لعل للدكتور القصيبي، والاستاذ محمد الشدي، وكاتب هذه السطور علاقة بها..!
فقد كان أصله محاضرة أعدها مؤلفه الأديب الموسوعي الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل لالقائها في لندن قبل عدة سنوات ضمن النشاط الثقافي السعودي الذي أقامته جمعية الثقافة والفنون بالتعاون مع سفارة المملكة في بريطانيا لتعريف المثقفين العرب هناك على المستوى الفكري والثقافي في بلادنا.
وقد اختار الشيخ ابن عقيل حديث العشاق ولعل ذلك بتحريض من الاستاذ الشدي، ومباركة من د. القصيبي، فالشيخ ابن عقيل خير من يتحدث عن ذلك وهو التلميذ الوفي لامامه ابن حزم الذي ابدع عندما كتب في الفقه كتابه المحلى كما تألق عند نسخ كتابه طوق الحمامة ,وتلميذه ابن حزم المعاصر ، – كما هو أحسن لقب له – هو كذلك، فهو في الوقت الذي أصدر فيه كتاب كيف يموت العشاق عن رقائق العشق، هو الذي حبر بعلمه الكثير من البحوث عن دقائق الفقه .!
ولقد سافرت مع الشيخ ابن عقيل للمشاركة في النشاط الثقافي، وأهم منشط فيه هو إلقاء الشيخ محاضرته كيف يموت العشاق !
هذه المحاضرة التي حضرها جمع كبير من المثقفين العرب هناك، وقدم لها د, غازي مشيرا إلى ان هذا الشيخ ذا اللحية المحناة، والذي سوف تتوقعون أنه لا يتحدث إلا عن علوم الشرع إلا انه على طريقة العلماء الاوائل,, يبدع في الحديث والتأليف في كل ميدان ثم بدأ الشيخ ذو اللحية الجميلة المحناة يتحدث.. وترك المحاضرة جانبا.. وشد الناس في طلعاته الأدبية، وتجلياته الفكرية، وفتاواه الفقهية..حتى ان الروائي الكبير الطيب صالح قام عندما توقف الشيخ ابن عقيل طالبا المزيد من ماتع حديث ابن عقيل.
وبعد المحاضرة اقترح عدد من المثقفين الذين حضروا المحاضرة طباعة هذه المحاضرة كيف يموت العشاق ، ولكن اعتذر الشيخ لأن أفواه قبيلة العيال أحوج إلى النقود التي سوف تصرف في طباعة قبيلة العشاق، وعندما علم معالي د, غازي بذلك تبرع بطباعة الكتاب، وأعطاه المبلغ عداً ونقداً ولكن دعوني أجعل الشيخ يكمل ذلك في نهاية مقدمة هذا الكتاب.
قال أبو عبدالرحمن: ولقد تبرع معالي الدكتور غازي القصيبي بطباعة هذا الكتاب على حسابه فارسل لي المبلغ مسبقاً.. كما تعهد في محفل بلندن ان يتبرع بتكاليف ترجمته إلى الانجليزية.. وبدا لي أن أضاعف حجم الكتاب لمعارف استجدت لدي، واستغرق ذلك اربع سنوات، فتوسعت بالمبلغ الذي أرسله الدكتور لامر معيشي ألمّ بي على ان يكون طبع الكتاب دَيناً في عنقي متى واتت الظروف، وأنى لها أن تواتي من كان مشقوق اليد مثلي!!
ولما علم صاحب السمو الملكي الامير خالد الفيصل بقصة الكتاب تحمل تكاليف طبعه، وقال: أنا مكمل لغازي، والحال واحدة,, فشكراً شكراً للشاعرين السَّريين، وجزاهما الله خيرا.
***
** وخيراً صار ذلك..!
و كل تأخيرة فيها خيرة فقد جعل الشيخ يضيف عليه ويراجعه أكثر من مرة حتى تحول من كتيب صغير إلى مجلد ضخم كبير,وبدءاً الأديب بن عقيل لم يسلم بمسألة موت العشاق فأشار في الباب الثالث الى الموت المجاني خرافة .. ولكنه عاد في ص 17-18 فعدد أنواع موت العشاق:
ولكن الشيء الذي لا أستطيع انكاره ما حققه الاثبات الائمة عن معاينة أو عن رواية من يوثق به. فمصير العشاق عند هؤلاء الاثبات على خمسة أنحاء:
،1- عاشق يعتصم بربه ويتداوى بالمباح فيعود إليه عقله ويستقيم سلوكه.
2- عاشق يظفر ببغيته وينعم بالوصل، أو محب غير عاشق. ينعم بالوصل فيموت غرامه، لان الحب إذا نكح فسد.
.3- عاشق لم ينعم بالوصل، واستعذب بكاءه، وأجهش للتوباد فاختلط فكان مجنون غرام.
.4- عاشق لا يموت رخيصا، ولكنه لا يُمتّع بصحته بل يوافيه الاجل بعد سنين من الهم والنحول والضنى.
.5- عاشق يموت بشهقة، وهذا لا وجود له عندهم إلا في الخيال، فهو وجود فني لا موضوعي يتظرفون به، وليس وجودا موضوعيا . ثم تطرق في المدخل الثاني من الباب الاول الى الاساطير التي تروى في نجد عن موت بعض العشاق وأورد بعض القصائد الغزلية الجميلة التي لا تؤكد هذه القصص ولا تنفيها مثل قصة سالم عبد الدغالبة وفيها ابيات جميلة ص72-73 منها:
ساقين ساق الله عزا من يلومني
دراريج موز هزهن رياح
وردفين كالحزقين في بيت تاجر
يبيع غلا ما هو يبيع سماح
نهدين كالرمانتين بصدره
ما مز ثمرهن الجنين وصاح
ولكن لا أستطيع ذكر بعض كل ما جاء فيها من أوصاف للمرأة ويورد في هذا الفصل عن نساء سماهن رجاليات يقول ابن عقيل: إنهن لم يتزوجن وانفن أن يسترحلن يعني يكنّ رواحل للرجال.
***
** ثم ينتقل الى فصل آخر أسماه: كيف يموت العباد ، وأثبت ان بعض العباد شهق ثم مات.. وروى عن إمامه أبي محمد بن حزم بلغنا بمن شهق من خوف الله ومحبته ومات كتاب مداواة التقوى لابن حزم,ثم أورد قصصاً كثيرة في ذلك، ومنها قصة مؤثرة عن رجل صالح سمع وصف الجنة والنار فتأثر كثيرا ودعا بهذا الدعاء وسقط مغشياً عليه بعده:
اللهم إني استقبلك في يومي هذا بتوبة لك لا يخالطها رياء لغيرك، اللهم فاقبلني على ما كان مني واعف عمّا تقدم من عملي واقلني عثرتي وارحمني ومن حضرني، واعف عما تقدم من عملي وتفضل علينا بجودك أجمعين يا أرحم الراحمين، لك ألقيت معاقد الآثام من عنقي، وإليك انبت بجميع جوارحي صادقا بذلك قلبي، فالويل لي إن انت لم تقبلني، ثم غلب فسقط مغشيا عليه، فحمل من بين القوم صريعا يبكون عليه ويدعون له .
***
أما الباب الثاني فقد كان عنوانه: العشاق بين الوصل والحرمان، وجعله 4 فصول:
الباب الثاني: العشاق بين الوصل والحرمان
الفصل الاول : كيف يسلو العشاق؟
الفصل الثاني: حديث من عشق فعف رواية ودراية.
الفصل الثالث: العشاق والوصل.
الفصل الرابع: فتاوى بين الإباحة والحظر.
وافتتحه بهذه الابيات لابن المعتز:
أعاذلتي لا تعذلي عاشقا مثلي
ولكن دعيني واعذلي الحب من أجلي
ونوحي على صبّ بكت عائداته
صريع الخدود البيض والأعين النجل
رمين فلما ان اصبن مقاتلي
تولّين وانضمت جراحي على النبل
***
** وأتوقف عند باب كيف يسلو العشاق فهو باب جميل ولطيف، وأورد ما نصح به العلماء في السلو عن العشاق وبالاخص وصايا استاذه الفقيه أبي محمد بن حزم :
قال عفا الله عنه: فبحسب المرء المسلم ان يعف عن محارم الله عز وجل التي يأتيها باختياره ويحاسب عليها يوم القيامة، وأما استحسان الحسن وتمكن الحب فطبع لايؤمر به ولا ينهى عنه، إذ القلوب بيد مقلبها. ولا يلزمه غير المعرفة والنظر في فرق ما بين الخطأ والصواب، وان يعتقد الصحيح باليقين، واما المحبة فخلقة، وإنما يملك الانسان حركات جوارحه المكتسبة. وفي ذلك أقوال . وينقل عن شيخه ابن حزم قوله انني لا أطيل العجب مما يدعي انه يحب من نظرة واحدة، ولا أكاد أصدقه، ولا أجعل حبه الا ضربا من الشهرة .