.** أراني أتفق مع الإمام أبي بن محمد بن حزم، وتلميذه أبي عبد الرحمن بن عقيل في كتابه هذا ، فما ذلك الحب الذي لا يتم الا بنظرة؟ إن الحب إذا لم يتمكن من القلب، ويسكن الوجدان، فيتحقق بطول النظر، وفيض الحرمان ليس حبا حقيقيا وانما هو حب جسد لجسد، والحب الحقيقي لا يكون إلا بعد نقض ومطاولة، على رأي بن حزم، ثم تطرق إلى رأي الإمام ابن قيم الجوزيه,, في الحب الاضطراري.. وذكر حججه ومنها قول عاشق سلمى:
يلومونني في حب سلمى كأنما
يرون الهوى شيئاً تيممته عمدا
الا إنما الحب الذي صدق الخسا
قضاء من الرحمن يبلو به العبدا
وقد صدق ورب كاتب هذه السطور الذي سمع عن دخول الحب إلى القلوب قسرا وإن لم يعشه. ثم أورد بعد ذلك دليلا من السنة النبوية اورده الامام ابن القيم في روضة المحبين وهو:
ويدل على ذلك من السنة ما رواه البخاري في صحيحه من قصة بريرة أن زوجها كان يمشي خلفها بعد فراقها له وقد صارت أجنبية منه، ودموعه تسيل على خديه، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثاً؟.
ثم قال لها: لو راجعتيه.
فقالت: أتأمرني؟.
فقال: إنما أنا شافع,
قالت: لا حاجة لي فيه.
ولم ينهه عن عشقها في هذه الحال، إذ ذلك شيء لا يملك ولا يدخل تحت الاختيار .
ثم يتحدث عن علاج الهوى اذا وقع في القلب وخامر النفس، ووقع في الوجدان.. ويورد ما كتبه صاحب كتاب ذم الهوى :
فإن قيل: فما علاج العشق إذا وقع بأول لمحة؟.
قيل: علاجه الإعراض عن النظر, فإن النظر مثل الحبة تلقى في الارض، فإذا لم يلتفت اليها يبست، وإن سقيت نبتت، فكذلك النظرة إذا الحقت بمثلها . وقال:إن العلاج الكلي في جميع امراض العشق الحمية وإنما تقع الحمية بالعزم الجازم على هجر المحبوب، فإن حصلت هذه الحمية حسنت المعالجة، والعلاج حينئذ يقع للظاهر والباطن، فليبتدىء المريض باللجوء إلى الله سبحانه، وليكثر من الدعاء فإنه مضطر، وهو يجيب المضطر إذا دعاه. ثم ليتعالج، فإن الأسباب لا تنافي التوكل والدعاء.
***
** ثم عقد فصلا طويلا في تحقيق حديث من عشق وعف ثم مات شهيداً، وفي رواية من عشق وعف وكتم ومات شهيداً بزيادة كتم . وتحدث عن سند هذا الحديث ومتنه، فمن العلماء من يرى سنده كالشمس لامرية في صحته أو لبس ص 220. ولخص ابن القيم الجوزيه من احتج بهذا الحديث وان راويه سويد لم يتفرد به وانه لو تفرد به فهو ثقة ص 220. لكن ابن القيم نقل ايضا حجج من يرى عدم صحته وقال في ص 232 من كتاب كيف يموت العشاق وقد انكر حفاظ الاسلام هذا الحديث عن سويد وقد تكلم الناس فيه .اما رأي المؤلف ابو عبد الرحمن بن عقيل فهو بعد ان اورد اقوال العلماء متقدمهم واخرهم في صفحات تزيد على عشرين صفحة لخص رأيه بعد التمحيص و التدقيق: قال ابو عبد الرحمن: الصواب ان هذا الحديث موقوف، وهو من كلام ابن عباس – رضي الله عنهما – وفتواه.. قاس قتيل العشق العفيف الصابر على احد الشهداء.
والقياس يصيب ويخطىء ثم رفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهماً لا عن تعمد كذب. والحكم في هذا الحديث عند العلماء رباعي: فمنهم من صححه.
ومنهم من حسنه.ومنهم من ضعفه.ومنهم من جعله موضوعاً.فمنهم من صحح معناه كشيخ الإسلام ابن تيمية، ومنهم من حكم بفساد معناه كابن قيم الجوزية.
والصواب صحة بعض معناه وهوأن العاشق العفيف الصابر يؤجر، ويتضاعف أجره بقدر نيته في تركه الإثم خوفاً من الله يدل على ذلك الحديث الصحيح عن الثلاثة اصحاب
الغار في خبر من كان قبلنا. وممن صححه لفظاً ومعنى مغلطاي في كتابه عن المحبين، والزركشي في اللآلي المنثورة ، والسخاوي في المقاصد والبقاعي في اسواق العشاق . وحجة من صححه اتصال السند وثقة الناقل خلال سلسلة الإسناد وعدالته.. وقد استطرد ابو عبد الرحمن في بيان رأيه في هذا الحديث ومدى صحته.
ثم يجيء فصل العشق والوصل في الباب الثاني العشاق بين الوصل والحرمان وقد اورد فيه كلاما جميلا يكتب باقلام الاحداق، وبرحيق الحسان ومن اجمل ما اورده ما نقله عن شيخه ابي محمد بن حزم من كتابه طوق الحمامة :فما للدنو من السلطان، ولا للمال المستفاد، ولا الوجود بعد العدم ، ولا الأوبة بعد طول الغيبة، ولا الأمن من بعد الخوف، ولا التروح على المال – من الموقع في النفس – ما للوصل، ولاسيما بعد طول الامتناع وحلول الهجر، حت يتأجج عليه الجوى، ويتوقد لهيب الشوق وتتضرم نار الرجاء.
وما اصناف النبات بعد غب القطر، ولا إشراق الازاهير بعد إقلاع السحب الساريات في الزمان السجسج ولا خرير المياه المتخللة لافانين النوار، ولا تأنق القصور البيض قد احدقت بها الرياض الخضر: بأحسن من وصل حبيب قد رضيت أخلاقه، وحمدت غرائزه، وتقابلت في الحسن اوصافه… ثم اورد بعض ما نقلته كتب التراث عن صفة الوصل ومعناه واختلاف مفاهيم الناس حوله.. ومما اورده ما نقله من كتاب روضة المحبين لابن القيم. قال ابن قيم الجوزية: قال الأصمعي: قلت لأعرابية: ما تعدون العشق فيكم؟
قالت: العناق والضمة والغمزة والمحادثة.
ثم قالت: يا حضري فكيف هو عندكم؟.
قلت: يقعد بين شعبها الاربعة ثم يجهدها.
قالت: يا ابن اخي ما هذا عاشق,, هذا طالب ولد.
وسئل اعرابي عن ذلك فقال: مص الريق، ولثم الشفة، والأخذ من اطايب الحديث، فكيف هو فيكم ايها الحضري؟
فقال: العفس الشديد، والجمع بين الركبة والوريد الى آخر الوصف الذي لعلني لا اكمله.
.** فقالت: بالله ما يفعل هذا العدو الشديد فكيف الحبيب الودود ؟..
م عقد فصلا اسماه فتاوى بين الاباحة والحظر وقصد به فتاوى بعض الفقهاء بالحب والعشق، والتي نقلها الشعراء والعشاق شعراً,, وهو باب لطيف ومما ورد فيه –
وهو كثير – هذه الفتوى، فقد قال ا حد الشعراء العشاق ص 266:
سألت سعيد بن المسيب مفتي
المدينة هل في حب دهماء من وزر
فأجاب سعيد بن المسيب إنما
تلام على ما تستطيع من الامر
وقد اورد ابن عقيل اقوالا واراء وفتاوى كثيرة للائمة الشافعي وابن القيم و فقيه العراق بن داود وغيرهم يدل على سماحتهم ، وتشير الى ادراكهم للحب اذا كان
صادقا وعفيفا,
يا ابن داود يا فقيه العراق
افتنا في قواتل الاحداق
هل عليهن في الجروح قصاص
ام مباح لها دم العشاق؟
وإذا الجواب:
كيف يفتيكم قتيل صريع
بسهام الفراق والإشتياق
وقتيل التلاق احسن حالا
عند داوود من قتيل الفراق
يتبع في الحلقة القادمة