logo

Select Sidearea

Populate the sidearea with useful widgets. It’s simple to add images, categories, latest post, social media icon links, tag clouds, and more.
hello@youremail.com
+1234567890

العلامة أبو عبدالرحمن بن عقيل ومواقف من مسيرته الحياتية والعلمية

حمد بن عبدالله القاضي

حمد القاضي > المحاضرات  > العلامة أبو عبدالرحمن بن عقيل ومواقف من مسيرته الحياتية والعلمية حمد بن عبدالله القاضي

العلامة أبو عبدالرحمن بن عقيل ومواقف من مسيرته الحياتية والعلمية

حمد بن عبدالله القاضي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

محاور المحاضرة

 

 

** معركة التباريح!!
 

 

** مقال أبو عبدالرحمن !!

 

 ** رد على مقال أبو عبدالرحمن!!

 

 

 

 ** قصيدة غازي القصيبي

 

 

** مواقف بين الأديب ابن عقيل والشيخ إبراهيم العنقري والله يكفينا شرّ الثالثة.

 

 

 ** الشيخ العنقري والأديب عقيل والله يكفينا شر الثالثة.

 

 

 

** 1/ خصال عذبة في الشيخ ابن عقيل لكن لعل من أبهاها وأميزها جدية العالم وظُرف الأديب

 

 

 

 

 ** 2/ الشيخ بن عقيل يتحدث كما يكتب

 

 

 ** 3/ كرم العطاء علما ويدا.

 

 **  أختم بهذه القصة قصة كرم لا أغرب منها.
 

 

 ** هذه أحدى قصص كرمه العجيبة.

 

 

***

 

أبداً بمقولة الأديب أحمد حسن الزيات "بعض الناس تحتار ماذا تقول عنه لشح ما لديه وبعضهم تحتار لوفرة ما عنده".

 

لقد احترت عن أي المواقف أتحدث ويأي شخصية له معها ذكريات تروى فهو له علاقة بالفقهاء وبشعراء الفصيح وكذا الشعبي وبالمحققين وعلماء اللغة وقديما أهل الطرب وليس على الله بمستكثر أن جمع العالم في واحد.

 

** معركة التباريح!!

 

لعل أول ما أبدأ به موقف أو "معركة التباريح" التي كان السلاح فيها الحروف والزنابق، وليس الرماحَ والبنادق وأبطالها الشيخ أبو عبدالرحمن ابن عقيل ود.غازي القصيبي رحمه الله، وكاتب هذه الورقة حمد القاضي ثم دخلت أطراف أخرى وتحالفت مع الأوّلين و وتركت الثالث الذي رفع راية الانهزام الجميل.

 

العجيب ان هذه المعركة كان سببها بسيطا جدا كبداية معركة حرب داحس والغبراء إذا بداية شرارتها "الدافئة" "وريقة صغيرة" أرسلتها إلى شيخي أبي عبدالرحمن بن عقيل بعد ان بدأ يتأخر بإرسال مقاله الشهري "شيء من التباريح" بالمجلة العربية، وأصبحنا بحرج خشية تأخر طباعة العدد ثم الإحراج مع المطابع التي بيننا وبينهم عقد أن تصلهم كلِّ ملزمة بيوم محدد، حتى تصدر المجلة بموعدها بداية كل شهر هجري فما كان مني "الله لايسلّطني" إلا ان كتبت وريقة من كلمات معدودة بخط يدي التي ربما أقرؤها لاحقاً وبعدها بدأت "المعركة" التي حظيت متابعة الكثيرين بخاصة عندما دخل ساحها الشاعر الكبير غازي القصيبي بقصيدة لطيفة.

 

لقد بلغت التفاعلات ما كاد يشكل ملزمة كاملة بالمجلة فضلا عن الرسائل والأصداء الأخرى، وكان ذلك قبل سنوات معدودات عندما كان خير جليس الزمان كتاباً وليس في أيامنا هذه خير جليس في الزمان جهازاً.

 

الشرارة الأولى مقال الأديب أبو عبدالرحمن بن عقيل بصحيفة الجزيرة الذي عنوانه:"القاضي وقرار الفصل" ثم أعقبه المتحدث إليكم برده الذي كان عنوانه: "رفقا بنا يا صاحب التباريح" ثم تهادي غازي القصيبي رحمه الله عارضا رماح حرفه بقصيدة عنوانها "السناكيح" ثم توالت الردود التي انتصرت للشيخ على تلميذه رئيس كتبه المجلة العربية كما هي تسمية الشيخ لرؤساء التحرير ولكن الهزيمة كانت هزيمة محببة فعادت "تباريح الشيخ" إلى دارها بالمجلة العربية سالمة من أي جراح أو رماح من آثار المعركة.

 

ودعوني أمتع أسماعكم بمقال الشيخ أبي عبدالرحمن بن عقيل الذي كان بالغ التأثير حتى إنني بعد قراءته ندمت على تلك "الوريقة" التي أرسلتها ندما شديدا.

 

*** 

 

(مقال ابن عقيل) 

 

** التباريح والقاضي وقرار الفصل

 

قال أبو عبدالرحمن في قرار الفصل: منذ خمس سنوات وأنا أعاني أعباء القولون النكدة، وإنها إن شاء الله لمن مكفِّرات الذنوب، فما أحوجني إليها منذ علا ثغرة الميلاد نقيع الشيب.

 

وتحملت أعباء القولون لكثرة همومي، فكثرة الهموم قدر من كثرت رعيته!.

 

ولكثرة مشاغلي، وكثرة المشاغل قدر طويلب علم يريد أن يعرف كل شيئ، ويريد أن يكتب عن كل ما عرف!!.

 

فعندما أعجز عن تحمل مسؤوليتي العلمية يحدث لي تأزم نفسي، وأعباء قولون جسمية.

 

وكثيراً ما يتبع ذلك روائع أدبية تكتب بماء الدموع!.

 

فمرَّة تأزمتُ وأنا طالب بمعهد القضاء العالي فكتبت مقالة:

 

"ليت للبراق عينا"!.

 

وأظنها نشرت بكتابي هكذا علمني ورد زورث.

 

وإلى الآن تغالطني نفسي بأنها من الشعر.. الشعر المنثور، وليس الشعر المبعور (بعر الكبش)!.

 

وتأزمت مرة من أغيلمة الصحافة وخشيت أن يقال عني:

 

السيف أمضى من العصا!!.. فطلقت الصحافة، وكتبت "آن له أن يعجم".

 

وتبارى فنانو الحرف يتجاوبون مع هذا الشعر المنثور كمعالي الدكتور القصيبي، ومعالي الأستاذ الرفاعي.

 

وليس هذا فحسب، بل سمعت أخي الدكتور علي النجعي يلقي كلمتي في أحد برامج السهرة الإذاعية بصوت متهدج ونفس مكلوم.

 

إلا أن قراريَّ الجريئين "ليت للبراق عيناً" و"آن له أن يعجم" لم يصدرا إلا بعد مخايرة وعناء.

 

وهما كقرار الفصل الذي أرسله إليَّ أخي الأستاذ أبو عبدالله حمد القاضي بخط يده في 17/2/1409هـ.. هو قرار بفصلي من المجلة العربية وتجميد تباريحي!!.

 

وإذا كانت نبرة الأستاذ في قرار الفصل باكية فإن تعليلاته كانت لتبريد بعض الأسى.

 

فقد استعان بالله وتجرَّأ على إصدار القرار – كما تجرَّأتُ في قراريّ – بمسوغات منها:

 

أن المجلة تعبت من متابعتي لكي تلتزم بزاويتي.

 

ومنها أن أستاذ الجيل حمد الجاسر غطى ذكرياته بعشرات الحلقات، ولم تكن لي به أسوة حسنة.

 

فيا ابن القضاة، ويا ابن أثقل أمة على الدجال: لو نويت هجري لكان الأمر أسهل، لأنني حينئذ لا أعرف نيتك فأقول:

 

لعل له عذراً وأنت تلوم!!.

 

أما أن تصدر بهجري قراراً: فتلك أول مغامرة وجدانية ترتكبها يا أبا عبدالله، ويحفل بها أدب العواطف.

 

 

وإياك إياك يا أبن القضاة أن تتكل على موروث الثقافة الأدبية فتقول: دم المحب مطلول!!.

 

فلقد حظيت هذه الأيام بشعر يحلف بأن دم المحب لا يطل.. كتبته وسمعته بترنم يثب بالقلوب لناصر بن علي السهلي يقول:

 

                       قبل التفرق وقبل الروح تنسلـــي

            وأموت من سبتك وارث لك طلابة

 

إنني أخاف عليك يا أبا عبدالله أكثر من مطالبة!.

 

سيقول لك مثلاً قلبك حينما تفقد التباريح:

 

                       لــو كـان لـي قلبـان عشـت بـواحد

               وتـركـت قـلبـاً فـي هـواك يـعـذب

 

سيقول لك مثلاً معالي الوالد الدكتور الخويطر: هدع هدع يا ابن القضاة.. أترانا نصبر عن تباريح تصور همومنا، وتبدي ما شغلتنا أعباء الدولة عن صهرجة قنواته!!.

 

قال أبو عبدالرحمن: على أنني كتبت ذلك أيام كان معاليه في كسل قلمي إلا ما جمعه من كتاباته بتوقيع حاطب ليل، أو عن بيبرس وما حوله.

 

أما الآن فقد أعطى القلم مسؤوليته العلمية صحافة وتأليفاً.

سيقول لك مثلاً شاد من النيل – وأنت تعلم كثرة الرسائل التي تصل إليَّ بواسطتك:-

 

                       واذكـــروا صبـــا إذا غـنــى بـكـــم

                شـرب الـدمـع وعـاف الـقـدحــــا

 

ألا ما أقساك أيها الهاجر، وإنما يمنعني من جلدك بقافية عصماء غاضبة قول أبي تمام:

 

                      أمــا الـمـعـانـي فـهـي أبــكــــار إذا

                 نـصـت ولـكـــن الـقـوافـي عــون

 

ثم بربك أيها القاضي هل سمعت تالياً لتباريحي يقول: إلهي زيدت الأرض ثانية!!

 

وأقلقتني يا أبا عبدالله عندما عيرَّتني تلميحاً بالعجز عن مواكبة شيخي ووالدي ومستودع البر بي حمد الجاسر!!.

 

فهل تريد من يافع ينحت من صخر كمعمم يغرف من بحر!!.

 

إن شيخي حمد الجاسر رجل محسَّد جاب أجزاء المعمورة شرقاً وغرباً، ولقي الأحمر والأسود، وشافه عادات الشعوب وثقافاتها، ونقب في خزانات العالم.

 

وعايش تاريخ صقر الجزيرة العربية الملك عبدالعزيز رحمه الله، وترحل في البوادي إماما وقاضياً ومدرساً ومتاجراً ببضاعة تسد الرمق، وأنجاه الله من سرية عزيز الدويش التي لم ينج منها سوى إبراهيم بن عرفج رحمه الله على فرسه.

 

وعندي أحدية من أحد مشايخ البادية يداعبه.

 

وكان عقلاً واعياً، وعيناً بصيرة لماحة، وأذناً حافظة عندما كان العبقري من أدباء جيله من يقول نظماً، أو يشعر بالهجيني والسامر!!

 

وعندما كنت ألعب بالكعاب، وأمسح العرنين بالردن كان الشيخ في دور من يجتر من غاربه فيستذكر محفوظه.

 

فأني – ثم أنى- أن يكون متحي كبحره، وغرفتي كغربه!!.

 

فهذه واحدة فأحفظها عني.

 

ثم إن الشيخ قليل الرعية إلا من محبيه، وأنا كثير الرعية إلا من المعاون.

 

وقد أسلفت لكم أعباء من كثرت رعيته!!.

 

وإذا عاتبتك فإنني أُعتبك بأن التأزم العلمي، وهموم الرعية، والنكد القولوني.. كل ذلك أقعدني عن دروسي بالمسجد والبيت وأجَّلت ذلك إلى عام قابل.

 

وأقعدني كل ذلك عن تدريسي بمعهد الإدارة العامة.

 

وأقعدني كل ذلك عن تدريسي بجامعة الملك سعود.

 

وأقعدني كل ذلك عن برنامجي الإذاعي تفسير التفاسير فأجلت ذلك إلى عام قابل.

 

وهممت بأن أتقاعد من عملي الرسمي بوزارة الشؤون البلدية والقروية فلقيت كريم العطف والبر من رجل العلم والعمل والصمت معالي الوزير الأستاذ إبراهيم العنقري.

 

وتفرغت لأعمال تأليفية كلفت بها من فضلاء أجلاء فمنحتها ما بقي من صحتي وراحتي، وأعطيتها حقها بإذن الله، وإنها على وشك الظهور دفعة واحدة.

 

وغالبت نفسي على الوفاء لجريدة الجزيرة بيومية، وللمجلة العربية بتبريحة.

 

وإنما تأخرت التبريحة هذا الأسبوع فأقمت الدنيا وأقعدتها يا أبا عبدالله، ولم تدر أنني مشغول مع ابني أبي الوفاء علي بن محمد بن عقيل وقد أجريت له عملية في المثانة على إثر عملية في الرأس من حمى شوكية.

 

ولم تدر أن ابني أبا محمد عبدالوهاب بن محمد رُوِّع بصدمة طفل طائش حطم أربع سيارات، وسلم الابن من جروحه وبقيت الروعة في ركبي وجوانحي.

 

ويشهد على ذلك الأستاذ محمد العوين وأظنه ابن بطوطة.

 

وعلى أي حال فإنني آذن لك يا أبا عبدالله بما اقترحته من إيقاف التباريح والاعتذار للقراء.. ولكن لعام واحد فقط لأنني غير قادر على الالتزام خلال هذا العام.

 

وما بعد العام فالزاوية ملكي فقد أحييتها إحياء شرعيِّا، وعرف القاصي والداني حدودها وأبعادها، والله المستعان.

 

وهذا مقال الرد من أبو عبدالله حمد القاضي "الظاهري" كما بسميني الشيخ ابن عقيل إذا رضي عن محبيه أما إذا لم عنهم فهو يجردّهم منه وعنوان مقالي كما أسلفت "رفقا بنا يا صاحب التباريح" والذي نشر بالجزيرة.

 

***  

** (مقال حمد القاضي) 

 

رفقا بنا يا صاحب التباريح..!

 

وقد قابل الأستاذ حمد القاضي "الصياح بصياح"، وعنون مقاله الذي ردّ به عليه بـ: "رفقاً بنا يا صاحب التباريح"، فقال:

 

قال أبو عبدالله حمد القاضي – عفا الله عنه – إن حالات الندم في حياته قليلة جدِّا، فهو يسعى جهده ألا يقول أو يعمل شيئاً يندم عليه، ومع هذا لن يركب حصان الغرور أو الثقة، فهناك حالات ندم عليها في حياته ولعل أقربها تلك الوريقة البيضاء التي تهادت إلى أستاذي الأديب المؤرخ الفقيه أبي عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري التي أطلق عليها خطاب الفصل.

 

ومن أبو عبدالله القاضي حتى يصدر قراراً بفصلك أو بالأحرى حجبك عن قرائك في زاويتك تباريح بمجلتك العربية؟!.

 

فرفقاً يا صاحب التباريح، فصاحبك لا يزال ذا قلب رقيق تأسره النسمة، وتسحره الهمسة، فكيف له بالقسوة، وهو من قوم قال شاعرهم:

 

                       قـدت الـجـحافـل والـبـوارج قــادراً

               مـالـي ضعـفـت فقـادنـي جـفـنـاك

 

وهو لا يزال على ذلك العهد الذي عهدته عليه يوم قلت في النغم الذي أحببته والذي أطعمته للنار أخيراً:

   

                    نحـن قـلـبـان تـيـمـتـنـــا عـهـــــود

           كيف ننسى مــا وثقتــه الجـفـون

 

قال أبو عبدالله القاضي حفظ الله لسانه، وسدَّد سهامه: ما عهدتني إلا عصي الدمع ليس لأن شيمتي الصبر، لكن لأن الدمع الذي ينزف في الصدر ينوب عن الدمع المنسكب على الخد، وهكذا – يا أبا عبدالرحمن – وجدت نفسي في أحدى الحالات التي رأيت فيها دمعة تفر من عيني إلى وجنتي بعد قراءة مقالتك الشجية القرار الأخير التي نشرتها في صفحة اليوميات في هذه الجريدة الأحد الموافق 28/2/1409هـ.

 

 

وأشهد الله قبل أن أشهد العدول أنها أصابت مني مقتلاً، وأعقبتني ألماً وندماً.. ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما كنت خططت تلك الوريقة، ولا بعثت إليك تلك الكليمة، ولكن الحذر لا يغني من القدر.

 

وقد كنت أتشرف أنك بعد قراءتها التمست لتلميذك عذراً على ما سوف يأتي بيانه، ويجيئ تبيانه، ولكن قلبك الظاهري الرقيق – وما أرقّ قلوب الظاهريين – لم يستطع احتمال ذلك العتب، وإن كان جاء من تلميذ في كلمات خفيفة كالحبب، ويظهر أنك يا أبا عبدالرحمن فهمتها على أنها من ظلم ذوي القربى فكانت على قلبك كالحسام المهند.

 

ولعل ما حصل لي معك أحد بلايا مهنة الوراقة وما أكثر بلاويها، وحسبنا نحن الورَّاقين – وأنت رائدهم – أن مهنتهم لا تورق في قلوبهم إلا تعباً!.

 

قال أبو عبدالله القاضي: أما غضبتك عليَّ فلم أحتملها، وأنى لي باحتمالها وأنا الذي استشرف رضاك فكيف أقدر على غضبك؟.

 

وإذا كنت رضيت عليَّ ذات يوم حتى سلكتني في سلك الظاهريين – وكان هذا يعني قمة رضاك علي – فكنت مع الظاهريين الذين رضيت عنهم كالقصيبي غازي، والماجد عبدالله، والصالح أحمد، والظاهريات كالسقاف خيرية، والخزرجي عاتكة.

 

واليوم أراك سللت سيف الغضب، وأبديت ناب العتب، وعسى ألا تكون حالي معك محبَّا قليل حظ، فتكون الحسنات ذنوباً، والمزايا رزايا!.

 

أما بعد: فو الذي نفس أبي عبدالله القاضي بيده ما كتبت لك ذلك الخطاب إلا ليكون فصل الخطاب، لتعود إلى قرائك عاجلاً، كذلك الذي كان عنده علم من الكتاب فأتى بعرش بلقيس إلى سليمان قبل أن يرتد إليه حاجب الأبصار.

 

قال أبو عبدالله القاضي الوراقي (نسبة إلى مهنة الوراقة):

 

لقد أسميت تلك الوريقة بخطاب الفصل، وكيف لأبي عبدالله بشؤون الفصل، وهو الذي لا يعرف إلا واو الوصل، وإن رأيت أن تستفتي في شأن تلك الوريقة: هل هي قرار فصل، أم خطاب وصل، فلنسأل فقيه نظام الخدمة ولوائحه معالي الأستاذ تركي خالد السديري، ولن يضنَّ علينا بالجواب، وبالرد على الخطاب؟.

 

وحدث أبو عبدالله القاضي، طالباً الصفح، وناشداً العفو قائلاً: إن كان في الوريقة إياها كليمة غير موزونة فأولى بأبي عبدالرحمن الصفح، وهو من الكرام الذين إذا قرأوا ستروا القبيح وأظهروا الحسنا، وإن أعقل الناس أعذرهم للناس كما تقول العرب، وأنت من أنت عالماً سمحاً وظاهريَّا دمثاً.

 

أما إذا أصررت على الغياب طوال العام، فإن الشوق إليك سيكون كالضرام، وسوف يلجأ قراؤك إلى أن يأطروك على الكتابة أطراً، ويعيدوك إلى التباريح فوراً، وإن امتنعت فسوف نلجأ إلى صاحبك ومشرفنا أبي محمد عبدالعزيز الخويطر، ولا يعرف الفضل إلا أهل الفضل، وهو الذي ستكون رغبته أمراً، ولا أشك أنك لن تستطيع لطلبه ردًّا.

 

قال أبو عبدالله القاضي حفظ الله لسانه’ وطهَّر أردانه: عندما حدثنا أبو عبدالرحمن غاضباً، للرمح عارضاً، وجب علينا أن نبين له السبب فنقول: إن أبا عبدالله الوراق ما بعث بتلك الوريقة التي أدخلها أبو عبدالرحمن التاريخ إلا بعد أن تعب هو، ونصب زملاؤه في المجلة العربية من كثرة الملاحقة التي كادت أن تصل إلى المطاردة، فمن هاتف بالليل إلى هاتف بالنهار، ومن دار إلى دار، فعندما نتصل في دارتك دارة داوود الظاهر كما أسميتها في حي سلطانة المحروس يجيئنا الرد أنك قد ذهبت إلى دارتك دارة ابن حزم الظاهري، بحي الملز المعمور.

 

وكنا عندما نتصل بك بالشتاء تقول: هذا أوان القر والصر.. وإن اتصلنا بك بالصيف قلت: هذه حمارة القيظ.

 

وعندما نلحف بالسؤال يجيئنا الجواب أن الشيخ وفقه الله بالمسجد يصلي ويسجد، وآونة في دار الإذاعة يسجل التفسير بأسلوبه المميز البصير.

 

وكم مرَّة أخرنا طباعة أحدى الملازم التباريح تدركها، وكم لقينا من عناء التأخير ولوم المطبعة على كثرة التسويف، وكدنا في بعض الأعداد من شدة حرصنا على تباريحك وخشية افتقاد القارئ لها.. كدنا نملأ صفحتك البيضاء بصورة لك محناة لتعبئة مكان الزاوية حتى لا تخرج للقراء خالية.

 

أرأيت الآن حرصنا على هذه التباريح رغم إتعابها لنا؟.

 

ولكننا مع هذا نعتبر تعبها راحة فمثلك من يتعب من أجله، وحسبنا بتقدير الفاضل أبي مازن العنقري لك الذي ثمن علمك وأعمالك وشاقته تباريحك وتغاريدك. 

 

قال أبو عبدالله: ومع كل ذلك لو علمنا عن تلك الأسباب المؤلمة التي شرحتها في مقالتك الشجية لما كتبنا لك سطراً، وما بعثنا لك طرساً، وكنا نلتمس لك عذراً، فقد آلمنا ما شرحته من آلام القولون، ومن أجراء عملية لابنك أبي الوفاء علي، ومن الحادث الذي جرى لابنك أبي محمد عبدالوهاب، ثم قبل ذلك وبعده كثرة الرعية التي أصبح لكل واحد منهم قضية، ولا نملك هنا إلا أن نحمد الله معك على سلامة الأبناء، ونسأل الله أن يخفف عنك من آلام هذا القولون لتعود إلى مجلتك مجلياً، وإلى حلقات مسجدك معلماً، وإلى جامعتك محاضراً، وإلى مستمعيك محدثناً.

 

ثم إلى مجالس محبيك تسعدهم بغزير علمك، وتطري جلساتهم بطرائفك، كمثل تلك الطرفة التي ترويها عن أحد أبناء شقرائك في القديم، عندما كنت تصلي صلاة القيام(1)، وكان يصلي بجانبك رجل أمي سليم النية وكنت كلما سجدت سمعته يدعو مردداً هذا الدعاء: رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني، فلم تستطع عليه صبراً.

 

وحال تسليم الإمام أمسكت به ناصحاً وقائلاً له بأسلوبك

 

اللطيف: كيف تدعو بهذا الدعاء هل أنت زوجة عمران؟(2).

 

وأرشدته إلى الدعوات المناسبة له كرجل لا امرأة.

 

أتراك نسيت هذه الحكايا أم أنسيتها بسبب آلام القولون وهمومه أرجو ألا يكون ذلك كذلك.

 

قال أبو عبدالله عفا الله عنه: إن قراءك يا أبا عبدالرحمن يعرفون أنك فقيه ومؤرخ وكاتب ومفسر وشاعر فصيح لكن أغلبهم لا يعرف أنك

 

شاعر نبطي تلين قصائده عاتي الجبال، وترقص ربات الحجال، وحسبهم أبيات من تلك القصيدة التي سندتها على صديقك راشد الحمدان عندما أردت السفر إلى عزبة أبي صير في مصر المحروسة في غابر السنين التي جاءت فيها أبيات فيها لوعة ابن لعبون، وهيام محسن، والتي قلت فيها:

 

            ما طردت الغـي فــي عز الشبـــاب

                        مير ادعج العينين ضيع لي قداية (3)

            زامـي الـردفـين مـفـلـوج الـعــذاب

                        وإن ضحك لي بالمودة واهنايــه

           وطول الصـدة وليفــي واعــذابـــي

                         وعجل الردة فهو غايــة منـايـــه

 

إلي آخر هذه القصيدة التي تقطر رقة وتذوب شفافية.

 

وآه منكم أيها الظاهريون كم هي قلوبكم رقيقة، وأشعاركم للقلوب مذيبة، ولكنكم – مع هذا، وعلى طريقة شيخكم ابن حزم – فيكم عند الصدع بالحق قوة’ وعند رؤية الباطل جولة وصولة، وكأن شاعرنا العربي يعنيكم ويعنينا معكم عندما قال في بيت جمع فيه ما بين رقة العاشق وقوة الفارس:

             نحـن قـوم تذيـبنـا الأعيــن النجــل

                          غـــيـــر أنا نـــذيـــب الــحـديـــدا

 

والله ما كذب – والذي نفس هذا الكويتب بيده – ورغم كل ذلك أيها الظاهري فإن رقة القلب هذه قد تحولت لديك من خيالات في الشعر والهيام إلى رقة تسكن جوانحك وأنت تصلي في جنح الليل والناس نيام، بعد أن أصبح قلبك معلقاً بخشوع المساجد بعد أن كان مولعاً برقيق القصائد.

 

قال أبو عبدالله القاضي: ولو لم يكن من أمر تلك الوريقة التي أغضبتك إلا أن ظفرنا بمقالتك الشائقة قرار الفصل.. التي هي أقرب إلى الشعر منها إلى النثر، والتي كتبتها بأسلوب هو أدنى إلى هديل الحمام بعد أن أمسكت بطوقه ودثرت قلمك بتغريده.

 

وثاني عوائد هذه الوريقة أنها حققت الهدف، فقد وعدت قراءك بالعودة إليهم في عام قابل وإن كنا وهم لا نستطيع على الصبر عن تباريحك كل هذا الزمان، ولكن إن أصررت فما لنا إلا الصبر حتى ولو تجرعنا الصبر، وستبقى الزاوية ملكك كما قلت في مقالتك، فقد أحييتها إحياء شرعيًّا وعرف القاصي والداني حدودها.

 

ونحن معك في هذا لكن عسى ألا تتدخل وزارة الزراعة في الأمر حيث أنها عندما تمنح إنساناً أرضاً زراعية ثم لا يحييها صاحبها أو يحييها ثم يهجرها فإنها – كما نسمع – تأخذها منه وتمنحها لغيره.

 

ولكن اطمئن فنحن بالمجلة العربية لن نفعلها، فمن لنا نحن غير أبي عبدالرحمن، ومن لنا بتباريح غير تباريحه برَّح الله عنا وعنه كل مكروه.

 

وبعد: نراك بعد هذه المقالة الاعتذارية النابغية قد رضيت.

 

ذلك ما كنا نبغي، فلقد أردنا بهذه المقالة ذات الأسلوب الظاهري أن نستل سخيمة غضبك، ونظفر بصادق عفوك، ونحظى بعاجل أوبتك.

 

ثم جاءت القصيدة التي حسمت المعركة إلا قليلا قصيدة "السناكيح" لغازي القصيبي التي تم نشرها بالمجلة العربية بوصفها أرض المعركة وميدان زاوية تباريح وعندها انتقلت خيول حروف المعركة الناعمة إليها.

 

*** 

** (قصيدة د.غازي) 

 

القصيبي وقصيدة التباريح

 

وتألم الدكتور غازي القصيبي من قرار الفصل، فكتب قصيدة السناكيح، وهي عصماء رنانة من عصماوات الفن الحلمنتيشي الذي يكتبه الشاعر أحمد قنديل رحمه الله.

 

قال معالي الدكتور غازي:

 

        يا ابن القضاة الميامين الجحاجيح

                      من كل شهم كريم الأصل ممدوح   

          أمــا رفقت بشـيـخ شــاعر فــطــن

                       جم المواهب ذي دين وتسبيــــح

          يغوص مـن كل بحر فـي قرارتــــه

                       حتـى لتحسـده كل التمـاسيـــــــح 

         إن رمت فقهاً فإن الفقــه صنعـتــه

                       يجلو المحلى بتفسير وتوضيـــح

          أو رمـت شعراً فذا ديـوانــه حــرق

                        يدمي بدمع من الأعماق مسفوح

          أو رمـت نثراً أتاك النثـر تحسبــــه

                       من رقة النسج نفح البان والشيح

            أو رمــت درسـاً تـراه فـي تـلامـذة

                        إليه قد جلسوا بعــد التراويــــــح

           فكيف يــا أيها القاضـي يبـاغتنـــــا

                      هذا القرار بإلغــاء التباريــــــــح؟!

          إن التبـاريــح للقراء فـاكـهــــــــــة

                       تجلـو عنـاء كتابات السنــاكيــــح

          فيالها شـذراً استـودعت عبــــــــراً

                       مملؤة صوراً توحي بمـا توحـــي

           ويـالهـا نـتـفــاً ريـانــة تـرفــــــــــاً

                        مضيئة شرفاً مثــل المصابيـــــح

            من ذكريات شباب بعضهـــــا مرح

                         وبعضها نابـع من وجــد مجروح

           فيها الفكاهة أخت الجد مـا افترقــا

                        ومن يفرق بيـن الجسـم والـروح؟

          وقلت قد ضقت ذرعاً مــن مطاردة

                         للشيخ ما بين تلك الدور والسوح

         أمــا عــلمت حــمــاك الله أن لـــــه

                           عذراً ويكفيك تعريض كتصريــح

         زغب الحواصل والدنيا وسلسلـــة

                           من الهموم انفراطاً كالمسـابيـــح

                     

              تبغي الكتابة في ميعادهـا عجـــــلاً

                           إن الكتـابــة أنثــى ذات تبريـــــح

      لهــا مزاج غريــب فــي تقلبـــــــه

                          فهل رأيت مزاج النار والريـــــح؟

      جميلـة تتـأبـى حيـن تـطـلـبــهــــــا

                            فؤادها القفل مسلوب المـفـاتيــح

      وحيــن تهجرهــا تأتيـك طائـعـــــة

                          تمشي بشوق ولم تَفضح بتفضيح

       يا ابن القضاة رجاء من أخي مقـة 

                         يزجى إليك ومن أولـى بتنجيــــح؟

       أعـد إلـينــا تباريحــاً نسـر بـهـــــا

                          فربمــا ســر صــب بالتبــاريــــح!

 

 

*** 

** مواقف بين الأديب ابن عقيل والشيخ إبراهيم العنقري والله يكفينا شرّ الثالثة.

 

كانت بين الشيخ بن عقيل والوزير الشيخ إبراهيم العنقري رحمه الله علاقة حميمة امتزجت فيها رابطة العمل مع آصرة الأدب، والشيخ العنقري كان في بداياته شاعرا لكنه ودعه وظل محبا للشعر والأدب ولديه مكتبة أدبية فيها كتب قيمة وارتبط الشيخ ابن عقيل بالشيخ العنقري عندما كان الأول مراقبا لمسلسلات بالتلفزيون العنقري وزيرا للإعلام ثم ترك الأديب بن عقيل هذا العمل على عهد العنقري، ثم عاد التواصل عندما أصبح أبو عبدالرحمن رئيسا النادي الأدبي، وكان الشيخ العنقري خلال عمله وزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية ينوب عن الأمير فيصل بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب رحمه الله خلال غيابه ومرافقته لامه رحمها الله التي كانت تعالح بامريكا وخلال نيابة العنقري ترك ابن عقيل النادي، ثم علاقة العمل الثالثة.

 

وأدع الشيخ بن عقيل يتحدث عن مواقفه طريفة والمحرجة في آن مع العنقري. وقد عنونت مقاله عنها :

 

الشيخ العنقري والأديب عقيل والله يكفينا شر الثالثة.

 

*** 

** (نص مقال بن عقيل) 

 

*** 

** 1/ خصال عذبة في الشيخ ابن عقيل لكن لعل من أبهاها وأميزها

 

** جدية العالم وظُرف الأديب

 

الأديب ابن عقيل من االأدباء النادرين الذين يجمعون بين جدية العالم التي تُروى العقول ولطاقة المجالس التي تُطرب القلوب.

 

** 2/ الشيخ بن عقيل يتحدث كما يكتب

 

هذه خصله نادرة حقا فبعض الأدباء يبهرونك وأنت تقرؤهم ولكنهم يصرفونك عنهم عندما تستمع إليهم.

 

وشيخنا يبهرك بكل الحالات فهو إذا كتب أبدع أسلوبا ووثق علما وأجاد تسلسلا وهو إذا تحدث بموضوع يثيرك طرحا، وبشدك أسلوبا ويضيف إليك مضمونا.

 

*** 

** 3/ كرم العطاء علما ويدا.

 

أختم بهذه القصة قصة كرم لا أغرب منها.

 

الأديب بن عقيل كما هو كريم بعطاء عقله الذي يبذله للناس فلا يبخل عليهم بمعلومة، أو يضن عليهم بعلم، أو يمنع عنهم كتابا.

 

وهو كما هو كريم بعلمه فهو كريم بعطاء يده حتى كأنه ريح مرسله فما رأيته سعيدا يتهلل وجهة فيه فرحا إلا إذا كان هناك ضيوف كثر لديه سواء بدارته "دارة حزم" أو دارته الثانية "دارة داود" وسأروي قصة عجيبة تشي بحرصه العجيب على دعوة الناس إلى منزله.

 

هذه أجدى قصص كرمه العجيبه.

 

مرة دعانا الشيخ إلى منزله مع ضيف لم يجلس معنا، ولم يتحدث إلينا بل أجلسه في مكان أخر من البيت، له مائدة غير مائدتنا حيث لم نر الضيف، ومضيفنا أظنه لم يره وقد خرج ونحن لم نعرف اسمه إلا بعد مغادرته .

 

قد تستغربون ذلك لكن سأنبئكم بما لم تحيطوا به خُبراً.

 

قصة هذه ذلك العزيمة عندما جاءت إلى الرياض الإذاعية المشهورة "كوثر البشراوي" التي كانت تزورنا بالمملكة لعمل لقاءات ثقافية قبل ان تتغير مواقفها وتوجهها وتنتكس على رأسها وقد استجابت لدعوته ودعانا نحن ولم يخبرنا عن اسم الضيف وظلنا نتحدث وننتظر الضيف الذي لم يأت حتى دعانا للعشاء وإذا هو يفيدنا أنها كوثر البشراوي وقد جلست وتناولت العشاء مع أهل ببته فكانت من أعجب العزائم أن تدعو ضيوفا مع ضيف لايراه المدعوون ولكنه كرم ابن عقيل.

 

*** 

هذه أخيراً هناك مواقف كثيرة لي معه، فيها فائدة وفيها طرافة وسواء بالحل أول الترحال.

 

لكن "بعض الربيع ببعض الورد يختصر" كما قال الشاعر عمر أبو ريشة.

 

وسلام عليكم من رب غفور رحيم.