** أحسست بحنين الناس للماضي عندما حدثني كثيرون عن مقال لي نشرته عن شارع الوزير بالرياض ذي الامجاد .الغابرة وكان تحت عنوان يا زمان الوصل بالوزير..! وهأنذا أواصل الكتابة عن بعض آثار واشياء الماضي استجابة لرغبة بعض الأعزة وفي مقدمتهم الاستاذ الصديق عبدالله الجعيثن الذي طالبني ان اكتب عن ذكريات ذلك الماضي في مقالة له بصحيفة الرياض. وهذه السطور المضمخة بالحنين عن حي الصالحية بالرياض الذي استوطنته سنين عددا عند قدومي الى الرياض، ويبدو ان لكل الناس صالحية فالشاعر الراحل نزار قباني الذي عنونت مقالتي بشطر من شعره يتحدث عن حيِّه حي الصالحية بدمشق، وأنا اتحدث هنا عن صالحية الرياض التي عشت فيها سنوات لا امتع ولا اجمل في مقتبل عمري الدراسي والوظيفي والصحفي,, عشت مع اصحاب – عطّرالله ايامهم بعبق السعادة- لا ازال اذكرهم وان كنت قليلا ما التقي بهم حيث فرقت بيننا المدن والاعمال..!.
هذا الحي كلما مررت به تبكي الخطى مني وترتعد الدموع – كما قال الشاعر كمال الشناوي.اذكر – اول ما اذكر- في هذا الحي دوار الصالحية بشكله القديم وكم من ساعات وقفت حوله امتع ناظري بمرأى السيارات والمارة او انتظر التاكسي ليحملني الى
المشوار الذي اريد الذهاب اليه.وثاني ما اذكر في هذا الحي: ذلك البيت الحجري البسيط الذي يقع على مرتفع، وقد التصقت المنازل به من كل جهة دون افنية او ارتدادات.. لكأن التصاق المنازل آنذاك بعضها ببعض يجسد تلاصق القلوب ايضاً..!.
اما الآن فالبيوت قد تباعدت، وتفرقت، ولعل القلوب لا تكون كذلك ايضاً..!.
وكم لك يا منازل في القلوب منازل..!
وكم لي في هذا البيت من ذكريات لا يأتي على نسيانها الدهر. اما ثالث ما اتذكره في هذا الحي فهو تلك الجلسات البريئة التي كنا نتحلق فيها حول التلفزيون الابيض والاسود، واحيانا حول لعبة الورقة وآونة نكون في احاديث ماتعة، وطُرف لا سماجة فيها ولا انحدار. وهناك ذكريات هي احلى واروع لكن قد لا يحسن البوح بها.. ولعلها تبقى ساكنة في الوجدان خير لها من ان تظهر على شفة اللسان او تبدو على أسنّة الاقلام,أراني لا اتحدث عن حيي الذي سكنت فيه، ولكني تحدثت عن كل حي قديم سكن فيه الواحد منا.. فهو يحنُّ اليه، ويستعيد ذكرياته معه، ويأنس عندما يتم تذكيره به. في الحي القديم تكون بدايات الاشياء الجميلة، فيه تذوق الانسان اول رحيق نجاح
واول عبق حب بريء
واول تجربة زاهية
أخيراً.. هأنذا اعزف على مزمار ذلك الماضي هذا اللحن لشاعر حي صالحية الشام
يا زماناً بالصالحية عذبا
اين مني الهوى واين الفتون
** وعند الله تجتمع الخصوم
**كلما مرّ عليَّ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بل وصيته العظمى لكل مؤمن: امران لا تقربهما: الشرك بالله، والاضرار بالناس .كلما قرأت او مرّ عليّ هذا الحديث اقشعر له بدني. لقد ظللت اتأمل في عظمة هذا الحديث الوصية مستشعراً حساسية وخطورة ذنب الاضرار بالناس !. وهل اعظم من هذه الخطورة ان الرسول صلى الله عليه وسلم قرن ذنب الاشراك بالله بالاضرار بالناس. اني اجزم ان كل مؤمن صادق الايمان عندما يستشعر معنى هذا الحديث وابعاده سوف يحسب الف حساب قبل ان يوقع ضررا متعمدا على انسان سواء في نفسه او ماله او عرضه او عمله أو أية مصلحة دنيوية اخرى..!.
ترى.. كيف يجرؤ مؤمن على الاضرار بأحد وهو يرى رسوله يقرن ذلك بالشرك بالله؟!..حسبك ان تتصور أنك أسأت الى انسان، ثم انتقل الى رحمة الله، وانت تحمل وزر اساءتك اليه وهمّها وندمها القاتل. لقد روى لي صديق عزيز قصة بالغة الاثر عن قريب له نسج الندم خطوطا سوداء في مسارب نفسه اذ يروي ان قريبه هذا اضرّ بإنسان ضررا كان له اثر على عمله.. وبعد حوالي السنتين انتقل هذا الرجل الذي ناله الضرر الى رحمة الله. يقول هذا الصديق: ورأيت قريبي الذي اوقع الضرر بذلك الانسان الراحل يبكي بكاء مرّاً على هذا الرجل وهو الذي لا تربطه به قرابة ما عدا انني اعرف انه كان صديقا له، ولما ألححت على قريبي لمعرفة سبب هذا البكاء لأخفف عنه الألم الذي ناله من جرّاء رحيل هذا الرجل كشف لي السر: وهو انه أضرّ به في مجال عمله- عندما اختلف معه- ذات يوم على امر من امور الدنيا.. يقول الصديق: ولا يزال قريبي هذا نادما، بل انه يعيش الالم داخل نفسه كلما تذكر هذا المتوفى في نفسه واصبح يتصدق عنه، ويدعو له، ويحسن الى ابنائه، ويردد دائما: كم اتمنى انني انا الذي نالني الضرر
ولم ينله، ويدعو ان يسامحه هذا المتوفى عندما يلقاه في يوم لن يخلفه احد. تصوروا..ان كل واحد تسبب في ضرر انسان قد يقع له مثل ما وقع لهذا الرجل من الالم والندم.. فالموت قد يأتي لمن وقع عليه الضرر في اية لحظة ولا يستطيع- بعدها- من
اوقع الضرر ان يطلب مسامحته او يرد ضرره، او يدفع مظلمته. لنتذكر ونحن نهمُّ بالاضرار بالآخرين.. لحظة الموت
ولنتذكران الله سبحانه قد يغفر ذنوبنا واخطاءنا التي واجهنا بها خالقنا. لكن الذنوب والاخطاء التي بيننا وبين البشر امثالنا فإنها تعود الينا فان غفرنا بعضنا لبعض عفا الله عنا، والا فالويل لكل من أوقع ضررا بإنسان او تسبب في ظلم امرىء
.!.وعند الله تجتمع الخصوم
** وقفة..
** حقاً الانسان لا يحب وطنه لأنه جميل، ومتطور والا كان هذا الحب حباً مادياً او نفعياً. وقد ينتهي هذا الحب وهذا التعلق بانتهاء هذه المنفعة وتلاشي هذا التطور وفناء هذا الجمال.
لهذا قال الشاعر الحكيم
وقد تُعشق الارض التي لا هواؤها
ولا ماؤها عذب ولكنها وطن
و قد هنا للتحقيق وليس للتقليل
اجل,,!،
ما اغلى الوطن ولو كان بلقعا!,,
وما اجمل التراب ولو كان يبابا!,,
اجل:
انه الوطن وكفى,,!،