ما استطعت استساغة أن تأتي «قناة فضائية» لتطرح «قضية محلية» يتحاور ويتجادل فيها مثقفون من بلادنا أو من غيرها.!
هل نحن نعشق أن نعرض مشكلاتنا وقضايانا الوطنية والاجتماعية الخاصة أمام العالمين؟.
مثلاً قضية «البطالة» عندنا، أو «عبء الدين العام» على اقتصادنا، أو «عقبات الزواج» لدينا، أو «مشكلة الفقر»» في بلادنا.!
إن هذه قضايا وطنية محلية بحتة تهم أبناء بلادنا ولا تهم بقية المشاهدين الذين – مع الأسف – ربما لا نجد من كثير منهم سوى الشماتة والتشفي، بل هذا ما نجنيه من طرح مثل هذه القضايا المحلية، وهذه «القنوات» التي لو لم تستضف مثقفين سعوديين لما تم طرح هذه القضايا المحلية الخاصة واستقطاب المشاهدين لها.
** إننا نقبل أن نطرح مشكلاتنا المحلية مهما كانت في قنواتنا المحلية بكل صراحة وشفافية وانفتاح، أما طرحها في قنوات خارجية فهو ضرب من «عولمة» قضايانا ومشكلاتنا، وكأن مشاهدي هذه الفضائيات هم الذين سوف يحلون هذه المشكلات المحلية.!
وفي الوقت ذاته يسعدني أن يشارك مثقفونا في القنوات الفضائية الخارجية في قضايا سعودية ذات منحى سياسي له علاقة بالشأن العربي أو الإسلامي أو العالمي لكن لا بد أن يمتلك من يشارك المعلومة الوافية والحجة القوية والقدرة على الحوار والرد وتفنيد مداخلات مدير الحوار أو المغرضين لأنه إذا لم يكن على مستوى الاقناع والحوار فإن ضرر المشاركة عندها أكبر من نفعها، بل إن عدم القدرة على الحوار الجيد ترسخ التهم المطروحة حول بلادنا كما حصل – مع الأسف – في أكثر من حوار وبرنامج.
ومن جانب آخر.. فجيّد أن يشارك مثقفونا المقْنعون في الحوار حول القضايا العربية أو العالمية كقضية «عقبات السلام» أو «مشكلة أسلحة الدمار الشامل» أو «واقع الثقافة العربية» وغيرها.. فهذه قضايا ذات شأن عربي أو دولي تهم أغلبية المشاهدين في أصقاع الدنيا.!
لقد رفضتُ – على مستوى شخصي – وأعتقد أن هناك كثيرين غيري رفضوا المشاركة في طرح قضايانا المحلية عبر شاشات القنوات الأخرى من منطلق أن هذه القضايا ذات شأن محلي وليس من اللائق أو حتى من المجدي طرحها في قنوات غير سعودية فضلاً عن أن طرح مشكلاتنا وقضايانا عبر الشاشات الأخرى يجعل عدداً من المشاهدين الذين لا ناقة لهم ولا جمل فيها يتداخلون، ويوردون بعض التعليقات بغرض الإساءة إلى بلادنا وأبنائها ليس إلا، وبكل أسف نجد الأغلبية من المتحاورين في هذه القنوات غير قادرين على الرد على هذه الإساءات أو أن ردودهم ليست مقنعة مما يرسِّخ – وبكل ألم – ما طرحته مداخلات وبذاءات بعض المشاهدين نحو هذا الوطن وأبنائه.
** إنه لو كان طرح قضايانا المحلية عبر هذه القنوات غير السعودية قبل سنوات لكان الأمر مقبولاً بحجة أن قنواتنا المحلية لا تجيز طرح مثل هذه القضايا.. أما الآن فلا عذر.!
إن «القناة الأولى» في التلفزيون السعودي فيها برامج كثيرة على الهواء وهي تطرح كافة قضايانا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها بكل صراحة وشفافية وموضوعية، والمجال مفتوح لكافة مثقفينا للمشاركة فيها.
وقد علمت أن معالي وزير الثقافة والإعلام أعطى – بتوجيه القيادة – هامشاً كبيراً من «الانفتاح» في طرح كافة القضايا دون أدنى حساسية أو حجب، لكن يبدو أن المشكلة ليست في هذا الهامش، ولكن المشكلة في بعض مثقفينا الذين يرون أن الوجاهة أو الجدوى تكمن في أن يتحدثوا عبر «فضائيات خارجية» ولو تأملوا وفكروا قليلاً لرأوا أن طرحها في قنواتنا المحلية يجعل المعنيين بها من المواطنين والمسؤولين السعوديين يشاهدونها ويستفيدون منها وبخاصة أننا نعرف أن عدداً كبيراً من «البيوت» لا توجد فيها قنوات سوى القنوات السعودية.
إنني أخشى أن يكون عشق الحديث في القنوات الخارجية من قبل «بعض مثقفينا» إنما هو من قبيل حب الذات وظهورها عبر الفضاء أو من قبيل ادعاء الحرية والانفتاح عبر الغرباء.