logo

Select Sidearea

Populate the sidearea with useful widgets. It’s simple to add images, categories, latest post, social media icon links, tag clouds, and more.
hello@youremail.com
+1234567890

محطات في دروب الحياة والكلمة

حمد بن عبدالله القاضي

حمد القاضي > المحاضرات  > محطات في دروب الحياة والكلمة حمد بن عبدالله القاضي

محطات في دروب الحياة والكلمة

حمد بن عبدالله القاضي

                                                                                                             

 

محطات في دروب الحياة والكلمة
 

 

حمد بن عبدالله القاضي
عـضو مجلس الـشورى السابق
أمين عام مجلس أمناء مؤسسة الشيخ حمد الجاسر الثقافية

***

 

محاور المحطات

 

** إضــاءة:

** الكتابة والمسلّمات التي حرصت عليها:

** مشوار ولحظات :

** خطوات الحرف الأولى:

** الخطوة الأولى : شرارة الحرف :

** الخطوة الثانية:النقلة من الهدوء إلى الحركة:

** سبق صحفي طريف لا أنساه..! :

** موقف كتابي رددت فيه على نفسي :

** موقفان لهما أثر على توجهي الكتابي :

** أمي وفقد الحنان :

** من يفعل الخير لا يعدم جوازيه :

** أنا والشعر وموقف طريف :

** الخطوة الثالثة : خطوة نحو المرحلة الأبهى:

** افتتاحية المجلة وتأجيل الميزانية :

** العنوان والكاتبة التي فتحت صدرها :

** محطة الإسهام عبر القلم:

** جداول والنعيم بين الكلمات واللكمات:

** محطة الكلمة المسموعة والمرئية :

** موقف زيدان والكتابة :

** المؤرخ خالد محمد خالد عندما بكى :

** وأخيراً محطة الشورى :

** محطات ذاتية:

* الوقفة الأولى أشخاص لهم فضل عليّ:

* الوقفة الثانية : الحرف هو الخيار الأفضل :

* الوقفة الثالثة : الكلمة الطيبة والمجاملة :

* الوقفة الرابعة:


  ***

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

** إضــاءة:

 

عندما حبرت أول حرف للنشر لم أكن أتوقع أن يكون هذا الحرف هو الذي سوف يشكل مسيرة حياتي!

ولكن قدر الله أضحى الحرف قدري.

 

لقد كان ذلك المقال البسيط الذي بعثه أحد أقاربي لإحدى الصحف – وكنت في الصف الأول ثانوي نقطة تحول في حياتي أقول ذلك المقال البسيط لأنه كان كذلك فقد كان عنوانه: ((النجاح وليد العمل والكفاح)) وكان مشوار حياتي متشكلاً ما بين رحيق العطر وحريق العمر ! .

 

وأقف معكم عند بعض المحطات في مشواري مع الكلمة التي تجاذبها الرحيق والحريق معاً في رحلة الحرف الأجمل الذي نقبِّله رواءاً ونقدم عليه جمرا ! .

 

سأحاول ألا ألقي عليكم كلاماً ثقيلاً بسرد انتشائي لكن سأجعل كلماتي ((وقفات مع سيرة حرفي)) أقدمها إليكم عبر دروب سرت بها ومن خلال مواقف عشتها وهي فيها الجميل الممتع ومنها دون ذلك مما هو متعب طرائق قددا.

 

** الكتابة والمسلّمات التي حرصت عليها:

 

دعوني بدءاً أقدم بين يدي هذه المحاضرة إضاءات عن مبدئي وتوجهاتي وثوابتي عندما أصبحت الكتابة هي خيار حياتي الأفضل و ((البوصلة)) التي يتوجه إليها حرفي، وهذه ((المسلمات)) أزعم أو لأقل حرصت على الالتزام بها:

 

* أولاها: قناعتي برسالة الكلمة سواء كانت هذه الكلمة مقروءة أو مسموعة فهي تحمل رسالة، وهذه الرسالة إما أن تكون رسالة خير أو رسالة شر، لكن من يستشعر قيمة هذه الكلمة التي يقدمها إلى الآخرين فإنه يشعر بثقل حمل هذه الأمانة وبخاصة عندما يتذكر وهو يعبر بلسانه، ويحبر بريشته قول الله تعالى: ((ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)).

 

* ثاني قناعتي في مسيرتي مع الكلمة اختيار وتفضيل الأسلوب ((الأرقى)) في توصيل الرسالة التي يرغب الكاتب إيصالها إلى المتلقين!.

 

إن الرسالة قد تصل لكن بأي أسلوب!

إن الأهم هو الأخذ بها، وهذا في تقديري ومن خلال تجربتي المتواضعة – لا يكون إلا باختيار الأسلوب الألطف الذي يربط ما بين عقل الكاتب وقلب القارئ بحبل سري يجعله يستجيب لـه ويتفاعل معه..!.

 

وهذه المسلمة يعضدها أسلوب الأنبياء والمصلحين في دعوتهم، وتبليغ قيمهم، ولهذا أمر الله موسى وهارون – عليهما السلام – لفرعون: ((وقولا لـه قولاً ليناً)) بهدف ((لعله يتذكر أو يخشى)).

 

بل إن اختياري الكلمة الأنسب والألطف لـه بشأن قبول ما تطرحه والله تعالى يقول: ((ولا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا)) مع إن المعنى متضارب ولكن الفرق في أسلوب الخطاب، وهذه غاية كل نبي أو مصلح أو كاتب، بل إن الله سبحانه يقول عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو الرسول الخاتم: ((فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)) فما بالك بنا كبشر.

 

* وثالث هذه المسلمات التي اقتنعت بها وأنا أتماهى مع فضاءات الكلمة: النأي عن متاهات الهوى وتأثيره إن حباً أو كرها.. بل الغاية هو تناول هموم الناس وشجون الحياة بواقعية ، فكلما تناول الكاتب شأناً اجتماعياً قريباً من هموم المتلقين كلما كان الأقرب لهم نحو تحقيق هدف حرفه. أما ((الكتابة النخبوية)) فهي لا تصلح لكافة القراء عامتهم وخاصتهم آحادهم ومجموعهم إنها تحلق في فضاء الكتابة المتخصصة الكتابة الإبداعية أو العلمية.

 

* رابعاً: الكتابة شأن تلقائي أقرب إلى مسألة الإلهام لأن من أصعب الأمور على الكاتب أن يجلس إلى الطاولة ليكتب وعقله لم يتوهج بالفكرة التي تكتبه قبل أن يكتبها!.

 

إن الكاتب تجيئه لحظات لا يستطيع أن يكتب فيها حرفاً..وقد مر هذا على مئات الشعراء والأدباء والكتاب.. وللشاعر الفرزدق عبارة صادقة تقول: ((يأتي عليّ وقت وقول بيت من الشعر أشد عليّ من خلع ضرسي)) وخلع الضرس في وقته عبر آلة حادة تسيل من حولها الدماء، وليس عبر تخدير موضعي يتم فيها خروج الضرس كما يسيل الماء!.

 

* خامساً وأخيراً: الصدق وهو أهم في نظري وهو الفضاء الأهم التي تحلق الكتابة وتتوشح فيه، وكلما كان الكاتب صادقاً كلما كان الأوفر تأثيراً على القراء والأكثر استجابة منهم لما يقدمه وبدون الصدق تضحى الكلمة هباءة في ريح وهلاماً في مدار ودوما ليس النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة.

 

الكلمة وردة وليست جرحاً ((وقولوا للناس حسنا)) لتخرج مخبوء الكلم الطيب وتترك السيئ.. ولهذا يجب على الكاتب ألا يكتب عندما ينفعل أو يغضب.. ليبق السيئ في نفسك لكن ليس على طريقة أبوعثمان المازني عندما أنشد أحدهم شعراً ضعيفاً قال ما رأيك: قال لقد أحسنت بإخراجه فلو أبقيته لأورثك السل.

 

عدم الطموح إلى المادة لتكون غايته شريفة: وقديماً قالوا أدركته حرقة الأدب، وقصة نجيب محفوظ والراقصة فيفي عبده وقولها لـه: ((أنظر ماذا أعطاك الأدب، وماذا أعطاني قلة الأدب)).

 

لكن هذا لا يصير فهو أراح ضميره وكسب الخلود والمادة تفنى.

 

ألم يقل الشاعر السنوسي:

           ((رأس مال الأديب قلب رقيق 
                والصدى من شعوره أرباحه))

 

والراجز يقول: تباً لرزق الكتبة..إلخ.


وبعد:

 

دعوني أتي الآن إلى خطوات حرفي بين متعة الرحيق وأوار الحريق.

 

 ** مشوار ولحظات:

 

أتوقف – معكم – وقفات قصيرة وتأملية أمام بعض المحطات في مشوار حياتي العادية إنجازاً ومسيرة حرفي المتواضعة عطاء، وهي قد لا تستحق الحديث عنها والوقوف عند ضفافها، ولكن كرمكم هو ما سيشفع لي في ذلك، وسأقتصر على الجوانب التي لها علاقة بالكلمة والحرف وسأمزجها ببعض المواقف الجادة والطريفة جذباً لأسماعكم الكريمة.

 

 ** خطوات الحرف الأولى:

** الخطوة الأولى: شرارة الحرف:

 

لقد كان توجهي إلى الكتابة عن طريق الصدفة، فقد كتبت مقالاً في مجلة المعهد العلمي بعنيزة وأنا بالمرحلة المتوسطة، وكان عنوانه ((النجاح وليد العمل والكفاح)) وعند نشره اطلع عليه أحد أقاربي فما كان منه إلا أن تكرم – تشجيعاً لي وليس لأهمية المقال – ببعثه إلى صحيفة ((البلاد)) وتم نشره بصفحة الأقلام الجديدة، وعندما تم نشره ووصلت الصحيفة إلى مدينتي، قرأت المقال وأنا أتوشح بياض الفرح ثم أطلعت عليه العديد من أقاربي وزملائي، ومن فرحي لم أنم تلك الليلة سعادة وانتشاء..!.

 

لقد كان نشر هذه ((المقالة المتواضعة)) بداية اشتعال جمرة الحرف التي حملتها منطلقاً إلى فضاء الكتابة مستشرفاً أن تكون الكلمة ((شمعة)) تنير دربي وشعلة تهدي غيري..ولقد لقيت تحت ((خيمة الكلمة)) الكثير من الوهج والهجير، النار والنور، والورد والرماد، لكن أتوق أن يكون الوهج أكثر من الهجير، والنور أقوى من النار، والورد أكثر من الرماد.

 

** الخطوة الثانية: النقلة من الهدوء إلى الحركة:

 

بعد مجيئي إلى الرياض العاصمة ذات الحركة الصاخبة منتقلاً من مدينتي الهادئة الوادعة، وذلك لأواصل دراستي الجامعية في ((الرياض)) التي تعج بمنابر الثقافة ومقار الصحافة.

 

في الرياض بدأت الخطوة الأهم بممارسة الكتابة الأدبية بين آونة وأخرى، ثم بدأت التعاون مع صحيفة ((الرياض)) محرراً متعاوناً مع الأستاذ عبدالله الماجد في الملحق الأدبي إلى جانب عملي محرراً في صفحات الأخبار المحلية، ثم توقفت فترة خلال دراستي للماجستير، وبعدها بدأت التعاون مع ((صحيفة الجزيرة)) التي انتقلت إليها محرراً ثم كاتباً ثم مشرفاً على ملحقها الثقافي في عهد رئيس تحريرها الأستاذ خالد المالك.

 

** سبق صحفي طريف لا أنساه..!:

 

* أستحضر موقفاً لطيفاً كان مع الأستاذ الصديق علي الشدي، عندما كنت أعمل محرراً متعاوناً صحافياً في صحيفة ((الرياض))، إذ حصل أن غطيت خبر افتتاح وزير العمل والشؤون الاجتماعية آنذاك الشيخ عبدالرحمن أبا الخيل لأقسام جديدة في المركز المهني في الرياض، وكان من ضمنها ((قسم الحلاقة))، وكان أ/ الشدي ممثلاً في هذه المناسبة لصحيفة ((المدينة)) وكان وقتها مسؤولاً في مكتبها في الرياض، وفعلاً أخذنا جميعاً الخبر مع صورة لمعالي الشيخ أبا الخيل وهو على كرسي الحلاقة، وأحد المتدربين يحلق رأسه، وبعد انتهاء المناسبة اتصل بي الأستاذ الشدي ناصحاً بل ومحذراً من نشر هذه الصورة للوزير، من منطلق أن معاليه لن يرضى عنها بل سيغضب منها، إذ كيف أنشر صورة له وهو يحلق أمام القراء، وفعلاً اقتنعت برأيه بل خفت بالأحرى وكنت في بداية عملي الصحفي، ولم أنشر الصورة مع الخبر، فهو أقدم مني تجربة من ناحية، وربما لسذاجة وطيبة فيّ! وعندما خرجت الصحف في اليوم الثاني وإذا ((بالمدينة)) تنشر هذه الصورة، وأما صحيفتي فلم تنشرها، ووجدت وقتها التأنيب من المشرف على الصفحات المحلية، سامحك الله يا أبا عادل الشدي!.

 

** موقف كتابي رددت فيه على نفسي:

 

ظللت سنوات طويلة أجمع بين عملي الحكومي مديراً للعلاقات والإعلام بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية وعملي الصحفي بدءاً من العمل محرراً ثم كاتباً حتى تفرغت للعمل الصحفي عندما أصبحت رئيس تحرير، وخلال عملي الرسمي والصحفي معاً: حصل موقف طريف، فقد كتبت ذات مرة مقالاً رددت أنا عليه مخطئاً ما كتبت..أما كيف؟.

 

كنت مديراً للعلاقات والإعلام بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية على وقت معالي وزيرها الشيخ عبدالرحمن أبا الخيل، وكنت وقتها صحفياً متعاوناً مع صحيفة ((الجزيرة)) وكتبت مقالاً بتوقيع ((مخلص)) أنقد فيه تأخر صرف معاشات مستحقي الضمان الاجتماعي وأشرت إلى تهاون الموظفين بذلك، حيث وقتها غلّبت جانب العطف على إتباع النظام حيث تمنع التعليمات أن ينقد الكاتب الجهة التي يعمل فيها، المهم نشر المقال وكان هناك ملف يعرض على الوزير فيه كل ما ينشر عن الوزارة وكان من ضمنها في ذلك اليوم هذا المقال، فشرح عليه معالي الشيخ أبا الخيل: يُرد على المقال من قبلكم ويبين للكاتب سبب التأخر وتعجل الكاتب بالنقد دون أن يعرف السبب، وجاءني الشرح على المقال فما أن كان مني أن كتبت تعقيباً أرد فيه على نفسي، وأشرت – كما طلب الوزير – إلى تسرع الكاتب بالنقد وانه لا يعرف الأسباب، وموضحاً للكاتب – الذي هو أنا – أنه كان يفترض فيه أن يتصل بأحد مسؤولي وكالة الضمان الاجتماعي أو إدارة العلاقات التي أنا مديرها ليعرف الأسباب قبل الكتابة، وتم إرسال الرد للجريدة وتم نشره ولم يعلم معاليه أن الكاتب الذي حبر المقال هو مدير العلاقات والإعلام في وزارته وقد رد على نفسه بنفسه عقاباً له وردعاً لأمثاله!.

 

** موقفان لهما أثر على توجهي الكتابي:

 

أتوقف هنا عند موقفين أزعم أنهما أثرا في نهجي الكتابي وعلى مسيرة حرفي، هذا الموقفان اللذان أثرا على توجه بوصلة حرفي نحو الشأن الاجتماعي والإنساني معاً:

 

 ** أمي وفقد الحنان:

 

افتقدت أمي وأنا طفل صغير حتى أنني لا أتذكر ملامحها رحمها الله، لقد افتقدتها في أصعب وأغلى مراحل الحياة وهي مرحلة الطفولة، وكيف لا يكون كذلك وقد فقدت برحيلها حنان الأم ورعايتها، وإن كنت حظيت – بحمد الله – ((بأخت)) قدمت لي الرعاية، ولكنها بالتأكيد لم تستطيع أن تعوضني عن مطر حنان الأم، كنت أشعر بالألم عندما يتحدث إليّ الأطفال عن أمهاتهم، ونومهم في أحضانهم، هذه ((الجمرة)) جمرة فقد حنان الأم أيقضت في وديان نفسي ظمأ البحث عن هذا ((الحنان)) في صدور الناس، وقلوب المحبين، ثم أخيراً بين حنايا الحرف الحنون.

 

لقد شكل هذا الغياب مساراً مفصلياً في حياتي وحرفي، لقد توجه مسار حرفي نحو الخطاب الاجتماعي، والطرح الإنساني في محاولة نحو نشر ثقافة الخير والحب لعل حرفي يسهم ولو بقدر محدود في تقليص مآسي الحياة وزرع لمسات الحنان في قلوب الأطفال.

 

 ** من يفعل الخير لا يعدم جوازيه:

 

أما الموقف الثاني فقد كان هو الآخر لـه تأثير على تكريس معظم كتاباتي في السنوات الأخيرة على نشر قيم المروءة والتسامح والعطاء للآخر.

 

هذا الموقف باختصار حدث لي عندما كنت ذات سفر في طريق القصيم متجهاًمن الرياض إلى القصيم، وفي منتصف الطريق  وجدت رجلاً مع أسرته وأطفاله بجانب سيارته ((المتعطلة)) وهو يشير بيده لعل إحدى السيارات تقف لإسعافه ومساعدته على إصلاح سيارته، وقد رأيت أن السيارات التي أمامي مرت من عنده كمرور الصوت لم تقف أو تعبأ بإشاراته، وقد وفقني الله عندما أراد أن يستخدم البديل وجده هو الآخر كذلك لطول عهده عنه، فما كان مني إلا أن أخذت ((إطار سيارته)) وذهبت به إلى ((محطة بنزين)) قريبة وأصلحته، ثم عدت به إليه وساعدته في تركيبه بسيارته ولم يستغرق ذلك سوى وقت قصير، لكنني – علم الله – سعدت براحة كبيرة وأن أودعه وأغادره..!.

 

وسبحان الله بعد حوالي ثلث ساعة لاحظت ارتفاع درجة حرارة سيارتي فجأة، وكنت على مشارف الليل، وعندما نزلت وجدت أن ((السير)) قد انقطع ، ووقفت على قارعة الطريق في مثل موقف ذلك الرجل الذي أسعفته، وقد أشّرت لعدد من السيارات ولكن لم تتوقف، ثم إذا بسيارة تتوقف، والمفاجأة أنها ذات السيارة التي أسعفت صاحبها وإذا به يقبل عليّ مردداً:((سلامات..سلامات))..وأفدته بعطل سيارتي، وبقدر تأسفه على عطل سيارتي فرح برده لجميلي.. وكنت أكثر فرحاً منه ، وسوف أنبئكم بتأويل هذا الفرح.. لقد أخذ هذا الرجل ((سير)) سيارتي ثم ذهب به إلى محل قطع غيار سيارات في إحدى المحافظات القريبة، ثم بعد حوالي ثلث ساعة عاد إلى ومعه سير جديد وقمنا معاً بتركيبه، ولم يتركني حتى ركبت ((راحلتي الحديدية)) – كما يسميها الأديب المازني – وسرت أمامه.

 

هذه الواقعة نبهتني إلى ملاحظة غياب أو بالأحرى تناقص ثقافة الأريحية والإحسان والشهامة، وما أقسى الحياة عندما تغيب المعاني والشيم الجميلة في هذه الحياة، ومهما كانت الأسباب فليست مبرراً لغياب شيمة الإحسان والمساعدة والمروءة، وحصول مواقف محددة تسيء إلى هذه الشيم ولا تحفز على ممارستها لا يعني إلغاءها من قاموسنا وأدبيات تعاملنا مع الآخرين.. و ((لا تنسوا الفضل بينكم)).

 

من هنا أزعم أن هذه الواقعة كان لها تأثير على انحياز شراع حرفي نحو الإسهام في إحياء مثل هذه القيم وتكريس ثقافة المساعدة وبخاصة لدى الأجيال الجديدة.

 

** أنا والشعر وموقف طريف:

 

هناك شأن ربما أتحدث عنه أول مرة ألا وهو: أنني كنت في بداية دخولي عالم الكتابة أنشر بعض القصائد أو كانت كتاباتي تتراوح بين العطاء النثري عبر موضوعات أدبية وثقافية، وبين عطاء شعري.

 

لقد كنت أقول بعض الشعر أو ما أسميه شعراً، وكنت أنشر هذا الشعر باسمي، وأحياناً باسم رمزي اخترته حينذاك لكن وجدتني لا أستمر في نشر الشعر، فقد وجدت أن ما أريده من جيده – كما قال أحد الشعراء – لا يطاوعني، ولا أرغب في نشر شعر ضعيف، لقد وجدت نفسي ((عبر الكلمة النثرية)) انقل من خلال جداولها رؤاي وأفكاري، وأروي من خلالها عطش عواطفي ووجداني.

 

وهنا أذكر موقفاً فيه شيء من الطرافة والحرج فقد نشرت في صحيفة ((الجزيرة)) قصيدة عندما اعتدى اليهود على ((صبرا وشاتيلا)) وكان عنوانها: ((يا ليتني مت قبل هذا)) وأذكر وقتها أن اتصلت بي أختي الكبيرة التي ربتني وكانت في ((عنيزة)) وأنا في ((الرياض))  بعد أن قرأت عليها القصيدة – إذ هي أمية – حفظها الله، فهاتفتني متأثرة باكية مرددة ((فال الله ولا فالك، لا عمرك تحط ها العناوين)).. يالها من محبة نقية وإشفاق مؤثر..!.

 

** الخطوة الثالثة: خطوة نحو المرحلة الأبهى:

 

بعد ((الجزيرة)) انتقلت إلى ((المجلة العربية)) آخر حب لي في عالم الصحافة مديراً لتحريرها بطلب من معالي الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ – رحمه الله – الذي كان مشرفاً عاماً على المجلة العربية ووزيراً للتعليم العالي، وظللت نحو ثلاث سنوات حتى أصبحت رئيساً لتحريرها ، ولكنني بقيت في((الجزيرة)) كاتباً، وهذه المحطة أهم محطاتي الإعلامية والثقافية ، فقد بقيت فيها أغلب سنوات عمري الصحفي وأعطيتها كل ما أستطيع عليه من رؤى إعلامية، ووظفت فيها ما لديّ من خبرات صحفية وأفكار ثقافية.

 

ومن باب الوفاء لابد من أذكر أن الفضل في تطور ((المجلة العربية)) وانتشارها يعود للشيخ الجليل حسن بن عبدالله آل الشيخ – رحمه الله – فقد كان أول مشرف عليها، وكان حريصاً عليها حرصه على أحد أبنائه، ولم يكن مشرفاً عليها فقط، بل أستطيع أن أقول إنه كان الرقم الأهم في تحريرها، فقد كان يعطي الأفكار، ويقترح الصفحات، ويستكتب الكتاب، ويكتب فيها زاوية ثابتة تحت عنوان : ((خطوات على الطريق الطويل)) حتى وفاته، ولقد حظيت وبحق – اهتمام ومتابعة وحرص كل من اشرفوا عليها بعد رحيله من أصحاب المعالي الوزراء الذين أشرفوا عليها.

وبحمد الله، حققت ((المجلة العربية)) مزيداً من خطوات التطوير والانتشار، وأصبحت أحد المنابر الثقافية السعودية أمام القارئ في الداخل والخارج، وتم التواصل مع الأقلام السعودية حتى أصبحت الأقلام السعودية تشكل – بحمد الله– نحو 75 في المئة مع بقاء بعض الأقلام العربية الجيدة بوصف ((المجلة العربية)) تحمل رسالة ثقافية من وطن الثقافة إلى كل الناطقين بالضاد ، وقد ازداد توزيع ((المجلة العربية)) بشكل كبير داخل المملكة وخارجها، وعنيت ببلورة عطاء المرأة السعودية العلمي والأدبي، كما خصها عدد من الرموز الثقافية بكتابة مذكراتهم فيها التي صدرت فيما بعد في ((أسفار)) تتصدر المكتبات، وفي مقدمتهم ذكريات الشيخ حمد الجاسر والأديب السفير أحمد المبارك، والأديب الراحل عبدالله القرعاوي والأستاذ الكاتب عبدالله عمر خياط والأديب الكبير عبدالله الجفري – رحم الله المتوفي منهم، وحفظ من بقي منهم – فضلاً عن إصدارها كتاباً شهرياً مع كل عدد هدية إلى قرائها صدر منه حتى الآن أكثر من (125) كتاباً، وقد صدر بحجم صغير، وإخراج عصري متميز يشجع على قراءته، وهو يتناول إما موضوعاً علمياً أو ثقافياً أو اجتماعياً وقد حقق – بفضل الله – نجاحاً وانتشاراً كبيراً، ولإسناد الفضل لأهله فقد جاءت فكرة الكتاب من معالي د/ خالد العنقري وزير التعليم العالي والمشرف العام السابق على المجلة العربية.

 

وقد امتلكت ((المجلة العربية)) مقراً خاصاً بها في حي الملز بالرياض، ولإرجاع الفضل لأهله فقد كان وراء امتلاك هذا المقر معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر أحد المؤمنين برسالة المجلة العربية وأحد كتابها فقد كان ذلك إبان توليه وزارة التعليم العالي والإشراف العام على المجلة بعد وفاة الشيخ حسن آل الشيخ – رحمه الله.

 

واهتمت ((المجلة العربية)) بالأطفال فأفردت صفحات مستقلة أستشرف – إن شاء الله – أن تتحول إلى ملحق مستقل.

 

وقبل أن أختم مسيرتي بالمجلة العربية.. وكما وعدت في بداية حديثي في إبعاد السأم عنكم، وتطرية هذه المحطات ببعض المواقف التي وإن جاءت طريفة فلها دلالاتها الأخرى.

 

** افتتاحية المجلة وتأجيل الميزانية:

 

لقد حصل هذا في أول عام تم فيه تأجيل ميزانية الدولة التي كانت عادة تصدر كل رجب، ولكن في ذلك العام تم تأجيلها لتكون بشكل شهري بسبب انخفاض وتذبذب أسعار البترول، ولأن المجلة تصدر شهرية وتجهز أغلب موادها قبل حوالي الشهر من صدور العدد، وآخر مادة فيها هي ((افتتاحية العدد)) التي تتم كتابتها عادة قبل خمسة عشر يوماً من صدور المجلة، وعندما صدر عدد رجب كانت افتتاحية العدد عن صدور الميزانية الجديدة، وتضمنها لمشروعات تنموية كبيرة..إلخ، ولكن مجلس الوزراء أعلن في اليوم الأول من شهر رجب ذلك العام عن تأجيل إصدار الميزانية، ووقتها كانت المجلة مطبوعة وجاهزة للتوزيع، وقد أسقط في يدي كيف تعلن ((الحكومة)) تأجيل الميزانية و ((المجلة العربية)) تعلن صدورها، وسوف توزع الآلاف منها داخل المملكة وخارجها، عندها اتصلت على الفور بمعالي الشيخ حسن آل الشيخ وزير التعليم العالي والمشرف العام على المجلة – رحمه الله – أشرح لـه ملابسات هذه ((الورطة)) وأستشيره في إيقاف توزيع العدد ، فما كان منه – غفر الله لـه، إلا أن هدأ من روعي وقال: (( يا ولدي أن تخطئ المجلة بالخير والفأل، خير من أن تخطئ بالشر والتشاؤم، اتكلوا على الله ووزعوا العدد )).. وفعلاً تم صدور العدد، وكنت عند أي اتصال في الأيام الأولى وبخاصة من الشيخ حسن أو من جهة أخرى لها علاقة بالنشر كوزارة الإعلام أو غيرها كنت أضع يدي على قلبي لكن لم تأت أية ملاحظة من أي جهة ما عدا تعليقات طريفة من بعض الأصدقاء والقراء الذين أعرفهم حول إعلان رئيس تحرير المجلة العربية صدور ميزانية الخير التي لم تصدر..!.

 

** العنوان والكاتبة التي فتحت صدرها:

 

أما الموقف الثاني الأكثر طرافة، ففي أحد أعداد المجلة كان هناك حوار ثقافي مع كاتبة سعودية معروفة، وكان العنوان الرئيسي لـه على الغلاف ((الكاتبة فلانة تفتح صدرها لقراء المجلة العربية)) وعندما جاء إلىّ الغلاف لاعتماده قبل الطبع استعرضت صوره وعناوينه، ووقعت على طباعته بالموافقة، وبعد دقائق دخل على مكتبي أحد الزملاء المحررين ومعه الغلاف قائلاً: إن هذا العنوان غير لائق لامرأة وكاتبة.. إذ كيف تفتح المرأة صدرها لقراء المجلة العربية؟ وفعلاً كأني أصحو من حلم، فعندما أجزت العنوان على الغلاف لم أنتبه لهذا المدلول وإلا كيف – أدبياً – تفتح امرأة صدرها لقراء المجلة ، وليس بالمملكة فقط بل لكافة القراء الذين تصل إليهم المجلة في شرق الدنيا وغربها، وأين ذلك ((الصدر)) الذي سوف يتسع لكل هؤلاء، وعندها تم تغيير العنوان إلى ((قراء المجلة العربية يحاورون الكاتبة فلانة))، وهو إن كان أقل تشويقاً فهو – على الأقل – لا يشي بدلالات وقراءات غير لائقة..!.

 

أما المستفاد من هذه التجربة – بعد تجاوز الطرفة – فهي أن الإنسان مهما كان حريصاً فقد يقرأ أحياناً ببصره لا ببصيرته، ولهذا فهو محتاج إلى الآخرين للتنمية أو التصحيح أو التذكير، وكم هو الإنسان ناقص بنفسه، فضلاً على أن المرء بحاجة إلى الآخر لتصويب رأيه وتصحيح خطئه ، وحقاً ((ترى عين ما لا تراه العين الأخرى)) كما يقول المثل.

 

 ** محطة الإسهام عبر القلم:

 

في ميدان الكتابة المستمرة ما زلت ((كويتباً)) أواصل النشر في الميدان الاجتماعي والثقافي، وأقللت من النشر بعد أن أصبحت ناشراً أكثر من كوني كاتباً، فقد كانت لي في السابق زاوية يومية أكتبها في الرياض ثم في الجزيرة، وعنوانها ((جداول)) وظللت أكتبها سنوات طويلة ثم جعلتها زاوية أسبوعية كل يوم سبت في صحيفة ((الجزيرة)) ولي بـ ((المجلة العربية)) مقال الشهري ((مرافئ)) الذي أتواصل به مع قارئ المجلة داخلياً وخارجياً.

 

 ** جداول والنعيم بين الكلمات واللكمات:

 

من المواقف اللطيفة التي مرت علي خلال رحلتي الكتابية، موقف حصل لي بسبب خطأ مطبعي في زاويتي ((جداول))، فلقد كتبت موضوعاً أطالب فيه أمانة مدينة الرياض بإعادة سفلتة بعض الشوارع وتجميلها ووضع أرصفة فيها، وفي نهاية المقال كتبت ((إنني أوجه كلماتي إلى معالي الأستاذ عبدالله النعيم أمين مدينة الرياض، لكن المقال خرج هكذا : أوجه ((لكماتي)).. وأتصل بي العزيز أبو علي قائلاً بشيء من المزح ((أنت ((ياحمد)) اليوم تضارب منتب تكتب)) وسألته كيف؟ ثم أوضح لي ما حصل في مقالي، واعتذرت منه قائلاً: كيف أضارب وأنا كما قال الشاعر:

 

            (( إن في جنبي جسماً لو 
                           توكأت عليه لانهدم ))

 

** محطة الكلمة المسموعة والمرئية:

 

أما فيما يتعلق بالتعاون الإذاعي والتلفزيوني، فقد كانت بداية تعاوني مع الإذاعة في إعداد بعض البرامج الاسبوعية، ثم قدمت برنامجاً يومياً اسمه ((من القلب)) ظل عدداً من السنوات، وحقق بعضاً من النجاح وبخاصة من قبل المستمعين خارج المملكة، ثم ابتدأت التعاون مع التلفزيون، وكان أهم برنامج قدمته ((رحلة الكلمة)) الذي ظل سنوات طويلة، وكنت استضيف فيه أبرز رواد الكلمة في المملكة وعد آخر من رموز الثقافة العربية، ثم بحكم مشاغلي توقفت عن التعاون مع الشاشة في الآونة الأخيرة.

 

** موقف زيدان والكتابة:

 

أذكر من الرواد الذين استضفتهم في برنامج ((رحلة الكلمة)) وحصلت معهم مواقف مؤثرة، الأديب الراحل الأستاذ محمد حسين زيدان – رحمه الله – عندما طرحت عليه اتهام بعض القراء لـه بكثرة كتاباته، مما جعل الضعف يدب إليها ، فكان أن أجابني بأسلوب مؤثر بليغ – والعبرة تخنق كلماته ((يا ولدي إنني أكلف نفسي من أجل أن أعلفها، بالتكليف بالكتابة من أجل التعليف للمعدة))، وصمت بعدها متأثراً وصمت – رحمه الله.

 

** المؤرخ خالد محمد خالد عندما بكى:

 

أما الموقف الثاني فهو مع المؤرخ الكبير خالد بن محمد خالد – رحمه الله – عندما كنت أتحدث معه عن حرب الخليج في السنة التي أعقبت تحرير الكويت، وعندها بكى خلال تسجيل البرنامج- وهو الرجل الشامخ القوي – عندما كان يتحدث عن ((الفرقة)) التي سببها العراق في الصف العربي وكان كما هو معروف عنه – رحمه الله- من أكثر العاشقين لأمته وتاريخها، بل هو أوفرهم حزناً على أوضاعها ونقصها من أطرافها.

 

** وأخيراً محطة الشورى:

 

لقد شرفت بالثقة الملكية لأكون عضواً بالشورى، بدءاً من دورته الثالثة 1422هـ ، واخترت في بداية انضمامي إلى المجلس اللجنة الثقافية والإعلامية والشباب في المجلس من واقع تخصصي وتجربتي، إذ عملت عضواً فيها ثم رئيساً لها، ثم عضو فيها، كما انضممت إلى لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب لتنويع تجربتي في أعمال المجلس ولجانه ولاستفادتي أيضاً، وفي محطة الشورى شعرت بمسؤولية أخرى لها منحى غير منحى الحرف.

 

ولن أطيل في وقفتي حول هذه المحطة، فقط أشير إلى أنني عندما كنت في ميدان الكلمة كنت أبدي الرأي وأطرح وجهة النظر، وهذا الرأي أو وجهة النظر تبقى أمر تنظير، قد يؤخذ بها أو لا يؤخذ، لكن في مجلس الشورى الأمر مختلف ، فعندما تطرح رأياً حول نظام أو جهة أو قضية تهم الوطن أو المواطن، أو تقدم مشروعاً أو رؤية تمس مستقبل البلاد وتتعلق بمصلحة الناس وحياتهم، فإن ذلك الرأي أو النظام سيتحول إلى قرار يهم الوطن والمواطن، ومن هنا شعرت بعظم المسؤولية عندما أصبحت عضواً في المجلس، لكن الأهم هنا وهناك أن الوطن هو الهدف الأسمى، سواء عبر جداول الحرف أو مقاعد المجلس.

 

** محطات ذاتية:

 

دعوني هنا أتوقف وقفات قصيرة عند بعض النقاط في حياتي الشخصية والعملية:

 

* الوقفة الأولى أشخاص لهم فضل عليّ:

 

هناك أناس كثيرون لهم عليّ فضل – بعد الله – بدءاً من والديّ – رحمهما الله – أما أبي فقد حظيت برعايته وتربيته ، وأما أمي فقد توفيت وأنا طفل صغير لم أعرفها ، لكن كما أشرت في بداية هذه الورقة أحسب أن لها أثراً كبيراً فيّ ((ككاتب))، فحرماني من حنان أمومتها برحيلها – وأنا طفل صغير – جعلني أبحث عن هذا ((الحنان)) بين مخادع الحرف، وقلوب الناس، ثم حرصت أن أبث هذا الحنان عبر الكلمة في جوانح القراء.

 

هناك ثلاثة أشخاص كان لهم تأثير وفضل عليّ يقتضي الوفاء الإشارة لهم:

 

أولهم: معالي الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ – رحمه الله -، فقد تأثرت به إنساناً على خلق كريم، ومسؤولاً مخلصاً في عمله، وقلباً عامراً بالحب للآخرين، ومن باب الوفاء لـه فقد أصدرت عنه – بعد وفاته – كتابي ((حسن آل الشيخ الإنسان الذي لم يرحل)).

 

أما الشخص الثاني فهو: خالي المربي أ/ عبدالرحمن صالح العليان، فقد كان بمثابة أب ثان لي، فقد رعاني في المدرسة التي كان مديراً لها، وكان مشجعاً وحافزاً على الاستمرار في طلب العلم، وعلى المزيد من العطاء وحتى الآن – حفظه الله.

 

وأخيراً معالي د/ عبدالعزيز الخويطر، هذا الرجل الحكيم الذي استفدت كثيراً من التعامل معه، لقد كان لـه نظرة معمقة للحياة وللأشخاص بحكم علمه وتجربته، وقد سعيت إلى اقتفاء أثره، والإفادة منه، والاستنارة برأيه في كثير من الأمور التي احتاج إلى حكيم رأيه فيها.

 

** الوقفة الثانية: الحرف هو الخيار الأفضل:

 

دائماً أسأل نفسي: هل كانت مهنة الحرف هي خياري الأفضل؟ هل لو أنني توجهت إلى منحى آخر هل كنت أضفت إلى مسيرة حياتي أشياء أفيد وأجمل..!.

 

وكنت أجيب نفسي، بل أرى القناعة تتوفر داخل وديانها عندما أذكرها بحقيقتين:

 

الأولى: إن الخير دائماً فيما يختاره الله للإنسان إن عملاً أو عطاء أو مكاناً أو زماناً.

 

والثانية: إنني لو لم أتجه إلى هذا المنحى ربما لم أستطع أن أعطي شيئاً باقياً – على ضآلة ما أعطيت.

 

إن ((الكلمة)) إن كان فيها بعض من العناء فإن فيها الفيض من عافية العطاء، وهي كما وصفتها ذات مقال ((رواء من الرحيق، ونار من الحريق)) لكنها تظل ممتعة في الحالين وإن هي تعبت.

 

ألم يقل الشاعر:

 

          ((وجع الحرف رائع أو تشكو 
                  للعصافير وردة حمراء))

وقد صدق!

 

** الوقفة الثالثة: الكلمة الطيبة والمجاملة:

لدي وصفة قد يراها بعض الناس حسنة، وآخرون على الضد من ذلك، فهنالك من يسميها ((الكلمة الطيبة)) وآخرون يطلقون عليها ((المجاملة)) أما أنا فأقول عنها إنها صفة أعتز بها مهما كان اسمها، ودائماً أقول: أن ترش العطر على الناس خير وأفضل من أن ترميهم بعاتي الكلم أو الحجر، وما أصدق ذلك الشاعر المهجري الرقيق ((زكي قنصل)) الذي قال:

 

        ((وكن بلبلاً تحلو الحياة بشدوه 
              ولا تك مثل البوم ينعق بالردى))

 

** الوقفة الرابعة:

 

هي إيماني أن الحياة لا تستحق أن نكره أحد فيها، فهي أيام محدودة، ومن الظلم لأنفسنا ولغيرنا أن نشغل أنفسنا أو نمضي أوقاتها بالتشاحن أو الحسد أو الظلم أو العدوان على أي إنسان تجاه هذه الفلسفة.

 

إنني أؤمن بما يرويه شاعر الدهور المتنبي:

 

          ((ومراد النفوس أهون من أن
              نتـــعادى فـيــــه أو نتــــفانى))


لقد ارتحت وربما ارحت من خلال أخذي بهذه الفلسفة الحياتية التي أهم مفرداتها / المحبة والتسامح، ألم يقل الحكيم المجرب:

 

          ((لما عفوت ولم أحقد على أحد
               أرحت نفسي من هم العداوات))

 

وبعد:

 

كما قلت لكم – في البدء – هي محطات ومواقف تحدثت إليكم عنها حديثاً مختصراً، خير ما فيه المباشرة والصدق وقد أكون حكيت ما ليس يحكى ولكن – كما يقول ((نزار)) شفيعي طفولتي والنقاء.

 

حفظكم الله أحبة أوفياء.. وإلى الملتقى عبر دروب الحياة والحرف.

 

ختام:

 

           ((هجم السرور عليّ حتى أنه
                 من كثر ما قد سرني أبكاني))

 

إن هذا إحساسي في هذه اللحظات.. إنني – فعلاً – أعيش أجمل هزيمة لقلمي ولساني.

 

فلساني الذي كثيراً ما تحدث إلى الناس عبر ندوة أو شاشة، وقلمي الذي طالما خاطب الناس عبر كتاب أو صحيفة أو مجلة غير قادر في هذه اللحظات على أن ينقل ما يتهادى بين وديان نفسي.

 

إن قلمي الذي حملته طوال السنين الماضية أراه يخذلني الآن بعجزه عن تجسيد أحاسيس امتناني لكم أيها الأحبة فقد غمرتموني بوفر الوفاء وعامر الحب في هذه اللحظات، وما أجمل هذا الخذلان أمام بيارق الحب لا بنادق الكراهية!.

 

إنني هنا أنيب الشاعر الإنكليزي ((شكسبير)) عندما رد على أولئك الذين غمروه بدفء تهانيهم في حفلة نجاح إحدى مسرحياته، إذا قال كلمة جميلة أخاذة ((إنني لا أجد إلا قلبي لأقطف لكم من ورده، ولعل ورده أكثر عبقاً من ورد الأشجار)).

 

وسلام عليكم من رب غفور رحيم .