logo

Select Sidearea

Populate the sidearea with useful widgets. It’s simple to add images, categories, latest post, social media icon links, tag clouds, and more.
hello@youremail.com
+1234567890

ابني القاضي بحيائه ووفائه

الشيخ حمد الجاسر

حمد القاضي > مقالات تقدير عن الكاتب  > ابني القاضي بحيائه ووفائه الشيخ حمد الجاسر

ابني القاضي بحيائه ووفائه

الشيخ حمد الجاسر


حفزتني اثنينية الأستاذ عبدالمقصود خوجة وقد عجزت عن المشاركة بالحضور فيها جسمًا، أن لا أكون غائباً فكراً وقلباً، إنها مناسبة أثيرة في نفسي، عزيزة علي، فالمُحُتَفي الشهم الوطني المفضال الشيخ عبدالمقصود، والمحتفَي به الأستاذ السميِ الصحفي الإذاعي البارز في مجال الثقافة الرحب، وما منهما إلا وله في قلبي منزلة مفعمة بالمحبة والإجلال والتقدير، فلا أقل من التعبير عن ذلك بكلمة موجزة.

 

لقد كان من توفيق الله للأستاذ عبدالمقصود أن منحه من العلم والمعرفة، والبسطة في الرزق، ما أدرك به أن غاية المرء في هذه الحياة ما يٌُذكر به من الأعمال الصالحة، وأن أفضلها ما يرفع قدره عند ربه، ويعم بها نفعه بين إخوته، ويبقي ذكره الحسن الذي هو عمر المرء الباقي بعده:

 

       ذكُرُ الفتى عمره الثاني وحاجته

                ماقاته، وفضـــول العيش إشغال  

 

       وإنما المــــرء حـــــديث بعـــــده

فكن حــــديثاً حســـــناً لمـن وعى 

 

ولقد أدرك الشيخ عبدالمقصود أن "الخلق كلهم عيال الله فأحب الخلق إلى الله من أحسن إلى عياله"(3) وأن أوجه النفع كثيرة ومتنوعة، وأفضلها أعمها نفعاً، وأبقاها أثراً، وأخلدها ذكراً، وأدرك – وفقه الله – أن العمل في سبيل (العلم) يجمع تلك الخلال، من هنا اتجه لبذل الوسع للعمل الجاد فيما يتعلق به، ليكون صلة وصل بين مثقفي هذه البلاد، وبين إخوانهم في مختلف الأقطار الإسلامية الوافدين عليها, وذلك بما يقيمه من ندوات التعارف، وبما ينشر من المؤلفات النافعة، بحيث أصبح بأفعاله مثالاً ناصعاً، يبرز واجهة مشرقة للثقافة في بلادنا، وللتعبير عما يتصف به أهلها من كريم الخلال، وحميد الصفات، فقلً أن يزور البلاد علمٌ من أعلام الفكر أو الأدب أو غيرهما إلا ويفتح له قلبه مرحباً به، داعياً إياه لحضور ندوة تضم الصفوة من المثقفين، ولا يبرز أحد من أبناء بلاده في جانب من جوانب المعرفة، إلا سعى للاتصال به، ليضفي عليه من يره وتقديره في (اثنينيته) (*) ما هو جدير به، ولا يعلم بمؤلف نافع بحاجة إلى النشر – مما يطلع عليه – إلا بذل ما يستطيع لذلك، بحيث لا يتسع الحديث إلا للتمثيل – لا للتحديد – عما قام بنشره.

 

أما الحديث عن ابني حمد القاضي فقد عرفت أبرز صفة فيه تلك التي أحاذرها، وأخشى أن تحول بيني وبين التعبير عما أراه مكملاً لما رغبت المشاركة به في هذه المناسبة الكريمة، إنها الصفة التي ليس من المبالغة وصفها بأن بها يتميز الإنسان على غيره، بما تضفيه عليه من الخلال الحميدة، ويكفيها شرفاً وفضلاُ أن سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – حث عليها. وعدها من الإيمان، لقد عرفته بما وصف به الشاعر متمم بن نويرة أخاه مالكا الذي خلد ذكره بمراثيه إذ يقول:

 

 

(فتى كان أحيا من فتاة حيية)

 

 

وإذن فسأوجز الحديث عنه، فلن أتحدث عنه: كيف نشأ وتلقى المرحلة الأولى من تعليمة في مدينة (عنيزة) التي تعد من أول المدن النجدية انفتاحاً على العالم الخارجي، وأقواها صلة به، ولا عن نيله الشهادة الجامعية من (كلية اللغة العربية) في (الرياض)، ولا عن اختياره لنيل شهادة التخصص في الأدب والنقد (الماجستير) لشاعر حجازي من أهل القرن الأول الهجري – يعد من أظرف الشعراء، وهو نصيب بن رباح، وهو من الموالي، ولم يعمد لدراسة شاعر من شعراء قبيلته (تميم) وما أكثرهم!! ولن أتحدث عما تولى من الأعمال العامة التي في مجال اختصاصه، ولا أعماله من مؤلفات ككتاب"الشيخ حسن آل الشيخ الإنسان الذي لم يرحل!!" و"أشرعة للوطن والثقافة" و"مرافئ على ضفاف الكلمة" و"الشاعر نصيب بن رباح: حياته وشعره"، وكلها تبرز كثيراً من ملامح مؤلفها الخلقية، وتعبر عن مقدرة متمكنة لمن تصدى له، ولن أتحدث عن إسهامه في أعداد برامج للتلفاز, ومشاركته فيه ببرنامجه المتميز (رحلة الكلمة)، ذلك البرنامج الذي يعد بحق من أنجح البرامج.

 

ولكنني سأحصر الحديث في جانب واحد عرفته عنه حق المعرفة، خلال مدة تتجاوز عشرين عاماً، وما هي بالقصيرة، لقد كنت أقرأً قبلها بعض كتاباته في الصحف، مما يعالج به بعض القضايا الاجتماعية, معالجة الطبيب الحاذق في فنه، المتمكن من عمله، بحيث يضفي السرور، إن لم يستأصل الداء، وأقف له في بعض ما ينشر على ومضات فكرية في الأدب يستشف منها عمق التفكير، وصدق الإحساس.

 

أما في مجال عمله الصحفي، فمن المدرك بداهة أن الصحافة في بلادنا في أول نشأتها، تسير كسير السفن الشراعية، في سيرها تمخر بحراً مضطرباً بالأمواج العاتية قبل اكتشاف البواخر – ولهذا فهي معرضة لكثير من الأخطار، فالصحفي – إذ ذاك – إن لم يكن كالربان الماهر، الخبير بمسالك ما يجتازه من البحر، متقياً الشعب والمسالك المعرضة للارتطام, ومحاذراُ شدة العواصف، ومتحرياً الأوقات الملائمة للسير، ومحققاً مع كل ذلك – رغبات ركاب السفينة، أوشك على الغرق، وما أكثر أولئك ((ولا ينبئك مثل خبير)).

 

وهكذا الصحفي – في تلك الأيام – إنه كالسائر في مفازة من الأرض, لا دليل يرشده، ولا صوى (علامات) يهتدي بها، فهي كصحراء أبي الطيب

 

        يتلون "الخريت" من خوف النوى

                فيــــها كــما تتــــلون الحــــربــــاء

 

فإذا كانت هذه حالة (الخريت)، الدليل العارف بالطرق، فما بالك بالحديث العهد في سلوك تلك المفازة؟!.

 

لقد كان موقف ابني وقد أمسك بدفة مجلة لها المكانة لدى الدولة، والمنزلة في نفوس مثقفي البلاد وغيرهم ما قل أن تساميها صحيفة أخرى في ذلك، فتمكن من العثار كأقدر الربابنة الذي يصرف السفينة بمهارة وحذق وحكمة، دون تعثر أو توقف، في مدة تزيد على عشرين عاماً (7) وما هي بالقصيرة بالنسبة للعمل الصحفي، لحداثة عهد هذه البلاد بالصحافة، التي مارس العمل فيها ممارسة استفادة وتجارب ناجحة خلال ما كان ينشر له من أبحاث منوعة.

 

إن أبرز صفة للصحفي المخلص في مهنته، الحريص على تحقيق الغاية المتوخاة منها تكمن في أمور: أهمها تقوية الصلة بينه وبين من يمد صحيفته بالمادة الملائمة للغاية التي تسعى الصحيفة لتحقيقها، ثم كسب رغبة أكثر القراء بتقديم ما يتطلعون إليه من قراءة هذه الصحيفة، مما يتلاءم مع نهجها، محاذراً ما استطاع الانحراف عما أنشئت لأجله، ومراعاة ما تجب مراعاته مما يخشى منه من تعثر أو خروج عن النهج المرسوم لسير تلك الصحيفة.

 

لقد كان الأستاذ القاضي طيلة تلك المدة – ولا يزال – مثال الصحفي المدرك لكل ذلك، ولغيره من متطلبات أعماله الأخرى.

 

ومن هنا فليس من المبالغة القول بأنه حقق من النجاح في عمله حيث أقدم للقيام به بإخلاص وصدق عزيمة، وتجرد من كل غاية لا تخدم المصلحة العامة، فحقق خلال تلك المدة ما لم يحققه غيره منذ صدورها في شهر شعبان من عام 1395هـ (آب 1975م) حيث وفر لها من الإمكانات في أول إنشائها ما هو معروف، إذ كانت تصدر في (بيروت) ويتولى الإشراف عليها، ورئاسة تحريرها طيلة ستة أعوام الدكتور منير العجلاني، من مشاهير مثقفي (دمشق).

 

تلك لمحات من جهود الأستاذ القاضي في المجال الصحفي, ولن أسترسل في الحديث عما أحرزه من نجاح في هذا المجال وغيره من المجالات الثقافية الأخرى، فبينكم من هو أعمق مني إدراكا وأوسع اطلاعا, وأقوى صلة به، ومنهم الشهم الوطني المفضال صاحب هذا المنتدى، الذي رآه جديراً بالاحتفاء والتكريم، الذي استبيح إفشاء سر من أسراره، إذ وصفه في كتاب الدعوة التي وجهها إليه لتكريمه: (لقد أطل علينا اسمكم علماً بارزاً، وشلال عطاء ينثر الرواء والألق الوردي على فضاءات المعرفة الإنسانية، فتنساب الكلمة الصادقة المؤمنة برسالتها، وترسو على شواطئ المتلقي نعيماً، وعبقاً تشكل في مجملها نسمة خلعت رداء الحرور، لترطب وجدان أمة أو غلت في طلب العلم، وجعلته يرقى لمستوى الفريضة والعبادة).

 

إنه – أمتعه الله بخير ما يسعد به إنسان في إنسان في هذه الحياة – بكلمته هذه التي ينطبق عليها المثال المشهور (قطعت جهيزة قول كل خطيب)، فاسمحوا لي أيها الإخوة – بكلمة موجزة ذات صلة أعمق وأخص بجانب آخر، حيث عايشت (أبا بدر)، وعرفته عن علم وتجربة في صلاته الخاصة بإخوانه.

 

لقد كان من صفاته (الوفاء) ولئن أوضح مؤلفه "الشيخ حسن آل الشيخ: الإنسان الذي لم يرحل" جانباً من هذا حيث تصدى فيه لإبراز الجانب الإنساني من حياته، وأمامه نواحي أخرى من حياة الشيخ كانت أقوى صلة به بمجتمعه، ولكن القاضي نظر – فيما اتجه للحديث عنه – نظرة من أدرك أن (الوفاء) أقوى أساس ترتكز عليه تصرفات الإنسان الأخرى, وبه تقاس أعماله، وبدونه تتضح غاياته، ومن هنا – ولأن صفة (الوفاء) بهذه النظرة الصائبة – من الأستاذ القاضي – مع ما سبقت الإشارة إليه من أن (الحياء) أبرز صفاته، يتضح أن (مفتاح شخصيته) هاتان الصفتان الكريمتان، فـ (الوفاء) هو التخلق بأنواع الفضائل، وبـ (الحياء) يتم الترفع عن جميع الرذائل، وبهما يستكمل المرء صفة الإنسانية الكاملة، ويحل أسمى منزلة في نفوس إخوانه، لصدقه، وعفة لسانه، ووفائه ومواساته، ونصحه، وتحببه إليهم حتى يصبح – كما قال الشاعر-:

 

          كأنك من كل النفوس مركب

                   فأنت إلى كل الأنام حبــــيـب