مرض السكري يتفشى بصورة مرعبة في المجتمعات الخليجية. وصلت النسبة في بعض الدراسات السعودية إلى 25 %، بمعنى أنه بين كل مئة مواطن خمسة وعشرون مصابون بالمرض. لا يعرف المصيبة الكامنة في هذه الحقيقة سوى المصابين بالمرض وذويهم والعاملين في المؤسسات الطبية.
المحصلة النهائية فيها عجز مبكر من كل الأصناف يصل إلى توقف الإنجاب وفقدان الإبصار والفشل الكلوي وانعدام الإحساس في الأطراف السفلية، وقد تصل الأمور إلى موت الأنسجة الموجب للبتر قبل الانتشار القاتل إلى أعلى.
نسبة الإصابة بالسكري في المجتمعات الغربية (بالغين) تتراوح بين 7 – 12 %، أي أن النسبة في مجتمعنا الحديث عهد بالشبع ضعف النسبة في المجتمعات الصناعية التي فقدت الصلة بالجوع منذ زمن طويل. السبب أنهم يمشون كثيراً ويقضون حاجياتهم بأنفسهم وليس عندهم خدم ولا حشم، بينما نحن (سعيد أخو مبارك كلهم ماهناش). إذاً أكرر، هنا بديهيات يعرفها الجميع، الشبع (كبسة غداء ونوم يليها ووجبة عشاء متأخرة)، ومكونات الأكل الغلط (الدهون والحلويات والنشويات والمشروبات الغازية)، والتنبلة وقيام العمالة المنزلية بجميع النشاطات اليومية بالنيابة (ما عدا التنفس والمضغ والذهاب إلى الحمام لقضاء الحاجة، وحتى في هذه الأمور لست متأكداً)، واستعمال وسائل النقل الخاصة في كل المشاوير من الذهاب إلى العمل والمسجد إلى زيارة الجيران والأصدقاء في الشارع المجاور لغرض السلام والكلام والحش في خلق الله، ثم اختتام الأمسية بالفول أو المعجنات والمشاوي من المطعم.
طيب !، ما الجديد في الأمر إذا ً ؟. هذه حقائق معروفة والمجتمع مطنش ويحتاج كالعادة إلى أوامر من مجلس الوزراء لعله يتزحزح من مكانه الغارق في السكر والعسل. لكن هناك فعلاً بعض الجديد في الأمر، وهذا هو موضوع الحلقة الأساس.
طرحت مؤخراً دراسة فنلندية ملاحظة هامة جداً حول العلاقة المحتملة بين الإصابة بمرض السكري وانعدام أو نقص التعرض لأشعة الشمس بطريقة كافية. المعروف أن عدم تعرض بعض الجلد على الأقل لأشعة الشمس بشكل مباشر (أي بدون ملابس على الذراعين والساقين في السطح أو البلكون) يؤدي إلى نقص في تنشيط وتفعيل فيتامين (د، المختزن تحت الجلد مباشرةً) وهذا النقص يؤدي بدوره إلى عدم امتصاص ملح العظام (الكالسيوم) من الغذاء وعدم وصوله أيضاً إلى العظام. النتيجة النهائية هي الكساح وتشوهات الهيكل العظمي عند الأطفال وهشاشة العظام وانخساف الفقرات عند الكبار وكذلك تصلب الشرايين وتضخم القلب وضعف المناعة إلى آخر القائمة من الأمراض التي يسببها نقص فيتامين د الناتج عن عدم الاستفادة من أشعة الشمس. سيِّئو الحظ المعرضون لهذه المصائب عندنا هم: أولاً النساء من كل الأعمار لأسباب اجتماعية والأطفال الرضع والعجائز من الجنسين. السبب في كل هذه القائمة الاعتلالية واحد دائماً وهو عدم الاستفادة من نعمة الله المجانية (الشمس)، إِمّا للاستحالة (الطفل والعجوز) أو بسبب الكسل (ذوو النعمة المخدومون) أو للجهل المطبق، وهذه المزية تتشارك فيها قطاع عريض من ذوي العظام الهشة وتصلب المفاصل والشرايين في المجتمع السعودي.
لكن: ماذا وكيف اكتشفت الدراسة الفنلندية العلاقة المحتملة بين الشمس ومرض السكري؟. وجد الأطباء المتابعون لصحة الأطفال والأسرة هناك أن تزويد الأطفال بجرعة إضافية من فيتامين د الجاهز للامتصاص بحدود 2000 وحدة طبية كوقاية للأطفال من لين العظام أدى أيضاً إلى تناقص الإصابة بمرض السكري الطفولي (النوع المبكر والأخطر) بمعدل80 % مقارنة بالأطفال الذين تم الاعتماد في تغذيتهم على كمية الفيتامين د الموجودة فقط في ألبان أمهاتهم أو الألبان الصناعية التي لا تحتوي على كميات كافية من إضافات الفيتامين المذكور.
بدأت الفكرة تتبلور عندهم هكذا: الأمهات في صقيع الشمال عندما يلدن في بواكير الخريف والشتاء لا يحصلن وأطفالهن على شمس كافية فتنقص كميات الفيتامين المنشط عندهم. هكذا يصاب الأطفال الرضع بلين العظام أكثر من غيرهم وترتفع أيضاً نسبة الإصابة بمرض السكري في نفس الوقت عند أولئك الأطفال.
النصيحة: تشمسوا يرحمكم الله، عرّضوا أنفسكم وأطفالكم وعجائزكم للشمس، ثلاث مرات في الأسبوع على الأقل ولمدة عشر دقائق لكل مرة. لكن بشرط أن يكون ذلك بين الساعة الثامنة صباحاً والحادية عشرة ظهراً حين تكون الأشعة فوق البنفسجية المنشطة للفيتامين في أوج فاعليتها.
سوف أغامر وأعدكم بأنكم بإذن الله ستجدون الفائدة ليس في عظامكم فقط وإنما في قلوبكم وشرايينكم وفي مستوى السكر في دمائكم. حتى تلك الروائح المترتبة على الركود والتنبلة سوف تختفي كذلك.