logo

Select Sidearea

Populate the sidearea with useful widgets. It’s simple to add images, categories, latest post, social media icon links, tag clouds, and more.
hello@youremail.com
+1234567890

مسافر الشاعر المقيم في مدن الأخلاق والإبداع معاً

حمد بن عبدالله القاضي

حمد القاضي > مقالاتي  > مسافر الشاعر المقيم في مدن الأخلاق والإبداع معاً حمد بن عبدالله القاضي

مسافر الشاعر المقيم في مدن الأخلاق والإبداع معاً

حمد بن عبدالله القاضي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

** بدءاً

 

سعدت بذلك الملحق الخاص الذي أصدره «القسم الثقافي بصحيفة الجزيرة» عن الشاعر الكبير «أحمد بن صالح الصالح» وأستشرف استمرار هذه السنَّة المباركة من القسم الثقافي في تكريم أمثال هؤلاء الرموز الثقافية والشعرية وهم بيننا داخل غرف قلوبنا.

 

وفي هذه السطور اكتب عن اخي الحبيب الشاعر احمد الصالح وقد لا استطيع – وانا اكتب عنه – ان انفصل عن عاطفتي نحوه انسانا وشاعرا ولكن سوف أحاول ذلك!

 

إن هذا الشاعر يمتزج فيه الابداعي بالانساني، والتراثي بالحداثي، وبقدر تشبثه بماضيه فهو المستشرف لمستقبل أمته.

 

***

 

** ان لهذا الشاعر «أحمد الصالح» فضلا كبيرا عليَّ عندما كنت طالبا اذ كان له تأثير جد كبير على عشقي للكلمة الشعرية الجميلة سواء من خلال قراءتي لشعره الجميل او في ارشادي لدواوين الشعراء المبدعين بحكم ذائقته الشعرية المتميزة.

 

ولعل هذا الشاعر «احمد الصالح» من الذين استثناهم الله في اية الشعراء فهو من اولئك الشعراء الصادقين المؤمنين، ان ذاته الصادقة الجميلة جسدتها اشعاره النقية.

 

انك عندما تقرأ شعره سواء الوجداني او التأملي او الوطني لا تجده يسف حرفا، او يسفه قولا.

 

***

 

** لتقرؤوا معي هذه الأبيات من احدى قصائده الوجدانية التي عنوانها «أتيت الى عينيك» تلك التي تفيض ابداعا وصدقا بقدر ما تنبض عفة ونقاء:

 

         إذا مر فـي بالــي خيـالــك صفَّقتْ

                حـروفـي وغنّـَت كــل أشيـائنـا حبَّـا

         درجنا وفي الاهداب شوق لهفــة

                وعدنـا وفي أضلاعنا ثورة غضبــى

         ومرت بنا الآلام تشـوي ربيعنــا

              وتطوي ليالينـا، وتـغوى بنــا دربــا

         فما عربدت بالاثم يوما شفاهنــا

             ولم يكشف الواشون في حبنـا ذنبــا

         أتيتُ إلى عينيكِ أشرب سحرهــا

             وامسح في أهدابهـا شرف العتبــــى

         فلا توقفي نبض الحنان بأضلعي

             فمن قبل ان تأتي لم تــرتعش حبـــا

         حنيني ينادي ذكرياتي وصبوتي

            إليَّ ارجعي نبع الهوى لم يزل عذبا

 

كم يعيدني هذا الشعر البهي الاخاذ الى تلك الأيام الزاهية، وللأحلام التي رحلت!

 

***

 

** أما شعره الوطني فان كل قصيدة تتلبسها روح الوفاء لعقيدته وترابه، وكل قافية تخضِّب أبياتها حالة الهم القومي والاسلامي الذي يتلظى عليه الشاعر داخل نفسه، انه مهموم بقضايا واشجان ارضه وقدسه، ومواجع امته العربية والاسلامية.

 

ولأتوقف معكم عند آخر قصيدة له «حداء بين يدي الخلوج» لقد امتزج في هذه القصيدة خطاب الهم الذاتي في أولها بخطاب الهم القومي في آخرها:

 

         الــروم تُجلب تستحيي حـواضـرنــا

               مـا بـيـن قـاسـط حـقّ يطلب السَّـلْـبـا

         أو بين من فرية الارهاب تجمعـهـــم

               فـي إفـكـهـا أرجـفـوا آفـاقـنـا رَهَـبــــا

         بنـو قريظـة لـجُّوا فـي غـوايـتــهـــم

               فاستنبحوا الارض في عدوانهم كذبـا

         فهل الى «عمر الفاروق» من خبـــر

               بأن «قيصر» أمضى الجحفـل الـلَّجِبَـا

         وأن امـتــه فـي الأرض مـثـخــنــــة

               وبـأسهـا بـيـنهـا أحـوالـُهـا شُـعـبــــا

         وأن كــلَّ شـرار النـاس تـطـلـبـنــــا

               أمـا مـن ابـن وليـدٍ يُـلـحِـفُ الـطّـَلـبــا

         القدس هل من صلاح سوف يفتحها

               وعين جالوت هل «قطز» لها ركـبــا؟

         أحـبـَـابـَنـا قد تناعـمـنـا مخـادعـنــا

               فسـاءنـــا زمـن سُـؤنـاه مـُنـقــلــبــــا

         أحـبـَابَـنـا أنـقـَضَـتْ مـأساتنا جَلَـدي

               فأنكرتنـي مغانـي عِـشْـتُـهـا وَصـِبَـــا

 

آهـ

 

يا سيدي الشاعر

 

كم نحن معك موجعون في هذا الزمن «الشاروني الأسود».

 

لكن لن نقنط أبدا

 

فدم هذه الامة لن يصبح ماء ومجدها لن ينحى ذلا، و«الأيام دُوَل والفلك يدور».

 

***

 

** وبعد

 

ان الشعر عند «أحمد الصالح» رسالة وليس تسلية، وعناء لا ترفا.

 

انني أعلم ان هذا الشاعر لم يجلس يوما ليرغم نفسه على كتابة قصيدة، «فالقصيدة – حقا – هي التي تكتبه حقيقة لا خيالا».

 

ومن هنا فان علائم الصدق والاجادة والتجلي تلازم قصائده انه ان كتب شعرا عموديا فانك تجد هذا الابداع متوشحا قصائده، وهو ان قال شعرا حديثا فانك تجد هذا الابداع متلبسا قوافيه.

 

صفة اخرى رائعة تلازمه بل لعلها «مفتاح قصائده تماما كما هي مفتاح شخصيته تلكم هي «الصدق».

 

ان هذا الانسان كما هو صادق في حياته وصداقاته، وفي مودته، فهو صادق في قصائده واشعاره وعطاءاته.

 

هناك ميزة اخرى لشعره اشار اليها الناقد المعروف جلال العشري في مقدمة اول ديوان اصدره هذا الشاعر «عندما يسقط العراف» عندما قال هذا الناقد عنه:

 

«الفطرة والفكرة.. هذان هما الجناحان اللذان يحلق بهما هذا الشاعر المسافر ابدا، عبر الزمن الغارب، عبر شفتي الجرح، عبر مواجع العشاق، عبر الفرح الذبيح ورحلة الجراح.

 

من هنا لا من هناك.. ولا من اي مكان آخر، كانت رحلة هذا الشاعر المسافر، هي رحلة القارب المزود بأصالته المتجه بشراعه صوب الحداثة والمعاصرة».

 

وقد صدق هذا الناقد، فهو شاعر الفطرة والفكرة معا..

 

الفطرة النقية، والفكرة المتألقة.

 

وهو – اخيرا – وان اعطى لنفسه لقب «مسافر» لكنه انسان «مقيم» في دنيا الشيم الكريمة.

 

شاعر «مستقر» في مدينة الابداع أبدا.