وليس سوى صنع الجميل فضيلة
حمد بن عبدالله القاضي
🌙هذا مقال قريب من نفسي كتبته من واقع ما قرأت ورأيت من آثار بذل المعروف وأثر قضاء حوائج الناس بارتياح الإنسان وسعادته فضلا عن الأجر المدّخر بالآخرة
✍🏻إلى الذين يبتهجون بصنع الجميل فيَسعَدون ويُسعِدُون
🍃 🍃
من يستمتعون بخدمة الناس هم الأوفر بهجة بهذه الحياة.
إنهم يتلذذون بها، ولا يتذمرون منها حامدين المنعم أن جعل لهم لا إليهم عند الناس حاجات.
أما الذين يضيقون بقضاء حوائج الناس فهم الذين يشقون بأعمالهم ولا يسعدون بها.
🍃 🍃
العطاء وصنع الجميل للناس قد يجيء عبر “كلمة طيبة” تمدً عبر جسرها سجادة الفرح في أروقة قلوبهم
وقد يكون من خلال “خدمة بسيطة” نقدمها لمن يطلبها منا أو لمن يحتاج إليها بنفس متوشِّحة بالشهامة وبوجه مضيء بالنبل.
وبقدر ما يبتهج المتلقي لها فإن باذلها هو الآخر يسعد بها ويظل أثر قضائها متألقاً في حياة مانح العطاء عبر “ارتياح” يسكن وديان نفسه أو عبر “حاجة” قد يقضيها له في قادم الأيام شهم مثله.
وقد قال حكيم العرب الأحنف بن قيس: “ما ترك الآباء للأبناء مثل تطويق أعناق الآخرين بالمعروف”
🍃 🍃
أما الأثر الأبقى والأهم من كل ذلك فهو “دعوة صادقة” تنبع من قلب أرغدتُه هذه الخدمة في جنح ليل فتثمر أجراً مدخراً لمانح العطاء.
🍃 🍃
وما أبلغ وأصدق ما أوردته كتب التاريخ في سيرة “يحيى البرمكي – وزير هارون الرشيد الذي كان يحسن إلى التابعي الزاهد سفيان بن عيينة، وكان سفيان يردّد بسجوده بعد وفاة يحيى البرمكي: “اللهم إن يحيى كفاني أمر دنياي فأكفه اللهم أمر آخرته”
وقد رأى أحد الأخيار يحيى بعد وفاته وإذا هو سعيد مبتسم فسأله ماذا فعل الله بك فرد عليه: “لقد غفر الله لي بدعوة سفيان بن عيينة”
🍃 🍃
إن حقيقة: أن من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ” أضحت رؤية أمام الأبصار وليس مجرد رواية تدونها الأخبار
🍃 🍃
لقد رأينا وسمعنا وعايشنا من الوقائع والقصص شواهد تثبت هذه الحقيقة واقعاً لا خيالاً
إن أنهار المروءة والنبل وجداول الشهامة التي يغدقها ذلك الشهم أو هذا الكريم على الآخرين قد تكون ثمارها: ثواباً وفاقا فيتهادى جزاء ذلك المعروف بالدنيا قبل الأخرى.
🍃 🍃
وأورد هنا قصة حصلت لي شخصياً قبل سنوات بعيدة فقد كنت مسافراً من الرياض إلى القصيم وبعد أن تجاوزت ثلث الطريق حوالي الساعة الثامنة ليلاً وإذا بي أرى صاحب سيارة “جمس” واقفاً يؤشر بيده وحوله عائلته وأطفاله فما كان مني إلا أن وقفت عنده وإذا به يأتي إليَّ مسرعاً طالباً مساعدتي بسبب تعطل عجلة سيارته وعجلة الاحتياط لديه معطلة
فحملنا عجلة سيارته وركب معي وعائلته وذهبنا إلى محطة وقود لإصلاحها، ثم أعدته إلى سيارته وقمنا بتركيب العجلة ثم ذهب كل منا في سبيله
وبعد حوالي الساعة إلا ربعاً رأيت سيارتي ترتفع حرارتها بشكل كبير فتوقفت لأنظر سبب ذلك وإذا بالسير منقطع وعندها أسقط في يدي ولكن لم بعد وقت وجيز سوى إلا وصاحب تلك السيارة الذي أنجدته يقف عندي سائلاً ومبدياً مساعدته لي وأخبرته بعطل سيارتي فطلب مني وهو سعيد أن أركب معه واحتجنا أن ندخل إلى إحدى المحافظات القريبة من الطريق السريع لنحصل على “السير” المطلوب وعدنا لسيارتي وقمنا بتركيبه فسار وسرت في طريقنا بسلامة الله
🍃🍃
في ليلة واحدة وفي مكان واحد وفي مشكلة واحدة حصل هذا الموقف: معروف متواضع أنال جزاءه بعد أقل من ساعة
وحقاً مرة أخرى من يفعل الخير لا يعدم جوازيه دنيا أو أخرى وما أصدق الشاعر عمران العمران عندما اختزل أثر صنع الجميل في هذا البيت الأخَّاذ:
وليس سوى صنع الجميل فضيلة وليس سوى الذكرى تظلّ وتخصب”
🍃 🍃
وكما بدأت هذا الموضوع بإضاءة تراثية أختمه بإشراقه تراثية بهية كضوء القمر جميلة كوجه المعروف فقد روى الأديب الجاحظ بكتابه: “البيان والتبيين” هذه القصة المعبرة: 🌱رأيت رجلاً يروح ويغدو في حوائج الناس فقلت له: لقد أتعبت بدنك فما لك راحة فقال لي: لقد سمعت تغريد الأطيار وغناء الجواري الحسان فما طربت لشيء منها طربي لنغمة شاكر أوليته معروفاً أو سعيت له في حاجة”لقد صدق هذا الشهم.
🍃 ما أسعد من تُقضى على يده للناس حاجات جعلنا الله جميعاً مفاتيح للخير مغاليق للشر.
🍃إضاءة تراثية:
ضاق وزير المأمون الحسن بن سهل بكثرة حوائج الناس فقال لأحد جلسائه “ثمامة الحنفي” : يا ثمامة لقد ضقتُ بطلاًب الحاجات فقال له ثمامة : زلً عن موضعك وأنا ضمين لك بألا يأتيك أحد, فقال الحسن : أما هذه فلا, وظل يجلس للناس ويقضي حوائجهم”.
🍃 حمد القاضي/مجلة اليمامة