هوامش حول: الصحافة وأثرها بالمجتمع والمتلقي
حمد بن عبدالله القاضي
هوامش حول:
الصحافة وأثرها بالمجتمع والمتلقي
***
حمد بن عبدالله القاضي
عضو مجلس الشورى السابق
محاور المحاضرة
** أولاً: الصحافة رسالة لا وظيفة:
** ثانياً: عوامل تأثير الصحافة:
* كيف تكون الصحافة مؤثرة ومؤدية رسالتها؟.
** ثالثاً: الصحافة والنقد:
** رابعاً: هل ألغت الوسائط الرقمية الثقافة الورقية؟
** خامساً: مواقف في رحلة الصحافة:
أ – مواقف محرجة:
ب- مواقف طريفة:
بسم الله الرحمن الرحيم
** أولاً: الصحافة رسالة لا وظيفة:
دعوني بدءاً أقدم بين يدي هذه المحاضرة لمحات عندما أصبحت الكتابة والصحافة هي خيار حياتي و((البوصلة)) التي يتوجه إليها حرفي.
هذه ((المسلّمات)) أزعم أنني حرصت على الالتزام بها وهذه القناعة هي أن للكلمة رسالـة سواء كانت مقروءة أو مسموعة، وهذه الرسالة إما أن تكون رسالة خير أو رسالة شر، لكن من يستشعر قيمة هذه الكلمة التي يقدمها إلى الآخرين فإنه يشعر بثقل حمل هذه الأمانة وبخاصة عندما يتذكر وهو يعبر بلسانه، ويحبر بريشته قول الله تعالى: ((ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)).
** ثانياً: عوامل تأثير الصحافة:
* كيف تكون الصحافة مؤثرة ومؤدية رسالتها؟.
أهم عامل للتأثير هو ((الصدق)) وهو الأهم في نظري.. فهو الفضاء الأهم الذي تحلق الكتابة في فضاءاته وتتوشح بأطيافه، كلما كان الكاتب صادقاً كلما كان الأوفر تأثيراً على القراء وبدون الصدق تضحى الكلمة والصحافة هَباءة في ريح وهُلاماً في مدار.. ودوما ليس النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة.
وثانيها: عدم الطموح إلى المادة لتكون غايته الكلمة والصحافة وحسب الكاتب وصول رسالته وسعادته بما يحبره.
ألم يقل الشاعر السنوسي:
((رأس مال الأديب قلب رقيق
والصدى من شعوره أرباحه))
فضلاً عن أن الكلمة والصحافة ليس وراءها ثراء، ومن يطلب الثراء وراءها فقد ضل السبيل والراجز يقول: تباً لرزق الكتبة.. إلخ .
* ثالث هذه المسلمات التي اقتنعت بها النأي عن متاهات الهوى وتأثيره إن حباً أو كرها.. فهدف الحرف الصحفي أو يجب أن يكون هدفه: تناول هموم الناس وقضايا الحياة بواقعية، فكلما تناول الكاتب شأناً اجتماعياً قريباً من هموم المتلقين كلما كان الأقرب لهم.
أما ((الصحافة والكتابة النخبوية)) فهي لا تصلح لكافة القراء عامتهم وخاصتهم آحادهم ومجموعهم.. إنها تحلق في سماوات أو الكتابات المتخصصة والكتابات الإبداعية.
رابعاً: على الكاتب أن يؤمن حد اليقين أن الكتابة ليست نزهة ولكنها طريق محفوف بالخطر، حافل بالتعب لكن تعب ممتع – كما يقول العميد طه حسين: أجل إن الكتابة والصحافة من أغرب المهن التي يجد الكاتب متعته في تعبها، وتعبه في متعتها، وقد صدق الشاعر نزار قباني عندما قال:
وجع الحرف رائع أو تشكو
للعصافير وردة حمراء؟
** ثالثاً: الصحافة والنقد:
((النقد)) مطلوب لكل عمل بشري الذي يعتريه النقص والخطأ!.
لكن فرق بين نقد ونقد.
((نقد)) يضخم الأخطاء ويتناسى الإيجابيات ويتم عرضه بأسلوب حاد يحفز على النفور منه وليس الأخذ به لنأيه عن العدل والله يقول:{وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ} [سورة الأعراف آية 85]
وهناك ((نقد موضوعي)) يبتعد عن الغرض الشخصي ويتكئ على هدف الحقيقة الموثقة بالمعلومة مشيراً للإيجابيات وناقداً للسلبيات.
إن المراقب لخطاب النقد الصحفي لدينا يلاحظ أن البعض منا نحن الكتاب: ينظر إلى جهاز تنفيذي حكومي نظرة معتمة وكأنه لا بياض ولا إنجاز لـه.
بل إن البعض منا كأنه يعشق ((جلد الذات))، فكأننا في وطننا نطير بالسلبي ونعرض عن الإيجابي !.
إن المسؤول بشر هو بحاجة إلى كلمة طيبة تحمد لجهازه إنجازه تماماً مثل ما هو بحاجة إلى النقد الموضوعي الذي يرشده إلى النقص في مؤسسته.
لكن التركيز على السلبيات وتجاهل الإنجازات يمثل إحباطاً لما يبذلـه المسؤول عندما يجد أنه – مهما عمل – فلن يلقى سطر تقدير، بل سيواجه وتواجه جهته بعنف النقد سواء أحسن أو أساء!.
إن علينا بوصفنا كتّاباً وصحفيين ومنظّرين – أن نضع أنفسنا في مواقع هؤلاء المسؤولين عندما نرى تقصيراً أو قصوراً في الأجهزة التي هم مسؤولون عنها، إذ قد تكون هناك عقبات كثيرة مثل عدم توافر الإمكانيات المادية أو الكفاءات المؤهلة والفنية التي تحول دون تحقيق ما نطالب به، أو معالجة القصور الذي نتحدث عنه، وهذا لا يعني ألا ننتقد ولا نكتب عَمّا نراه من قصور، لكن لو تصورنا مثل هذه العقبات لحفزنا ذلك على تخفيف حدة نقدنا وقسوته، ولطرحنا ما نريد بأسلوب موضوعي ((فمن يأكل الضرب ليس كمن يعده)) وقديماً قال الشاعر الحكيم:
((لا تعـذل المشتاق في أشـواقــــه
حتى يكون حشاك في أحشائه))
والمسؤول مواطن يتطلع إلى ما نتطلع إليه كُتّاباً وصحفيين ومواطنين، ولكن – أحياناً – يصح منهم العزم لكن الدهر يأبى، والإمكانيات لا تواتي!.
** رابعاً: هل ألغت الوسائط الرقمية الثقافة الورقية؟
لا جرم أن وسائط المعرفة الحديثة في زمن ثورة الاتصالات وزمن المواقع والشبكات الإلكترونية والقنوات فضائية لها تأثير في صرف بعض المتلقين عن الكلمة المطبوعة لكن في ظني ليس هناك شيء يلغي شيئا، فثقافة (الإنترنت) مهمة، ولكن الكلمة المكتوبة عموماً ستبقى، والثقافة الرقمية لا تنفي ثقافة الكلمة المقروءة، إن كل واحد – في تقديري – يكمل الآخر.
وفي إحصائية رسمية موثقة لوزارة الثقافة بالمملكة العربية السعودية تم نشرها جاء فيها أن عدد المطبوعات ما بين صحيفة ومجلة التي توزع في أسواق ومكتبات المملكة بلغ عددها (1600) مطبوعة وكل مطبوعة في هذا الرقم توزع عشرات الآلاف من النسخ.
ولهذا ينهض هنا سؤال مهم ومقنع: لو لم تجد هذه المطبوعات قراء ومتابعين لها لما تم طبعها وتوزيعها وبيعها وتحقيق الربح المادي منها، إن المسألة هنا – بلغة أهل الاقتصاد – مسألة عرض وطلب..!
ولو لم تكن الكلمة المقروءة مطلوبة ومرغوبة لما رأينا المطابع تطبع ودور النشر تنشر والمكتبات تبيع ومعارض الكتب تفتتح وتجد الإقبال الكبير من الرواد.
مرة أخرى هذا لا يعني إطلاقا نفي تلك الجدوى العظيمة التي قدمتها ووفرتها وسائط المعرفة الجديدة لكل باحث بل ولكل إنسان من خلال كمِّ تلك المعلومات الثرة في كل شأن ..! لكن في كل الأحوال لا يعني كثرة وسائط المعرفة التقاطع بين الخيارات بقدر ما يعني التوافق بين أهداف هذه الوسائل، والمحصلة هو إثراء المعرفة وسهولة الوصول إلى المعلومة وتوثيق المادة المقدمة عن أي طريق سواء كان رقمياً أو مقروءاً.
زبدة القول: ليس هناك شيء ينفي شيئاً، وما بين وسائط المعرفة المقروءة والرقمية تكامل وليس إلغاء.
** خامساً: مواقف في رحلة الصحافة الكلمة:
أخيراً لأطري أسماعكم بعد أن ألقيت عليكم قولاً ثقيلاً عن الكلمة ورسالتها دعوني أذكر بعض المواقف ما بين محرجة وطريفة التي مرت علي خلال مسيرتي الكتابية:
أ – مواقف محرجة:
** موقف عبدالله النعيم والكلمات .
* المجلة العربية وافتتاحية الميزانية .
- موقف عندما كنت الكاتب والناقد والمسؤول المدافع: تأخرت معاشات مستحقي الضمان في أحد الأشهر فاتقدت ذلك باسم ((ابن الوطن)) فانتصر الإنسان فيّ على المسؤول.
ب- مواقف طريفة:
* أختي ومقال صبرا وشاتيلا ويا ليتني مت قبل هذا وفال الله ولا فالك ولا تكتب هالخرابيط .
* أنا وعلي الشدي والسبق الصحفي.
* موقفي مع الأمير عبدالرحمن بن سعود ولاعب الهلال الشهير: فهّودي.
حفظكم الله أخوة أعزاء.. وإلى الملتقى عبر دروب الحياة والحرف.