كم هي الأسماء التي ظلمها التاريخ وافتأد – عليها – بل افترى على نصاعة عطائها.
خذوا مثلاً هارون الرشيد الذي كان يحج عاماً ويغزو عاماً.
كم ظلمه الرواة باختلاق القصص والروايات الكاذبة حول غرامه بالجواري، وإدمانه الشراب.
وأمامي شاعر عندما يسمع الانسان اسمه تقفز امامه صورة الشاعر الهجّاء والانسان البذيء الغاضب على كل من وما حوله والعجيب ان شعره الذي يدل على هذا الجانب من شخصيته هو الأكثر شهرة وذيوعاً بينما شعره الآخر ذو الجوانب الانسانية لم يحظ بالشهرة التي تعطي الصورة الاخرى والمشرقة عنه، انه الشاعر الحطيئة الذي يعتبره كثير من النقاد رمزاً للهجاء والبذاءة حتى على نفسه لكن لهذا الشاعر قصائد اخرى تفيض انسانية، وشيما، وخلالا كريمة ولم تشتهر – مع الأسف – كما اشتهر شعره الهجائي.
***
** واتوقف عند قصيدة له لا احسب – ودون مبالغة – انه يضاهيها الا قصائد نادرة في شعرنا العربي,هذه القصيدة فيها نبض انساني، وحس اخلاقي وبين ابياتها تقرأ ألم الكريم وفرحته معاً يروي فيها الشاعر الحطيئة قصة ذلك الجواد الذي حل عليه ضيف، ولم يكن لديه وقتها ما يكرم به ضيفه، فربما كان الدهر ممحلاً، او ان صروف الزمان قلبت حالته من اليسر الى العسر.
لقد جاءه ضيفه وهو طاوي ثلاث عاصب البطن من الجوع والفاقة,وكم كان الم هذا الكريم ممضاً ومعذباً عندما لم يجد طعاماً لضيفه حتى انه طاف به هاجس ان يذبح ابنه ليقدمه للضيف، وكيف لا يتألم وهو العربي الاصيل خشية ان ضيفه يظن لديه مال فيوسعه ذماً، وبينما هو في هذه الحالة من الألم الشديد اذا عنّت على البعد عانة تتهادى نحو الماء فاذا به يصوِّب اليها كنانته فتسقط بين يديه وقد اكتنزت لحماً وقد طبقت شحماً فكانت فرحته التي لم تتسع لها الدنيا,انه فرح الكريم عندما يجد فضاءات الجود مشرعة امامه,ولنتوقف عند هذه القصة فهي بمعانيها العظيمة اكبر من كل تعليق
وطاوي ثلاث عاصب البطن مُرمل
ببيداء لم يعرف بها ساكن رسما
اخي جفوة، فيه من الانس وحشة
يرى البؤس فيها من شراسته، نُعمى
تفرّد في شعب عجوز ازاءها
ثلاثة اشباح تخالهم بهما
حفاة عُراة ما اغتذوا خبز ملّة
ولا عرفوا للبر مذ خلقوا طعما
رأى شبحاً وسط الظلام فراعه
فلما بدا ضيفاً تضور واهتما
فقال ابنه، لما رآه بحيرة
ايا أبت اذبحني ويسّر له طعما
ولا تعتذر بالعدم، عل الذي طرا
يظن لنا مالاً فيوسعنا دما
فروّى قليلاً ثم احجم برهة
وان هو لم يذبح فتاه فقد همّا
وقال، أيا ربّاه! ضيف ولا قرى..!.
بحقك لا تحرمه تا الليلة اللحما
فبيناهم، عنّت على البعد عانة
قد انتظمت من خلف مسحلها نظما
ظلماء تريد الماء، فانساب نحوها
على انه منها الى دمها أظمأ
فأمهلها حتى تروت عطاشها
فارسل فيها من كنانته سهما
فيا بشره اذ جرها نحو اهله
ويا بشرهم لما رأوا كلمها يدمي!،
وباتوا قد قضوا حق ضيفهم
ولم يغرموا غرما، وقد غنموا غنما
وبات أبوهم من بشاشته أبا
لضيفهم وامهم من بشرها أما
** ان هذه القصيدة احدى القصائد التي كم اتمنى ان تترجم الى اللغات الاخرى ليكشف الآخر عن جوانب مشرقة من خلال العربي وادبيات شيمه ومروءته,وكم استشرف ان يقرأها الشباب ليروا فيها كم تجسدت مكارم اجدادهم لتكون خلالهم اسوة لهم، فهذا العربي الشهم لم يحس بانسانيته ورجولته وعروبته الا عندما قري ضيفه، واكرم زائره.. بل عم هذا الاحساس كل اسرته، ألم يقل في ختامها الجميل كجمال خلق هذا الكريم
وباتوا قد قضوا حق ضيفهم
ولم يغرموا غرما، وقد غنموا غنما
وبات أبوهم من بشاشته ابا
لضيفهم وأمهم من بشرها أما
***
**سيارة تشبه المرأة..!.
لفت نظري اعلان عن نوع من السيارات يقول الاعلان إنها – اي السيارات – مثل المرأة، اول ما يجذبك اليها عيناها..! .
وكم في الإعلانات من مبالغات!، فكيف تشبّه السيارة الحديدية بالمرأة الحريرية، وكيف تشبه اضواء السيارة بعيون الحسناء..!.
إلا هذه يا اصحاب الاعلاناتشبهوا ما شئتم الا ان تشبِّهوا
الحديد الصلد الجامد
بملس الحرير الناعم.
***
**آخر السطور:
** قال الشاعر:
وتشرقين من جديد
وتبعثين الدفء في الجليد
وتنفثين الحب في حطامي
لتستفيق الروح في الحقول
ويولد القلب على كفيك من جديد ,