logo

Select Sidearea

Populate the sidearea with useful widgets. It’s simple to add images, categories, latest post, social media icon links, tag clouds, and more.
hello@youremail.com
+1234567890

محطات في دروب الحياة والكلمة

حمد بن عبدالله القاضي

حمد القاضي > مقالاتي  > محطات في دروب الحياة والكلمة حمد بن عبدالله القاضي

محطات في دروب الحياة والكلمة

حمد بن عبدالله القاضي

                                                                         

 

 

 

 

 

 

 

دعوني أتوقف وقفات قصيرة وسريعة أمام بعض المحطات في حياتي ومسيرة حرفي المتواضعة عطاءً وجهداً، وهي – حقيقة – لا تستحق الوقوف، لكن كرمكم هو ما سيشفع لي في ذلك، وسأقتصر على الجوانب التي لها علاقة بالكلمة والحرف، وسأمزجها ببعض المواقف الجادة والطريفة جذباً لأسماعكم الكريمة.

المحطة الأولى وهي بدايتي في النشر، وأذكر هنا قصة أول مقال نشرته "النجاح وليد العمل والكفاح"، وكنت طالباً في المرحلة المتوسطة في مدينتي الوادعة" عنيزة" وجعلني هذا المقال لا أنام تلك الليلة فرحا وسعادةً وطرباً!

والقصة الثانية: عندما جئت إلى الرياض العاصمة من بين كثبان القصيم الهادئة، وذلك لأواصل دراستي الجامعية في "الرياض" التي تعج بمنابر الثقافة والصحافة، وبدأت التعاون مع صحيفة الرياض مندوباً صحافياً، ثم محرراً متعاوناً مع الأستاذ عبدالله الماجد في الملحق الأدبي إلى جانب عملي محرراً في صفحات الأخبار المحلية.

وأذكر هنا موقفاً طريفاً مع الأستاذ الصديق على الشدي، عندما كنت أعمل مندوباً صحافياً في صحيفة "الرياض"، إذ حصل أن ذهبت لتغطية خبر افتتاح وزير العمل والشؤون الاجتماعية أنذال الشيخ عبدالرحمن أبا الخيل لأقسام جديدة في المركز المهني في الرياض، وكان من ضمنها "قسم الحلاقة" وكان الأستاذ الشدي حاضراً هذه المناسبة، لتغطيتها لصحيفة "المدينة" التي كان وقتها مسؤولاً في مكتبها في الرياض، وفعلاً أخذنا جميعاً الخير مع صورة للأستاذ أبا الخيل "وهو على كرسي الحلاقة، وأحد المتدربين يحلق له". وبعد انتهاء المناسبة اتصل بي الأستاذ الشدي في صحيفة "الجزيرة" ناصحاً بل ومحذراً من نشر هذه الصورة له فإنه لن يرضى عنها بل سيغضب منها، وفعلاً اقتنعت برأيه، ولم أنشر الصورة مع الخبر، فهو أقدم مني من ناحية, وربما لسذاجة وطيبة بي! وعندما خرجت الصحف في  اليوم الثاني وإذ "بالمدينة" تنشر هذه الصورة، وأما صحيفتي فلم تنشرها، ووجدت وقتها بعض التأنيب من المشرف على الصفحات المحلية في "الجزيرة"، سامحك الله يا أبا عادل.

وبعد هذه المرحلة انتقلت إلى "الجزيرة" بعد سفري وحصولي على "الماجستير" في الأدب العربي, إذ عملت – أولا – محرراً ومشرفاً على بعض الصفحات، ثم أصبحت مشرفاً علي "الملحق الأدبي" في عهد الأستاذ خالد المالك الأول, خلفاً للأستاذ الكريم علوي الصافي الذي كان مشرفاً على الملحق الأدبي، وانتقل إلى "مجلة الفيصل " مديراً عاما لها ورئيسا لتحريرها، وحقق "الملحق الأدبي" وقتها – بفضل الله – بعضا من النجاح، وكان الناس يتفاعلون مع العطاء الأدبي قبل أن بشغلهم شعير الفضائيات عن شعر الكلمات.

***

●● موقف القصيبي من القصيدة الرديئة

وأذكر من تفاعل القراء على مختلف درجاتهم مع المشهد الثقافي والنشر الأدبي، أن الدكتور غازي القصيبي عندما نشرت قصيدة ضعيفة في الملحق اتصل بي ظهر يوم الثلاثاء – موعد صدور الملحق – قائلاً بل مهدداً: "إذا نشرت – يا حمد – مثل هذه القصائد فلن أنشر عندك شيئاً".

موقف آخر فيه شيء من الطرافة، فقد كنت في بداية عملي بالصحافة أقول: بعض الشعر أو ما أسميه قصائد وأنشرها، باسمي وأحياناً برمز … وأذكر أنني نشرت قصيدة عندما اعتدى اليهود على "صبرا وشاتيلا"، وكان عنوانها "يا ليتني مت قبل هذا", وأذكر وقتها عندما اتصلت بي أختي الكبيرة التي ربتني، وكانت في عنيزة وأنا في "الرياض" بعد أن قرًئتُ عليها القصيدة– إذ هي أمية – حفظها الله – فهاتفتني متأثرة باكية مرددة "فال الله ولا فالك… لا عمرك تحط هالعناوين" يا لها من محبة نقية وإشفاق مؤثر!

          بعد "الجزيرة" انتقلت إلى "المجلة العربية" مديراً لتحريرها بطلب من وزير التعليم العالي المشرف العام عليها الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ – رحمه الله -، وظللت نحو ثلاث سنوات حتى أصبحت رئيساً لتحريرها, ولكنني ظللت في "الجزيرة" كاتباً، إذ لم أرض بها بديلاً.

 ومن باب الوفاء لابد من أن أذكر أن الفضل في تطور "المجلة العربية" وانتشارها يعود للشيخ الجليل حسن بن عبدالله آل الشيخ – رحمه الله – فقد كان أول مشرف عليها، وكان حريصاً عليها حرصه على أحد أبنائه، ولم يكن مشرفاً عليها فقط, بل أستطيع أن أقول إنه كان الرقم الأهم في تحريرها، فقد كان يعطي الأفكار، ويقترح الصفحات، ويستكتب الكتاب. ويكتب فيها زاوية ثابتة تحت عنوان "خطوات على الطريق الطويل" حتى وفاته.

وبحمد الله، حققت"المجلة العربية" مزيداً من خطوات التطوير والانتشار، وأصبحت أحد المنابر الثقافية السعودية أمام القارئ في الداخل والخارج، وتم التواصل مع الأقلام السعودية حتى أصبحت الأقلام السعودية تشكل – بحمد الله – نحو 75 في المئة، مع بقاء بعض الأقلام العربية الجيدة بوصف "المجلة العربية" تحمل رسالة ثقافية من وطن الثقافة إلى كل الناطقين بالضاد.

واهتمت "المجلة العربية" بالأطفال، فأفردت صفحات مستقلة استشرف – إن شاء الله – أن تتحول إلى ملحق مستقل.

***

●● محطة الإسهام عبر القلم

          أما في ميدان الكتابة فمازلت "كويتبأ" أواصل النشر في الميدان الاجتماعي والثقافي، وأقللت من النشر بعد أن أصبحت ناشراً أكثر من كوني كاتباً… وكانت لي في السابق زاوية يومية اكتبها في الرياض ثم الجزيرة، وعنوانها "جداول" وظللت أكتبها سنوات طويلة ثم جعلتها زاوية أسبوعية كل يوم سبت في صحيفة "الجزيرة" ولي في حبي الخير في عالم الصحافة "المجلة العربية" مقالي الشهري "مرافئ" الذي أتواصل به مع قارئ المجلة داخلياً وخارجياً.

          أما في ما يتعلق بالتعاون الإذاعي والتلفزيوني، فقد كانت بداية تعاوني مع الإذاعة بإعداد بعض البرامج، ثم قدمت برنامجاً اسمه "من القلب" ظل عدداً من السنوات، وحقق بعضاً من النجاح، ثم ابتدأت التعاون مع التلفزيون, وكان أهم برنامج قدمته "رحلة الكلمة" الذي ظل سنوات طويلة، وكنت أستضيف فيه أبرز رواد الكلمة في المملكة وعدداً كبيراً من الرواد في الخارج، ثم بحكم مشاغلي توقفت عن التعاون مع الشاشة في الآونة الأخيرة.

***

●● موقف زيدان والكتابة

وأذكر من الرواد الين استضفتهم في برنامج "رحلة الكلمة" وحصلت معهم مواقف مؤثرة الأديب الكبير الراحل الأستاذ محمد حسين زيدان – رحمه الله – عندما طرحت عليه اتهام بعض القراء له بكثرة كتابته، ما جعل الضعف يدب إليها, فكان أن أجابني بأسلوب بليغ – والعبرة تخنق كلماته " يا بني , إنني أكلف نفسي من أجل أن أعلفها, فالتكليف بالكتابة من أجل التعليف للمعدة" وصمت – بعدها متأثراً وصمتُ – رحمه الله – .

 وأما الموقف الثاني فهو مع المؤرخ الكبير خالد محمد خالد – رحمه الله – عندما كنت أتحدث معه عن حرب الخليج في السنة التي أعقبت تحرير الكويت، وعندها بكى – وهو الرجل الشامخ القوي – وهو يتحدث عن "الفرقة" التي سببها العراق في الصف العربي وكان عاشقاً لأمته وتاريخها.

***

●● وأخيراً محطة الشورى

لقد شرفت بالثقة الملكية لأكون عضواً بالشورى، بدءاً من دورته الثالثة 1422هـ واخترت اللجنة – الثقافية والإعلامية والشباب – في المجلس من واقع تخصصي وتجربتي، اذ عملت عضواً فيها، ثم رئيسا لها، واعتذرت هذا العام عن رئاستها لأبقى عضواً فيها، وهنا شعرت بمسؤولية أخرى، لها منحى غير منحى الحرف.

ولن أطيل في وقفتي حول هذه المحطة، فقط أشير إلى أنني عندما كنت في ميدان الكلمة كنت أبدي الرأي، وأطرح وجهة النظر، وهذا الرأي أو وجهة النظر تبقى أمر تنظير، قد يؤخذ بها أو لا يؤخذ، لكن في "مجلس الشورى" الأمر مختلف، فعندما تطرح رأياً حول نظام أو جهد أو قضية تهم المواطن فمن المؤكد أن ذلك سيمس مصلحة الناس وحياتهم واقعاً وليس تنظيراً، ذلك أن هذا الرأي يتحول إلى قرار يهم الوطن والمواطن، ومن هنا شعرت بعظم المسؤولية عندما أصبحت عضواً في مجلس الشورى، لكن الأهم هنا وهناك أن الوطن هو الهدف الأسمى, سواء عبر جداول الحرف, أو مقاعد المجلس.

***

●● محطات ذاتية●● 

دعوني هنا أتوقف وقفات قصيرة عند بعض النقاط في حياتي الشخصية والعملية:

الأولى: أشخاص لهم فضل عليَ هناك أناس كثيرونِ لهم عليَ فضل – بعد الله – بدءاً من والدي – رحمهما الله – أما أبي فقد حظيت برعايته وتربيته، وأما أمي فقد توفيت وأنا طفل صغير لم أعرفها, لكن أحسب أن لها أثراً كبيراً في ككاتب، فحرماني من حنان أمومتها برحيلها وأنا طفل صغير جعلني أبحث عن هذا "الحنان" بين مخادع الحرف, وقلوب الناس, ثم حرصت أن أبث هذا الحنان عبر الكلمة في جوانح القراء.

أما الشخص الذي له كبير التأثير في فهو الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ, فقد تأثرت به إنساناً ومسؤولاً متفانياً في عمله, وقلباً عامراً بالحب للآخرين… ومن باب الوفاء فقد أصدرت عنه – بعد وفاته – كتابي "حسن آل الشيخ الإنسان الذي لم يرحل".

 الوقفة الثانية: لدي صفة قد يراها بعض الناس حسنة. وآخرون على الضد من ذلك, فهناك من يسميها "الكلمة الطيبة" وآخرون يطلقون عليها "المجاملة" أما أنا فأقول عنها إنها صفة أعتز بها مهما كان اسمها.

الوقفة الثالثة: هي إيماني أن الحياة لا تستحق أن نكره أحداً فيها، فهي أيام محدودة, ومن الظلم لأنفسنا ولغيرنا أن نشغل أنفسنا أو أن نمضي أوقاتها بالتشاحن أو الظلم أو العدوان. وبعد … كما قلت لكم – في البدء – هي محطاتُ ومواقف تحدثت إليكم عنها حديثاً مختصراً, خير ما فيه صدقه بحول الله. وأرجو أخيراً أن أستمع لكم وأسمع منكم, وأستفيد من الحوار معكم.

    حفظكم الله أحبة أوفياء.

     وإلى الملتقى عبر دروب الحياة والحرف!

***

●● ختاماً:

هجم السرور عليَ حتى أنه من كثر ما قد سرني أبكاني إن هذا إحساسي في هذه اللحظات .. إنني – فعلاً – أعيش أجمل هزيمة لقلمي ولساني.

         فلساني الذي كثيراً ما تحدث إلى الناس عبر ندوة أو شاشة غير قادر في هذه اللحظات على أن ينقل ما يتهادى بين وديان نفسي.

          إن قلمي الذي حملته طوال السنين الماضية أراه يخذلني الآن بعجزه عن تجسيد أحاسيس امتناني لكم أيها الأحبة فقد غمرتموني بوافر الوفاء وعامر الحب في هذه الساعة, وما أجمل هذا الخذلان أمام بيارق الحب لا بنادق الكراهية!

          إنني هنا أنيب الشاعر الإنكليزي "شكسبير" عندما رد على أولئك الذين غمروه بدفء تهانيهم في حفلة نجاح إحدى مسرحياته, إذ قال كلمة جميلة أخاذة: إنني لا أجد إلا قلبي لأقطف لكم منه ورده. ولعل ورده أكثر عبقاً من ورد الأشجار".