قنواتنا العربية بين خطاب التشتيت وتسويق الابتذال
حمد بن عبدالله القاضي
محاور المحاضرة
** مدخل:
** ماذا عن هذه القنوات وتمزيق الأمة !:
** قنواتنا العربية وبئس الرموز:
** الإعلام الفضائي ونشر العهر !:
** فضائيات تنقض الوضوء !!:
** وأخيراً قنوات دجل وشعوذة ! !:
** هذا هو واقع فضائياتنا فما هو الحل !:
** وبقي أخيراً أن أتوجه بعدد من الرسائل:
بسم الله الرحمن الرحيم
** مدخل:
بدءاً استبشرنا خيراً عندما دخلت أمتنا العربية عالم الفضاء وبدأ إنشاء هذه القنوات وانتشارها عبر سمائنا العربية وأقمارها اليعربية !
لكن – مع الأسف – رأينا أغلب هذه القنوات خيّبت ظننا ، ونكست آمالنا ، ووأدت أحلامنا وتطلعاتنا.
ولابد أن أشير للإنصاف: أن عدداً – وإن كان محدوداً -من هذه ((القنوات العربية)) كان على مستوى الأمل فيها ، فهي – فعلاً – قنوات جيدة سواء في طروحاتها الجيدة، أو في ترفيهها المتوازن والمطلوب فيها! .
وقد حققت هذه القنوات الكثير من النجاح وجذبت الكثير من المشاهدين رغم طروحاتها المتزنة والمتوازنة سواء في مجال برامجها الجادة أو موادها المسلية.
***
** إنني أتحدث في هذه المحاضرة عن الأغلب من قنواتنا العربية التي كنا نظنها ستكون منحة فإذا بها تصير محنة .
كنا نتطلع أن تسهم في توحيد صفوفنا وقلوبنا وإذا بها أول مسمار يدق في معمار هذه الوحدة !.
كنا نتوق أن تتبنى هذه القنوات قضايا أمتنا وأزماتها الثقافية والاجتماعية وخلافها لا أن تهمش قضايا الأمة في أجندتها وبرامجها .
كنا نستشرف أن تكون بانية للقيم وإذا بها أحد أهم معاول هدمها .
باختصار: كنا نريدها أن تكون أدوات دعوة للطهر وإذا بها تكون أوعية لنشر العهر.
كنا نتوقع أن تكون خطاب وفاق بدلاً من أن تكون خطيئة فراق ! .
***
إنني أشاهد كما تشاهدون أن جل الفضائيات العربية أصبحت برامجها في الأغلب الأعم تتراوح بين قنوات:
جدال فاحش، أو عري فاضح، أو غناء ماجن، وأخيراً قنوات شعوذة ودجل خادع .
لقد كنا نستشرف عندما أطلّت علينا هذه المحطات الفضائية أن تسمو بالإنسان العربي خلقاً وحواراً وحياة.
ولكنها مع الأسف مارست معه الإسفاف مواداً وعرضاً وعهراً تماماً كما مارست التهميش لقضايا الأمة والتسطيح لأهم شؤون حياتها وشجونها .
** ماذا عن هذه القنوات وتمزيق الأمة !:
بكل أسف نرى أن أغلب برامج الحوار أو بالأصح الجدال الفضائية العربية هي عبارة عن ((صراخ)) تكرس الخلاف بدلاً من أن تنفيه، وتحرض على الفرقة بدلاً من أن تنبذها !.
إنها تفتح جراح الشعوب المغلوبة على أمرها بدلاً من خيار غلقها و ((أبقوا معنا)) ولكن ليس على عزف جميل الكلام ولكن على نزف دامي الجراح .
انظروا وتابعوا – سلمت عيونكم – الكثير من البرامج التي يطلق عليها (( برامج حوارية )) في سماء الإعلام الفضائي العربي واحكموا ! .تذكرني تراشقات ومجادلات البرامج في فضائياتنا العربية ، هذه التي تزعم أنها تخدم هذه الأمة وقضاياها المصيرية ، تذكرني هذه البرامج بما قاله ذات مرة الشاعر الراحل عمر أبوريشة معلقاً على أحد مؤتمرات القمة العربية التي عقدت بالرباط لتقوية التضامن العربي ولكن كانت النتيجة كما قال أبوريشة :
(( خافوا على العار أن يمحى فكان لهم
على الربـاط لدعم العـار مؤتمـر ))
إن هذا هو واقع وممارسات وبرامج الجدال في أغلب فضائياتنا العربية بكل أسى وأسف.
** قنواتنا العربية وبئس الرموز:
هناك موضة جديدة بدأت تظهر في سياق ((التبذّل الفضائي))!.
وأستشرف من خلال أمثال هذه الظاهرة ألا نكون وصلنا إلى الزمن الذي تلد فيه الأمة ربّتها.. !.
لقد انقلبت الموازين حقاً في كثير من فضائياتنا العربية .
لقد أصبح المنظرون وأصحاب الرأي هم أهل الغناء، وفنانات هز الأوساط في ليالي الصيف والشتاء..! .
إن من يدير ((المحرك الآلي)) بين القنوات العربية الفضائية ليأسى أن يجد مثل هذه اللقاءات في أفضل الأوقات مع الفنانين والفنانات والراقصين والراقصات و.. لا أكمل ..!.
وليت الحوار يتم حول غنائهم وهز أوساطهم فقط!.
لكن الغريب أن أولئك المذيعات يطرحن على ضيوفهن وضيفاتهن أسئلة أكبر من حجم المستضافين من الفنانين والفنانات .
وإلا بالله عليكم ماذا سوف يبدي طبال أو راقصة من رأي رشيد عندما يطرح عليهم أسئلة مثل :
ما رأيك بالتربية السليمة للبنات ؟.
ماذا تنصحين أو تنصح من يبدأ مشواره العملي في الحياة؟.
ما هي الحكمة التي تتمثل أو تتمثلين بها ؟ .
ولم يبق إلا أن يطرح عليهم وعليهن أسئلة حوار العولمة، وآخر مبتكرات التقنية، ومنظمة التجارة العالمية ، والصراع بين الحضارات والأمم ، وخيار السلام مع إسرائيل !.
***
لا أدري هل ألوم أولئك المذيعات اللواتي كل بضاعتهن: صراخ القهقهات وأحدث الموديلات، وواضح من ثقافتهن أن أغلبهن لا يفرقن بين ((الكليجا وبلجيكا)) أو بين ((الألف وعامود التلفون)) ..!! .
أم تراني ألوم القائمين على هذه المحطات الفضائية الذين همشوا رموز الأمة وقضايا أوطاننا وهمومها، ومستقبل أجيالها؟.
والمأساة حقا..!.
أن تنشأ الأجيال الجديدة التي لا تجد أمامها في الحديث عن قضاياها والإجابة على تساؤلاتها سوى أهل الزعيق وفنانات الهز..!.
يا الله..!
هل أصبح هؤلاء وأولئك هم رموز الأمة التي تملك مفاتيح الرأي والحلول لقضاياها وهمومها؟!
لقد هزلت.!
وسامها كل مفلس!
واللهم إن لم يكن بك غضب علينا فلا نبالي..! .
** الإعلام الفضائي ونشر العهر !:
لقد أصبح الإنسان منا يخجل عندما يشاهد لوحده أو مع أسرته بعض الفضائيات العربية وبخاصة القنوات الخاصة ((بالأغاني)) وكأننا بالمناسبة ((ناقصين)) !.
لكأن نشيد هذه الأغاني يمكن أن يتغلب على نشيج الثكالى، وكأن رقص هذه الأجساد في هذه القنوات طرباً، سيقلّص رقصات القتل في شوارع هذه الأمة حرباً وكمدا.
لقد وُظِّفت ((الأنثى)) في هذه القنوات توظيفاً ((غرائزياً)) وكأنها دمية لإثارة الغرائز ! .
ترى ما مردود مثل هذه الإثارة على هذا الشاب المراهق عندما يرى تلك الأجساد المتعرية التي تحفّز – مع الأسف – على الرذيلة ! .
إننا بدأنا نرى آثار ذلك على بعض شبابنا في بلادنا، الذي يخرج إلى الشارع مشحوناً ومتأثراً بتلك المشاهد، فيطبق ما يراه بالشاشات على ما يراه بالشوارع والأنفاق والطرقات !.
لقد رأينا انتشار التحرش والمعاكسات وحتى الجرائم الأخلاقية !.
ولا جرم أن لما تبثه الفضائيات أثراً كبيراً في ذلك .
بل لقد ثبت علمياً ذلك من خلال دراسات ميدانية أجراها أحد الباحثين القطريين على الشباب الخليجي .
ولقد نقل د /عائض الردادي خلاصة هذه الدراسة في كتابه: ((ضياع الهوية في الفضائيات العربية)) الذي نشرته (( المجلة العربية)) ضمن كتبها الشهرية التي تصدر معها، لقد جاء في الصفحة (7) من هذا الكتاب: ((أن نسبة عالية من الشباب الخليجي في سن المراهقة يترجمون ما يقدم في القنوات الإعلامية من أعمال تمثيلية إباحية وإجرامية إلى وقائع حياتهم ويعود أثر ذلك على أنفسهم وأهلهم، وأن نسبة 50% يفكرون فور مشاهدتهم لبرنامج إجرامي أو إباحي بشكل جدي في تطبيق ما شاهدوه بشكل فعلي، ولكن نسبة ضئيلة منهم يطبقونه فعلياً)).
أرأيتم النتائج الخطيرة لمثل هذه المشاهد والأغاني التي يصحبها مناظر ماجنة وعارية !.
لن أتوقف كثيراً أمام المخاطر التي تنتج عن اكتساب ((السلوكيات والثقافات)) من القنوات الفضائية لكن أشير إلى ما ذكره مؤلف كتاب: ((الفضائيات والإنترنت: معالجة السلبيات وتعزيز الإيجابيات)) الذي ألفه الباحث د. ذوقان عبيدات حيث تحدث في هذا الكتاب ص (42) عن سلبيات بعض البرامج التي تجعل هدفها العبث والخيال وبلادة التفكير تحت مسمى ((الترفيه)) والقفز على مسلمات الواقع هدفها، وقد ركز على سلبيات هذه البرامج على الأطفال والناشئة من النواحي النفسية والتربوية:
أ- إضعاف قدرة الشباب والأطفال على مواجهة المشكلات الحقيقية للواقع، وهذا ما يسمى بالوظيفة المنومة لوسائل الاتصال، والحلم بدلاً من الوعي، والسخرية بدلاً من الجد.
ب- إضعاف قدرة الأفراد والشباب على المقاومة وسهولة الانجذاب نحو ما يشاهدون أو ما يقرأون .
ج- تكريس السلوك الطفولي المتمثل بزيادة الإتكالية والاعتماد.
د- إقناع الشباب والأطفال بأن الحلول سهلة وممكنة، وأن على كل واحد منهم أن يكون بطلاً قادراً على حل المشكلات بسهولة ويسر.
هـ – شيوع السلبية حيث يعتمد بعض الأطفال كلية على الإنترنت مهملاً التفكير الناقد كما يبدو من نكتة المعلم الذي أخبر زوجته بأنه مرهق جداً اليوم، وحين سألته عن السبب، قال : إنه اضطر للتفكير بسبب عطل في الكمبيوتر )) .
***
** فضائيات تنقض الوضوء !!:
** مرة قال أديب الشيوخ أبوعبدالرحمن بن عقيل في دراسة نقدية شعرية: ((إن هناك قصائد تنقض الوضوء عند قراءتها..!)).
وأقول إن المأساة اليوم – يا أديبنا – أن هناك – الآن – ((فضائيات)) تنقض الوضوء المادي والفكري ، بل ربما توجب الغسل للمراهقين وربما لغير المراهقين عند رؤيتها.!.
لم أصدق أن مذيعة فضائية يبلغ بها الأمر كما كتب ذات مرة في صحيفة((اليوم)) الأستاذ: عبدالله المغلوث – تستلقي على الفراش وترتدي قميص نوم وتسبل عيونها وتوالي تقديم برنامجها مع غنج في الحديث والحركات والمكالمات وما خفي كان أعظم !، إن هذه المذيعة تخرج بهذا الشكل في قناة يمتلكها مع الأسف رجال أعمال سعوديون !.
لقد كنا نستكثر بعض الحركات من الممثلات والفنانات لكن أن تأتي أتفه وأسوأ الحركات من المذيعات فذلك ما يثير العجب !.
لكأن الأمة العربية مرة أخرى وعاشرة فرغت من كل مشكلاتها .. !.
ولم يبق إلا قضايا الجنس والشعوذة والتفاهات، وأحاديث المذيعات المميلات !.
إنني أتساءل بحرقة: كيف يرضى أصحاب هذه القنوات عرض ((المواد الفاضحة)) لتراها أسرهم والمراهقون من أبنائهم وبناتهم فضلاً عن أطفالهم..!.
إن الغريب أنه في أكثر الدول حرية هناك شروط صارمة لتقديم أمثال هذه المواد ، وتحديد أوقات عرضها بل والتنبيه على أن هذه المادة الفاضحة أو تلك لا تصلح للأطفال !.
أما في عالمنا العربي عالم القيم وفي خليجنا موطن الشيم فبعض القنوات منفلتة وبعض البرامج في كل وقت فاضحة.
لقد أصبحنا نرى بعض ((الشاشات العربية)) – بكل أسف– حمى مباحاً لكل ما ينشر عهراً ويئد طهرا..!. ((يا عين هلي الدمع هلّيه)) !.
والمشتكى إلى الله في الحفاظ على أخلاق الأجيال واستقامة سلوكها ..!.
ناهيك عن البرامج التي تسمى ((برامج الواقع)) التي ترسخ في أفئدة الشباب ذكوراً وإناثاً أن ممارسة الحياة في البيوت والشوارع لا يجب أن تحتكم إلى ضوابط أخلاقية أو تربوية، بل إنه لا يوجد شيء أسمه عيب في علاقة الشباب بالشابات فلا عيب بينهم في خلوة أوفي مزاح ولا في مسبح أوفي ارتداء ملابس تعري أكثر مما تستر ، كما نرى فيما يسمى بـ ((برامج الواقع))!.
ولا ندري ماذا يخبئ المستقبل!.
إن هذه البرامج خطيرة جداً فليست برامج تمثيلية ولكن مشاهد حقيقية وكأنها تقول للشباب والشابات هذا هو الوضع الطبيعي فلا عيب في عري ملبس أو انفلات حديث أو سماجة حركات ، بل لا جرم في خلوة في غرف نوم أو اختلاط في مسبح، ورحم الله ذلك المسلم الفقيه الغيور الذي قال: [الإسلام منع الاختلاط وقاية، وحظر الخلوة حماية] وأين غيرة هذا الصادق الأمين من ضمائر هؤلاء ((المنفلتين))!.
***
** أما آخر تقليعات هذه الفضائيات التي لا تنتهي فهي إظهار المحجبات وهن يرقصن ويتمايلن ! .
لقد كنت أستعرض القنوات الفضائية العربية ، وإذا بعيني تقع على إحدى قنوات الأغاني، وإذا بأغنية لمطرب يصاحبها ((فيديو كليب)) وفيه امرأة محجبة ترقص وتتمايل و((تتميّع)) بحركاتها وأجزاء جسدها ما خفي منه وما ظهر!.
ترى ماذا يهدف إليه المخرج، بل ماذا تهدف منه هذه القناة والقائمون عليها من إلباس مثل هذه الراقصة الحجاب وجعلها تتمايل أمام الناس وهي بحجابها ؟!.
إن مثل هذا المشهد يشي – بقصد أو بغير قصد – إلى بث رسالة تقول: إن المحجبات فاسدات سيئات وأن الحجاب ليس سوى مظهر شكلي ليس إلا !!.
لا حول ولا قوة إلا بالله !.
إن الذي يؤلمني كثيراً أن أمثال هذه القنوات ، ملاكها والمنفقون عليها– بكل أسف – هم رجال أعمال منا ومن جلدتنا سعوديين خليجيين وعرباً ومسلمين ويفترض فيهم أن يكونوا هم أولى الناس بالحفاظ على سمعة النساء العفيفات المحجبات بدلاً من إظهارهن بهذه الصورة المشينة التي تسيء لعشرات الملايين من ((المحجبات الفاضلات)).
إن الألم يتضاعف عندما تصيبك ((الطعنة)) من ذوي القربى بدلاً من أن يمنحوك البلسم .. فضلاً عن أن يضاعفوا الجراح!.
لقد استشرفنا – كما أشرت آنفا – أن تكون الفضائيات صوت الإنسان العربي في قضاياه وشجون حياته ، وخطاب النقاء في فضائه.
لكن وجدنا أغلب هذه المحطات الفضائية أو ((الفضائحية)) بالحاء – بكل أسى – بعيدة عن هذه القضايا وهموم الإنسان العربي الذي يقطن في هذا الوطن العربي ، الذي يعيش عدد كبير من أبنائه تحت حزام الفقر والجهل والذل والحروب.
إن هذه القنوات تظن – ويا لسوء ظنها – أن أكبر هم هذه الأمة العربية الممزقة هم أهل الغناء والرقص وأن أهم قضاياهم هي قضايا الفن والجنس وتوافه الأمور..!.
((يا أمة ضحكت من فضائياتها الأمم !)).
** وأخيراً قنوات دجل وشعوذة ! !:
لقد ابتلي فضاؤنا العربي – أخيراً – بقنوات تتاجر بصحة الناس، يخدع أصحابها بالدجل و((النفث)) الفضائي المرضى بشفائهم من كل الأمراض البسيط منها والمستعصي .
إنها بحق قنوات دجل وشعوذة وسرقة أموال الناس بالباطل!.
كم مريض انخدع بهؤلاء الدجالين فضاعفوا مرضه، وكم من بسطاء صدّقوا هؤلاء المشعوذين فتدهورت أحوالهم، وكم من ((غلابى)) ذهبت مدخراتهم ركضاً وراء سراب الشفاء فلم يحصدوا سوى نصْب هؤلاء النصابين ((الفضائيين)) – إن صحت التسمية – والمحصلة أن : خسروا أوقاتاً وأموالاً.
ترى ماذا سوف يحمل الفضاء العربي غداً من قنوات ((موبقات)) ..! .
إننا لا نرى الآن – في الأغلب وبكل الأسى – إلا ((قنوات)) تثخن جراحات شعوبنا وتزيد انقساماتها، أو ((قنوات)) تسعى إلى تدمير أجيالنا وخطف قيمنا وأخلاقنا، أو قنوات تتاجر بآلامه وأمراضه، إن العالَم المتقدم يوظف التقنية وثورة الاتصالات لخطاب التثقيف والتطوير ونحن نوظفها لثقافة التخلف والتجهيل..!.
ولك الله يا هذا الشعب العربي الذي يعاني من معاول أعدائه تماماً كما يقاسي من سياط أبنائه ..!.
** هذا هو واقع فضائياتنا فما هو الحل !:
لا أدعي أنني أمتلك حلاً سحرياً لانتشال هذه الفضائيات العربية التي تراوح برامجها – مع الأسف – وكما أشرت سلفاً ما بين:
جدال فاحش
أو عري فاضح
أو غناء ماجن !
أو دجل خادع
لكن هذا لا يعني أن نيأس من صلاحها وإصلاحها!.
لقد أطل علينا مؤخراً ما سعد به كل غيور ذلكم : ((وثيقة البث الفضائي التلفزيوني والإذاعي)) التي أقرها وزراء الإعلام العرب في اجتماعهم الاستثنائي في شهر فبراير لعام 2008م بهدف تنظيم هذا البث وضبطه ، وبقدر ما أكدت هذه الوثيقة على حرية التعبير والرأي حددت هذه الوثيقة ضوابط حرية التعبير، فقد ألزمت بنودها هذه القنوات المرئية والمسموعة بأخلاقيات المجتمع، وتقنين معايير دقيقة لمحتويات البرامج والخدمات المقدمة للمستمعين والمشاهدين.
لقد جاءت هذه الوثيقة ((كوة أمل)) ما بين ركام هذا التلوث الفضائي ويبقى البدء بتطبيق بنود هذه الاتفاقية، وأزعم أن ذلك ممكناً إذا توافر لهذه الوثيقة الدعم من أصحاب القرار بعالمنا العربي.
***
إن هذه الفضائيات تقوم على أراض عربية تحكمها قيادات عربية وتمتلكها رؤوس أموال عربية وأغلبها خليجية – مع كل أسف – ويعمل بها ويقوم عليها أبناء من هذه الأمة سواء كانوا مديرين أو معدين أو مذيعات ومذيعين!.
يبقى أن أشير لتحقق هذه الوثيقة هدفها النبيل في خدمة الأجيال والحفاظ على أخلاقيات المجتمع ضرورة أن تشتمل وثيقة البث الفضائي على عقوبات زاجرة ، يجب أن تصل إلى ((إيقاف هذه القناة أو تلك)) من البث، لتكون فاعلة ورادعة فالقضية قضية جيل وأخلاق ومستقبل أمة!!.
ويجب – أخيراً – ألا يلتفت المسؤولون في الدول العربية إلى بعض الأصوات التي لم تلاق هذه الوثيقة هوى في نفسها.
إن وحدة الأمة وأخلاق أجيالها ونزاهة منازلها التي تقتحمها هذه الفضائيات أهم من رغبات بعض المستثمرين وغاياتهم المادية.
***
إن هذه ((الوثيقة)) أمر مفرح يرقى إلى أهمية هذا الشأن لكن يبقى – كما أشرت – تفعيل هذه الوثيقة ووضع آليات تنفيذها ومتابعة بنودها ومعاقبة كل من لا يلتزم بها سواء كانت وسيلة مقروءة أو مسموعة أو مرئية.
إن على صانعي القرار وعلى معتلي المنابر، وناشري الوعي عبر المحابر أن يشعروا المتاجرين بأخلاق الأجيال عبر شاشاتهم أن للحرية حدوداً معينة يجب ألا تتجاوز إلى الحد الذي تدمر فيه قيم الشباب ، و مقومات الأمة!.
إن الحرية هنا تكون فوضى ، ومحصلتها تدمير، والمثل يقول ((إن حرية يدك يجب أن تقف عند حدود أنوف الآخرين)) .
وهل أعظم وصولاً إلى حد تدمير أخلاق الأجيال .
** وبقي أخيراً أن أتوجه بعدد من الرسائل:
* الرسالة الأولى: إلى أهم شريحة تدعم مثل هذه ((القنوات الفضائية)) التي تهدم أكثر مما تبني، والتي محصلة برامجها تفريق هذه الأمة وتوسيع رقعة الخلافات بينها أكثر مما هي عليه، وتمزيق أخلاق أجيالها وإغراقهم في متاهات الضياع والجنس !.
ألا تعلمون أن الأمور التي تأتيكم عن طريق أمثال هذه البرامج التي تهدم الأخلاق وتنشر العهر ((حرام)) عليكم وعلى أولادكم ، يقول فضيلة الشيخ عبدالله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة: ((الكسب المادي الذي يحصل عليه أصحاب القنوات الهابطة أخلاقياً حرام وخبيث لا يجوز أكله))
– (صحيفة عكاظ 13/12/1427هـ) .
ولقد أسعدني كثيراً اعتراف أ. صالح كامل صاحب قنوات (ART) بعدم رضاه عن بعض ما يعرض في قنواته ، وأنه يسعى إلى التخلص من هذا الغث الذي يعرض فيها بشكل تدريجي.
وأقول لكل هذه القنوات من أبناء جلدتنا : اتقوا الله في مواد قنواتكم، واتقوا الله في أمتكم وفي أجيالكم ((بناتكم وأولادكم)) وأنأوا عن إقامة أو تمويل قنوات هي إلى الهدم أكثر منها إلى البناء.
* الرسالة الثانية: إلى شركات الأقمار الصناعية العربية مثل ((عرب سات)) و ((نايل سات)) للمبادرة إلى إيقاف بث مثل هذه القنوات المضرة بالأجيال والأخلاق، وقد بادرت ((عرب سات)) قبل فترة بإيقاف بث القنوات التي تنشر السحر والشعوذة التي تبث عن طريق أقمارها- ونريد أن تستمر هذه الشركة في هذا النهج، ونطالب الشركات الفضائية العربية الأخرى بإيقاف بث مثل هذه القنوات التي تبث عن طريقها.
فالأخلاق قبل المال دائماً.
* الرسالة الثالثة: أتوجه بها إلى رجال الأعمال المعلنين في هذه القنوات وبخاصة في بلادنا الخليجية والمملكة خاصة، ((فالإعلان الخليجي)) هو أهم مصدر تمويلي لهذه القنوات، ولذا تلاحظون تركيزها على المشاهدين في بلادنا ((مواد وبرامج)) فهي تراعي ظروفنا والأوقات المناسبة لمشاهدتنا حتى أصبح توقيت بلادنا مشهوراً كأنه توقيت ((جرينتش)) وهذا مع الأسف ليس لسواد عيوننا وإنما لبياض جيوبنا وخراب أجيالنا !!.
وقد صرح أحد مديري هذه القنوات الفضائية قائلاً: ((إنه لولا الإعلان الخليجي لتوقفت القناة التي يديرها من البث)).
فماذا لو أوقف رجال الأعمال إعلاناتهم عن مثل هذه القنوات، وأمامهم لبث إعلاناتهم عشرات القنوات المحلية والعربية الجيدة التي تحظى بمشاهدة الناس من جانب، وتحقق تسويق بضائعهم من جانب آخر دون أن يسهموا – بطريق مباشر أو غير مباشر – إلى الإساءة إلى أمتهم وقضاياها وشبابها وشاباتها.
* الرسالة الرابعة: إلى المربين آباء وأمهات ومعلمين ومعلمات: وأقول فيها إن علينا جميعاً واجبَ ((التوعية)) ولا نملك سواها، فالسماء أصبحت تمطر أقماراً وفضائيات، و((التوعية الدينية والاجتماعية)) هي بعد الله ستكون العاصم من آثار هذه القنوات التدميرية.
إن التوعية السليمة ستسهم – بحول الله – في ((التحصين الذاتي))، والحافظ – قبل ذلك وبعده – هو الله وعلينا أن نجهد وعلى الله قصد السبيل!.
* الرسالة الخامسة: إلى شباب أمتنا هؤلاء الذين يضحك عليهم أصحاب هذه القنوات ومذيعوها ومذيعاتها في ((قنوات الأغاني)) خاصة، فيغرونهم بإرسال ((الرسائل)) التافهة التي يربحون منها الملايين أو يخدعونهم بالتصويت بالهاتف على برامج تافهة أو اختيار أبطال مزعومين، وشبابنا هم الذين يدفعون ثمن هذه الفواتير مادياً ومعنوياً فيخسرون مادياً، ويكونون أضحوكة لغيرهم عندما يقرؤون رسائلهم التافهة على هذه الشاشات، ويرون نتائج تصويتهم عبر الهواتف.
إن على شبابنا وشاباتنا أن يستشعروا أن لا مردود منها سوى أنها تعطي أسوأ الصور عن أمتهم وشباب أمتهم وتبذيرهم لأموالهم !.
** وبعد:
لا أملك في الختام إلا أن أسأل الله أن يصلح هذه القنوات وبرامجها وموادها وأن يَشعر أصحابها وممولوها برسالتهم الأخلاقية والوطنية، أما إن استمرت هذه القنوات فيما أسميه ((مشوار الهدم الكياني والأخلاقي)) فأسأل الله أن ((يكسف أقمارها)) ويريحنا من غثاء ((قنواتها)) .
وسلام عليكم من رب غفور رحيم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عضو مجلس الشورى
أمين عام مجلس أمناء مؤسسة
الشيخ حمد الجاسر الثقافية