أيها الناقدون.. رفقاً بالأئمة والمؤذنين..!
حمد بن عبدالله القاضي
** أستغرب ذلك النقد الحاد للغياب الذي يحصل أحيانا من قبل بعض أئمة ومؤذني المساجد.. فتجد الكثيرين ينتقدون بل ويصفون هؤلاء الأئمة بالإهمال وعدم المبالاة، ويجيء النقد أحيانا من قبل بعض جماعة المسجد أو من قبل بعض المجتمعات، بل ومن قبل أقلام بعض الكتاب!
إنني أستغرب هذا اللوم لأن أئمة المساجد بشر مثل غيرهم يمرضون، ويسافرون وينامون ويذهبون للأسواق ولهم متطلباتهم ومشاغلهم فضلا أنه تمر بهم الظروف الطارئة التي تستوجب غيابهم، تماما مثل غيرهم، والأهم من كل ذلك أنهم ليسوا متفرغين لوظيفة الإمامة والأذان بل لهم وظائف رسمية تستغرق جزءا كبيرا من وقتهم، ورواتبهم من هذه الوظائف الرسمية هي التي يعيشون عليها وينفقون على أسرهم، إذ إن مكافأة الإمام والمؤذن من الضآلة بحيث لا تقيم أودا، إن هناك أوقاتا مثل الظهر والعصر قد يكونون وقتها في وظائفهم أو في الطريق إلى منازلهم ومساجدهم.
** إنني أود من هؤلاء المنتقدين أن يضعوا أنفسهم موضع هؤلاء (الأئمة والمؤذنين الفضلاء) الذين يؤدون أشرف مهمة، وفي ذات الوقت أشق مهمة، ولولا احتسابهم الأجر من الله لما وجدنا أئمة يلتزمون بهذه المهمة أربعا وعشرين ساعة، وأحيانا يطول النقد عند غياب الأئمة والمؤذنين وزارة الشؤون الإسلامية والمسؤولين عن المساجد، والوزارة ومسؤولوها هم الآخرون لا تثريب عليهم فهم يتعاملون مع بشر تعتريهم ظروف الغياب، وقد تجبرهم الضرورات على التأخر.
إن الموظف له دوام واحد محدد في ساعات معينة، وقد يتأخر ساعة أو يخرج قبل ساعة ولا يلفت غيابه أحدا، أما (إمام المسجد) فدقيقة أو دقيقتان تلفت النظر إلى غيابه، ناهيك عن أن الموظف له إجازات أسبوعية وسنوية و(عيدية) واضطرارية، أما (إمام المسجد) فليس له أي شيء من ذلك، مع أن من حقه أن تكون له إجازة عيد، وإجازة صيف للترفيه عن أسرة أو ولد، واضطرارية لزيارة ذي رحم أو عيادة مريض، لكن الواقع أن الإمام (مرابط بعمله بالدقيقة) طوال الوقت ليلا ونهارا فجرا وظهرا، في حمارة القيظ وزمهرير الشتاء، في أيام الأعمال وأيام الإجازات، في الأعياد وفي الجمع، وفي الصحو والمطر.
من هنا أجزم أن كل إنسان عندما يتصور مهام (وظيفة الإمام والمؤذن الشاقة) فإنه سوف يلتمس له العذر أو يجب أن نلتمس لهم العذر، ولو قلت لهذا (الناقد) تعال وابق مكانه لمدة أسبوع فقط لأبى ولم يوافق لأنه يدرك صعوبة الالتزام الدقيق والحاسم!
** أقول أيها الأحبة: أقلوا من اللوم على هؤلاء الأئمة الفضلاء والمؤذنين الأخيار فهم – كما قلت – بشر، ويعتريهم مثل ما يعتري غيرهم من أمراض وأسفار وظروف، وعلينا بدلا من لومهم أن ندعو لهم بالعون والتسديد، فالواحد منهم قد يدع أمرا مهما للذهاب إلى مستشفى أو إيصال عائلته إلى قريب أو سوق خشية أن يتأخر أو يغيب وقتا واحدا.. بل إنهم قليلا من الليل لا يهجعون فهم بين نوم ويقظة خشية أن يأخذهم النوم ويتأخروا عن أداء إمامة، أو رفع أذان!
** إنني أعتقد أنه لولا طلب الأجر من الله لما صبر على هذه الوظيفة الشاقة عدد كبير من الأئمة والمؤذنين وبخاصة إذا أدركنا أن المكافأة التي يأخذها الإمام والمؤذن زهيدة لا تساوي مكافأة (خارج دوام) يأخذه موظف بالمرتبة الخامسة، بل إن بعض الأئمة والمؤذنين قد يصرفون جزءا من هذه المكافأة الضئيلة على متطلبات المسجد أو لمن ينوب عنهم عندما يطرأ لهم طارئ من مرض أو سفر أو ظرف!
** إنني أستشرف تحقيق أحد مطلبين للتخفيف من غيابهم أو آثار غيابهم:
* الأول: إما تفريغهم لهذه المهمة العظيمة التي تستغرق كل أوقات وأقول (كل) أوقات من يقوم بها ويؤديها، وعند التفريغ تكون لهم (رواتب شهرية رسمية مجزية) لكي يتفرغوا فعلا لمهمة الأذان أو الإمامة، أما أن ننتقدهم ونثرب عليهم لغيابهم وهم ملتزمون بأعمال أخرى، وهم – أيضا – مسؤولون عنها أمام الله فهي عملهم الرسمي لأنهم ينالون (الأجرة) المجزية منها، فإن مثل هذا اللوم بعيد عن العدل والإنصاف.
** الثاني: خيار تعيين نواب للأئمة والمؤذنين وهذا أمر معمول به في كل جهاز أو إدارة يتطلب العمل بها ساعات محددة فما بالك بوظائف تتطلب الالتزام بها بالساعة والدقيقة وليست مثل أعمال أية وظيفة يمكن تأخيرها إلى وقت آخر.
** وأخيرا تشجيعا وتصبيرا لهؤلاء الأخيار الذين يقومون بالإمامة أو الأذان بالمساجد، يرفعون نداء الله أكبر ليلا ونهارا ويؤمون المصلين ويتلون آيات الله، ويريحون المسلمين بالصلاة، بل وتحفيزا لغيرهم للإقبال على مثل هذه الأعمال المباركة وإن كانت شاقة، أطالب بزيادة مكافأة (الأئمة والمؤذنين) إذ إن مكافآتهم قليلة جدا – لولا الاحتساب ما أبقت إماما في مسجد، أو مؤذنا في آخر.