** لا أحسب أن كتابا استطاع ان يحكي قصة التنمية في المملكة بالحقائق، والوضوح والصراحة مثلما حكاها كتاب حياة في الادارة للدكتور غازي القصيبي لا بصفته أديبا ذا أسلوب بالغ التأثير فقط.. ولكن لكونه – وهو المهم – كان أحد المسؤولين التنفيذيين الناجحين الذين عاشوا منظومة التنمية وأسهموا فيها رأيا وعطاء وجهدا مشكورا.
إن كتاب حياة في الادارة ليس كلاما إنشائيا أو اعلاميا يمضي اثره بعد تصفحه..
وليس حديثا أراد منه صاحبه هدفا شخصيا..
بل هو كتاب جسد فيه – بأسلوب لا يقدر عليه سوى غازي القصيبي – منظومة هذه التنمية من خلال معايشته لها صدقا وصراحة ووفاء واعترافاً بالخطأ، وعرفانا بعطاء الآخرين.
***
** لقد أضافت إليّ قراءة هذا الكتاب الذي شدني إليه إلى درجة ادمان قراءته حتى انهيته في زمن وجيز كما حصل لآخرين ممن قرؤوا هذا الكتاب.
إن هذا الكتاب
أضاف إليّ وأحسب أنه اضاف إلى كل من قرأه – وخصوصا البعيدين عن مصدر القرار – معلومات وحقائق بالغة النصوع، بليغة الاثر والتأثير في عدد كبير من جوانب مسيرة التنمية في هذا الوطن الأغلى وأولها: معايشة قادة هذا الوطن لكل جانب في هذه التنمية، ولكل أمر يهم هذا الوطن ورخاء ابنائه، لقد روى د. القصيبي مواقف مؤثرة جدا لصانع التنمية في هذا الوطن الملك فهد.. مواقف وطنية وانسانية لم نكن لنعرف عنها لانه لم يعلن عنها.. لكن القصيبي عايشها بصفته مسؤولا تنفيذيا قريبا من صانع القرار في الميدان الصناعي أو الصحي، أو الكهربائي.. لقد وجدتني خلال وبعد قراءتي ومعرفتي بهذه المواقف لخادم الحرمين الشريفين التي ذكرها القصيبي، وجدتني احس انني كمواطن مدين بصدق لا يشوبه – علم الله – أدنى تملق، مدين للملك فهد بكل ما تحقق على ارض هذا الوطن.. فالملك فهد – كما كشف القصيبي – لم يكن – حفظه الله – يأمر بالقرارات، أو يصدر الاوامر فقط بل كان يعيش كل ملمح تنمية ويتابع كل ما يحقق افضل مستوى معيشي او صحي او حضاري لأبناء هذا الوطن.
لقد اورد القصيبي مواقف للملك فهد الذي منح الوطن سنوات عمره، وآمال حياته مما لا يملك اي مواطن إلا ان يبادل خادم الحرمين الشريفين وفاء بوفاء، وأن يمحضه خالص الدعاء بأن يجعل ما قدمه ويقدمه لهذا الوطن عقيدة وانسانا في ميزان حسناته.
ولن استطيع ان اعرض عشرات المواقف التي رواها القصيبي عن خادم الحرمين في مجال تعميم الكهرباء، أو تطوير الخدمات الصحية، او الانطلاقة الصناعية.
لقد استطاع القصيبي – بأسلوبه المميز ووفائه الصادق – ان يروي نماذج من هذه المواقف مشيرا من خلالها – أكثر من مرة – إلى انه لم يكن ليعمل او ينجح او يخدم هذا الوطن لو لم يجد من صانع القرار كل الدعم والمساندة بل والمعايشة الوقتية والدقيقة لكل ما يهم المواطن من قبل الملك فهد الذي بارك الله في وقته حتى انك لتظن – والقصيبي يروي مواقف الملك فهد معه في مجال الصحة او الصناعة او الكهرباء – ان الملك فهد ليس له من هموم غير هذه الهموم بينما هو يتعايش مع مختلف جوانب تقدم هذا الوطن وتنميته اضافة إلى مشاغله السياسية الكبرى، ولو روى كل مسؤول في بلادنا مواقفه معه في مجال عمله لاحتاج الامر إلى مجلدات.
وكما كان الملك فهد يعايش هذه التنمية ورخاء المواطن، كان سمو ولي العهد الامير عبدالله هو الآخر ذا مواقف بالغة التأثير في منظومة التنمية روى القصيبي جوانب منها,, وكذلك الشأن بالنسبة لسمو الامير سلطان بن عبدالعزيز في متابعته لهذه المنظومة التنموية.
***
** ثاني هذه الحقائق التي خرجت بها بعد قراءة هذا الكتاب وفاء المؤلف في إبراز عطاء وجهود جنود مجهولين من مسؤولي هذا الوطن نحن لا نعرف جهودهم وعطاءهم لأنهم يخدمون ويحترقون عطاء وحبا من اجل هذا الوطن بصمت – وهم كثيرون – وقد كشف د. غازي بكل وفاء عن بعض هذه الاسماء التي عملت معه، ومثلهم كثير في كل وزارة وجهة.. ومن ابرز هذه الاسماء التي كان القصيبي معترفا بعطائها ونزاهتها المرحوم م, يوسف الحماد حيث روى مواقف عن هذا الرجل الذي رحل – بكل هدوء – وهو الذي كانت له جهوده الفياحة في مجال نشر نعمة الكهرباء، التي غطت انوارها بلادنا في وقت قصير.. والاسم الثاني: م. محمود طيبة، وقد روى القصيبي من نزاهة هذا الرجل الذي لم يغره بريق المادة ما يجعلك تسعد ان هذا الوطن يضم امثال هذا الرجل حتى ان الملك فهد كافأه مكافأة سخية مادية ومعنوية بعد موقف رائع انتصر فيه ضمير وذمة م. محمود طيبة على بريق المادة واغراء المال وما فاته من المال عن طريق الحرام اخذه بالطريق الحلال – كما قال الملك فهد وهو يأمر له بالمكافأة السخية.
***
** ثالث هذه الحقائق: يشعر القارئ لهذا الكتاب ان المسؤولية في هذا الوطن تكليف لا تشريف – بمعنى الكلمة – بدءا من الملك نفسه إلى وزرائه وكافة المخلصين في اي جهاز.. لقد روى القصيبي تأثر الملك فهد بل وتألمه عندما يرى اي قصور يطول المواطن في ميدان الصحة مثلا، وهذا الاحساس منه – حفظه الله – كان يمتد إلى العاملين معه، فقد كان القصيبي لا يستطيع عندما يقوم بجولة على قطاع صحي ويرى النقص فيه، إلا ان يذهب في اليوم التالي الى صانع القرار الملك فهد الذي يجلس معه ويبحث معه أوجه القصور فيوجه ويتابع – حفظه الله – حتى يتلاشى هذا القصور.
إنني اجزم انه لو لم يتواجد هذا الاحساس بالمسؤولية لما بلغ هذا الوطن ما بلغه، فالمال – وحده – لا يصنع تطورا أو حضارة، وأمامنا عشرات الدول مما هي اوفر منا مالا، وأصغر حجما، وأقل سكانا، وما حققت هو معشار ما حققته بلادنا على كافة المستويات الحضارية.
لقد تحققت في بلادنا انجازات – في هذا العهد – لو لم يكن وراءها قادة مخلصون من الملك فهد والامير عبدالله والامير سلطان، ورجالهم التنفيذيون المخلصون لما تحققت على هذا الشكل الذي يجعلنا نفخر بها او نماري حيث جعلتنا هذه المنجزات التنموية العملاقة في زمالة مع ارقى الدول تقدما.. ولننظر الى امثلة فقط لهذه المنجزات مثل: مطار الملك خالد الدولي، المدن الجامعية، الطرق السريعة المثالية، مصانع سابك في الجبيل وينبع، المستشفيات الفخمة، وغيرها وقبل ذلك وبعده مشاريع الحرمين الشريفين التي كم أتمنى ان يتصدى لها رجل مثل غازي القصيبي ليحكي التجربة الخالدة لمشاريع الحرمين الشريفين وليروي للعالم بالحقائق والوقائع وليس بالانشاء ما بذلته الدولة – وعلى رأسها هذا الرجل فهد بن عبدالعزيز الذي ارتضى بلقب خادم الحرمين الشريفين عن كل لقب، انها قصة رائعة خالدة تستحق ان تروى ليس لابناء هذا الوطن فقط، بل ولكل ابناء العالم الاسلامي ليعرفوا بعض ما قدمته هذه الدولة من جهد ومال وسهر وعطاء ومتابعة من قمة مسؤوليها إلى ابسط مواطن فيها من اجل هذه التوسعة العملاقة لبيت الله الحرام ومسجد نبيه صلى الله عليه وسلم .
***
** ومن الحقائق الناصعة التي يخرج بها قارئ هذا الكتاب تلك التي تشير إلى ان كبار المسؤولين في هذا الوطن يشكلون فريق عمل واحد هدفهم النهوض بهذا الوطن، وتوفير افضل المستويات والخدمات لابنائه حيث لم يكن المسؤول يهمه نجاحه في جهته، ووزارته فقط بل كان يقف مع زميله الآخر من اجل نجاح الخدمات التي تقدمها وزارته او مؤسسته.
وقد روى د. القصيبي مواقف وطنية رائعة لعدد كبير من كبار المسؤولين كسمو الامير نايف، وسمو الامير سلمان، مروراً بزملائه الوزراء ومواقفهم وفيها يتجلى التعاون والمؤازرة من اجل نجاح اي مشروع.
ولولا هذا التعاون الكبير بين المسؤولين لما حقق اي مسؤول اي انجاز كما كشف وأوضح كتاب القصيبي.. ان مثل هذا التعاضد بين كبار المسؤولين من الوزراء خاصة، يشير الى حقيقة مضيئة يندر وجودها ألا وهي ان المسؤول في هذا الوطن لا يهمه ان يبني مجدا شخصيا له من خلال نجاحه في العمل الموكل إليه فقط.. بل انه يعمل ويتعاون من اجل نجاح اي مكتسب تنموي يتحقق في اي جهة، وعلى يد أي زميل آخر.. إنه شعور وطني رائع يؤكد على ان ثروة هذا الوطن ليست ثروة مال ولكنها ثروة رجال.
***
** وبعد ..!
كم أتمنى ان يقرأ كل معني بالتنمية في هذا الوطن هذا الكتاب، بل أتمنى ان يقرأه الجيل الجديد الذي تفتحت اعينهم على هذه المكتسبات التنموية في الأمن، والصحة، والطرق، والصناعة، والتعليم، وخلافها ليحمدوا الله – أولا – على ما تحقق لهم ولبلادهم، ثم ليتعمق الولاء والوفاء لبلادهم وقادتهم حيث يدركون ان وراء هذه المنظومة التنموية جهدا وسهرا ودعما وتنفيذا حتى ان قائد مسيرتهم كان يبحث كل صغيرة وكبيرة في هذه المنظومة التنموية من اجل مستقبلهم الجميل, كما روى القصيبي عددا من المواقف المؤثرة لخادم الحرمين الشريفين عندما كان (القصيبي) وزيراً للصناعة والكهرباء، ثم وزيراً للصحة.
إن علينا وعلى أجيالنا ان نحافظ على هذه المنجزات الحضارية، والمكتسبات التنموية التي لم يحققها المال – وأقولها لمرات عديدة – بل حققها قادة ورجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فكان هذا الوطن الوارف بأمنه، ومنجزاته، والذي لا نملك إلا ان ندعو الله أن يحفظه من كل سوء، وأن يديم هذا الوفاء فيناله، وان نترجم هذا الوفاء والحب الى مزيد من العمل والانجاز ليستمر نماء هذا الوطن، ولتسمق شجرات العطاء.. وليتعمق الوفاء في قلوب الاجيال الجديدة تماما كما تعمق الوفاء في قلوب قادتهم وآبائهم فكان ان قدموا هذا المشروع الحضاري الوفاء السعودي الذي ننعم جميعا تحت ظلاله الوارفة.