجأ قراؤك إلى أن يأطروك على الكتابة أطراً، ويعيدوك إلى التباريح فوراً، وإن امتنعت فسوف نلجأ إلى صاحبك ومشرفنا معالي أبي محمد: عبدالعزيز الخويطر، ولا يعرف الفضل إلا أهل الفضل، وهو الذي ستكون رغبته أمراً، وأشك أنك تستطيع لطلبه ردًّا.
🌱🌱🌱
قال أبو عبدالله القاضي حفظ الله لسانه’ وطهَّر أردانه: عندما حدثنا أبو عبدالرحمن غاضباً، وللرمح عارضاً، وجب علينا أن نبين له السبب فنقول: إن أبا عبدالله الوراق ما بعث بتلك الوريقة التي أدخلها أبو عبدالرحمن التاريخ إلا بعد أن تعب هو، ونصب زملاؤه في المجلة العربية من كثرة الملاحقة التي كادت أن تصل إلى المطاردة، فمن هاتف بالليل إلى هاتف بالنهار، ومن دار إلى دار، فعندما نتصل في دارتك دارة داود الظاهر كما أسميتها في حي سلطانة المحروس يجيئنا الرد أنك قد ذهبت إلى دارتك دارة ابن حزم الظاهري، بحي الملز المعمور.
وكنا عندما نتصل بك بالشتاء تقول: هذا أوان القر والصر.. وإن اتصلنا بك بالصيف قلت: هذه حمّارة القيظ.
وعندما نلحف بالسؤال يجيئنا الجواب أن الشيخ وفقه الله بالمسجد يصلي ويسجد، وآونة في دار الإذاعة يسجل التفسير بأسلوبه المميز البصير.
وكم مرَّة أخرنا طباعة إحدى الملازم لعل التباريح تدركها، وكم لقينا من عناء التأخير ولوم المطبعة على كثرة التسويف، وكدنا في بعض الأعداد من شدة حرصنا على تباريحك وخشية افتقاد القارئ لها أن نملأ صفحتك البيضاء بصورة لك محنّاة لتعبئة مكان الزاوية حتى لا تخرج للقراء خالية.
🌱🌱🌱
أرأيتَ الآن حرصنا على هذه التباريح رغم إتعابها لنا؟.
ولكننا مع هذا نعتبر تعبها راحة فمثلك من يُتعب من أجله، وحسبنا بتقدير الفاضل معالي أبي مازن العنقري لك الذي ثمن علمك وأعمالك وشاقته تباريحك وتغاريدك.
قال أبو عبدالله: ومع كل ذلك لو علمنا عن تلك الأسباب المؤلمة التي شرحتها في مقالتك الشجية لما كتبنا لك سطراً، وما بعثنا لك طرساً، وكنا نلتمس لك عذراً، فقد آلمنا ما شرحته من آلام القولون، ومن إجراء عملية لابنك أبي الوفاء علي، ومن الحادث الذي جرى لابنك أبي محمد عبدالوهاب، ثم قبل ذلك وبعده كثرة الرعية التي أصبح لكل واحد منهم قضية، ولا نملك هنا إلا أن نحمد الله معك على سلامة الأبناء، ونسأل الله أن يخفف عنك من آلام هذا القولون لتعود إلى مجلتك مجلّياً، وإلى حلقات مسجدك معلّماً، وإلى جامعتك محاضراً، وإلى مستمعيك محدثاً.
ثم إلى مجالس محبيك تسعدهم بغزير علمك، وتُطري جلساتهم بطرائفك، كمثل تلك الطرفة التي ترويها عن أحد أبناء شقرائك في القديم، عندما كنت تصلي صلاة القيام(وكان يصلي بجانبك رجل أمي سليم النية وكنت كلما سجدت سمعته يدعو مردداً هذا الدعاء: رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني، فلم تستطع عليه صبراً.
وحال تسليم الإمام أمسكت به ناصحاً وقائلاً له بأسلوبك اللطيف: كيف تدعو بهذا الدعاء هل أنت زوجة عمران؟. وردّ عليك :هذا بالقرآن
وأرشدته إلى الدعوات المناسبة له كرجل لا امرأة.
أتراك نسيت هذه الحكايا أم أنسيتها بسبب آلام القولون وهمومه أرجو ألا يكون ذلك كذلك.
🌱🌱🌱
قال أبو عبدالله عفا الله عنه: إن قراءك يا أبا عبدالرحن يعرفون أنك فقيه ومؤرخ وكاتب ومفسر وشاعر فصيح لكن أغلبهم لا يعرف أنك
شاعر نبطي تُلين قصائده عاتي الجبال، وتُرقص ربات الحجال، وحسبهم أبيات من تلك القصيدة التي أسندتها على صديقك راشد الحمدان عندما أردتَ السفر إلى “عزبة أبي صير” في مصر المحروسة في غابر السنين وقد سكبت فيها أبياتا فيها لوعة ابن لعبون، وهيام محسن، والتي قلت فيها:
ما طردت الغـيَ فــي عزَ الشبـــاب
مير أدعج العينين ضيّع لي اقْداية
زامـي الـردفـين مـفـلـوج الْـعــذاب
وإن ضحك لي بالمودة وا هنايّــه
وطوّل الصّـدة وليفــي واعــذابـــي
وعجّل الردة فهو غايــة منـايـــه.
إلي آخر هذه القصيدة التي تقطر رقة وتذوب شفافية.
وآه منكم أيها الظاهريون كم هي قلوبكم رقيقة، وأشعاركم للقلوب مذيبة، ولكنكم – مع هذا، وعلى طريقة شيخكم ابن حزم – فيكم عند الصّدع بالحق قوة’ وعند رؤية الباطل جولة وصولة، وكأن شاعرنا العربي يعنيكم ويعنينا معكم عندما قال في بيت جمع فيه ما بين رقة العاشق وقوة الفارس:
نحـن قـوم تذيـبنـا الأعيــن النجــل
غـــيـــر أنا نـــذيـــب الــحـديـــدا
والله ما كذب – والذي نفس هذا الكويتب بيده – ورغم كل ذلك أيها الظاهري فإن رقة القلب هذه قد تحولت لديك من خيالات في الشعر والهيام إلى رقة تسكن جوانحك وأنت تصلّي في جنح الليل والناس نيام، بعد أن أصبح قلبك معلقاً بخشوع المساجد بعد أن كان مولعاً برقيق القصائد.
🌱🌱🌱
قال أبو عبدالله القاضي: ولو لم يكن من أمر تلك الوريقة التي أغضبتك إلا أن ظفرنا بمقالتك الشائقة قرار الفصل.. التي هي أقرب إلى الشعر منها إلى النثر، والتي كتبتها بأسلوب هو أدنى إلى هديل الحمام بعد أن أمسكت بطوقه ودثرت قلمك بتغريده.
وثاني عوائد هذه الوريقة أنها حققت الهدف، فقد وعدت قراءك بالعودة إليهم في عام قابل وإن كنا وهم لا نستطيع على الصبر عن تباريحك كل هذا الزمان، ولكن إن أصررت فما لنا إلا الصبر حتى ولو تجرعنا الصبر، وستبقى صفحة الزاوية ملكك كما قلت في مقالتك، فقد أحييتها إحياء شرعيًّا وعرف القاصي والداني حدودها.
ونحن معك في هذا لكن عسى ألا تتدخل وزارة الزراعة في الأمر حيث أنها عندما تمنح إنساناً أرضاً زراعية ثم لا يحييها صاحبها أو يحييها ثم يهجرها فإنها – كما نسمع – تأخذها منه وتمنحها لغيره.
ولكن اطمئن فنحن بالمجلة العربية لن نفعلها، فمن لنا نحن غير أبي عبدالرحمن، ومن لنا بتباريح غير تباريحه برَّح الله عنا وعنه كل مكروه.
🌱🌱🌱
وبعد: نخالة بعد هذه المقالة الاعتذارية النابغية قد رضيت.
ذلك ما كنا نبغي، فلقد أردنا بهذه المقالة ذات الأسلوب الظاهري أن نستل سخيمة غضبك، ونظفر بصادق عفوك، ونحظى بعاجل أوبتك.