** الشعر الجميل راحة للنفس وواحة للتحليق بفضاءات الجميل، وبخاصة عندما تتم قراءته ما بين متذوقين لجماله.
كنت في رحلة إلى جارة الوادي (زحلة) بلبنان وعلى واديها المتدفق ماء عذباً كنت مع عدد من الأصدقاء يتقدمهم سمو الأمير المتذوق للكلمة الجميلة سلطان بن محمد بن سعود الكبير، وكنا نقرأ قصيدة الشاعر نزار قباني عن (لبنان)، التي عنوانها: (أحبوه قليلاً)، التي أهداها إلى (عشاق بيروت القدامى) ومطلعها:
(كان لبنان لكم مروحةً
تنشر الألوان، والظل الظليلا
كم هربتمْ من صحاراكم إليه
تطلبون الماء.. والوجه الجميلا
واغتسلتم بندى غاباته
واختبأتم تحت جفنيه طويلا)
وبقدر جمال القصيدة فقد خانت الشاعر معرفته بطبيعة الصحراء، حيث لاحظ عليه العزيز الأمير سلطان بن محمد ملاحظتين مهمتين بحكم معرفة وعشق (أبو نايف) للصحراء، الأولى في البيت الذي قال فيه:
(وتسلَّقتم على أشجاره..
وسرحتم في براريه وعولا)
حيث قال الأمير سلطان عند هذا البيت: أخطأ الشاعر فالوعول تعيش في الجبال وليس في البراري والسهول، وكان الأولى بالشاعر أن يقول وسرحتم في (روابيه).
وعندما مر هذا البيت في هذه القصيدة:
(وقطفتم في روابيه الخزامى
والعيون الخضر والخد الأسيلا)
استغرب الأمير المتذوق قائلاً: كيف الخزامى في روابيه؟ وهي لا تنبت إلا في نجد وليس في لبنان خزامى، ولو قال بدل الخزامى (الصنوبر) لأجاد فهي التي تنبت وتنتشر في لبنان.
إن مثل هذه الأخطاء لا يدركها إلا من تخضّب برمال الصحراء وعشق ترابها وعاش فيها.
– 2 –
الإحساس أولاً..!
* كل إنسان تمر به عشرات المشكلات والعديد من مسببات الآلام ويختلف الناس في درجة تقبلها، والصبر عليها.. وأشد هؤلاء تأثراً بها، ونزفاً بسببها هو المبدع كاتباً أو شاعراً، لكن نتيجة هذه المعاناة تكون رائعة، فهي إما لوحة ناطقة، أو قصيدة رائعة، أو مقالة خالدة..!
قَدِمَ مرة بعض الشباب إلى الأديب الكبير (همنجواي) فسألوه كيف نكون كتَّاباً؟ فأجابهم: (أحسُّوا ثم اكتبوا) فقالوا له: إن الأمر بسيط جداً، قال لهم همنجواي: (الكتابة أمر سهل جداً.. لكن الأمر الصعب والعسير جداً هو الإحساس).
إنه لا يدخل في أعماقنا، ويؤثر فينا إلا العطاء الصادق النابع من الإحساس.. المؤطر بالمعاناة.. ولهذا يقول النقاد: (إن أصدق العطاءات الأدبية هي ما ينتج عن حالة ألم..) ويعللون هذا بأن الفرح طارئ جداً.. ولا يستطيعون أن يؤثر في نفسية المعطي أو الفنان فيبدع – بتأثيره – عطاء جيداً..!