من نافذة طائرة: تأملات في ملكوت الله !
حمد بن عبدالله القاضي
لا أحب شيئاً عند دخولي لذلك «الصندوق الطائر» مثل حبي لقراءة كتاب الفضاء المفتوح، والتأمل في سفرالكون الأزرق في إحدى الرحلات التي صادف موعدها موعد غروب الشمس، كان منظرمشاهدة الغروب مشهداًمهيباً رهيبا ..!
كانت لحظةغروب الشمس أو كما يعبرالقرآن الكريم لحظة ولوج النهار في الليل» قمة الرهبة والدهشة، لقد لاحظت الشمس وهي ترحل..ترحل ثم لايبقى خلفها سوى أطراف فستانها البرتقالي الجميل، ثم تختفي كليةبقرصها وفستانها وأشعتها ..!..!
سبحانك يارب الأرض والشمس لقد تذكرت والشمس تقرأ سطور وداعها لجزء من الأرض ما أثبته علماء الفلك من أنه لايصل من إشعاعات الشمس إلى الأرض التي نعيش عليها سوى واحد من(5000) مليون من ضوئها.. وهذا الإشعاع لا يصل إلى الأرض مباشرة بل يمرعبر طبقة الأوزون التي تحد من حرارته وإشعاعه وإلا لكان ضرره على الأرض وسكانها كبيرا بل قاتلاً ..!
لك الحمد يا ألله ..!
***
انتهى مشهد غروب الشمس.. وأنا أتأمل.. أتأمل،ثم بدأت تغطي الكون عباءة سوداء مهيبة رهيبة أيضاً ..!
ومضى حوالي ساعة وأنا في مقعدي أقرأ في صفحات سفر الليل.
ها هوالقمر الفضِّي يشع بأنهاره الفضية اللامعة.
وها هي النجوم والكواكب والمجرات وعوالم أخرى أعرف القليل منها، وأجهل الأكثر.
ألله ..!
كم هوعظيم هذا الليل وأنت تخترق سدفه في الفضاء وقد أرخى سدوله، وأنت مستغرق في بحره اللجّي المتلاطم العوالم والظلمات..
ها هي السماء التي أحسست أني قريب منها ..!
السماء الزرقاء الصافية المرصعة بالنجوم المضيئة تتهادى على صدرها أجمل عرائس الكون و "إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب".
ثم أغمضت عيني .. أتفكر في هذه الأرض بليلها ونهارها .. بجبالها وسهولها
برمالها وأشجارها .. وبقاراتها وقراها بوهجها وهجيرها وآلاف الملايين من سكانها.
ثم أتخيل عظمة هذه الأرض وحجمها الكبير.
ثم أتصور عظمة الله: خالق الأكوان، مدبّر الأفلاك، وأسترجع ما قرأته من معلومات عن هذه الأرض الصغيرة جداَ.ً
حيث إن هذه الأرض التي أتخيلها عظيمة هي جزء بسيط جدا من المنظومة الشمسية، والمنظومة الشمسية بأرضها وبشرها وعوالمها وطبقاتها ليست سوى نجم واحد من «400» مليون نجم في مجرتنا «درب التبانة » .. وحتى هذه المجرة ليست سوى واحدة من ملايين المجرات في هذا «الكون» ..!
تباركت يا ألله .
سبحانك .. هذا خلق عظيم ؛ ولهذا دعوتنا إلى التفكر في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لنرى آثار عظمتك وعظائم صنعك، ودلائل ربوبيتك ..!
ومضت ساعات وأنا في هذه الرحلة التأملية، وفي الرحلة الجوية معا ..!ً
لقد كانت الطائرة تسير وأنا مستغرق في الرحلتين التأملية وهي الأعمق – والجوية وهي الأبسط ولم تمض سوى ساعات وكانت الطائرة باتجاه مسير الشمس حتى بدا شيء جديد أكثر إبداعاً، وأوفر إبهاراً، وأندى جمالاً ..!
تلكم هي لحظة شروق الشمس من جديد .. وخروجها –
كحورية – من عباءة الظلام الكثيف بكل جمالها وأضوائها وفستانها الذهبي ..!
وإذا هذا الكون المظلم المعتم الذي أرصده من نافذة الطائرة يضيء .. يضيء حتى تضيء سماؤه .. وجباله .. وسهوله .. وأرضه .. وأشجاره ..!
لقد كان المشهد أحلى مما أتوقع وأجمل مما أظن .. وأكبر مما أصف ..!ً