logo

Select Sidearea

Populate the sidearea with useful widgets. It’s simple to add images, categories, latest post, social media icon links, tag clouds, and more.
hello@youremail.com
+1234567890

🌱الشباب وتشكيل وعيهم نحو مواجهة الصعوبات وارتياد النجاح

حمد القاضي > المحاضرات  > 🌱الشباب وتشكيل وعيهم نحو مواجهة الصعوبات وارتياد النجاح

🌱الشباب وتشكيل وعيهم نحو مواجهة الصعوبات وارتياد النجاح

🌱حمد بن عبدالله القاضي

عـضو مجلس الـشورى السابق

أمين عام مجلس أمناء مؤسسة

الشيخ حمد الجاسر الثقافية

 

محاور المحاضرة

** إضاءة:

** أولاً: المرتكز الرباني:

** ثانياً: أهمية المعلومة:

** ثالثاً: كيف يتشكل الوعي:

** رابعاً: الحياة توازن:

** خامساً: كيف نبني العلاقة مع الآخرين:

** سادساً: حب الخير والنجاح للآخرين:

** سابعاً: النجاح والفأر الثاني:

** ثامناً: النجاح والخلطة السرية:

** تاسعاً: أهمية الاستقرار بالعمل:

** عاشراً: النجاح: تفكير بالمقلوب!:

** حادي عشر: الطموح والفردوس:

** ثاني عشر وأخيراً:

بسم الله الرحمن الرحيم

**  إضاءة:

* عندما اخترت الحديث عن الشباب وإلى الشباب.. سكنتني الحيرة وطافت بذهني أطياف من الموضوعات فاخترت الحديث عن موضوع تشكيل الوعي نحو مواجهة الصعوبات وارتياد النجاح.

  لن أشعّب الحديث في هذه الورقة التي تدور حول ((الوعي))  بوصفه منطلقاً مفصلياً  نحو مواجهة الصعوبات وارتياد النجاح وسوف اختزل محاور هذه الورقة ببعض الأمور التي أرجو أن تجدوا فيها ما ينفع وأنتم تعيشون حياتكم ، وتتعبون من أجل نجاحكم .

وقد استقيت أغلب جوانب حديثي من خلال تجربتي العملية والحياتية   من جانب، واستناداً إلى قراءتي في عديد من المجالات الثقافي منها والاقتصادي والاجتماعي، ولم أركز على الحديث الإنشائي بل حرصت أن أعرض تجارب مرت عليّ وعلى غيري فهي أكثر أثراً وأبلغ وقعا.

أستشرف أن تجدوا فيها ما يكون فيه بعض الضوء أمامكم وأمامكن، وسوف أدع الوقت الأوفر للحوار بيننا

لأتحدث الآن عن أهم مكونات ومرتكزات النجاح في هذه الحياة.

** : أولاً: المرتكز الرباني 

المرتكز الأول هو: المرتكز الرباني 

الإنسان في هذه الحياة – في حقيقة الأمر – لا يملك من أمره شيئاً بل هي الروح التي هي أغلى ما لديه هي من ((أمر ربه)) {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} سورة الإسراء آية 85.

إذن ما هو المرتكز الروحي والمعنوي للنجاح.

إنه الاتكال على الله والثقة بمن جلّ في علاه.

المرء مهما بذل وتعب وتأهل وكسب الخير إذا لم يكن له عون من الله فإن مآله الفشل!.

إن الركون إلى جنب الله مع فعل الأسباب هي التي تعطي الإنسان الثقة، وتسكب في وديان نفسه رحيق الطمأنينة فيمشي في دنياه على هدى من الله، مطمئن النفس واثق الخطى.

فإن نجح فذلك من الله، ثم من فعله الأسباب، وإن فشل لجأ مرة أخرى إلى بارئه يطلب منه العون ليسير في طريق نجاح آخر.

سأضرب مثلاً برجل بلغ قمة النجاح وانظروا ماذا يقول بعد أن حصد أقصى ثمرات النجاح.. إنه رجل الإعمال الشيخ سليمان الراجحي فحياته تجربة نادرة فيها صبر وعصامية تستحث أن تدرّس، فالشيخ وسيرة الشيخ سليمان بدأ بجمع ((الرماد)) من المنازل الذي كان يستخدمه البناؤون ((كعازل)) عندما يريدون وضع الطين في ((الزنابيل)) التي يحمل فيها الطين للبناء وذلك مقابل عشرة ريالات شهرياً فقط، لكن هذا الرجل العصامي صابر واجتهد وجد حتى أضحى هذا الرجل من أكبر رجال الأعمال على مستوى العالم وليس على مستوى بلادنا، وقد لخصّ تجربته وقصة نجاحه في كتاب ((سيرتي)) بقولـه فانظروا وتأملوا فيما قال: ((كنت أثق في نفسي وقدراتي، لكن قويت هذه الثقة بعمق إيماني بأن الله سيتولاني وقد تولاني – ولله الفضل – بالرعاية والحماية والتوفيق فكان هذا سبب نجاحي)).

أعود إلى موضوع هذه الورقة: كيف يتشكل الوعي لمواجهة صعوبات الحياة وتجاوزها ليحقق الإنسان النجاح الذي يرمي إليه.

هذه بعض المرتكزات ليعانق المرء فيها الهدف الذي يسعى له في حياته ومسيرة عمله.

**  ثانياً: أهمية المعلومة:

* فاتحة أي عمل توفر المعلومة للإنسان بشكل عام سواء كان مسؤولاً أو موظفاً وسواء كانت المعلومة تعني شأناً اقتصادياً أو ثقافياً أو سياسياً أو اجتماعياً  في ميادين الحياة قاطبة، من لا يملك المعلومة لا يستطيع أن يمتلك مقود النجاح.

المعلومة تجعل الإنسان يمتلك القدرة والثقة عندما يقدم على أي مشروع فضلاً عن مساعدته في التخطيط لأي عمل يقدم عليه، ناهيكم عن معرفته بما يدور حولـه في هذا العالم الصغير، فالحياة أو مبنى المنشأة أو ساحة الجامعة تتأثر بكافة الأحداث الاقتصادية والسياسية والثقافية في أي مكان بالعالم فنحن في زمن العولمة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، والمعلومة ليست رقماً أو تجربة أو نظرية فقط بل هي كل ذلك وأكثر، والبرتقال – كما يقول المثل الغربي – ليس هو الفاكهة الوحيدة.

المعلومة تجيء عن طريق متابعة ما يدور في هذا الوجود سواء داخل مجتمعه أو خارجه في الفضاء الكون، والمعلومة تأتي عبر لقاء ومن خلال الإفادة من تجربة الناس أو قراءة كتاب أو صفحة جريدة أو موقع بالنت.. ((المعلومة الصحيحة)) هي التي تقود الإنسان إلى دروب النجاح.

**  ثالثاً: كيف يتشكل الوعي:

* الوعي يتطلب معرفة مداخل العمل ومخارجه وآليات النجاح فيه وهذا لا يتشكل بالأماني والأحلام ولكن الوعي بها يجيء عن طريقين:

* أ– الاستيعاب لما يتم الإطلاع عليه في كافة المجالات العملية، والاقتصادي تحديداً، وأنا لا أعول على النظريات الإدارية أو الاقتصادية كثيراً ولكن أدعو إلى الاستئناس بها.

* ب- الإفادة من تجارب الناجحين بل والفاشلين سواء المتقدمين أو المتأخرين، ربما أن ((تجربة)) مرّ بها إنسان تختزل كثيراً من الجهد وتعين الإنسان على اختيار من يعملون معه، بل إن مثل هذه التجارب قد تنأى بالإنسان عن دروب الفشل.

**  رابعاً: الحياة توازن:

* كما وعدتكم لن اجعل حديثي إنشائياً ولن أجعله نصحاً وتوجيهاً فهذا ضرب من ((القول الثقيل)) الذي يمله السامع ولا يفيد منه. 

عنوان هذه المحور: الحياة توازن

في تقديري أن: التوازن في الحياة والعمل هو أحد الأسس الناجحة البالغة الأهمية والمبلِّغة للهدف!.

فأغلب الفاشلين هم من يتوجهون إلى شأن حياتي ويدعون ويهملون الجوانب الأخرى وهؤلاء – كما نرى – لا يفشلون فقط بل وقد يَشْقون في حياتهم ، فالنجاح ((خلطة متكاملة المذاقات))!.

وانظروا مثلاً إنسان يركز في عمله على الحضور الدقيق لكنه لا يعطي للمهارة وإتقان العمل ما يستحقه، فهذا مصيره الفشل، وانظروا تاجراً يرهق نفسه بجمع الأموال لكنه يهمل صحته، فهذا يخسر المال والصحة معا إلخ.

أجل أولى الخطوات أن نؤمن أن الحياة توازن بمعنى ألا يركز الإنسان على شيء ويترك آخر فمثلاً لا يركز على دراسته وينسى صحته، أو يهتم بنفسه ويتجاهل أسرته، وكل ما يستحق الاهتمام به وبغير هذا التوازن قد يحقق النجاح في شيء لكنه قد نخسر الأكثر والأهم، فالحياة انسجام والنجاح توازن.

أروي لكم قصة حقيقية ترسخ مبدأ أن أول طرق الحياة والفلاح هي إعطاء كل شيء ما يستحقه من اهتمام دون أن يطغى أمر على أمر وإلا فالمحصلة الفشل لا النجاح، وهذه القصة الحقيقية لصاحب قصر كبير أراد اختبار أحد الأشخاص مديراً لقصره لكن أراد اختباره قبل أن يلحقه بالعمل فطلب منه أن يطلع ويتجول على كافة غرف وصوالين وأفنية القصر ليتعرف عليه، وأعطاه إناء فيه قطرات من الزيت وطلب أن يحمله وهو يتجول بالقصر وأن يحافظ على قطرات الزيت لكيلا تنسكب بالأرض وفعلاً بدأ هذا الشخص يدور قبل مباشرة العمل على القصر وقلبه وعينه على قطرات الزيت، وعاد بعد الجولة والقطرات في الإناء لم تنسكب فسأله صاحب القصر: هل رأيت المكان الفلاني ، هل رأيت بركة السباحة وهل وهل.. وكان الرجل يجيبه بلا كلما سأله واعتذر بأن تركيزه كان منصباً على قطرات الزيت خشية السقوط، فقال لـه صاحب القصر الحكيم: أنت لا تصلح لإدارة القصر فأنا أريد مديراً لا يشغله التركيز على أمر عن أمر آخر.. بل أريد مدير يحفل بكل الجوانب)).

** خامساً: كيف نبني العلاقة مع الآخرين:

بناء العلاقة الجيدة هو مكسب لنا ومكسب لمجتمعنا ولا يبني العلاقة سوى حسن التعامل.. لا تظن أن الآخر بحاجة إليك مادياً فقط، هو يريد منك أيضاً الكلمة الطيبة، والتعامل المضيء، وأنت هنا تمثل دينك الذي يقول قرآنه: { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} [سورة البقرة آية 83].،ويقول رسولـه صلى الله عليه وسلم: ((والكلمة الطيبة صدقة)).

ولنؤمن أننا لا نستطيع أن نصل إلى أهدافنا إلا بالرفق واللين.. وهناك حكيم يقول: ((جربت اللين والسيف فوجدت اللين أقطع)).

والشاعر المجرب الآخر يقول:

      وكن بلـبـلاً تحلو الــحـياة بـشـدوه

                    ولا تك مثل البوم ينعــــق بالردى 

فلنكن بلابل ننشر التغريد والنشيد والكلم الجميل .

* أروي لكم حكاية واقعية قرأتها قبل فترة تؤكد أن اللطف هو الذي يجعلنا نعطي أنصع الصور عن ديننا ووطننا وذاتنا فضلاً عن أن هذا هو ما يوصلنا إلى أهدافنا: ((كان هناك أحد الأطفال لديه سلحفاة يطعمها ويلعب معها .. وفي إحدى ليالي الشتاء الباردة جاء الطفل لسلحفاته فوجدها قد دخلت في غلافها الصلب طلبا للدفء. فحاول أن يخرجها فأبت ..ضربها بالعصا فلم تأبه به .. صرخ فيها فزادت تمنعا. فدخل عليه أبوه وهو غاضب حانق وقال له: ماذا بك يا بني ؟فحكى له مشكلته مع السلحفاة ، فابتسم الأب وقال لـه دعها وتعال معي. ثم أشعل الأب المدفأة وجلس بجوارها هو والابن يتحدثان .. ورويدا رويدا وإذ بالسلحفاة تقترب منهم طالبة الدفء. فابتسم الأب لطفله وقال: يا بني الناس كالسلحفاة إن أردتهم أن ينزلوا عند رأيك فأدفئهم بعطفك، ولا تكرههم على فعل ما تريد بعصاك)). لقد أصاب هذا الحكيم وصدق.

إنها ثقافة التعامل مع الإنسان وحتى الحيوانات هي أحد أسرار النجاح بل والراحة في الحياة.

** سادساً: حب الخير والنجاح للآخرين:

* من أهم عوامل النجاح في نظري: حب الخير للآخرين وعدم حسدهم فهذا فيه ثراء للنفس قبل ثراء الجيب، وقد روى الأستاذ الكاتب المعروف علي حسون أحد أبناء المدينة المنورة فيذكر أنه كان في المدينة المنورة إلى سنوات قريبة أن الزبون إذا جاء إلى البائع صباحاً وكان هذا البائع باع على زبون آخر دله على جاره قائلاً: أنا استصبحت برزقي فأذهب إلى جاري.. الله إنه الإيثار أحد أسباب النجاح عندما يسمو الإنسان على غريزة الطمع فيه ليكون من الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة أو حاجة.

** سابعاً: النجاح والفأر الثاني:

* قد تستغربون هذا العنوان لكن ستعرفون سرّ العنوان نهاية هذا المرتكز.

هناك نظرة تكتنف بل أحياناً تسيطر على كثير من الناس وتحديداً بعض الشباب، وهي نظرة متشائمة تأتي بعد فشل أو بالأحرى تعثر المحاولة الأولى أو العمل الأول أو السنة الدراسية الأولى، بينما لو فكر الإنسان قليلاً لرأى أن هذا التعثر هو الذي يقود إلى النجاح بل هو الذي قاد – فعلاً – كثيراً من الناجحين والمخترعين إلى آفاق النجاح علمياً أو عملياً بل أوصل العديدين إلى مدارات الإبداع. ليست المشكلة أن يتعثر الإنسان مرة أو مرتين لكن القضية كيف يتجاوز وينهض الإنسان من هذا التعثّر ساعياً إلى تجنّب أسبابه ومنطلقاً في دروب الحياة حتى يعانق قمة النجاح عملاً أو دراسة أو ابتكار أو فوزاً.

* لأني – كما أشرت سابقاً – لا أريد أن يكون حديثي نظرياً أو وعظياً لا يستقر في الأذهان فإني أعضد حديثي بتجربة حية وزاهية وبالغة الصدق والواقعية وقد أوردها مهندس وكاتب ناجح في حياته وهو م/ محمد بكر – مدير عام الموانئ سابقاً وعضو مجلس الشورى – الذي عرفته وعرفت كفاءته من خلال زمالتي لـه بمجلس الشورى في دورته الثالثة وقد عنون التجربة بعنوان مشوق وغريب جعلته عنوان هذا المحور في هذه المحاضرة وهو ((النجاح والفأر الثاني)) يقول م / بكر وهو يروي هذه التجربة اللطيفة والمعبرة عن معانقة النجاح الأبهى الذي سيأتي لكن قد يأتي متأخراً تتهادى أطيافه ولو بعد الآخرين، وأروي هذه القصة التي عايشها المهندس بكر باختزال في حفل تخرج جامعتي ليزلي في مدينة بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية يقول: إلتقيت بامرأة اسمها ((ستراتون)) جاوزت الثمانين، لكن لم يحل ذلك عن حضورها ، وهي زوجة مدير الجامعة السابق، وهي امرأة ناجحة وباذلة لها خدماتها الجليلة في مجال العمل الخيري والإنساني، وقد حضرت الحفل لتتسلم شهادة الدكتوراه الفخرية، وقد ألقت كلمة مؤثرة لخصت فيها ثلاثة منطلقات للنجاح، وذكرت أن المنطلق الثالث للنجاح هو كما جاء في كلمتها: ((لا تنس أن من يأكل قطعة الجبنة عادة هو الفأر الثاني، وليس الأول الذي كان في المقدمة، ذلك أن الفأر الأول عادة ما يذهب ضحية لاجتهاده ويكون نصيبه المصيدة وتبقى قطعة الجبنة للفأر الثاني خلفه كي يستمتع بها. لذا ليس عيباً أن تكون في مكان ذلك الفأر الثاني ، المهم أن تصل لهدفك وبطريق آمن مشروع)).

** ثامناً: النجاح والخلطة السرية:

* في تقديري ليس هناك عامل واحد يؤدي إلى النجاح، لكن هناك العديد من العوامل التي تشكل ما يمكن أن يسمى ((الخلطة السرية)) للنجاح.

إن توافر الأسباب سواء كانت معنوية أو مادية هي التي تجعل المرء أو المرأة يقفان على مشارف النجاح.

إن رأس المال وحده لا يمكن أن يحقق النجاح.. والإرادة وحدها لا توصّل إلى ميناء الفلاح.. والجدية لا تسير بصاحبها بمفردها إلى عوالم النجاح.

لكن ما يقود إلى النجاح : عندما تجتمع كل هذه الأسباب ولا يرتهن الإنسان إلى واحد منها أو يراهن على أحدها!.

إن هذه العوامل إذا ما التقت وتظافرت وصاحبها قبل ذلك وبعده – إيمان بأن الله سبحانه هو من ييسر طرق النجاح –.

النجاح إرادة وإدارة معاً..عندها يسير الإنسان وهو معتمر عقال الثقة إن كان رجلاً أو فستانها إن كانت امرأة فيكون الأجدر باحتضان نياشين الفوز سواء كان مادياً أو معنوياً.

هذه هي خلطة النجاح السرية أو العلنية – إن كان للنجاح خلطة – وأي فقد أو عدم توفير لأحد من مقاديرها يعني السقوط في دائرة الفشل أو الاقتراب منه.

** تاسعاً: أهمية الاستقرار بالعمل:

* الاستقرار بالعمل هو أحد أسرار النجاح ليس في الدراسة فحسب بل بالعمل وبالوجود كلـه، إن الإنسان إذا وفقه الله في مجال دراسي أو عملي فإن عليه أن يستمر فيه وحتى لو واجهه بعض العناء، فالمهم النجاح وهناك مثل بسيط وصادق يقول: ((بائع اللب الناجح خير من الطبيب الفاشل)).

ومصداقاً لهذه الرؤية وكيلا يكون حديثي مثالياً؛ أروي لكم هذه القصة التي حصلت لمحدثكم: ((لقد كنت أنا وزميل لنا بعد تخرجنا من الجامعة ومباشرة عملنا الوظيفي وبعد حوالي سنة جاءنا عرض للانتقال إلى عمل آخر بإغراء مادي جيد وأنا ترددت بالانتقال، وصاحبي عزم وانتقل دون تبصر بالأمر إلى العمل الآخر ولم تمض سوى سنوات قليلة إلا وهذا الصديق يندم، أما أنا فلم انتقل وكان السبب مقولـة مؤثرة قرأتها خلال دوامة التفكير وتساؤلات الإنتقال هل انتقل أم لا، لقد كنت أقرأ ذات ليلة كتاب ((رجال حول الرسول)) للمؤرخ الأديب خالد محمد خالد – رحمه الله -، وإذا بعبارة حكيمة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عثرت عليها كأنها فتحت كوة ضوء واطمئنان في وجداني: ((من بورك لـه في شيء فيلزمـه))، وأقفلت الكتاب ظللت أفكر: أنا مرتاح في عملي رغم أن دخلـه يقل عن العمل المعروض علي، وقد أنتقل إلى العمل الآخر ولا أجد الراحة والبركة فيه، لذا قررت البقاء في عملي، وكان خيراً لي فقد تدرجت بالعمل الحكومي حتى وصلت إلى مرتبة عالية وتوليت إدارة عامة، أما صاحبي فقد كان تسرعه وعدم تدبره للأمر جعله يندم على انتقالـه، وحاول العودة إلى عملـه السابق وعندما عاد فاتته الترقية.

انظروا وانظرن إلى من حولكم تجدوا أن الذين نجحوا هم الذين ركزوا على ميدان معين، وأقرب مثال على ذلك رجال الأعمال، فالذين عملوا وجدوا في نوع محدد من الأعمال نجحوا وتفوقوا والذين ينتقلون دون تروٍّ ودراسة وتأمل من ميدان تجاري إلى ميدان تجاري آخر ربما ليس لهم خبرة فيه نجد أمثال هؤلاء يمنون بخسائر كبيرة، بعضهم أدى به إلى الإفلاس وكذا الشأن في الميدان الدراسي ، فالذين ينتقلون من تخصص إلى تخصص بحافز العاطفة فقط هم يضيعون سنوات من عمرهم بل قد يفشلون في تحقيق طموحهم.

** عاشراً: النجاح: تفكير بالمقلوب:

* أزعم أن أكثر أسباب الفشل يعود إلى ثقافة التقليد، فهم وجدوا الآخرين على أمة وهم على آثارهم مقتدون.

ما أكثر الذين فشلوا وفشلن عندما مارسوا هذه الثقافة: ثقافة المحاكاة، هناك مثلاً في الميدان التجاري كمثال من يرى أن فلاناً أو فلانة نجح أو نجحت في مشروع فيسارعون إلى التقليد في إقامة مثل هذا المشروع دون دراسة جدوى أو تفكير باكتفاء السوق وهنا يفشل المقلد لأنه لم يدرس ((السوق)) ولأنه لا يملك الخبرة أو لغير ذلك من الأسباب.

النجاح – كما قال أحد رجال الأعمال الناجحين –:((أن تفكر في غير المقلّد أو العادي أو النمطي .. أن تخالف ولا تقلد، وأن تقدم ولكن باتزان)).

لقد قرأت رؤية إبداعية لمسألة النجاح وما يمكن تسميته ((التفكير بالمقلوب)) ونشرها الصديق د/ خالد المنيف بصحيفة ((الجزيرة)) وهذا ما كتبه بتصرف: ((يشكو الكثير من الناس من عدم استطاعتهم الإتيان بأفكار جديدة وإن كانوا يقضون فترة من الوقت مفكرين إلا أن الأفكار الجديدة لا تأتيهم وما ذلك إلا لنقص ممارستهم للتفكير الإبداعي الذي تتعدد طرقه التي من أهمها ((التفكير بالمقلوب)) أي نفكر بالعكس وأضرب أمثلة لذلك ما يلي:

* الأنموذج الأول: ذلك الذي ابتكر ((الشاي المثلج)) الذي يسمَّى ((آيس تي))، لقد فكر ذلك الرجل المبدع ورأى أن الشاي لا يقدم إلا ساخناً، فأراد أن يأتي بشيء جديد، ففكر ونجحت فكرته كثيراً وانتشر ((الشاي المثلج)).

* الأنموذج الثاني: ذلك المخترع الذي فكر لماذا يكون الحبر خارج القلم، وهداه تفكيره إلى أن يكون الحبر داخل القلم، فهذا يحقق الراحة والتيسير على مستخدم القلم، وفعلاً عمل على أن يكون الحبر بالداخل واختفت الأقلام التي ترافقها المحبرة وأضحى القلم محبرته فيه.

* الأنموذج الثالث: حدائق الحيوان في معظم أنحاء العالم تكون فيها الحيوانات محبوسة في أقفاص والناس أحرار يتجولون فجاء شباب أرادوا أن يفتحوا حديقة حيوانات ورأوا أن حدائق الحيوانات يتجول فيها الزوار أحراراً والحيوانات داخل أقفاصها ففكروا بالمقلوب، كيف؟ قالوا: لم لا نجعل الحيوانات حرة والناس محبوسين وفعلاً قاموا بإنشاء أول حديقة للحيوانات الطليقة، أما الناس فصاروا طلقاء في سيارات يسيرون وينظرون إلى هذه الحيوانات المتجولة في الحديقة))، ونجحت هذه الفكرة ((المقلوبة)) ولقيت إقبالاً كبيراً.

لنحاول – فعلاً أن نفكر بالمقلوب ولكن المقلوب الإيجابي الذي يحفز على الابتكار، ويجعل جياد العطاء تركض نحو صارية النجاح.

** حادي عشر: الطموح والفردوس:

عندما تستعرض حياة الناجحين؛ نجد أهم مدماك في نجاح هذا الشخص أو ذاك هو ((شمعة الطموح)) في وديان نفسه إذ لم يرض بما حصل عليه فنجده لكن لم يركن إلى القناعة القاتلة بل نجده سعى وحلم واجتهد حتى وصل إلى ما يريد حيث لم يقنع بسوى معانقة النجوم.

إن الطموح أمر مشروع دينياً ودنيوياً والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا سألت الله الجنة فأسأل الله الفردوس الأعلى منها)) لكن لابد أن يقترن بهذا الطموح ويرافقه أمران مهمان الأول: امتلاك القدرة على الوصول إلى هذا الحلم والطموح. وثانيها : الجدية والمزيد من الجهد والعطاء والعرق لتحقيق ما جعله هدف طموحه.. وبغير هذه الأدوات يضحي لا عملاً أنجز ولا طموحاً حقق. 

** ثاني عشر وأخيراً: التوازن بين العمل والواجبات الاجتماعية والإنسانية:

* على الإنسان ألا يستغرق في عمله بحيث ينسى واجباته الاجتماعية والإنسانية، من أجل أن يضيف أرقاماً إلى رصيده البنكي، لكنه يخسر الأهم: راحته.. أسرته.. إسهامه ومشاركته فيما يفيد وطنه، ليبقى عاطر الذكر وموفور الأجر .وتذكروا وتذكرن ما قاله الشاعر الحكيم:

       ومن ينـفـق الساعــات في جـمـع مـالــه

                  مخافة الفـــقر فالذي فــــعل الفــــــقر

وهذا صحيح فمن يشغل كل وقته وجهده لجمع المادة أو خشية الفقر، فإنه قد يجمع الأموال لكنه يخسر الأغلى صحة وقياماً بالواجبات الأخرى، واستمتاعاً بما أعطاه الله، وقياماً بالواجبات الأخرى.

أجل الإنسان قد يضيف أرقاماً إلى رصيده بالبنك أو يصل إلى الكثير من الشهرة لكنه في المقابل قد يخسر صحته وعافيته أو تتقدم به السن فلا يستطيع أن يستمتع بما جمعه من مال أو ما حققه من نجاح، أو قد يزوره هادم اللذات على حين غرة فيرحل ويبقى ما شقي بجمعه لغيره.

الإنسان في الحياة يعمل ويطمح أن يعيش مرتاحاً لا شقياً، وإذا لم يتوفر الوقت وإذا ما استنزف حياته وشبابه الجهد فإنه لن يجد إلى ذلك سبيلا، فالمال ليس غاية، ومن يركض وراءه دون اعتدال بالسعي فإنه هنا يخدم المال بدل أن يخدمه وقد تنتهي حياته دون أن يهنأ بما ظفر به، أو ينال منه مرض فلا يسعد ولا يستمتع بما حصد من أموال، بل كل ما لديه أرقام بالبنك. وأختم هنا بقصة حوارية جميلة تتماهى مع الحقيقة وتصدح بها: لقد سأل أحد الحكماء أحد الأغنياء: ما أغلى ما لديك فقال: صحتي رقم واحد ، فسأله وماذا بعد ؟ قال: الأولاد ثانياً، فأضاف صفراً بعد الواحد واتبعه بسؤال ثالث فأجاب قصر كبير، فأضاف صفرين إلى الرقم وسأله عن الثالث فقال المال فأضاف صفراً ثالثاً، ماذا بعد؟ يخت كبير فأضاف صفراً رابعاً واستمر الحكيم يسأل والثري يجيب حتى وصلت آماله إلى عشرة أصفار أي خانة المليار، ثم سألـه قائلاً: ماذا لو حذف رقم ((1)) ماذا يبقى قال: يبقى أصفار، فقال: عندها خلاصة تجربته: ((الصحة أولاً وكل ما يأتي بعدها مكسب !)). 

** وبعد:

جعل الله الصحة رداءنا ورداء النجاح لباسنا في دنيانا وأخرانا ورزقنا الله وإياكم في الدنيا النجاح والتميز، ورزقنا في الآخرة تجارة لن تبور.

وسلام عليكم من رب غفور رحيم.