logo

Select Sidearea

Populate the sidearea with useful widgets. It’s simple to add images, categories, latest post, social media icon links, tag clouds, and more.
hello@youremail.com
+1234567890

حاجتنا إلى مفكرين يجيدون الحوار والرجوع

حمد بن عبدالله القاضي

حمد القاضي > مقالاتي  > حاجتنا إلى مفكرين يجيدون الحوار والرجوع حمد بن عبدالله القاضي

حاجتنا إلى مفكرين يجيدون الحوار والرجوع

حمد بن عبدالله القاضي

                                                                          

 

 

** لكم خسر الفكر الاسلامي المتفتح كثيرا برحيل المفكر الاسلامي الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله.

 

لقد كان بطروحاته وآرائه التي يقدمها يجسد سماحة الاسلام، وسعة صدر علمائه، وقدرتهم على الاجتهاد ومعايشة احداث العصر وتبيان ان الاسلام صالح – حقا – لكل زمان ومكان!.

 

لقد كنت كلما وقع حدث في هذا العالم احرص على قراءة ما يكتبه الشيخ الغزالي في هذا الحدث وعنه.

 

وكان – رحمه الله – يملك إلى بعد النظر الوعي والمتابعة لما يدور في هذا العالم الفقه بالدين فيقدم رأيه السديد المعاصر الذي يستمده من الوحيين واجتهادات العلماء، ومستجدات العصر ويخلص من ذلك – رحمه الله – برؤية تمثل نظرة الاسلام الحقة لهذا الوجود وما يتم على اديمه، وفي فضائه من احداث. وهو – رحمه الله – وان كان في بعض حواراته حدة – كما اعترف بذلك – إلا انها – في تقديري – كانت عنوانا لغيرة المسلم، وعادة الانسان انه لا يحتد ولا يغضب إلا على من يحب ومن اجل من يحب.
 

 

لقد كان – رحمه الله – لا يرضى بانصاف الحلول,وكان يقدم الرأي الذي يعتقده وإن كان مخالفا لبعض الآراء المطروحة، ويدعم رأيه بالدليل والحوار.. وقد يخطئ وقد يصيب، لكنه لا يجامل ولا يداهن أبداً.

 

***

 

** وهنا أتوقف عند خصلة رائعة فيه ألا وهي أوبته للصواب متى رأى الحق مع غيره، أو احتد بالرأي على غيره. كان يملك شجاعة الاعتراف وأوبة المؤمن إلى الحق حتى اطلق عليه تلميذه: محمد عماره (المفكر الأوّاب)..

 

ولقد روى د. عمارة موقفا له مع الشيخ الغزالي هزني كثيرا وجعلني أترحم على هذا المفكر القوي الذي يتوقع الواحد عندما يقرأ آراءه وهو يقدمها بقوة وبعنفوان وبأسلوب جزل وقوي انه لا يتراجع ابدا عن رأي يبديه.

 

ولكن هذا الموقف الذي يرويه تلميذه د. عمارة فيه الوافر من سعة الصدر، والكثير من رحابة الرأي. وهذا هو الموقف الذي يرويه د. عمارة:

 

في النصف الثاني من سنة 1983م كان المرحوم الاستاذ عبدالرحمن الشرقاوي ينشر في صحيفة الأهرام فصول الصور الادبية التي كتبها عن الامام علي بن ابي طالب وهي التي اختار لها عنوان (علي امام المتقين)وأخذت آراؤه وتقويماته لاحداث التاريخ الاسلامي وصراعاته في حقبة صدر الاسلام تثير الجدل في عدد من الصحف والمجلات ما بين ناقد ومحبذ ومعترض ومهاجم,وكان الشيخ الغزالي وقتئذ يعيش في قطر استاذا في جامعتها، فأدلى بدلوه في المعركة من موقع الناقد للمنهج اليساري في تفسير تاريخ الاسلام.

 

وفي محاضرة عامة حول هذه القضية ألقاها في قطر وجه الهجوم الغاضب الى الذين يسمون أنفسهم تيار اليسار الاسلامي وكانت مفاجأة لي عندما قرأت في الأهرام ضمن مقال الشرقاوي يرد فيه على الشيخ.. الفقرة التي نقلها الشرقاوي عن محاضرته والتي جمع فيها الشيخ الغزالي أسماء كتاب اليسار الاسلامي الذي صب عليهم هجومه الغاضب وكانت مفاجأة لي ان وجدت اسمي ضمن هذه الاسماء,لقد فوجئت لأن هذه ليست حقيقة موقفي الفكري، وفوجئت لغيبة هذه الحقيقة عن الشيخ الغزالي الذي اعتقدت رغم اننا لم نكن قد التقينا بَعدُ لقاء مباشرا انه لابد ان يكون ملما ولو بطرف قليل بما قدمته للمكتبة الاسلامية وهو ينقض ويهدم من الاساس مصداقية ومشروعية وجود مثل هذا التيار,لقد فوجئت، لكني لم أغضب، فضلا عن أنني طويت الامر مع طيّي لصحيفة الاهرام ثم حدث ان سألني صديق استاذ في جامعة قطر عن مشاعري حيال هجوم الشيخ الذي تناولني فيمن تناول؟ فأجبته صادقا إنني على يقين من ان الشيخ الغزالي قد تناولني وهو غاضب لكنني على ذات الدرجة من اليقين بأن غضبته انما كانت لله ولدينه وانتصارا للحق الذي يبغيه حتى ولو اختلفت الرؤى في الاساليب والتفاصيل,ولذلك فإن حبي للشيخ واعتزازي بفكره وجهاده لم ولن يتأثر بوصفه لي إبان غضبته المشروعة هذه في الموقع الذي لا احب ولا أرضى,ثم حدث ان بلغ رأيي هذا إلى شاب مثقف كان يتولى ادارة الشؤون الثقافية بجامعة قطر بيني وبينه معرفة مباشرة لكنه كان يقرأ لي مع اعجاب وتقدير، وفي ذات الوقت كان من مريدي الشيخ الغزالي ومحبيه فعز عليه وجود هذا الخلاف المعلن بين الشيخ الغزالي وبيني، مع يقينه – وهو الذي يتابع فكرنا معا – بأنه خلاف لا مبرر لوجوده اصلا، فتطوع هذا الشاب وذهب الى الشيخ الغزالي وعرض عليه ان يقرأ عددا من المقالات القصيرة التي كنت انشرها اسبوعيا في مجلة الشراع البيروتية في زاوية اطلقت عليها عنوان التراث والمستقبَلُ حدث هذا المسعى دون ان أدري عنه شيئا.
 

 

ويقول د.عمارة: ما هي إلا ايام حتى تسلمت خطابا اثار مظروفه الانتباه فعلى المظروف عبارة: المرسل محمد الغزالي – كلية الشريعة – جامعة قطر، ولم أكن من قبل قد التقيت شيخنا الجليل ولا تبادلنا المراسلات، وأقرب العهد به هو خبر ذلك الهجوم الذي اشرت إليه,عندما فتحت الظرف وقرأت خطاب الشيخ الغزالي كانت المفاجأة التي هزت كياني من الاعماق, لقد وجدتني امام وثيقة لا يكتبها إلا واحد من عظماء الرجال، فهذا الشيخ الجليل الذي يقع مني موقع الاستاذ من التلميذ يجلس في موقعه هذا ليراجع نفسه ويحاسبها ولينقد ذاته وليعلن لي تصحيحه لموقفه مني لا في إطار هذه الرسالة فقط وإنما علنا وعلى رؤوس الاشهاد,لقد كتب الامام الراحل يقول لي:

 

أخي الاستاذ الدكتور محمد عمارة

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

 

فإن القليل الذي قرأته أخيراً ردني إلى الصواب في أمرك، وجعلني اندم على تعجلي في عدك من كتاب اليسار الاسلامي لقد كنت في ضيق شديد للحرج الذي وقع الفكر الاسلامي فيه عندنا، حيث يمرح فيه الغزو الثقافي غير خجل ولا قلق، وتناولت ناسا قرأت لهم ما لا يسر، ولكني ما كنت قرأت لك، وإنما حدثني البعض انك تصف الشريعة الاسلامية بأنها من وضع الفقهاء وتتبنى النظرة المادية في الفلسفة الاسلامية، وما كان يليق بي ان اعتمد السماع في تقدير الرجال، ومن ثم كنت بعد وصفي لك باليسار الاسلامي، قلقا في عدالة الحكم الذي صدر مني بالنسبة لكم خاصة، والآن بعد قراءات قليلة لآثارك الادبية ايها الاخ العزيز رجعت إلى من حدثوني وقلت لهم: ان الطبيعة العقلية للدكتور محمد عمارة تتسم بعمق النظرة ودقة الحكم وسعة العلم والتجرد للحق، وإذا مضى في هذا الطريق فأحسبه سيكون نموذجا للاستاذ العقاد وعبقرياته الاسلامية، معذرة عما قلته وعند اول فرصة لكتابة عامة سأنشر رأيي فهذا حقك الذي يفرضه عليّ ديني .محمد الغزالي

 

***

 

** حقاً إنه رجل أوّاب.. وإذا كانت رسالته هذه قد هزت كياني من الاعماق فبادرت اكتب إليه قائلا: ان امة فيها امثالك لابد منتصرة بإذن الله.

 

 

***

 

** أجل : إن في هذا الرسالة وقفات عظيمة كم يجدر بكل كاتب مسلم، وداعية صادق، ومناظر باحث عن الحقيقة، ان يقف عندها وان يفيد منها:
 

 

أولها : عدم الاعتماد وتكوين الرأي عن الآخرين بالسماع، فهذا يضع الانسان في خطأ الرأي، وجعل الحكم على الآخرين كما وقع للشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – ولكنه امتلك شجاعة الرأي وعدل عن رأيه بالدكتور عمارة، بل أنَّب نفسه، في شجاعة نادرة، وباعتراف واثق يقول الشيخ الغزالي في رسالته – رحمه الله – وما كان يليق بي ان اعتمد السماع في تقدير الرجال. 

 

ثانيها: تواضع هذا المفكر، وإلا ماذا يشكل وقتها د. عمارة أمام هذا المفكر الذي كان ملء السمع والبصر ليس في مصر ولكن في العالم الاسلامي.. ومع كل ذلك فقد بعث إليه برسالة شخصية، اعترف فيها بالخطأ، ووعده باعلان تراجعه عن رأيه، في موضوع ينشره أمام الملأ في أقرب فرصة.

 

ثالثها: ان غضبه حتى مع اقرب الناس ليس بسبب موقف شخصي من الآخر، ولكنه غضب المؤمن الذي يرى الحق اقرب له من اي صديق او تلميذ او قريب، وقد عرف عنه – رحمه الله – انه لا تأخذه في كل مواقفه – في سبيل الحق ونشر العقيدة الصحيحة لومة لائم، او إرجاف قلم.

 

 

***

 

** وبعد :

 

ان فقد عالم ومفكر مثل الشيخ الغزالي يجيد الحوار كما يجيد الرجوع إلى الحق هو خسارة على على الفكر الاسلامي المعنيّ بابراز سماحة الاسلام والمثل الحياتية والحوارية التي أتى بها ونادى بتعميمها,وما أحوج هذه الأمة – في عصر تفجر المعلومات وصخب الجدال، وتكالب المذاهب إلى صوت وفكر مثل صوت وفكر الغزالي الذي قضى حياته – رحمه الله – منافحا عن الاسلام بوعي، وببعد نظر وبكل ما يحمله الفكر الاسلامي المتنور، وبكل ما يتأبطه هذا العالمِ بثوابت دينه والمدرك لتغيرات عصره – رحمه الله – فما أشد خسارتنا فيه، وفجيعتنا بفقده كلما ألم حدث، أو جد جديد، او تطاول متطفل على الاسلام وأهله,إن الشيخ محمد الغزالي قضى عمره يدعو إلى دين الاسلام على بصيرة، وينافح عنه على هدى..

 

إن هاجسه هو سماحة ووسطية وانتشار الدين الاسلامي.. ولقد اسهم في بلورة الخطاب الاسلامي وجعل هذا الخطاب يدخل ميدان الحوار مع المذاهب الاخرى بلغة العصر، وبقوة ذي المبدأ القوي,لقد كانت كل طروحاته تقدم الاسلام على انه نظرة شاملة للحياة والكون.. وأنه عبادة ومعاملة.. صلاة وصلة، صلاة لله، وصلة مع العالم والناس,إن الشيخ المفكر محمد الغزالي لن يتنكر بسهولة كما قال أحد تلامذته أ,فهمي هويدي – رحمه الله – وعوض الفكر الاسلامي بمفكر وداعية مثله: قوة في الحجة، وفهما للدين، وتفاعلا مع العصر وأحداثه.