* * ما بين آونة قصيرة وأخرى يفجعنا الموت برحيل عزيز، أو غياب حبيب، أو فقد خليل!.
ونحن لا نملك إلا أن نلجأ لمحاجر أحداقنا لنسكب أمطار الدموع لعلها تخفف من شجن الفراق وأحزان البعاد!.
قبل أيام رحل صديق عزيز، يربكك بمضيء وفائه وجميل أخلاقه، ونصاعة صدقه ذلكم هو الصديق أ. محمد بن عبدالله بن عثمان التويجري -رحمه الله رحمة واسعة-.
غاب كما الأقمار.. ورحل خلال أيام كما ترحل أغلى الأشياء!.
* * *
* * جاءني خبر مرضه وأنا في مكة المكرمة فهاتفته بالمستشفى وحادثني وكأنه بكامل صحته وتمام عافيته.. لقد كانت أمطار السكينة تنسكب من غيمة اطمئنانه وإيمانه، وودعته عاقداً العزم على زيارته، وبعد عودتي هاتفته مرتين وثلاثاً فلم يرد وهو الذي يبادرك بالرد من أول اتصال فأوجست في نفسي خيفة فاتصلت بمنزله وإذا بإحدى كريماته الفاضلات ترد عليّ فسألتها بلهفة عن والدها وإذا بها تقول لي: إنه مازال بالمستشفى ولكن زيارته غير مسموح بها!.
الله لم يمض على مهاتفتي له سوى (3) أيام، ثم يأتيني الخبر بمنع زيارته!
ثم جاءني خبر رحيله بعد حوالي (5) أيام -رحمه الله رحمة واسعة-.
لقد كان الصديق الفقيد (أبو يزيد) من نوادر الرجال بشهامته ومرؤته وطيبته ووفائه.
* * *
* * كان منهج حياته ونهجها: الصدق.. وكم كان يؤنسنا بأحاديثه في جلساتنا الدورية مع أصدقاء لا يشقى جليسهم، ولقد فقدت مع أحبائهم ثلاثة منهم وهاهو الرابع يلحق بهم، جمعنا الله بهم جميعاً في جنة المأوى.
كأنك -أبا يزيد- بيننا تروي لنا بأسلوبك الجميل حكاياتك.. وما يمر عليك بدنياك وتمزج ذلك بدعاباتك وجميل فكاهاتك، وعذب مُلحك ما كأنك سترحل من أروقة قلوبنا إلى لحد قبرك بهذه السرعة.. بهذه الفجاءة.. ولكن ما يرشّ على قلوب أحبائك: برد الأمن، وجميل الصبر، وهتان الطمأنينة قول خالقنا ومالك أرواحنا – جلّ في علاه: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إلا بإذن الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً .
صدق الله فكل شيء مقدر بالدقيقة ومقنن بالثانية..
فلا ندم ولا حسرة..
ذلك -أبا يزيد- هو ما ينبت أشجار العزاء في أفئدة أبنائك وبناتك وزوجتك وإخوانك وأخواتك وكافة محبيك الكُثر.
* * *
* * لقد رحلت وأبقيت ذكراً عاطراً، وسمعة مضيئة، وعملاً صالحاً بإذن الله.
اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله، اللهم نقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أبدله داراً خيراً من داره وأعذه من عذاب القبر من عذاب النار، اللهم واجمعنا وإياه والغالين علينا في جنة الخلود حين لا موت ولا فراق ولا أسقام فيها.