logo

Select Sidearea

Populate the sidearea with useful widgets. It’s simple to add images, categories, latest post, social media icon links, tag clouds, and more.
hello@youremail.com
+1234567890

في مدخل الحمراء كان لقاؤنا ..!(2)

حمد بن عبدالله القاضي

حمد القاضي > مقالاتي  > في مدخل الحمراء كان لقاؤنا ..!(2) حمد بن عبدالله القاضي

في مدخل الحمراء كان لقاؤنا ..!(2)

حمد بن عبدالله القاضي

                                                                          

 

 

(2)

 

وهل ينضب البحر .. أو يتوقف المطرُ في كل جزء من الأندلس .. وتحت كل حجر وفوق كل غصن من كل شجرة أثارة من مجد .. وبقية من فخار.

 

وترحل بعينيك إلى "إشبيلية" أو كما سميت الآن "سيفليا".. وها أنت ترى الوادي الكبير كقارورة عطر من التاريخ يفيض على جسد هذه المدينة .. يمر بطرقتها .. ويجاور أحد الآثار العربية الشامخة "القصر الكبير" وتتذكر المعتمد بن عباد في إشبيلية هذا الشاعر الأمير الذي أحب هذه المدينة وعاش فيها مع أسرته بنعيم وجنان خضراء.. وعندما خرج من هذه يتذكر بناته أيام العز بإشبيلية:

 

         ((ترى بناتك بالأطـــمار عارية

                   يغزلن للناس ما يملكن قطميرا

         يطأن في الطين والأقدام حافية

                   كأنها لــم تطــأ مسكاً وكافــوراً

         من بات بعدك في ملك يسـر به

                   فكأنما بات بالأحــلام مغموراً ))

 

وهل هذا فقط هو ما بقي بالأندلس؟

 

لا ..

 

انظر إلى آثار الحضارة العربية في لغة الأسبان ..

 

إن عدداً كبيراً من الكلمات التي يستخدمونها عربية فصيحة وإن كانوا ينطقونها بعجمة لم تمح نغماتها العربية الأصيلة.!

 

وانظر إلى سحنات النساء والرجال في مدن الأندلس أنها سحنات عربية فيها سمار الإنسان العربي .. أما النساء فتلمح الدم العربي في وجوههن .. ترى الشبه العربي في شعورهن السوداء الطويلة حتى تظن أن من تلقاها امرأة عربية لم تتجاوز مشارف دمشق أو أسوار بغداد أو صحراء نجد أو وديان الحجاز, ولكن عندما تستمع إلى حديثها تعرف أنها من غير بلادك.. إنهن كما قال ذلك الشاعر نزار قباني عن دليلته وهو يزور الأمجاد العربية في الأندلس:

 

           ((وجه دمشـــقـي رأيـت خـــلالـه

                    أجـــفان بلقــــيس وجــيد ســـعاد

           يتألق القرط الـجمــــيل بجـــيدهـا

                    مثــل الشــموع بليــلة المـــــيلاد

           سارت معي والشعر يلهث خلفها

                   كســـنابل تركت بغــير حصــاد ))

 

أليست هذا الأوصاف "لمهرة" عربية يفيض الجمال العربي على وجهها وجميع أجزاء جسدها..

 

***

 

وماذا بعد ..؟!

 

ها هي اللحظات الممتزجة بالنشيد والنشيج.. بالفرح وبالحزن.. بالبسمة والدمعة تعود إليك وأنت تودع الأندلس وتتذكر أمجادك العربية وحضارتك الإسلامية، وفتوحات أجدادك الذين دانت لهم الدنيا فتفرح وتنتشي, وتسير في دروب المجد مسروراً.. وفي ذات اللحظة تتذكر واقع أمتك الممهور بالذل والهزائم وبالهوان على الناس فتتألم, وتندلع حرائق الحزن في بيادر نفسك .

 

ولك الله أيها القلب الشجي..!

 

لقد دخلت الأندلس فاتحاً منتصراً.. وها أنت تدخلها سائحاً ذليلاً..!

 

إني لا أزال – بشجن – أذكر تلك الجريدة العربية التي أهانت الحروف وهي تكتبها, حيث وضعت لها عنواناً قبل بضع سنوات عندما انتصرت في مباراة كرة قدم في أسبانيا شبهت فيها لاعبها بالقائد العظيم عبدالرحمن الداخل الذي دخل الأندلس فاتحاً, بينما لاعبها قد أدخل هدفاً كروياً في مرمى فريق أسباني منافس..!

 

يا للمأساة.. ويا لسوء المقارنة .

 

وبعد.. وماذا بعد يا أندلس..؟ يا أيتها اللوحة الحضارية التي سوف تبقى في ذاكرة التاريخ مجداً أصيلاً.. وعطراً زكياً..

 

وماذا بعد يا أندلس ؟

 

ومجد التاريخ يتكسر على شفاهنا.. كما تتكسر قلوبنا.

 

ويغادرك العربي السائح منهزماً كما غادرك جدنا – بكل أسف – أبو عبدالله الصغير..!

 

وتبقى في القلب حسرة.. وفي العين دمعة.. وعلى الشفاة تظل كلمة "لا غالب إلا الله" المنقوشة على قصور العرب في الأندلس.. كلمة العزاء بعد أن عز العزاء.. تبقى مضمدة بعض الجراح بعد أن تكاثرت طعنات الحراب على هذه الأمة المهزومة من داخلها قبل انهزامها من أعدائها.

 

***

* مرافئ صغيرة

 

يخطئ – كثيرا – الكاتب أو القارئ الذي يظن أن سعادة الكاتب إنما تجيء من "المردود الاجتماعي أو المادي" الذي قد ينالهما .

 

إن سعادة الكاتب, الذي يرهق عينيه وقلبه وجسده في كلمة يكتبها أو بحث يخرجه, أو كتاب يؤلفه, تتجسد في إحساس الفرح الذي يغمره – كغيمة مطر – عندما يرى عطاؤه النور, ويجد له صدى عند القراءة, سعادة الكاتب تختلف عن سعادة التاجر, فالأخير تحقق سعادته عندما ينال مكسباً مادياً, لكن الكاتب شيء آخر, وكم كان ذلك الشاعر معبراً عن نظرائه عندما قال:

 

         ((رأس مال الأديب قلب رقيق

                  والصدى من شعوره أرباحه))

 

صدقت ورب الكعبة.!

 

إن سعادة الكاتب هي "الراحة" التي تفيض من داخله بعد عناء النفس, وتعب العطاء .. لكنها سعادة كبيرة جدا تهون عندها كل زخارف الدنيا ..!

 

***

 

 

أكره بعض الكلمات, رغم أنه لا غبار على سلامتها اللغوية ولكن لا أدري لماذا يحبذها بعضهم رغم أن اللغة العربية رحبة وواسعة, وفيها مجال لاستخدام كلمات بديلة تكون أكثر دلالة, وأضرب على ذلك مثلا بكلمة "عميل" إذ الأفضل منها كلمة "زبون" لأن الأولى ارتبطت بمعانٍ يمقتها الإنسان.. فليت أصحاب المحلات والشركات يستبدلون الكلمات التي هي أدنى بالتي هي خير، ويطلقون علينا لفظة "زبائن" بدلا من "عملاء".

 

أليس ذلك أفضل وأقرب للنفس ؟!

 

***

 

 "إذا غضب أحدكم فليسكت"..

 

لعلها أصدق وأنجع وصفة لتفادي آثار الغضب وسلبياته من سيء القول, وإيقاد العداوات, وتقطيع الصلات والأرحام..!

 

هذه الوصفة أتى بها محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم قبل أن يولد علماء النفس ودهاقنة التربية!!

 

حقاً.. إنه ليس أنجع من الصمت أو محاولة الصمت عندما يستبد الغضب بالإنسان.. فإذا ما ذهب الغضب فليقل ما يشاء..

 

وعندها لن يكون القول أحجارا تهدم, بل سيجيء القول عتابا يبتسم..!

 

والسؤال الأهم الآن:

 

من يستطيع إسكات غضبه ودرء انفعالاته.؟!

 

إنه لن يؤتى ذلك إلا ذو حظ عظيم…!

 

***

 

* آخر مرفأ

 

قال الشاعر :

 

           ((يـحرِّق البعد قلبينـا إذا افـترقـا

                     فتأكل النار ما ضـــمت ذراعــاك

           نكأت كل جـــراحي بعدما التأمت

                     وصفّـــق القلب بعد البعد يلقاك))

__________________________________

المجلة العربية- مجلة شهرية- العدد (185) جماد ثاني 1413هـ