لا يشقى جليسهم، ويستسقى الغمام بوضاءة وجوههم (المحبة) جمعتنا بهم مقعد درس أو موقع علم رحلة سفر أو جلسة ثم تفرقت بنا وبهم الأيام تماماً كما تفرقت مطامحنا وآمالنا وديارنا !
وكم نحس – بفرح وألم معاً – أنهم وإن كانوا غابواعنا أجساداً واشكالأ فهم في قلوبنا مشاعر وأطياف!
وكم يضج الفرح بين حفافي نفسك عندما تسعدك الأيام فتلتقي بأحد منهم بعد طول فراق مديد ونأي وشتات! إنك عندما تتذكر – عند لقياهم – كم (بسمة) تقاسمت (كعكتها) اللذيذة معهم وكم (شهقة ألم) شاركتهم بها أو شاركوك بها بكل صدق فخف وقعها عليك أوعليهم!
آه – أيها الأحبة -!
لكم يستوطن الشوق أهدابنا لعناقكم، والجلوس إليكم، والسعادة بكم! وعندما تغيبون عنا لا يؤنسنا إلا طيب ذكراكم. وبهي جلساتكم ..! لقد نأت بنا دروب الحياة عن هؤلاء الغالين.
***
(لكأننا وكأنهم أحلام)!
كم هي الحياة قصيرة!!
بيني وبين رقية جسر من (الوفاء)
إلى الكاتبة الكريمة رقية الهويريني
سعدت بقراءة مقالتك في صحيفة الجزيرة (أنا وحمد القاضي وجدل لا ينتهي)، ولعل أجمل ما في مقالتك ومقالتي أيضاً أنهما يتحدثان عن (الوفاء) هذه العملة النادرة الجميلة التي تكاد أضواء شمسها تغيب في زمن العقوق!
وبداية – أيتها العزيزة – أود أن أؤكد لك انني لا أستغرب وفاء المرأة أو أعتبره نادراً – كما فهمت من مقالتي وإنما أنا حفي به ومحتف بصدقه وقد وصفته بالبهاء، ولعل مقالتي تشي – بوضوح – على أن المرأة وبخاصة الزوجة أوفر حظاً بالوفاء من الرجل!! إن القصة التي أوردتها في مقالتي عن الصحابية الجليلة تؤكد وترسخ اعتزازي (بوفاء) المرأة إلى تلك الدرجة التي بلغت بنائلة – رضي الله عنها – تهشيم أسنانها لكيلا تتزوج بعد زوجها الخليفة عثمان رضي الله عنه، وهذا هو خيارها الشخصي, وقد اتيت بهذا المثل تاكيداً لعظمة وفاء الزوجات التي يتضاءل أمامه وفاء الأزواج!!
عزيزتي رقية، إن الأسئلة التي طرحت حول قصة وفاء هذه المرأة لزوجها إلى درجة تهشيم أسنانها, لا أستطيع أن أجيب عنها، ولكنني نظرت إلى هذا العمل المضيء الذي بلغ حد التضحية على أنه قمة الوفاء، وإنه يستحق الاحتفاء به في الوقت الذي أشك فيه كثيراً أن يبلغ وفاء الرجل (الزوج) نصف أو ربع هذا الوفاء، من جانب آخر، لا يعني ان تتزوج المرأة بعد رحيل زوجها عدم وفائها له، معاذ الله أن أقصد ذلك – إن مقالتي تشير إلى سعادتي بالوفاء – وفاء المرأة خاصة – وتحريضه لي على اجتياح نهر الارتياح بخلاف، العقوق ، الذي يجعلني اركن على ساعد الألم!
أيتها العزيزة, أنا معك أن الوفاء معنى كبير شامل للأحياء والأموات، للنساء والرجال، للصغار والكبار، ويجيء في قمته بر الأولاد بأبائهم وأمهاتهم ووفاء الأزواج لبعضهم.
دعيني قبل الختام أعيد نص الفقرة التي وصفت الجدل حول ما ورد فيها على أنه لا ينتهي – وما أبهاه من جدل أليس جدلاً يدور في فلك حقول الوفاء وفضاءات النقاء (كم يحرضني أي (موقف وفاء)على اجتراح نهر الارتياح، وفي المقابل كم يحزنني أي موقف عقوق او تنكر او تناس، الوفاء هو أزهي وأجمل (عملة) للتعامل بين الناس, وزرع التواصل بين حقول حياتهم، ولن أدعكم وأنا أتحدث عن (الوفاء العذب) حتى أودعكم بعبق قصة وفاء امرأة نادرة بوفائها وإخلاصها، وما أبهى وفاء المرأة، إنها قصة الصحابية الجليلة (نائلة) زوجة أمير المؤمنين عثمان بن عفان – رضي الله عنها – التي قامت – بعد وفاته – بتهشيم أسنانها من أجل أن يتشوه منظرها فلا يستقدم أحد، لخطبتها، وقالت بعد كلمة خالدة تفيض وفاء وتنبض صدقاً،(والله لا يجلس أحد مني مجلس عثمان)، والسؤال المطروح هنا اين مثل هذا (الوفاء)!، إنه أشبه بالأحلام – رضي الله عنها وعنه – ائتهى) اليس في هذه المقالة إكبار لوفاء المرأة؟!
وبعد كم نظمأ – رجالأ ونساء – إلى غيمة الوفاء البضاء لتتهادي قطرات مطر في وديان نفوسنا، فتئد أشواك العقوق تنبت مكانها أزهار الوفاء في زمن مادي يحرض على العقوق أكثر مما يحفز على الوفاء