logo

Select Sidearea

Populate the sidearea with useful widgets. It’s simple to add images, categories, latest post, social media icon links, tag clouds, and more.
hello@youremail.com
+1234567890

مفكرتي الحزينة والراحلون..!

حمد بن عبدالله القاضي

حمد القاضي > مقالاتي  > مفكرتي الحزينة والراحلون..! حمد بن عبدالله القاضي

مفكرتي الحزينة والراحلون..!

حمد بن عبدالله القاضي

                                                      

 

في ذكرى رحيل الصديق «عبدالعزيز بن عثمان العسكر» رحمه الله
 

* قبل بضعة أيام..!

كنت استعرض «مفكرتي الهاتفية» لأبحث عن أخ أريد الاتصال به..!

وبين تلك الأسماء لمحت اسم «عزيز» رحل عن دنيانا..!

توقفت عند اسمه كثيراً..!

تذكرت تلك السنوات الطويلة التي عشتها معه صديقاً وفياً وأخاً غالياً..!

استعدت طيوف تلك الأيام.. هاتيك الكلمات.. تلك المواقف بكل أنهار ذكراها.. وبكل كوثر لحظاتها..!

الله..!

أهكذا يرحل «العزيز» من دنيانا.

أهكذا كنا نعيش مع أحبابنا فوق ظهر الأرض يقاسموننا أفراحنا وضحكاتنا وأيامنا وجلساتنا ودموعنا ثم..

ثم لحظة..!

يغادرون دنيانا..

يرحلون من ظهر الأرض إلى بطنها..

                                                 

***

* يا رب..!

رحماك

كيف للإنسان منا بكل ضعفه أن يتصور رحيل أولئك الأحبة بنبرات أصواتهم.. وقسمات وجوههم.. وجميل
ضحكاتهم.. وعزيز ذكرياتهم..

كيف يتصور الانسان منا أنهم قد غادروا غرف قلوبنا وأرائك مجالسنا وصوالين دورنا إلى ظلام الأرض..

وعتمة القبر. كيف نستطيع أن نتصور أن هؤلاء الذين أحببناهم وتقاسمنا معهم نعيم لحظات الحياة وشقاءها قد غابوا عنا فلا نستطيع أن نراهم أو نتحدث معهم..!

كيف نتصور أنهم بكل حياتهم وحيويتهم وحضورهم وبكل أشكالهم وزياراتهم ومهاتفاتهم أنهم الآن تحت الأرض لا نراهم ولا نحس بهم ولا يروننا ولا يحسون بنا حتى ولو وقفنا على رؤوسهم وهم الذين كانوا أقرب إلينا من نياط قلوبنا وحدقات عيوننا..!

ما أصدق الشاعر المعري عندما قال:

« خفف الوطء ما أظن أديم ال              أرض إلا من هذه الأجساد».

 

***

* لقد عدت من هذه الرحلة التأملية الشجية التي أوحاها إليّ اسم هذا «هذا العزيز الراحل» في مفكرتي..!

واحترت بعدها – متألماً – هل ببساطة أمحو اسمه ورقمه من مفكرتي؟

أليس هذا عدم وفاء له.. لم لا أبقيه لكي أتذكره – على الأقل – كلما استعرضت مفكرتي ووجدت اسمه فيها ليبق – صارية ذكرى لا تتهدم.

لكن تساءلت..!

هل عندما أجعل اسمعه لا يغادر مفكرتي هل هو – فعلاً – لم يغادر دنياي؟

إن اسمه وشكله وذكراه ساكنة غرفة قلبي وحديقة مشاعري.. بل إنه هو ساكن بين أهداب عيوني وليس اسمه ساكناً دفتر هاتفي. لم يخفف من «لظى هذه الذكريات» التي أوحاها رحيل هذا العزيز إلا أنني أخيراً محوت اسمه الأول فقط – ثم وضعت مكان اسمه اسم ابنه الكبير.

أحسست عندها بفيض الارتياح يتدفق بين جداول قلبي، فاسم هذا «العزيز الراحل» بقي في مفكرتي وبين عيني ببقاء اسم ابنه حقيقة لا خيالاً.

أجل أحسست بالارتياح «فالوفاء» له كأبسط حقوقه سوف يتواصل – إن شاء الله – مع ابنه وبقية اخوته وأسرته، وفي ذات الوقت سوف أتذكره وأدعو له عندما أرى اسم ابنه في مفكرتي.

 

***

* يا أيها الأحبة:

لنحرص على مد جسور التواصل مع من نحب فنحن لا ندري متى نرحل عنهم أو يرحلون.

وعندها.. عندها فقط عندما يكونون هم الراحلون نتمنى لو أننا ارتوينا بقطرة من نهر تواصلهم وحميمية لقائهم وأحاديثهم وصفاء لحظات التقينا فيها بهم.

أجل.. كم نتمنى لو أننا جلسنا معهم أكثر وقت ممكن.. وأننا استبقينا نبضاً من دفء حنانهم لعلنا نخفف به من وحشة رحيلهم..

نستدفئ به من صقيع تذكر رحليهم.

إنني لا أزال أذكر موقفاً مؤثراً رواه لي أخ كريم قائلاً: إن صديقاً له في شهر رجب الماضي كان على سريرالمرض وأخذت هذا الصديق المشاغل، ولم يزره.. ولم يدر وهو ينوي في ذلك المساء زيارته إلا بهاتف يصل إليه يخبره بوفاة صديقه وأن الصلاة عليه في جامع الراجحي بالرياض، يقول الصديق: عندها صمت شجناً وتحدثت دمعاً إذ لم أملك إلا «دمعة» تحدرت من عيني لتحرق وجنتيَّ وقبلها أحرقت قلبي وظل يردد أمامي: تباً لهذه الدنيا كيف أخذتنيَّ مشاغلها.. كيف لم أستطع أن أزوره وأحدثه وأملأ مشاعري من تقاسيم وجهه، ودفء حديثه، وأودعه قبل أن يغادر هذه الدنيا..!

 

***

* الدنيا أيها الأحبة قصيرة..

إنها أهون من أن تأخذنا بهارجها ومشاغلها التي بقدر ما تشقينا فإنها تأخذنا عن التواصل مع الأحبة الذين قد يغادرون دنيانا، أو نحن نغادر في أي لحظة!

إننا نستطيع أن نعّوض أي شيء مادي.

«الفلوس» تذهب ويأتي مكانها فلوس.

«العمل» يتأخر لكننا نعود إليه ونقضيه.

«الاجتماع» قد لا نحضره هذه المرة لكننا نحضره مرة أخرى أو يحضره من ينوب عنا.

«السفر» قد نتخلف عنه.. لكن «السفر» الذي لا نستطيع التخلف عنه نحن ولا أحباؤنا هو السفر إلى العالم الآخر.

إن لقاءنا بمن نحب وسعادتنا بالاجتماع معهم والأنس بالحديث معهم قبل أن نغادرهم أو يغادرونا هو الأمر الأغلى الذي لا يعوض أبداً.

فلنحرص على كسب «أية لحظة» تجمعنا مع من نحب من صديق أو قريب أو جار أو حبيب.

إن «مفرق الأحباب» لا يستأذن عندما يضم إلى رحلته عزيزاً علينا.

وهو لن يمهلنا عندما نتوسل إليه أن يدع من نحب لأيام أو ساعات.. لنجلس إليه ونتحدث معه ونحظى منه بذكريات تقلص من فجيعتنا عندما نتذكره.

 

***

*يا رب: لا تجعل الدنيا تسرقنا من الغالين  علينا بمشاغلها وفتنتها وضيق وقتها الذي دائماً ما نجعله «مشجباً» نعلق عليه قصورنا وتقطيع الجسور مع أرحامنا وأحبابنا.

يا رب: لا تجعل هذه الدنيا بكل متاعها ومتعها وأعمالها تأخذنا عن تواصلنا مع الغالين علينا من أقارب وأصدقاء وأعزاء.

واللهم ارحم من رحل عنا، واحفظ من بقي منهم، نستمتع بهم ويستمتعون بنا قبل أن يؤذن منادي الرحيل منادياً علينا أو عليهم، ثم في لحظات معدودات نصير أو يصيرون تحت الأرض بعد أن كانوا أو كنا ندب على ظهرها.

عندها.. ما أبعدنا أو ما أبعدهم عنا ولو .كانوا أقرب إلينا من أجفاننا

***

آخر دمعة

* للشاعر غازي القصيبي:

« في دفتر الهاتف.. يطفو اسمهُ أمامنا
ونلمحُ الرقمَ على الصفحةِ..
مغموراً بماضي حُبنا
وباليد المرتجفة
نشطبُ رقم الهاتفِ الصامت..
من دفترنا المسكونِ بالضجة.. والأحياء
نودعهُ ذاكرة الأشياء
وفجأة
نذرف دمعتين
لأننا ندفنُ من نُحبُّ مرتين
».