لمحات عن بدايات الحركة الشعرية بالمملكة العربية السعودية
حمد بن عبدالله القاضي
لمحات عن بدايات الحركة الشعرية بالمملكة العربية السعودية
***
حمد بن عبدالله القاضي
عضو مجلس الشورى السابق
أمين عام مجلس أمناء مؤسسة
الشيخ حمد الجاسر الخيرية الثقافية
محاور المحاضرة
** نبذة قصيرة عن بدايات الحركة الشعرية في بلادي:
** اتجاهات الشعر ومناحيه:
** الأول: قضايا الأمة:
** المنحى الثاني فهو المنحى الوجداني في الشعر:
** المنحى الثالث: المنحى الوطني:
** المنحى الرابع: المنحي الفلسفي والتأملي..
** ماذا عن المؤثرات على الشعر السعودي:
** أولاً: الدين الإسلامي:
** ثانياً: المؤثر الثاني في شعرنا السعودي يتجلى في استلهام التاريخ وتوظيفه:
** المؤثر الثالث: في الشعر السعودي هو عشق الصحراء
** أخيراً: صدق التجربة الشعرية:
** الـمراجـع:
بسم الله الرحمن الرحيم
* سأحاول قدر استطاعتي وحسب ما يسمح به الوقت أن أعطيكم نبذة قصيرة عن بدايات الحركة الشعرية في بلادي ، ولا غرو في بزوغ الإبداع الشعري لدينا ، فأنتم تعرفون أن الجزيرة كانت منطلق الضاد.. ومنها خرج آلاف الشعراء في الجاهلية والإسلام.
ولعل أول ما يلاحظه الدارس لبداية العطاءات الشعرية المعاصرة: الاتباع لنتاج القدامى والسير على عمود الشعر العربي الجاهلي . ففي المعاني نجد الوقوف على الأطلال ، وبكاء الديار وإطراء معاني الكرم والشجاعة في أغراض المديح ومن ناحية مبانيهم نجد الألفاظ الجزلة والكلمات المقدودة من الصخر ، فهذا الشاعر محمد بن عثيمين يقول في مطلع قصيدة لــه:
عُجْ بي على الربّع حيث الرند والبان وإن نأى عنه أحباب وجيران فللنازل في شرع الهوى سنن يدري بها من لـه بالحب عرفان لله أحور ساجي الطرف مقتبل عذب اللي لؤلؤي الثغر فتان |
ويمضي في هذا الغزل الذي ابتدأ به قصيدته على طريقة الشعراء الجاهليين.
وقد استمر هذا الاتجاه في طريقة القصيدة وألفاظها، ولكن وبفعل اطلاع الشعراء على العطاءات الأدبية الحديثة، بدأت ألفاظ الشعراء تمتاز بالرقة والسهولة والبساطة حيث جاء رعيل جديد من الشعراء لعل من أشهرهم الأمير / عبدالله الفيصل ، محمد حسن فقي، حمزة شحاته، محمد حسن عواد ، محمد السنوسي، طاهر زمخشري، حسن القرشي، محمد الفهد العيسى، وغيرهم فهذه الطبقة من شعراء المملكة دخلت في الشعر مرحلة جديدة من الرومانسية والتجديد حيث حولته من العناية بالبديع والمحسنات اللفظية إلى الاهتمام بالكلمة الشعرية من حيث تأثيرها وموسيقاها، ورغم التجديد الذي طرأ على هذا الشعر إلا أنه لم ينفصل عن بيئتنا العربية، وتراثنا الإسلامي كما كان في السابق إذ أنهما المنطلقان الرئيسيان لـه.
***
* اتجاهات الشعر ومناحيه: ماذا عن الاتجاهات والألوان التي تناولها هؤلاء الشعراء الذين جمعوا بين أصالة القديم وحداثة الجديد؟ إنها اتجاهات وأغراض كثيرة.
** الأول: قضايا الأمة:
* اهتم الرعيل الأول بقضايا أمتهم العربية والإسلامية، فالدور الذي تلعبه المملكة العربية السعودية دور عملاق وكبير جداً ، فالمملكة منذ وحدتها هي مركز ثقل للعالمين العربي والإسلامي.. ولابد أن يتجاوب الشعر مع قضايا الأمة العربية والإسلامية ..
ولعل ((قضية فلسطين)) من أبرز القضايا التي تناولها ولا يزال يتناولها شعراؤنا . فهذا الشاعر (صالح العثيمين) يقول من قصيدة لـه في ديوانه: (شعاع الأمل) في أبيات يرسم فيها خيوط العزيمة والأمل لكل لاجئ فلسطيني بأنه سيعود إلى بلاده عزيزاً منصوراً:
أخي سوف تنهض رغم العدو وتمرح في روضك الأخضر تصافح فيه السنا دافقاً وتنهل من نبعه الأغزر أأم البطولات لا تحزني وان كنت رهن الأذى والشجون |
وهذه الأبيات من قصيدة طويلة مثلها عشرات القصائد التي شارك فيها الشعراء السعوديون في قضايا أمتهم وعالمهم.
** أما المنحى الثاني فهو المنحى الوجداني في الشعر
السعودي فهو لـه فضاءاته الجميلة في عطائهم بصفة هذا المنحى يلامس العواطف ويجلو الجمال ويعطي للحياة وجهاً آخر .
فهذا الشاعر (إبراهيم العواجي) يقول في قصيدة رقيقة عنوانها: (أنت ربيع نجد):
ما الحب إلا أنت قبلك لم أكن أدرى بأن الحب قبلك يوجد تحكي عيون العاشقين فصولنا عِبراً بها تشقى العيون وتسعد من حبنا كتب الهوى قاموسه وحروفه رايات عشق ترشد عرف الهوى نجداً وأنت ربيعه ورياحه مهما توارت تنجد من ذا يلوم القلب وهو شاعر تصحو على همس العيون وترقد |
هذه واحدة من القصائد التي نحس فيها حرقة الهوى، ورقة الوجد، وصدق الحب. وهناك عدد كبير من شعرائنا الذين لهم عدد من الدواوين والتي فيها عشرات القصائد الرقيقة ومن أشهر شعرائنا في هذا المجال الشعراء: الأمير عبدالله الفيصل، طاهر زمخشري، حسن القرشي، وحمزة شحاته وغيرهم كثير.
** المنحى الثالث الذي أكثر فيه شعراؤنا، ومنحوه الكثير من عطاءهم هو مجال الوطن وبيان قداسته، والحفاظ على وحدته، والتغني بجماله:
– فالمملكة فيها أقدس بقعة على وجه الأرض، وفيها القبلة التي يؤمها آلاف المسلمين.. كما أنها من ناحية أخرى الوطن الأول للعروبة، ومنها انطلق شعاع الإيمان ونور الضاد، فلا تثريب بعد هذا أن يشبعها شعراؤنا غناءً وتمجيداً.. إن الوطن هو أجمل قصيدة يعزف الشاعر على أوتارها أغنياته وحبه، فهذا الشاعر الكبير / حسين عرب – رحمه الله– يقول في قصيدة رائعة عن مكة المكرمة:
أم القرى يا جنة الـيوم والغـد ويا زينة الماضي التليد المجدد ترابك أندى من فتيت معطر وصخرك أجدى من كريم الزمـرد أعز بلاد الله في الأرض موطنا ومولد خير الأنبيـاء محمــد عرفنا الهوى قبل أن يخلق الهوى لديك فوافيناه في خير موعـد عشقناك أطفالا صغارا وفتية وزدنــاك أشياخا عظيم التوجـد رويناك بالدمع السخين محبة تنم على الوجد المكيــن المـؤكد فلا عز من يجفوك إن عزفت به صنوف الأماني رادها شر مــورد بلاد الهوى والجود والوحي والندى ومهد الكتاب المستطاب الممجد تنادوا إلى واديك من كل سبسب وجاؤا إلى ناديك من كل فدفـد تهادوا إلى سـاح كريـم مطهر تنادوا لديه من مسود وسيد لـك الله إن الله حامك ملجأ لكل تقي مستقيـم مـوحد |
وهذا الشاعر/ محمد علي السنوسي يقول من قصيدة لـه من ديوانه، (الأغاريد):
هي الجزيرة فاقبس أيها الساري هــدىً من البيت أو نوراً من الغار واستلهم الرشد من آي ومن سور وضّاءةٍ وأحاديث وآثار ترقرقت من شفاه الضاد وامتزجت بقبلةٍ وجَرَت كالسلسل الجاري |
ويقول الشاعر السفير/ محمد الفهد العيسى في (نجد) هذه الصحراء التي تغنى بها الشعراء منذ القدم، وهاهو بصباه وصباياه، وبصحرائه وخزاماه:
ألا يا صبا نجد فديتك يا نجدي متى كان عهدك بالأحباب في نجد؟ متى كنت فيهم في مواسم حبهم سقا الله أرضاً كنت بين رياضها |
** أما المنحى الرابع من المناحي التي تناولها الشعر السعودي فهو الجانب الفلسفي والتأملي..
ولعل أبرز شاعر في هذا النوع من الشعر هو الشاعر/ محمد حسن فقي– رحمه الله – هذا الذي لـه العشرات من القصائد التأملية العميقة التي نلمس فيها فلسفة المعرّي وحكمة المتنبئ، وهو شاعر ينظر للحياة من زاوية فيها كثير من تشاؤم، ولكن نظرته فيها كثير من عمق، فهو يريد أن يبلور من خلال رؤيته الشعرية هذه تفاهة الحياة وهوانها.
ولتسمعوا أبياتاً من قصيدة لـه من ديوانه: (قدر رجل) يقول فيها:
تطلّبت من دهري أموراً أريدها فغض وأعطاني التي لا أريدها ولما تعاتبنا تجهم وجهه فأيقنت أني في الحياة شهيدها فما عادت الأيام بيضاًً تسرني وما عاد يشقيني من الخوف سودها |
ثم يقول في نظرة إنسانية فيها مسحة تشاؤمية:
وما الحب إن لم يشمل الكون كله ويسمو بأوطار الهوى ويقودها إذا نحن أهدرنا الحياة رخيصة لغيدٍ فلا كانت ولا كان غيدها |
وهناك ضرب آخر من شعرنا السعودي يتناول الحياة ولكن من زاوية أخرى فإذا كانت نظرة الشاعر (الفقي) نظرة فلسفية عميقة، فهناك شعراء يتناولون الحياة ومطامحها ويمهدون الطريق للآخرين ، لكي يعرفوا درب المجد في هذا الوجود فمثلاً هذا (سعد البواردي) يقول من قصيدة لـه تحت عنوان :(صور):
لا العيش أن نبكي فيحرقنا البكاء أو نستجيب إلى النعاس فنذعن العيش أن تبني الخطى أمجادنا وترف بسمة عزنا وتهيمن |
هذه بعض أبرز الاتجاهات أو المجالات التي خاض فيها الشعر السعودي في بدايات انطلاقته الحديثة وهناك مجالات أخرى لكن لا أستطيع أن آتي على إحصائها.
** ماذا عن المؤثرات على الشعر السعودي:
* أقف معكم وقفة سريعة حول أبرز المؤثرات على انطلاقات الشعر السعودي في العصر الحديث:
** أولاً: الدين الإسلامي:
الشعراء السعوديون ملتزمون بخط وسطي في أفكارهم وألفاظهم وإذا كان البعض يعتقدون أن الدين يحد من الفن ويقيده ، فهذا حق ، لكن ما هو الفن بلا قيود وما هو الشعر بلا حدود؟ إن الشعر يكون عندها أمراً هلامياً لا جدوى منه، وأحد الأدباء عرّف الفن بقوله: (إنه الرقص بقيود) ثم هنالك نظرة خاطئة تشيعها بعض التيارات الأدبية العبثية العربية وهي نظرية (الفن للفن) فهذه تريد أن تهمش رسالة الكلمة وتكرس عبثها، وتريد لأدبنا وشعرنا وفننا عموماً أن يسير في متاهات من الضياع ، وفي صحاري لا صوى فيها ولا معالم ونحن بحاجة إلى الكلمة المسؤولة التي تخدم عقيدتنا ووطننا.
** ثانياً: المؤثر الثاني في شعرنا السعودي يتجلى في استلهام التاريخ وتوظيفه:
لأن التاريخ يعطي بعداً تاريخياً للنص فضلاً عن إذكائه المشاعر ، وبلادنا هي بلاد التاريخ و(مكة المكرمة) و (المدينة المنورة) فمكة قبلة المسلمين ، وكل عيون الدنيا إليها، و(مكة) أوحت لآلاف الشعراء قديماً وحديثاً بعطاءات روحية خالدة، والشاعر السعودي ليس غريباً عليه أن يتغنى فيها، لأنه يعيش فيها أو في جوارها فيستعيد تلك الأمجاد الإسلامية الخالدة وهذا الشاعر / محمد حسن فقي ، يقول من قصيدة طويلة تحت عنوان: (مكة) تحس فيها جمال الشعر وجلال الوصف وقدسية المعنى:
مكتي أنت لا جلال على الأرض يداني جلالها أو يفوق أنت قدس فليس للهيكل الفاني بقاء كمثله وسموق كل حسن يبلى وحسنك – يا مكة – رغم البلى الفتيّ العريق درج المصطفى عليك فأغلاك وأغلاك بعده الصديق ما نطيق الفراق عنك وهل يحمّل قلب في الحب ما لا يطيق؟ |
** المؤثر الثالث: في الشعر السعودي هو عشق الصحراء
بنقائها وصفائها وجمالها، هذه الصحراء التي تتقاطع مع بعض مظاهر المدنية التي سلبت إحساس الناس ومشاعرهم وعواطفهم النقية.
وهذا الارتباط بالصحراء برمالها وجبالها وأعشابها جعل الشعر السعودي يرتبط بأرضه، ويخصها بشعره وغنائه ، وها هو الدكتور/ غازي القصيبي يقول من قصيدة لـه تحت عنوان: ( يا صحراء ):
(( رجعت إليك مهموماً
لأني لم أجد في الناس
من يؤمن بالناس
رجعت إليك محروماً
لأن الكون اطلاع بلا قلب
لأن الحب ألفاظ مجردة من الحب))
الارتباط في البيئة وكائناتها لا يبرز في النواحي الشعورية فقط ، بل يتجه أحياناً إلى معالم بارزة كالنخلة التي تظلل أرض بلادنا ، فهذا الشاعر / عبدالكريم الجهيمان يقول من قصيدة تحت عنوان: (يا نخلة) ، وكان في إيطاليا ذات مرة فعندما أشرفت النخلة بقدها أمامه طارت إليه ذكرى بلاده لأنه اعتبر النخلة رمزاً لوطنه:
رأيتها فذكرت الطلح والبانا وكان بي شجن زادته أشجانا أنست لما رأيتُ عيناي طلعتَها وذكرتني إخواناً وأوطانا سمت بهامتها عزاً ومكرمة عن الدنايا وعما عاب أوشانا فأعجبتني بما تبديه من شَمم إني أحب عزيز النفس ما كانا |
** أخيراً: صدق التجربة الشعرية:
لدى أغلب الشعراء السعوديين، فالصحراء علمتهم الوضوح والصراحة والمفترض أن كل شاعر صادق ولا يصطنع عواطفه أو يجامل أحاسيسه، فهو إن غضب لكرامته هز الجبال كشأن الشرفاء، وهو إن أحب أحرق المجامر بعبراته، وهو إن رثا أتى بشعر تحسّ فيه أنّة الردى، ولوعة الموت، وهذه أبيات من قصيدة للشاعر (مسافر) أحمد الصالح وهو يروي فيها قصة فراق دامية، فيها الكثير من الدموع والأشجان يقول فيها:
إفرحي ما شئت هذا قدري وما الزهر.. ما القيصوم.. ما العبق للورد؟ واذكري الحب الذي علمنا تناهي إلينا الحب في الروض من نجد ؟ يوم أن كنا كعصفورين لا نعرف الدنيا سوى حباً وشعرا كيف يا أنت تداعي حبنا بعد أن كنا به أرحب صدرا كيف أنساك وفي قلبك لي وطن كانت به الأفراح أدرى أنت يا خفقة قلب واله ودّعيني واحفظي ذكراي ذكرى فغداً لا حب إلا ينتهي غير شعر نم في عينيك سرا |
** وبعد:
هذه بعض ملامح وسمات والمؤثرات في الشعر السعودي لدى رواده في بدايات الانطلاقة الشعرية العربية السعودية في العصر الحديث، وأؤكد في الختام إلى أنني لم أذكر إلا لمحات قصيرة عن بدايات الشعر السعودي الحديث ورموزه، وقد اخترت الحديث عن الشعر بوصفه أحد النماذج الرفيعة، ولأن الشعر يعتبر لدى كل أمة الأكثر تعبيراً عن آلامها وآمالها ، وهو الأبرز في فنونها ، وهو الذي يجسد معالم حضورها الثقافي والحضاري .
** الـمراجـع:
1- | شعراء نجد المعاصرون/ عبدالله بن أدريس |
2- | الحركة الأدبية في المملكة / بكري شيخ أمين |
3- | الأدب الحديث في نجد / محمد بن حسين |
4- | النشأة الأدبية في جزيرة العرب / للدكتور طه حسين |
5- | وحي الحرمان للأمير / عبدالله الفيصل |
6- | قدر ورجل / لمحمد حسن فقي |
7- | شعاع الأمل / صالح العثيمين |
8- | الأغاريد / محمد علي السنوسي |
9- | ذرات في الأفق / سعد البواردي |
10- | من وحي الصحراء / محمد سعيد عبدالمقصود / عبدالله بالخير |
11- | العقد الثمين من شعر ابن عثيمين / محمد بن عثيمين |
12- | ألحان منتحرة / حسن القرشي |
13- | معركة بلا راية للدكتور / غازي القصيبي |
14- | مجلة المنهل العدد الخاص بالأدباء السعوديين |
15- | قصاصات من الصحف والمجلات السعودية |