logo

Select Sidearea

Populate the sidearea with useful widgets. It’s simple to add images, categories, latest post, social media icon links, tag clouds, and more.
hello@youremail.com
+1234567890

حمد القاضي- الصيف ضيعت المجلة

د. عبدالله محمد الغذامي

حمد القاضي- الصيف ضيعت المجلة

د. عبدالله محمد الغذامي

هناك نكتة سياسية إنجليزية تحذر السياسيين من أخذ إجازات صيفية وهي مبنية على ما حدث في عدد من الصيفيات حيث تغيرت زعامات وصارت انقلابات غير متوقعة والفكرة من قبل هي أن الصيف فصل باهت ولا تقع فيه أحداث جسام ولذا تحلو فيه الإجازات من غير تخوف غير أن الزمن يرسم دائماً مفاجآته الصيفية وهي سبب تلك النكتة السياسية، وهذا ما جرى معي تماماً حيث أخذت إجازتي ولم يكن في نفسي شىء عن المجلة العربية ولا الصديق أبي بدر حمد القاضي، وكم كانت المفاجأة حادة على نفسي مثل حدة انقلاب عسكري أو فيضان جارف أو وباء مثل الحمى القلاعية وهما ما صار في بريطانيا هذا الصيف على غير توقع ولا تحذير، وقد صار لي هذا حيث عدت صافي الذهن من أي كدر إلى أن وقعت عيني على عدد المجلة العربية الأخير وعلى غلافه بيت شعر يصف بكاء المجلة على رئيسها، وهنا انفتحت أبواب الدهشة وكيف صار هذا في صيف غدار غدر بالذاكرة وقلب الصورة وفتح باب السؤال.

كيف لحمد أن يغيب عن صفحات المجلة وهي التي تنفست على يديه…؟ وكيف بنا نقرأ الورقات خالية من روحها وعرابها وصانع حبرها ومفتق كلماتها، ظلت المجلة العربية على مدى ثلاثة عقود وهي تحت مظلة حمد القاضي حتى صار كل منهما علامة على الآخر وهوية له، وماذا يحدث إن فصلت الهوية عن العلامة.. إنك مثل من يصدر صورة مجسمة ولكن بلا وجه.

هكذا بدت لي المجلة العربية كتلة ورقية بلا وجه لأنها بلا حمد، وليس هذا لأن حمداً لا بديل له بل لأن حمداً من الوجاهة واللطف واللباقة والمحبة والوفاء لدرجة تشعر معها أن من هو بهذه الصفات لا يمكن أن يغادر المجلس ولا يمكن أن يغيب ولا يمكن أن تنساه ولا يمكن أن تلتفت ولا تراه.

هو هذا حمد القاضي، صورة لمن تتخيله في خيالك ونموذج لمن تراه بعينك بما أنه وفي وبما أنه ضروري لكل اللحظات.

أعرف حمد القاضي منذ كان فتى صغيراً في المعهد العلمي بعنيزة وقد سبقته بالسن بثلاث سنوات، أعرف بيته وأهله وأعرف سمته وخلقه وأعرف طموحه وثقافته، وأعرف كرم سجيته وصفاء نفسه.

وأعرف حمد القاضي في جوانب لا يعرفها الكثير وهو الجانب الإنساني حيث أشهد على سعيه في الخير للناس وشفاعته للمحتاجين وسعيه لدعم مؤسسات المجتمع من مثل شراء أجهزة طبية لأحد المستشفيات المحتاجة ومن مثل مساندة بعض الأدباء الذين صارت لهم ظروف.

وأعرف حمد القاضي حينما تسلم المجلة العربية من بعد المرحوم الدكتور منير العجلاني وأعرف كيف انتظمت المجلة وكيف أخذت شخصيتها واكتسبت هويتها وكيف التصقت به والتصق بها حتى صارا علامة ثقافية وصيغة إعلامية واضحة التأثير وعميقة الأثر.

ولكن الصيف جاء ليغدر بكل هذا وليغدر بذاكرتنا وليكسر الصورة، وجاءت المجلة تبكي وتتوسل بالدكتور سعد بن عطية الغامدي كي يترجم بكاءها بكلمات مؤثرة تتصدر وجه المجلة وتدخل في قلوبنا كسكين تطعن الذكرى وتحطم الصورة حيث صارت القصيدة خاتمة المجلة مثلما كان أحد أبياتها صدارتها.

في علم الآثار تعلم الناس عن ثقافة من نوع سلبي وهي تحطيم معالم الصورة بحيث يأتي التمثال مكسور الأنف أو اليد أو الوجه، وبحيث تأتي الرسوم مفتتة الأطراف ومشوهة المعالم، ويتم ذلك بأيد عدوانية تعادي كل ما هو ثقافي وجميل، ويمر التاريخ دون أن يعرف الفاعلين لكنه يرى سوءات صنائعهم، وهذا ما جرى للمجلة العربية حين فقدت وجهها ووجيهها وصارت مثل أفروديت وقد فقدت ذراعها، وجاء الحب الأسطوري ناقصاً ومشوهاً، وجاءت الصورة التي تعودت عليها لتقول لك إنك لم تعد أنت فغير عينيك لتعرف غير ما كنت تعرف، ولكن مهما رأيت ومهما غيرت عينيك فهل ستنسى..؟

لا أحد يستطيع أن ينسى حمد القاضي لأنه لا يعطيك فرصة لأن تنساه ولا يترك عينيك لترتكبا هذا الإثم فهو يحصنك بوجوده وبصوته وبكلماته وبروحه الحاضرة دوماً معك في صيفك وفي شتائك وسيظل حمد معنا لأنه لا يعرف الغيبة ولا يعرف الجفاء وما أقساك أيها الصيف وما أقسى ما تفعله فينا وقد بدأت الحراراة الكونية تفعل في الطقس البشري ما تفعل وشملت أعاصيرها المجلة العربية، وهكذا تعصف الأعاصير فتهاجر الطيور لكننا لا ننسى ولن ننسى.

تحية لحمد القاضي في تحولاته كلها وفي صورته المتجددة دوماً وكما بقيت أفروديت على الرغم من أشباح الظلمات التي كسرت ذراعها فإن الصورة الجميلة تبقى والذكرى الثقافية تزداد نمواً وتعالياً وأنت كذلك يا أيها الحمد.

 

جريدة الجزيرة- الاربعاء 23 شعبان 1428   العدد  12760