*الإنسان "أي إنسان" في مسيرة حياته بين سابق ومسبوق، إن شاء رفع نفسه بأخلاقه وتهذيبه، بتساميه ونكران ذاته، بعفته وعزة نفسه، بإبائه وترفعه، بحلاوة لسانه وطيب معشره.. وهذه صفات تمثلت في الأخ الصديق الأديب الأستاذ حمد بن عبدالله القاضي وتجسدت به، أحبه الناس لمكارم أخلاقه وطيب سجاياه، أحبه الناس لطيب معشره وكريم خصاله، أحبه الناس لأنه محب للناس كل الناس، فكان بينهم كالنسيم العليل، وعندهم كالظل الظليل، كل يفرح به، وكل القلوب تهوي إليه. وعندما علمت أنه سيكرم "وهو أهل لكل تكريم" في اثنينية الأستاذ الأديب عبدالمقصود خوجه، حرصت أن أشارك بجهد المقل، فكانت هذه المشاركة: أيها الأحبة في الله، تمنيت أني مع وبين هذه الباقة الطيبة التي جاءت حفية بالأدب، راعية للكلمة. تمنيت أني مع هذه الوجوه المسفرة التي لم تمتصها الدنيا بأوشابها وأوصابها، فبقيت على وفائها للعلم وأهله تكريما، وللثقافة تعظيما، تهرع إلي ناديه، وتسرع إلي مُنتداه.. تمنيت أني بينكم ومعكم أهنأ برفقتكم، وأتشرف بهذا الجمع الخير الذي يرعي الأدب ويراعيه ويحفل بسوقه وناديه.. وفارس الليلة الصديق الصدوق الاستاذ حمد بن عبدالله القاضي عاشق من عشاق الكلمة، وفارس من فرسان المعرفة، مغرم بالعلم، ومولع بالتفافة، حفي بالأدب وأهله، أخذت بمجامع قلبه الكلمة المجنحة، واحتضنتْه جوامع الكلم، فحلق وأبدع، وسار وانْتجع، يقطف من الأزاهير الشذي، ومن الورود العبير، ومن النور عطره الفواح، ويتفكه بثمار الأدب ما وسعه أن يتفكه.. فارس احترك الكلمة، فاحترمه الناس وقدروه لأنه صاحب قدر واقتدار، ونسب وفخار، من أسرة ربت في رياض الأدب، وربيت في أرباضه، من أسرة القاضي العريقة التي نبغ شعراؤها فتحدثت بهم الركبان، وأحسب فارسنا يتمتل بقول الشاعر:
إنا لنبني على ما شيدته لنا
أباؤنا الغر من مجد ومن كرم
إني وإن كان قومي في الوري علما
فإنني علم في ذلك العلم
فارسنا أنجبته أم منجبة، أعقبت أبرارا، وأنجبت أخيارا، إنها الفيحاء ديرة الغضا، ومأرز الكرم، ومنتدي الشعر والشعراء:
"ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا"
"فليت الغضا لم يقطع الركب عرضه
وليت الغضا ماشي الركاب لياليا"
"لقد كان في أهل الغضا لودنا الغضا
مزار ولكن الغضا ليس دانيا"
نعم والله في أهل الغضا مزار وألف مزار، والغضا لم يعد نائيا. بل أصبح دانيا.. قرب واقترب، قرب بأخلاق أهله، واقترب بكرمهم وطيب حفاوتهم.. أنجبت الأم المنجبة خيار الناس وأخيارهم، منهم رجل تحدثت بكرمه ومروءته الركبان، وأصبح محمودا على كل شفة ولسان ذلكم هو الشيخ الجليل والسفير الشهير محمد بن حمد الشبيلي رحمه الله، تروي عن كرمه ومروءته أحاديث كأنها الأساطير.. أنجبت عنيزة الفيحاء أبا سليمان الذي وقاه الله شح نفسه فكان خير سفير لهذا الكيان الكبير، رحمه الله رحمة الأبرار، وأنزله منازل الأخيار، فلم يكن هلكه هلك واحد، ولكنه بنيان قوم تهدما.. وأنجبت الأم الولود "عنيزة أخت الدراري والدرر الشيخ عبدالرحمن بن سعدي، علامة نجد في وقته، والذي توفي رحمه الله قبل أربعين عاما، وكان رحمه الله قد أفتى بجواز نقل الأعضاء. وأنجبت الشيخ القاضي صالح القاضي رحمه الله، والذي تلقي تعليمه في الأزهر، وهو من أجداد فارسنا الأستاذ حمد القاضي.. وأنجبت أول سعودي حصل على شهادة الدكتوراه، وهو الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر، وهو من تعلمون علما وفضلا وتواضعا وخلقا، وأنجبت أول طبيب سعودي وهو الدكتور حمد العبدالله البسام، وأنجبت ال الجفالي رواد الكهرباء في مملكتنا الحبيبة ومن عنيزة آل السليم وآل العثيمين، وآل الزامل وغيرهم من الأسر العريقة الماجدة المجيدة.
"أولئك أقوامي فجئني بمثلهم
إذا جمعتنا يا جرير المجامع"
بقيتْ لي كليمات، أشيد فيها بصاحب المنتدي، الذي تكرم فكرم، كرم العلم والثقافة والأدب، وأصبح منْتداه علما يذكر ويشكر، فتح قلبه قبل داره، وتحمل في ذلك ما تحمل، تشجيعا للثقافة، وتحفيزا لرجالها واحتفاء بأهل العلم والأدب، إنه الوجيه الأستاذ عبدالمقصود خوجة، الذي نافس النوادي الأدبية، وكان منتداه أول ناد أدبي في جدة، وها هي إثنينيهُ تزهو بمطبوعاتها وطباعها. جعل الله ذلك في موازين حسناته.