logo

Select Sidearea

Populate the sidearea with useful widgets. It’s simple to add images, categories, latest post, social media icon links, tag clouds, and more.
hello@youremail.com
+1234567890

الشيخ ناصر الشثري.. طبتَ حيًّا وميتًا.. وأثرٌ عنه إبقاءً لذكره

الشيخ ناصر الشثري.. طبتَ حيًّا وميتًا.. وأثرٌ عنه إبقاءً لذكره

               

 

* * «تبارك الله نمضي كلنا زمراً

نحو المنون ويبقى الواحد الأحد»

تلك هي حقيقة الحياة، لكن ومع يقيننا بذلك، فحين يرحل منا عزيز، فإنه يسكننا الألم، ويتعاظم إذا كان الراحل ممن يموت بموته خلق كثير.

معالي الشيخ ناصر الشثري أبو حبيب -رحمه الله- أحد هؤلاء الذين أحسسنا حين رحل كأن نجماً مضيئاً انطفأ وسحابة خير غادرت وسنبلة عطاء جفّت أوراقها.

الشيخ ناصر مثل هذا النجم وهاتيك السحابة وكتلك السنبلة.

* * *

كان رحمه الله حقلاً من السجايا.

*وفاء للآخرين والأبعدين، ولعل الكثيرين يذكرون قصة وفائه لصديقه الشيخ منصور المالك -رحمهما الله- حين ذهب للعزاء فيه وهو محنيّ الظهر، وقد وهن منه العظم، وكان يُهادى بين جيلين بمشهد مؤثر وهو يمشي بمجلس العزاء.

أما صلته وتواصله مع أقاربه من أسرة الشثري الفاضلة فهو مضرب المثل، وكل واحد يعتبره والداً له -رحمه الله-.

* * *

* أما كرمه بالجاه، فهو كرم جميل عجيب..

لا يرد شافعاً، أو يتردد بصنع معروف أو عمل خير.

أما السخاء بالمال فحدث ولا حرج..

فلا يعتذر عن مساعدة أو بذل مال بوجهه..

فضلاً عن ذلك كان بابه مشرعاً للمحبين والمحتاجين، فلا يخلو بيته من الضيوف والزوار على مائدة غداء أو عشاء.

حبيب إلى الخلان غشيان بيته

كريم المحيّا شبّ وهو كريم

لقد بلغ من سخائه أنه برمضان يقيم مأدبتي إفطار أغلب أيام رمضان؛ واحدة في بيته، والثانية بمزرعته، وكان يقسم وقته بينهما -أكرمه الله بنعيم الجنة-.

* * *

روحه طيبة، وكم يأنس من يجالسه، ويسعد من يزوره بمجالسه بحديثه العذب، وبعلمه الشرعي النافع، وكان يحلّي جلساته بطرف أدبية، يرويها ويحفظها من تراثنا العربي.

* * *

كم سيفتقد المحبون حضوره بمجالسه، وهم يرون كرسيه فارغاً.

«يعزّ عليّ حين أدير وجهي

أحدّق في مكانك لا أراكا»

وكم لي كواحد من محبيه من أحاديث أدب وشعر ومن مداعبة ومؤانسة.. لقد كنت أحرص على زيارته.. لأني أستفيد وأستمتع.

* * *

تواضعه يخجل كل من يعرفه، فعندما يلتقيه أي إنسان يجده بسيطاً بتعامله، يقدّر الكبير والصغير، ويمازح الجميع، لذا تجد حضور منزله أطيافاً من مختلف طبقات المجتمع، ومن أرجاء الوطن كافة.

* * *

أما تواصله فيشغل كثيراً من وقته، وله مساحة كبيرة بقلبه ووجدانه.

كان يعزي بالمتوفين بالذهاب لمنازلهم ببيوتهم، ويذهب لمن يرقدون على الأسرة البيضاء يسرّي عنهم ويدعو لهم.

كان يَسعد ويُسعد بمهاتفة من يكرمه الله بشيء سار عزيز عليه فيبهجه.

لا أنسى حين شرفت بعضوية مجلس الشورى، حيث أقام مناسبة خاصة، دعا لها عدداً من الفضلاء كمعالي رئيس مجلس الشورى، وعدد من كبار المسؤولين، ومن أعضاء الشورى والأحبة -جعل الله الجنة مثواه-.

* * *

الشيخ ناصر الشثري لقى تقدير واحترام ومحبة الناس بدءًا من قادة وعلماء الوطن حتى عامة الناس -بحمد الله- رأى ذلك وهو بينهم.

فلا يدخل مجلساً إلا ويرى سرورهم بحضوره، ولا يتواصل مع امرئ إلا ويلمس محبته، ولا يرى ذوي حاجة إلا ويسمع الدعوات منهم.

الله.. كم سيفقده الكثيرون والأخيار.

* * *

وأخيراً.. تجلّى ذلك الحب الكبير والحزن العظيم حين غادر دنيانا، لقد حزن عليه كل من عرفه أو زامله أو ناله معروفه، ابتداءً من مواقع التواصل الاجتماعي التي فاضت على مدى أيام بتغاريد المحبة وجوامع الدعاء والحديث عن سجاياه ومكارمه. ثم تجلى ذلك بالمقبرة، بحضور ذلك الحشد الكبير، رغم ظروف الجائحة، وقد صلى عليه عديد من الجماعات بالمقبرة، حفزهم على ذلك الوفاء، والدعاء له، وردّ جميله على الكثيرين.

* * *

وآخر مشاهد الوفاء في أيام العزاء، حيث وفد للعزاء به كبار رجال الوطن من أمراء وعلماء ومسؤولين، ومن أقارب وأحباء ومن بسطاء، وبحمد الله كانت مجالس العزاء بمزرعته واسعة، فتحققت بها الإجراءات الصحية رغم كثرة المعزين.

* * *

من نعم الله عليه وقد غادر دار الفناء، أن الشيخ خلّف أبناء وبنات وإخوة وأحفاداً فضلاء، يخدمون دينهم ووطنهم بالحكومة وبالقطاع الخاص، ومنهم طلبة علم كمعالي ابنه الشيخ سعد، وبحول الله يستمر أبناؤه وبناته وإخوته على نهجه بالإخلاص وبالوفاء والتواصل، وزرع المحبة بالقلوب كما كان غاليهم، إبقاءً لذكره واستدامة للدعاء له.

* * *

إنني أتطلع مع محبّيه بنهاية هذ المقال الشجيّ أن يتصدى أبناؤه لتدوين سيرة والدهم بكتاب يبقى، ولتظل سيرته قنديلاً أمام الأجيال وأمام أبنائه وأحفاده وأفراد أسرة الشثري، كيف لا وهي سيرة تعبق بالمكارم والعلم والمواقف التي تستحق الاقتداء بها.

* * *

الدمعة الأخيرة.

«تركتنا يا نقيَّ القلب دامية

قلوبنا من جراحٍ ليس تندمل

أما ترفّقتَ كي تُشفى لواعِجَنا

وترتوي من سنا إشراقكَ المُقَلُ

وكنتَ فينا نقاءَ الرّوحِ مؤتلقاًَ

وطيبةَ القلب لا حقدٌ ولا دَغَلُ».

لعل هذه الأبيات تجسد ألمنا على رحيل حبيبنا كما جسدت مشاعر مبدعها دكتور أحمد التويجري برثاء أحد أصفيائه.

* * *

اللهم إنه نزل عندك وأنت خير مُنزِل له، وقد أصبح فقيراً إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه.

اللهم أكرمه بعفوك وآنسه بقبره.

اللهم إنه ورد بابك وأناخ بجانبك فجُدْ عليه بنعيم جنتك وجود إحسانك.

 

🍃صحيفة الجزيرة 1442/11/05هـ