في الجوف عذوبة الماء وسخاء الإنسان
حمد بن عبدالله القاضي
** ليست هي المرة الأولى التي أزور فيه الجوف، هذه المرة الثالثـــة.. وأجدني في كل زيارة أقترب منهــا.. وأشعــر بالارتياح وأنا أتأرّج ريح عطر أرضها، وأحاور أبناءها الذين تحس أنهم يتناغمون معك بمودتهم وسجاياهم وثقافتهم.. وإذا لم تكن أنت بينهم في جوفهم، فأنت معهم وهم معك وأنت تصادقهم وتعيش معهم أصدقاء وزملاء وأحبة في الرياض الذي يلتقي أبناء وطننا تحت مظلة سمائها الوارفة.
في زيارتي التي قمت بها مع زملاء أعزاء من مجلس الشورى بدعوة كريمة من زملاء (جوفيين) بالمجلس.. في هذه الزيارة التي كانت ودية أكثر منها رسمية، أحسست أنني رأيت (الجوف) أكثر، وعرفت أهلها وثقافتها بشكل أبهى وأجمل بدءاً من سمو أميرها ومروراً بمشائخها وأبنائها وانتهاء بمثقفيها وأدبائها.
الجوف ودود تنثر على زائرها حباً، تماماً كما يفيض عذب مائها تحت أرضها.. وهي منطقة تأبى الجفاف كاخضرار شجرة زيتونها.. وهي (حلوة) بأرضها وناسها كما هي (حلوتها).
(الجوف) رغم تواجد جوانب التنمية والعمران فيها التي لا يخطئها البصر، إلا أنها لا تزال تحتاج إلى المزيد من المشروعات والبنى الأساسية، وبالأخص الخدمات الصحية والبلدية.. ولهذا فهي تتطلع إلى المزيد من النماء في هذا العهد الزاهر.. وبقي أخيراً أن أنقل عتب أبناء الجوف التي تحتضن أرضها و(بسيطاؤها) كبريات المشروعات الزراعية التي أقامتها شركات زراعية عملاقة، لكن هذه الشركات لم تسهم في المشاركة في تنميتها وإقامة بعض المشروعات فيها، أو حتى توظيف أبنائها، وهي التي أقامت مشروعاتها على تدفق مياهها وخصوبة أرضها وترحيب سكانها.
لقد بقيت في الجوف الجميلة يومين مع أحبة زملاء لا يشقى جليسهم.. وقد مر اليومان كما يمر السحاب، ولقد أَنِسنا فيها بزيارة مجالس أهلها الكرماء حد نهاية السخاء.. وسعدنا ونحن ندير أحاديثنا و(سمرنا) على صوت (الربابة) الساحر التي يجرّها بصوته العذب أحد شبانها.
تحية للجوف الأرض والماء والزيتون الإنسان.
***
⦁⦁آخر الجداول⦁⦁
للشاعرة الجوفية ملاك الخالدي من ديوانها (غواية بيضاء):
(هنا يذرفُ الزيتونُ زيتاً كأنهُ
دموع التلاقي بعد أن غابَ واصلُ
هنا في رحاب الجوف تمضي عروقهُ
تضخ مياهً تحتويها الجداولُ
فتنتعش الأرجاء تزجي عبيرها
شفيفاً فيتلوه المدى والسَّنابلُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
● هذا المقال كتبته ونشرته بصحيفة الجزيرة قبل زيارتي الأخيرة للجوف
🍃صحيفة الجزيرة