21
فبراير
توقيعات على ضياء فجر مكي
حمد بن عبدالله القاضي
in مقالاتي
Comments
*أكتب هذه الكلمات
ذات فجر مكي فضِّي معبأ بالطهر مغتسل بالتقوى.
أتطلع من "شرفة موقعي" بمكة المكرمة إلى الكعبة المشرفة والناس بين الحطيم وزمزم، يطوفون حولها مضمّخين بالنقاء متدثرين بالسكينة ممتلئين بالإيمان.
الناس يدخلون إلى بيت الله من كل باب. تحفّهم السكينة ويجلّلهم بياض الإيمان ويغشاهم الخشوع، إنهم لم يأتوا من أجل مال يكسبونه، أو جاه يحصلون عليه، أو امرأة يتزوجونها، أو حاكم يزورونه.
لقد تخلّصوا من شوائب الدنيا وخلصوا إلى شآبيب الرحمة.
إنهم جاءوا من أجل أن تستحمَّ أرواحهم بطمأنينة الإيمان ليزداد رصيد حسناتهم ويتناقص حساب سيئاتهم.
لقد صدقت يا سيدي رسول الله عندما قلتَ وأنت تغالب دموع فراق مكة المكرمة: (( والله إنك لخير بلاد الله، وأحب أرض الله، ولولا أنني أُخرجت منك ما خرجت)).
أجل..!
إنها مكة التي تأسر قلوب ملايين المؤمنين من قبل ومن بعد وإلى الأبد إن شاء الله .
***
فجر مكة المكرمة
عالم آخر من الرهبة والمهابة معاً.
هاهو نداء ((الله أكبر)) ينطلق من مآذن الحرم.
أجزم أنه يمزق الظلام وينشر الضياء ويعلن حقيقة عظمة وكبر مالك الكون، ورب الأرض والسماوات.
هاهو فجر مكة مضيء بقناديل السلام الداخلي الذي يعتمر جوارحك وجوانحك.
حسبك – وأنت في مكة – أن تخرج من رماد الخطيئة.
إلى ورد الفضيلة
وتنأي عن ضجيج الدنيا
إلى بحيرة الطمأنينة.
حسبك أن ترتفع من وحل الأرض إلى جلال السماء، وقد صدقت أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – عندما قالت :((لم أرَ السماء بمكان أقرب منها إلى الأرض إلا في مكة المكرمة)) .ولعله قرب معنوي أكثر منه قرباً حسياً.
إنك تحس وأنت في أروع وأجمل وأقدس الأمكنة بجوار الكعبة المشرفة أنك إنسان آخر أقرب إلى الملاك منك إلى الإنسان.
وتشعر أن الناس حولك غير الذين تعرفهم في دروب الحياة.
فلا دنيا يريدون
ولا مالاً إليه يركضون.
إن ضفاف قلوبهم مسكونة فقط بنداء التكبير .
وإن جوانحهم عبقة بجلال التوحيد.
***
هاهم المؤمنون الخاشعون يدخلون من باب السلام إلى رحاب البيت العتيق.
بنقاء كنقاء مكة
وبصفاء كصفاء سمائها
وبخشوع يسكن قلوبهم ونفوسهم
هاهم بين ساجد وراكع
بين طائف وقارئ
بين متبتل وباك
وهنا.. هنا فقط
((تُسكب العبرات)) كما قال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب.
إنه – مشهد – لا مثيل لـه في هذا الوجود.
***
إنه مشهد إيماني نوراني مريح لا مثيل لـه في الدنيا كل الدنيا.
هاهو مؤذن الحرم يقيم للصلاة
((الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله)).
هاهو إمام الحرم يدخل إلى الصلاة بنداء ((الله أكبر)).
يصْغر أمامه كل ما في الوجود، وتذوب مع جلاله كل ما في قلوب العباد من هموم الدنيا ومشاغلها.
هاأنت تسْبح أيها المؤمن في بحر من النور والطمأنينة والسكينة والصلاة.
والإمـام يرتل بصوت نديّ خاشع: "الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" {الرعد 28
أنت أمام الله
وفي بيت الله
وتسمع كلام الله
فكيف لا تطمئن وأنت في رحاب الله .
أي مكان.. وأي زمان.. وأي عمل يجعل مطر السكينة ينزل على تضاريس قلبك؟
***
إنها مكة المكرمة
تشتاق إليها كلما ابتعدت عنها وتشتاق إليها وأنت فيها
((نفسي يكون القلب عتبة بابها))
كما تمنى الشاعر السماوي
مكة المكرمة
إننا نلجأ إليك من هجير الحياة إلى وهج الراحة في طمأنينة حرمك ، وطهر طرقاتك
مكة المكرمة
((يا جنة اليوم والغد))
إلى لقاء.
***