ليس اصعب من بناء العلاقات مع الاخرين، وعقد العلاقات معهم .. لان هذه الاشياء ليست محسوسة تستطيع ان تشتريها بالدرهم والدينار,, انها تجاوب شعوري بينك وبين الاخرين ونحن في مسيرتنا اليومية نحتاج للاخرين ونظمأ الى مساعدتهم. وقطع مشاوير الحياة معهم.. فليس اقسى في الحياة من ان يعيش الانسان وحيدا كتائه في صحاري لا صوى فيها.. وقد قال احد المفكرين: انني في اليوم الذي اكسب فيه صديقا اشعر انني اضفت ابتسامة جديدة على شفتي , ونحن كما نحتاج في الحياة الى الابتسامات نحتاج الى الاصدقاء,ولكن كيف نكسب هؤلاء الاصدقاء ان ثمة طريقا واحدا لذلك .. وهو يتمثل في نوعية وحسن التعامل الذي نواجه به الاخرين … اننا بمقدار ما نكون على قدر كبير من التعامل الجيد .. والاخلاق الفاضلة نكسب ود غيرنا ونجعلهم يقتربون منا شيئا فشيئا .. وبالتالي نستطيع ان نكوّن معهم صداقات متينة.. ونجدهم -بعد الله- ملجأ لنا عندما تقسو علينا الحياة او تحل بنا نازلة. ومقياس الصداقة الصادقة ان تحس بأن صديقك هو جزء منك وقطعة من مشاعرك.. تبثه همومك.. وتبسط امامه دموعك وتجعل ابتسامتك تتهادى على شفتيه وشفتيك وانت في كل الاحوال تشعر انك تخاطب ذاتك وليس انسانا بعيدا عنك,وهنا يأتي سؤال؟
كيف نحافظ على استمرار هذه الصداقة؟!
انه ليس اصعب من الاجابة على هذا السؤال..؟
فالعلاقات المتينة تتهدم اذا لم يقدر اصحابها على المحافظة عليها وحمايتها من عواصف الايام ورياح الاختلاف ان أهم ناحية تشكل نقطة الثبات لعلاقاتنا مع الاخرين هو الفهم الكامل للآخرين وازالة الحساسية التي تحاسب على الصغيرة والكبيرة فمن البديهي ان كل انسان معرض للاخطاء.. ومن هنا فمن المتوقع ان يصيبك من اقرب اصدقائك شيء من الاخطاء او القصور لكن هل تقيم الدنيا وتقعدها عندما يحدث شيء من هذا..؟
اننا بهذا التصرف الاحمق نبتر علاقتنا مع اصدقائنا بل ربما مع اقرب الناس الينا ان التسامح هو الصمام في مثل هذه الامور وهو الحكم الفصل الذي يتحتم علينا ان نرجع اليه ولنؤمن سلفا ان كل انسان على هذه الارض معرض لعشرات الزلات.. وعندما ندرك هذه الحقيقة جيدا نستطيع ان نبقي على اكبر قدر من اصدقائنا، وقد اجمل هذه الفلسفة الشاعر العباسي بشار في ثلاثة أبيات جيدة مليئة حكمة وعقلا:-
اذا كنت في كل الامور معاتبا
صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
فعش واحدا او صل اخاك فانه
مقارف ذنب مرة ومجانبه
ومن ذا الذي ترضي سجاياه كلها
كفى المرء نبلا ان تعد معايبه
ولله درّ هذا الاعمى فقد قال في ثلاثة ابيات ما قاله علماء التربية والاجتماع والنفس في عشرات المجلدات هذه بعض رؤى في الصداقة هي بالتأكيد لم تتناول كل نواحيها ولكنها تعرضت لبعض جوانبها الهامة.. واكرر مرة اخرى اننا بحاجة الى الصداقة والاصدقاء.. فهؤلاء هم مشاعل الحياة والانسان بحاجة اليهم في احزانه وافراحه فهم في الاحزان اليد التي تمسح الدموع وفي الافراح اليد التي تنشر الابتسامة وشردهم بقرض دريهمات.!
ليس كل الشعر
وجدا او اشجانا ودموعا
بعض الشعر يرسم على شفتيك بسمة، وبعضه يعطيك حكمة,
وكم ينجذب الانسان الى بعض طرائف الشعر وحكمه!
قبل يومين كنت اقرأ بيتين لطيفين يقدم فيهما الشاعر خلاصة تجربته مع الناس الثقلاء، ويدلك على الطريق الاسلم ليفر منك وعن وجهك الثقلاء دون ان تطردهم او تسبهم بل بطريق سهل ميسر كالجدول الرقراق!.
اتدرون ماهي الوصفة التي ركّبها هذا الشاعر الحكيم الظريف لطرد الثقلاء اذن اقرؤوا ماذا يقول:
اذا استثقلت او ابغضت شخصاً
وسرك بعد حتى التنادي
فشرّده بقرض دريهمات
فإن القرض مدعاة البعادِ
اجل، لقد صدق ورب مالك الاعناق والارزاق!
انك ستجد من اقرضته يهرب منك هروب الزئبق .. ويبتعد عنك كما ابتعاد الالداء! وهذا الشاعر كان احكم من ذلك الشاعر الذي وضع وصفته في الابتعاد عن الثقلاء في البيت الشهير:
اذا حل الثقيل بدار قوم
فما للساكنين سوى الرحيل
فالاول يجعل الثقلاء يرحلون عنك مع قليل من دريهمات تدفعها من جيبك وقد تخسر شيئا ماديا لكن ذلك يهون امام راحة قلبك، وعدم ايذاء هؤلاء الثقلاء لنفسك, اما الثاني فكأنه يعاقب نفسه بالرحيل ويكافىء الثقيل بالبقاء,اذكر -هنا- عزيزا يجمع الى كرمه وثقافته اللطف والظرف، وقد دعا ذات مرة أصدقاء له ودعاني معهم، وأوصاني ان اختار له ايضا عددا من خفيفي الدم ليحضروا هذه المناسبة، ولكنني جئت لهذه الدعوة مفردا لم اصحب احدا معي لا من خفيفي الدم ولا من ثقلائه.. وسألني اين من اوصيتك عليهم، فألهمني الله بجواب سريع اذ قلت: انظر اليهم انهم في مجلسك، فقد بحثت عنهم ووجدتك قد دعوتهم، فتبسم ضاحكا واسعده هذا الجواب!. اما بعد فلأن هذا المقال يحمل طابع الظرافة اكثر من الجدية فإنني اختمه بقصة طريفة للشاعر ابو العيناء الذي كان لطيفا: اذا سأله الوالي وهو في مجلسه: ما اصعب شيء مشق عليك -يا أبا العيناء- منذ فقدت بصرك، فقال: هو عدم رؤيتك ايها الوالي، وكان بجانب ابو العيناء واحد من ثقلاء الدم فسأله في هذا الموقف – على عادة ثقلاء الدم- وما احسن شيء اصبحت لا تراه بعد فقد بصرك، فبادره ابو العيناء بالجواب الصاعقة الا أراك وامثالك .
اما قبل..
اسأل الله ان يجعلنا واياكم من خفيفي الدم وليس خفيفي العقول وان يبعد عن سكّتنا ثقيلي الدم وان يبعدنا عنهم، فهم -ورب الكعبة- لا يثقلون على الارض بل يثقلون على القلوب ايضا,سيارات الأجرةوالتسعيرة المرتفعة شكا إليّ رجل كبير في السن مستور الحال يضطر الى استخدام سيارة الاجرة بشكل يومي.
شكا إليّ من زيادة ايجار هذه السيارات بالفترة الاخيرة الى حوالي الضعف حيث يقول: ان المشوار الذي كان يكلفه 15 ريالاً اصبح الان يكلفه حوالي الثلاثين ريالاً.
وهو مبلغ كبير لا يستطيع تحمله، وكثيرون امثاله. والغريب ان هذه الزيادة جاءت مفروضة من وزارة المواصلات وليس من اصحاب شركات السيارات.
ان الامر الاغرب ان اصحاب هذه الشركات وسائقيها لديهم قناعة ان هذه التسعيرة مرتفعة، والدليل انك -كما قال لي اكثر من شخص- عندما تفاوضهم على سعر اقل من سعر التسعيرة الرسمية المفروضة فانهم يوافقون على التخفيض.. وبالتأكيد فانهم رابحون حتى مع التخفيض، وإلا لما وافقوا علي.
انني ارفع هذه الشكوى باسم الكثيرين من مستخدمي سيارات الاجرة من كبار السن ومستوري الحال، ارفعها الى معالي وزير المواصلات د. ناصر السلوم لإعادة النظر في هذه التسعيرة التي اصبحت مكلفة، وليست في مقدور عدد كبير من مستخدمي هذه السيارات، وأثق كثيرا باهتمام معاليه من منطلق انساني ومن كونه مواطنا يحس بمعاناة الناس وشكاويهم,خفقة قلبالصديق الاستاذ خالد المالك قلبي معك وانت هناك في الولايات المتحدة الامريكية منذ عدة اشهر بجانب فلذة كبدك في رحلة علاجية.
وعبر صفحات الجزيرة التي كنت وفياً لها كما هو وفاؤك لقرة عينك اقول لك: انها فترة محدودة – ان شاء الله- وترجع مع الغالي عليك وعلينا لتمارس عزف حبك لبلادك وابنائها.
وانني اعرف مدى قوة صبرك، واقتدار احتمالك، وهما -بعد عون الله- سلاحك الذي تواجه به مرض الابن، ووحشة الغربة، اسأل الله ان يتمم على حبة عينك بالشفاء التام الذي لا يغادر سقماً، ونتطلع مع محبيك الى ان تعود الى محبيك ووطنك، وقد اطمأن قلبك وقلوبنا على قرة عينك وقد ودعت الوطن والأهل وكل امور الدنيا من أجله، والله معك، ولن يترك عملك.