وحدة المملكة من منظور ثقافي واجتماعي
حمد بن عبدالله القاضي
وحدة المملكة من منظور ثقافي واجتماعي
***
حمد بن عبدالله القاضي
أمين عام مجلس أمناء مؤسسة الشيخ حمد الجاسر الثقافية
عضو مجلس الشورى السابق
الرياض
***
محاور المحاضرة
** وحدة الوطن ودور الثقافة في ترسيخها:
** الوحدة كمشروع ثقافي وحضاري:
** الثقافة ورسالتها في نشر قيم الوحدة:
** الثقافة كمشروع اجتماعي:
** هل لثقافتنا الوطنية خصوصية!:
** هنا الخصوصية تكون حافز جذب لا عامل طرد!.
** أخيراً: ماذا تعني ذكرى اليوم الوطني من منطلق ترسيخ الوحدة:
***
بسم الله الرحمن الرحيم
** وحدة الوطن ودور الثقافة في ترسيخها:
* وحدة المملكة لم تُبن على أساس وحدة الأرض وتوحيد شتاتهاالجغرافي فقط بل كان لهذه الوحدة أبعاد ثقافية واجتماعية اتكأت على الثوابت الدينية والوطنية !.
وهذا هو ما جعل هذه الوحدة تترسخ وتستمر بحول الله.
إن الملك عبدالعزيز رحمه الله أدرك هذه الأبعاد وراهن على العلم والمعرفة. ففي ((المربع العلمي))، أعطاه ما يستحقه من اهتمام واحتفاء، بل جعله إحدى أهم أوْلوياته بعد ترسيخ ركائز الأمن.
لقد كانت أولى خطواته خلال التوحيد وبعد استكمالها أن بدأ ((بتوطين البادية)) وتعليمها وكان هذا أحد أهم منطلقات الوحدة والاستقرار والإسهام في التنمية والحفاظ على الوحدة.
والمسلك التعليمي الآخر: كان إرساله إلى كل بلدة يستردها عالماً يعلّم الناس القراءة والكتابة ومبادئ الدين الحنيف، من منطلق أن المعرفة أس للوحدة ومدماكها الأهم، كما شجع حلقات الذكر والعلم في المساجد والهجر.
ثم بعد استقرار أمره، توجه إلى ميدان ثقافي آخر ألا وهو طباعة أمهات الكتب ونشرها وتوزيعها مجاناً للمزيد من نشر أضواء العلم والمعرفة.
ثم في عهده وعهد أسلافه تواصل المنجز الثقافي عبر المكتبة والمدرسة والمعهد والجامعة والجامع والصالون والمنتدى الثقافي.
***
** الوحدة كمشروع ثقافي وحضاري:
* الاهتمام بالإنسان وتثقيفه أصبح هدفاً استراتيجياً لجميع خطط التنمية الخمسة ومنظومة المشروع السعودي الحضاري.
والحديث عن المنجز الثقافي هو ((طحن للطحين)) إذ أصبحت معالمه على أرض الواقع.
إن فلسفة التنمية بالمملكة قامت على الموائمة بين منارة الجامع، ومنار الجامعة بين زرع سنابل القمح وإقامة فصول المدارس في تناغم جميل كان أحد أهم عوامل الوحدة والاستقرار.
لقد راهن خلفاء الملك عبدالعزيز على أثر وتأثير المعرفة في ترسيخ الوحدة، ونشر الرخاء فأوْلوا العلم كل اهتمامهم، وقد دعم الملك عبدالله حفظه الله على هذا النهج ، فمضى بافتتاح الجامعات وتبنى ودعم مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم، وأطلق الحوار الوطني المعرفي، وأطلق العديد من المؤسسات الثقافية والحضارية.
من هنا بارك المؤرخون المنصفون هذه الوحدة بأبعادها الأمنية والاجتماعية والثقافية والحضارية ولا يملك – المحب لهذا الوطن من زاوية أخرى – إلا أن يطمئن على مسيرة ومنظومة هذا الوطن اتحاداً ونماءً وإنسانا !.
** الثقافة ورسالتها في نشر قيم الوحدة:
* ((ثقافة الناس)) هي التي تستطيع أن تراهنَ عليها الأمم في بقائها ونمائها، وبقدر إتّسام هذه الثقافة بالعمق والشمولية ونشر قيم التسامح، وخطاب التنوير الذي يهدف إلى بناء الأمة وطرد عوامل التمزق!.
((الثقافة))العامل الأساس في أي حراك تنموي أو اجتماعي!.
وهي القادرة على جعل الناس يتفاعلون ويفيدون من أي منجز أو مكسب تنموي !.
ولهذا فإن بناء الإنسان أصبح هو الأصعب لأنه يعني بناء عقله وثقافته ، بينما بناء الحجارة أمرها ميسر، فهي لا تحتاج لأكثر من عوامل مادية.
إن ((اليوم الوطني)) فرصة لتنمية ((الثقافة)) التي قام عليها هذا الوطن: ثقافة تماسك الجبهة الداخلية، ثقافة حب الخير، ثقافة التسامح، ثقافة الحرص على وحدة هذا الوطن، ثقافة حب العمل، لقد كان الملك عبدالعزيز – وهو يقود مسيرة البناء – يردد :((الحزم أبو العزم))!.
وقد صدق.
** الثقافة كمشروع اجتماعي:
* أي مجتمع لديه ثقافة صلبة تستطيع أن تقف سداً أمام اختراق نسيجه الاجتماعي .. ولو حصل التأثير على أفراد، فإنه يبقى أثراً محدوداً لا ينسحب على المجتمع ككل!.
إنك قد تجمع الناس في بناء واحد، أو في موقع واحد لكن إذا لم يكن لديهم ثقافة مشتركة، مؤسّسةٍ على ثوابتهم الوطنية والدينية فإنها لا تستطيع أن تخلق نسيجاً اجتماعياً واحداً.
وسوف أضرب مثلاً على ذلك كثيراً ما يجتمع عدد من السعوديين في مجلس واحد، نجد أحداً منهم من شرق المملكة والآخر من غربها وثالث من وسطها ورابع من جنوبها وتكاد وأنت معهم لا تفرّق بين أحد منهم فكلهم ينتمون إليه دين واحد وراية واحدة.
روى لي أحد الأشخاص أن سمو الأمير سلمان اجتمع في مجلسه مواطنون من مختلف أرجاء المملكة وعندما طالعهم ووجد التناغم بينهم قال سموه: ((إن هذه وحدة المملكة التي يمثّلها هذا المجلس)).
** هل لثقافتنا الوطنية خصوصية!:
* كلمة الخصوصية تشكل التباساَ وريبة، وهي كذلك إذا كانت تعني الانعزال والانكفاء على ثقافة محددة محدودة.
ولكن لهذه الخصوصية – في تقديري – جانباً إيجابياً لا يتقاطع مع رغبة ضرورة الأخذ والتفاعل مع الآخر، وهذا يتم عندما تؤخذ ((الخصوصية))من جانب أنها تعطي لثقافة الوطن تميّزاً أو بالأحرى تفرداً، فأنت تدخل وتستفيد من المنتج الحضاري وتضيف إليه لكنك لا تذوب حضارة الآخر وتنسلخ من قيمك وثوابتك.
واضرب نموذجاً في المشهد الأدبي فعندما يقرأ الآخر غير السعودي كتاباً ثقافياً سعودياً يود كقارئ أن يعرف بعض سمات ومشكلات وتقاليد هذا المجتمع الذي صدر الكتاب عن أحد أبنائه.
** هنا الخصوصية تكون حافز جذب لا عامل طرد!.
وكثير من الأعمال الأدبية العالمية أخذت شهرتها من كونها جسدت سمات المجتمع الذي صدر فيه هذا الكتاب. وأقرب مثال رواية الأديب السوداني الطيّب صالح الشهيرة: (موسم الهجرة إلى الشمال) فمن أسباب انتشارها– تلك السمات التي كشف عنها في المجتمع السوداني من خلال بطلها((سعيد ))!.
** أخيراً: ماذا تعني ذكرى اليوم الوطني من منطلق ترسيخ الوحدة:
* أخلص إلى القول أن: هذه الوحدة لو بُنيت على أساس توحيد الشتات الجغرافي فقط ما كان لها مثل الرسوخ .. ولكن لأن هذا التوحيد الجغرافي صاحبه ولحقه توحيد ثقافي واجتماعي وإنساني كان لهذه الوحدة رسوخها واستمرارها بحول الله.
بقي علينا أن نحافظ عليها ببنائها الوحدوي، وأن نحميها بنسيجها الاجتماعي والثقافي والأمني.
وفي مثل هذا اليوم: ليسأل كل واحد نفسه: ماذا قدمنا خلال العام الماضي من أجل نماء وطنه والحفاظ على أمنه.
وأخيراً أختم بهذين البيتين للشاعر السعودي سعد البواردي عندما قال:
((أحبك يا أرضـي ولســـتِ بخــــيرها
ففي غيرك الأشجار والخصب والفـنن
ولكنك الأغـلى فأنت لي حبيبتي
وأنت لي الـتاريخ والأهـل والوطـن))