logo

Select Sidearea

Populate the sidearea with useful widgets. It’s simple to add images, categories, latest post, social media icon links, tag clouds, and more.
hello@youremail.com
+1234567890

تهادوا تحابوا

د.وسمية عبدالمحسن المنصور

حمد القاضي > منوع  > تهادوا تحابوا د.وسمية عبدالمحسن المنصور

تهادوا تحابوا

د.وسمية عبدالمحسن المنصور

 

** قديما كانوا في نجد يطلقون على الهدية (وَصْل) وكان المُهْدى إليه يستقبل الهدية بقوله (الله ياصل في عمرك) وهو دعاء لطيف يستحقه المهدي وكانوا يقولون (اللي من الصديق يحلي الريق) ولم تكن الهدايا تنتظر مناسبة فالظروف هي التي تعين وقت الهدية كأن يأتيك شيء من حصاد أو تشتري ثوبا من قماش فتخص من تحب ببعضه تشركه معك على أنه (وصل).

 

 

أما المناسبات الاجتماعية فلم تكن الهدايا سمتها وإنما (العانية) وهي من لفظها نوع من المشاركة بالعون المادي لتحقيق غاية التكافل، ولا ينظر إلى ما يقدم على أنه مجرد هدية ولكنها تلبية لحاجة وهو ما تنطق به مناسبات الزواج والميلاد.

 

 

ويتخذ التكافل في المناسبات الاجتماعية صورا أخرى غير الهدايا فهناك الاستعانة بما يؤدي الغرض على نية إرجاعه لملاكه بعد انتهاء المناسبة، وهو ما يعرف بالإعارة. ففي مناسبة كالزواج يستنفر أهل الحي جميعهم فالسجاد يتقاطر من جميع المنازل وفناجين القهوة والأباريق تجمع من المطابخ، وكذلك زينة العروس من الحلي وثوب الزفاف تأتي من جهات مختلفة على سبيل الإعارة. وكلها تصب في مسار المحبة والتكافل، ولها من الأثر أكثر من الهدية التي يتملكها المرء دون حاجة أو يغلفها الزيف والرياء بفرض سياطٍ من مجاملات عصرية كاذبة.

 

 

الهدية بحد ذاتها شيء جميل دافئ يرطب جفاف العلاقات، ويقرب الأرواح ويذكي جذوة الحب وعن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قول الرسول :»تهادوا تحابوا» وقال القرطبي في الجامع لأحكام القران (132/13): «الهدية مندوب إليها، وهي ممّا تورث المودة وتذهب العداوة»، وقال: «ومن فضل الهدية مع اتباع السنّة أنها تزيل حزازات النفوس وتكسب المُهدي والمُهدَى إليه رنة في اللقاء والجلوس». وللهدية أصل لغوي انطلق من إهداء العروس إلى بعلها جاء في لسان العرب» هَدَيتُ العروسَ إلى بعلها هِداء بالكسر والمدّ فهي هَدِي وهَدِيَّة، ويُبنى للمفعول فيقال:

 

هُدِيَت فهي مَهْديّة، وأَهديتها بالألف لغة قَيْس عَيْلان، فهي: مُهداة « ثم أصبح كل تمليك في الحياة بغير عوض هدية.

 

 

تشارك الهدية في الدلالة على كل تمليك في الحياة بغير عوض مفردات أخرى مثل الهبة والعطية   والصدقة وغير أن كلا منها تتلبسه صفة خاصة تميزه وتعزل دلالته فالهبة تكون ممن هو أكبر مقاما لمن هو أقل منه والعطية لا تختص بمناسبة ولا تشحن بالعواطف كالهدية أما الصدقة فدلالتها مغايرة للهدية فهي ما نصت عليه الشريعة بتقنين أبواب مستحقيها، لذا كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ويقال إن لفظ العطية شامل لجميعها وكذلك الهبة.

 

 

عرف المجتمع الإنساني التواصل بالهدايا وفي نص القرآن الكريم مواقف تصرح بها ذلك ما جاء في قصة سليمان مع ملكة سبأ بلقيس، قال تعالى: ?وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ? (النمل:35). وقد امتنع سليمان عليه السلام من قبولها وأمر بردها؛ لأن مناسبة الهدية وملابسات الظروف المحيطة وإرهاصات الحدث القادم وجهت نبي الله سليمان إلى أن يرفض الهدية. وهو بهذا يؤسس مبادئ قبول الهدايا فلا تكون رشوة أو صادرة عن تكبر فلو كانت بلقيس تريد عرض مكانتها والتباهي على سليمان فقد دحضها برده :أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم?36

 

وتبادل الهدايا شائع بين الناس وقد استقبل الرسول هدايا من غير المسلمين وتقبلها فقد أهدى ملك آيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بردًا. وفي (الزاد لابن القيم 1/122): «وأهدى المقوقس ملك الإسكندرية للنبي صلى الله عليه وسلم مارية وأختيها سيرين وقيسرى فتسرى مارية، ووهب سيرين لحسان بن ثابت، وأهدى له جارية أخرى وألف مثقال ذهبًا وغيرها».

 

 

ومن أدبيات الإهداء مراعاة الموازنة بين الاقتدار المادي وقيمة الهدية، ومما يرفع من قيمة الهدية أن تكون ملبية لاحتياجات المهدى إليه وموافقة لطبيعته النفسية وحالته العاطفية وذوقه الشخصي، فلا قيمة أن تهدي عطرا شرقيا كالعود مثلا لمن لا يطيق رائحته بل يصيبه دوار منه، وفد تكون الهدية غالية الثمن لكن من تهدى إليه لا يقدرها كمن أهدت شمعة في إناء من ماركة غالية جدا إلى صديقتها التي بحاجة إلى محفظة ثمنها نصف ثمن تلك الشمعة الذائبة.

 

 

كما يجب مراعاة المستحق للهدية عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله إنّ لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: أقربهما بابًا.

 

 

وشاعت مقولات في الهدايا بعضها صائب وبعضها من الفروض الاجتماعية التي تفارقها الحكمة فمن سديد القول (الهدية بقدر مهديها) فهي رسالة ممن أتت منه، أما القول (الهدية لا تهدى ولا تباع) ففيه تمحك لا أقبله فأحيانا تأتيك هدايا مكررة وأحيانا تكون أنت بغير حاجة إليها وتعرف من يحتاجها ويبحث عنها وأحيانا قد تكون الهدية مما يسبب لك ضررا كأن تهدى حلوى لمن هو مصاب بداء السكري و«تهادوا تحابوا».