على الكاتب أن يكتب ما ! يريد أم أنّ عليه أن يتناول ما يريده القارئ
سؤال أزلي منذ أن سطَّر أول كاتب الحرف على (صلد الحجر) وحتى النّقر على أزارير (الكمبيوتر)!.
لقد وصلتني رسالة مؤثرة من صديق قارئ من أبها العزيزة ينعى على (حرفي) الذي صار – كما يقول – يتناول في هوامش الحياة ومادِّياتها وتاركاً متن الحروف وأبعادها كما كان في ذلك الزمن الربيعي الأبهى .
وبدءاً أعترف للصديق العزيز بذلك ولكن !
نحن الكتّاب نسير على رغبات القرّاء فهم (زبائننا) وكم وأَدْنا فكرة جميلة في أروقة قلوبنا لنستبدلها بكتابة فكرة نتناول فيها مادِّيات الحياة وبريقها !.
إنّ (هذه التهمة) أيُّها العزيز التي واجهت بها حرفي ليست جديدة.. قبل سنوات واجهني بها الصديق العزيز د. محمد العوين عندما كان يركض حرفه مشرفاً على (الملحق الثقافي) في صحيفة (المسائية) المأسوف على صباها !.
وكتبت له وقتها هذه السطور معترفاً بذلك قائلاً: نعم كانت الأيام بلون الأحلام فكانت الحروف هي الأخرى – بلون أطياف قزح وكانت الدلاء تجيء ثرية بالعطاء والرواء.. كانت الأيام عذْبة، فكانت الحروف تجيء عِذاباً – بكسر العين- لا فتحها، لكن الآن (كلما التأم جرح فاض بالتذكار جرح) ، أعترف أنّ تلك الحروف الربيعية التي اختال به هذا القلم حيناً من الدَّهر أضحت الآن تعاني الجفاف.. يؤطرها الخريف.. لقد أصبح رغيف الخبز أهم لدى قارئ اليوم من عبق الورد.. وأصبح الجرح العربي فوق كلِّ الجراح فوق كلِّ الكلمات ..!!
أجل أعترف -(وخذها كما شاء الغرام صريحة)- أنّ الأدب الذي أدخلني عالم الصحافة جاءت هذه الناكرة للجميل التي اسمها الصحافة فأخرجتني بقلّة أدب – من عالم الأدب إلى (خردة) الصحافة.. وحوّلتني من كاتب يتوشّح قلمه بحروف العشق والسفر الجميل إلى كاتب (يكتب بالسكين) عن المرور والبلدية والحفريات هذا أولاً، وثانياً أنّ هذا القارئ الذي من أجله نكتب ونبكي يخذلنا ويخذلنا كثيراً.. فقد كنت أسهِّد جفني ذات سنين سابقات من أجل سطور ربيعية.. أو دراسة جادّة.. لكنك تفتقد القارئ الذي يحاورك ويحتفي بعطائك، ولكنك عندما تكتب وأنت مستلق على أريكتك عن (حفرة) في شارع مهجور فإنّك تجد صادق الاهتمام وغامر الاحتفاء.. وكان خطئي الذي لا أغتفره لنفسي هو التزامي – على مدى سنين عددا – في كتابة زاوية يومية، ولعلَّ سحر الصحافة آنذاك هو ما أوقعني بهذه الخطيئة .. ولم أكن أدري أنّني أدمن عملية قتل لنفسي وحرفي.. ولكنها (غلطة مش حتعود) بل هو ذنب سألت الله أن يغفره .
***
* وبعد ..!
وماذا بعد سوى الرجاء أن تنبت في القلب – كرة أخرى – سنابلُ تملأ الوجدان اخضراراً.. تروي زهرة الوجد نماء.. لتعود الحروف أوفر إشراقاً.. والكلمات أزهى ندى.. وعندها نجد القارئ الذي يعشق الكلمة الأخّاذة والحرف الشاعري أكثر من عشقه الركض خلف الكلمة الصحفية الطائرة والكلِم المدثر برائحة المادة.. القارئ الذي عشق سنابل الكلمات أضحى – الآن – همّه ملاحقة أسهم الشاشات !.
* أما قبل ..
أرأيت – أيُّها العزيز – كيف أنّ الكاتب يتألَّم من وأْد كلماته الجميلة تماماً كما يتألّم قارئ الحرف المخضّب بالحب من أمثالك .
***
-2 –
انحناء أم مواجهة؟ !
** كيف تتم مواجهة الكلمة الظالمة التي لا يراد بها وجه الحق؟
هل بالانحناء لها – كما يقول أحد الحكماء عندما نسمع كلمة نابية فدعها حتى تمر وتضيع في الهواء .
ذلك رأي حكيم لكن من يقدر عليه سوى الراسخين بالصبر الذين يستطيعون كما وصفهم القرآن أن يقولوا سلاما عندما يخاطبهم الجاهلون، أم تكون مواجهة الكلمة الخاطئة بالدفاع..؟ وذلك ميسّر لكن لا بدّ ألاّ يعالج الخطأ بالخطأ، بل بالحوار، والمنطق.. وعندها تتلاشى الكلمة الخاطئة، ويتوارى صاحبها من سوء ما وُوجه به