ندوة الثقافة المطبوعة: فـي زمن الإنترنت !
حمد بن عبدالله القاضي
ندوة
الثقافة المطبوعة:
في زمن الإنترنت !
الضيف: أ. حمد بن عبدالله القاضي
** مقدمة:ـ
الحمد لله الذي علّم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم، وأصلي وأسلم على نبينا محمد الذي هدى الإنسان إلى خير دين ومعلم.
{ربِّ اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي}.
وبعد:
شكراَ للأستاذ الكريم الذي دعاني وبعض الصحب لهذه الندوة، ولزيارة الغالية التي تعيدني وتذكرني بمرابع صباي بعنيزة العزيزة ورأيت قامات نخيلها وفضة مائها وذهب رمالها وشهامة أهلها، اعادتني إلى “عنيزتي” وأهلي هناك.
***
** هذه الورقة وقفات قصيرة:
والأن أقف معكم وقفات صغيرة مع موضوع هذه الورقة .. ولا أسميها المحاضرة وسوف أختصر حديثي لأن ما يحيي هذه الأمسية هو الحوار والمداخلات والأسئلة التي سوف أسعد بها وأجيب عليها قدر معرفتي في موضوع هذه الورقة.
أولاً: تعريف الثقافة:
تقول العرب ثَقَّـف الرمح أي عدله، ومن هنا فإن الثقافة معرفة تعدل السلوك.
وهناك تعريف سائد يقول:
((الثقافة هي الأخذ من كل علم بطرف)).
أما التعريف الثالث للثقافة فإنه يأخذ البعد الفلسفي فيعرف الثقافة بأنها: ((نظرة شاملة للكون والحياة والأحياء)).
ثانيا: أهمية الكتاب عند الأسلاف:
المؤِّرخ ياقوت الحموي ولد في مكتبة ومات في مكتبة.
والإمام أحمد بن حنبل كان عندما يزوره ضيوف يجلس معهم ويؤنسهم ويتحدث معهم ولكنه كان يشغل يديه بتجهيز الأوراق والمحابر.
والعالم إسماعيل القاضي روي عنه أنه ما رؤي إلا ومعه كتاب، و «قصص الوراقين» كثيرة.
ومن حب الكتاب علق أحد الأسلاف هذا البيت على مكتبته:
((ومحبوبي من الدنيا كتاب
فهل أبصرتَ محبوباً يعار))
ثالثاً: أهمية الكلمة ومسؤوليتها:
“ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد”.
وهي إحسان وجمال “وقولوا للناس حسناً”.
والكلمة خطيرة ألم يقل القائد “صلاح الدين” “والله ما فتحت البلاد بسيفي ولكن فتحتها برسائل القاضي الفاضل” “وهو غير المتحدث بالطبع!”.
رابعاً: الثقافة في صحافتنا:
كانت صحافتنا ثقافية، بل أدبية صرفة، وكانت الصفحة الأولى في صحفنا تحوي قصائد ومقالات أدبية وقصصا.
مرحلة الملاحق المتخصصة، والمجلات الثقافية والعلمية.
مرحلة دمج الثقافة وجعلها صفحة ضمن صفحات الصحف والمجلات.
كان الإهتمام بالثقافة والقراءة لقلة المغريات الصارفة في هذا العصر ولكن رغم كل شيئ فلا شيئ يغني عن القراءة، وهنـاك مقـولة لأحـد الناشـرين: ((الكِتــاب يؤلــف فـي مصر، ويطبـع فـي بيروت، ويقـول الشاعر محمد بن عثيمين في بيت جميل:-
((جعلت سميري حين عزّ مسامري
دفـــاتـر أملـتهــا العـــقول النوابــغ))
أو كعاشق الكتاب وسحر سطوره لدى هذا الأديب الشاعر:
((ومحبوبي من الدنيا كتاب
فهل أبصرتَ محبوباً يعار))
خامساً: السؤال الأهم: هل لدينا ثقافة تستحق القراءة والتصدير؟:
نعم ثقافتنا – في تقديري- متزامنة مع الإنطلاقات الأخرى فهناك عشرات المجلات والصحف وآلاف الكتب التي تصدر، وعشرات القنوات الثقافية، ورغم عمرنا الحضاري الثقافي القصير في هذا الزمن المعاصر إلا أننا نقف أواخر الدول تعلماً وثقافة ولعل ميزة ثقافتنا أنها تعتمد على الثوابت.
سادساً: دور النشر والتوزيع:
لها دور عظيم يحتاج إلى دعم ومساندة مادية ومعنوية.
الكتاب الثقافي السعودي يعطي أنصع الصور عن الإنسان ويشعر من يطلع عليه أن بلادنا ليست بلاد نفط ومدن إسمنتية فقط، ولكنها وطن حضارة وثقافة وإنسان يعطي ويبدع، ألم يقل القصيبي في بيت شعري جميل وصادق:
((نفط يقول الناس عن وطني
ما أنصفوا وطني هو المجــد ))
سابعا: ما أثر الوسائل الإعلامية الحديثة مثل “الإنترنت والفضائيات” على إنصراف الكثيرين عن القراءة؟
الجواب:
أولاً: نعم ولكن في تقديري هذه مسألة وقت وإنبهار ثم يعود الكثير إلى الكلمة المكتوبة فهي الأبقى والأنفع ودلالة على ذلك كتاب “حياة في الإدارة للدكتور غازي القصيبي” حقق أكبر نسبة مبيعات رغم أنه طبع في عصر الإنترنت والفضائيات، وكذا كتا “أي بني للدكتور عبدالعزيز الخويطر” إن الكتاب والكلمة المكتوبة سوف تبقى، وليس هناك شيء يأخذ مكان شيء، فالمذياع بقي رغم التلفاز، والتلفاز استمر رغم «الإنترنت».
ثانيا: هذه الوسائل المعاصرة ستخدم الكتاب، وليست حربا عليه، وقد بدأنا نسمع عن «الكتاب الإلكتروني»، ونشاهد بعض البرامج الثقافية التي تتجه إلى ترسيخ الثقافة ونشرها، والحفز على القراءة والاطــلاع، وأينما تمطر فخراجها لأرض القراءة وإثراء الفكر.
وبعضها يقدم التفاهات عبر الفضائيات والإنترنت ثم تشغل المتلقين وبخاصة الأجيال الجديدة بمتابعتها وتصرفهم عن الثقافة الجادة والجيدة والتي تأتي – في الأغلب– عن طريق الكتاب الجيد والمجلة الرصينة.
ولذا فإنني أدعو القائمين على هذه الوسائل المعاصرة للإسهام في تقديم ثقافة باقية نافعة ونحن نعيش في عصر “الإنفجار المعلوماتي”.
ثامناً: ماذا عن حظ المثقف والأديب في هذا الزمان:
كانوا يقولون أدركته حرفة الأدب – والشاعر يقول تبا لرزق الكتبة – ومع الأسف لا يزال الأمر كذلك بالنسبة للكتاب والحاضر منذ عصر الحجر وحتى عصر الصعود إلى القمر، فالكاتب الذي يبدع في العطاء من عقله يعيش الكفاف بينما اللاعب الذي عطاءه من قدمه هو المتوج الذي يحصد الشهرة والمال والجوائز، ألم تسمعوا قصة الشاعر ((الذي طلب نشر قصيدته في الملحق الرياضي لعل أحد يقرأها فيجد منه لفتة حنان وتشجيع)).
ودعوكم من الفنان الذي يصرخ بكونه اللسان صاحب الصولجان في هذا الزمان.
“قصة الراقصة فيفي عبده والأديب نجيب محفوظ .. أنظر ماذا أعطاك الأدب .. وماذا أعطتني قلة الأدب”.
وأذكر أن شاعرنا الراحل طاهر زمخشري – رحمه الله – طلبت منه قصيدة من عدة أبيات فقال أعطني بيتاً واحداً أسكن فيه وأعطيك قصيدة عدة أبيات – رحمه الله –
“نعم أنا طفران وعند شبكة
ولكن مثلي لا ينرفزه فقر”
وأستاذي محمد حسين زيدان – رحمه الله – كان يقول عندما انتقد في كثرة كتاباته وبساطتها أحياناً فقال مقولة مؤلمة “نعم أكلف نفسي لكي أكلفها” وكذا الأديب عبدالله الجفري أجاب مرة أنني أكتب كثيراً لكي أحصل على المادة التي أعيش منها، أدعو الأدباء ألا يجعلوا أرزاقهم على “الكلمة” لتكون لهم هواية ويكون لهم “مهنة” يعيشون عيشة كريمة منها ولا يدلون طرفهم من أجل عيون المادة لأن الكتابة – مهما كان دخلها – يظل قليلاً، ألم يقل الراجز قديماً – تباً لرزق الكتبة ..الخ”.
تاسعا: كيف نجعل الناس وبخاصة الجيل الجديد يقبل على القراءة؟
رغم أننا لمسنا المحاولات .. لا نملك من أمر هذا الجيل شيئاً فالمربون أصبحوا كثر.
لكن لا نيأس من الوسائل لتحبيب القراءة على الإغراء –والإقناع – والإهتمام بتقديم العطاء الثقافي بالتسويق الجيد، وتبسيط التراث كما عمل د. عبدالعزيز الخويطر في خدمته للتراث عندما أصدر كتابيه ” أي بني وإطلالة على التراث” وحققا إقبالاً كبيراً من القراء لأنه طرح التراث بإسلوب ميسر، ومواكب لشؤون العصر وشجونه.
** ختام:
“كل إلى سبيل فطهور بالحب ساعة الوداع”
وإلى الملتقى.